اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين وعجل فرجهم
والعن عدوهم والمتراضين على عدوهم ومنكري فضائلهم من الاولين والاخرين
السلام على شيعة علي عليه السلام ورحمة الله وبركاته
الحمدلله تعالى رب العالمين ان جعلنا من خدام شيعة علي عليه السلام
ياغياث المستغيثين اغثني بفاطمة وابيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها ادركني
عظم الله اجوركم
أحد الأهداف الرئيسة للتضليل الإعلامي هو المرأة لما تشكل من ثقل اجتماعي وثقافي وتربوي مميز، ولما لها من تأثير في مجمل النسيج الاجتماعي والسياسي والاقتصادي لكل أمة، وخصوصا في حياتنا المعاصرة حيث استطاعت المرأة أن تصل إلى أعلى المناصب في العالم حيث أصبحت رئيسة دولة في العديد من البلدان، وقائد لأكبر معارضة للسلطة السياسية في بلدان أخرى، وذات ثقل اقتصادي بسبب ما تملكه من ثروة ومال في بعض المجتمعات.
لكنها كذلك في مجتمعات متخلفة لا زالت تكافح من أجل أن تقود سيارة، أو تعمل بموظفة كاشيرة، فضلاً عن وصولها لمراتب سياسية أو إجتماعية كبيرة، وهنا تلعب التقاليد والعادات والثقافة المنحرفة دوراً كبيراً في تكبيل المرأة وتقييد حريتها، وقد أصبحت هذه الممارسات تجاه المرأة تحسب على أنها رؤية الدين للمرأة وقضاياها، الأمر الذي أوجد ثقافة التحرر والتي فحواها خروج المرأة عن ثوابت الدين وقيمه كنزع الحجاب والسفور، وهذه المغالطة لعب عليها الإعلام الغربي كثيراً ولعل السبب في ذلك هو النظر للدين من خلال رؤية التيار المتشدد والتكفيري وهم أولئك الذين ينظرون للمظاهر والقشور على أنها كل الدين.
إن الدين ليس ثوباً قصيراً ولحية منسدلة على الصدر بقدر ما هو مجموعة ومنظومة معرفية وقيمية متكاملة، والدين لم يفرق بين المرأة والرجل في المسؤوليات والواجبات والحقوق، إذ "لهن مثل الذي عليهن بالمعروف"[21]، كما يقول الله في كتابه، أما أن يكون الرجل وصياً على عقل المرأة وحريتها وانتزاع حقوقها وتقييد حريتها، فهذا ليس من الدين أبداً، فالدين جعل للمرأة حق التملك والسفر والتعلم والقيادة والمعارضة والتربية وتولي جميع المناصب ما عدا أشياء قليلة جداً ذكرها الفقهاء كالقضاء، وهو أمر لا يتعارض مع كرامة المرأة وحقوقها، لأن التساوي في الحقوق بين الرجل والمرأة لا يعني التشابه بينها فيها.
لكن القاعدة والأصل عند التيار المتزمت والمتطرف هو منع المرأة من ممارسة ما تريد، ليصبح الحرام هو الأصل في التعامل مع قضايا المرأة، وأننا نحتاج إلى البحث في أن ذلك الأمر هل يحق لها ممارسته أو طلبه، وهنا لا يرجع لنصوص وأحكام متفق عليها، بل يرجع للأقوال الشاذة وللعرف والتقاليد ليصدر الحكم من خلال قاعدة سد الذرائع، وكأنها قاعدة حاكمة وليست محكومة بالنصوص والأصول الأخرى من الإباحة والحلية والصحة، وغيرها.
إن هذه الثقافة المتشددة التي تجعل المرأة محصورة بين جدران المنزل، وتنظر إليها كمخلوق أدنى، جعلت شريحة كبيرة من النساء ينظرن لهذا الأمر على أساس أنه رؤية الدين، وهو ما لا يناسب المجتمع المعاصر والمتحضر الذي أصبح هيكله العام مختلف تماماً عن الرؤية التي يسعى المتطرفون الدينيون لتحقيقها في واقعنا، بل أصبح المشروع المتطرف ورؤيته منفرة عن الدين والتمسك به، وهو الأمر الذي استفادت منه واستغلته حركات التحرر النسوية في عالمنا المعاصر.
إن المرأة في دولة الرسول صلى الله عليه وآله وخلافة أمير المؤمنين علي عليه السلام مارست العديد من الأدوار الكبيرة، وكذا في معركة الطف، وكانت دائماً إلى جنب الرجل في كل المواقف، ومن الخطأ اختزال دورها في القضايا المنزلية، وهذا ما فعلته أم البنين فاطمة الكلابية عليها السلام التي خرجت لكل ميادين المجتمع مجاهدة ومعلمة ومربية، ولعل أهم ما قدمته لنا هذه المرأة العظيمة هو نماذج القادة الذين نصروا النهضة الحسينية، وعندما نبحث عما يميز هؤلاء القادة عن غيرهم نرى أنه قوة الإيمان والبصيرة والشجاعة والتضحية من أجل الحق.
وهذه هي الأهداف التي يجب على المرأة المعاصرة أن تركز عليها في عملية التنشأة للأجيال، فليس من الصحيح ما نراه اليوم من قيم تربوية تسعى لتركيز الاهتمام بالشأن المادي والاقتصادي للإنسان فقط دون إعطاء ذلك ضوابط، ليصبح هم الإنسان وهدفه في الحياة هو تحقيق رغباته وشهواته، ولتصبح قيم وثقافة المطربات والمغنيات والممثلات هي ركيزة الرؤية التربوية عند المرأة المعاصرة، ولمعرفة حقيقة ذلك علينا إلقاء نظرة على قاموس الشخصيات التي تحظى بالاهتمام لدى المرأة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، لنرى أن التافهات من مغنيات ومطربات وراقصات وممثلات يتربعن على رأس الاهتمامات المعرفية للمرأة.
وهذا ما تسعى إليه مؤسسات إعلامية تنفق عليها دول غنية وثرية، لتنشئ منظومة إعلامية متكاملة بدءاً من المجلات التي تهتم بشريحة المغنيات والراقصات وغيرهن، إلى القنوات الفضائية الغنائية والإخبارية والتي تتكامل في أدوارها التي تهدف منها تسطيح ثقافة المرأة وتوجيهها لغايات بعيدة عن تربية جيل يحمل هموم الأمة ويسعى لتحقيق تطلعاتها الحضارية.
لكننا لو رجعنا لشخصيات ونماذج المرأة في فكر وعقيدة أهل البيت عليهم السلام، لرأينا أن العظمة الحقيقية إنما تكون من خلال الأهداف العظيمة التي سعت المرأة لتحقيقها، بل وحققتها ورفدت التاريخ بثقافة تجعل الهدف الأسمى والأول رضا الله وطاعته والسير على طريق الحق والتنمية ورفض الظلم والاستبداد والتبعية، ولم يكن قول الناس مهماً بقدر ما كان المهم هو تحقيق ما يريده الله ويأمر به.
وهذا بالذات هو ما يفترض بالمرأة المعاصرة أن تهتم به في تنشأة الأجيال، فليس المهم أن نضمن عيشة مادية رغيدة إذا كان ذلك يقف أمام تحقيق آخرة سعيدة، ولا يعني ذلك أننا يجب أن نترك الدنيا وننزوي عن ملذات الحياة ونعيمها ونعيش حالة البؤس والجوع والفقر، بل علينا أن نسعى لكل ذلك مع جعل العزة والكرامة والحرية والحق أهدافاً وغايات لا نتنازل عنها تحت أي ظرف من الظروف.
ولو نظرنا للعباس عليه السلام وإخوته في كربلاء ورأينا كيف أن الجيش الأموي قد خيرهم بين أمرين:
الأول: أن يعطيهم الطاغية ابن زياد الأمان والمال والحياة الرغيدة في مقابل أن يتركوا سيد شباب أهل الجنة الحسين بن علي عليهما السلام.
الثاني: أن يبقوا مع الإمام الحسين عليه السلام ويتعرضوا للقتل والإبادة التامة.
وهنا تظهر أهمية القيم التربوية ليكون الجواب بدون تردد أن الموت مع الحسين عليه السلام هو الحياة الحقة وهو الخلود والبقاء الأبدي، فعندما بادر الخبيث الدنس شمر بن ذي الجوشن(ت 67 هـ) إلى سيده ابن مرجانه فأخذ منه أماناً لأبي الفضل وأخونه الممجدين، وقد ظن أنه سيخدعهم، ويفردهم عن أخيهم أبي الأحرار، وبذلك يضعف جيش الإمام، لأنه يخسر هؤلاء الأبطال الذين هم من أشجع فرسان العرب، وجاء الخبيث يشتد كالكلب، وقد وقف أمام جيش الحسين عليه السلام، وهتف منادياً:
أين بنو اختنا العباس وإخوته؟
وهبت الفتية كالأسود، فقالوا:
ما تريد يابن ذي الجوشن؟
فانبرى مستبشرا يبدي لهم الحنان المزيف قائلا:
لكم الأمان.
وصاحوا به، وهم يتميزون من الغيظ، فقد لذعهم قوله:
لعنك الله ولعن أمانك، أتؤمننا وابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله لا أمان له.[22]
هنا تظهر ثمرة التربية عندما يخير الإنسان بين العزة والكرامة والحرية، وبين الاستعباد والخنوع والاستلام، ولم يكن ممكناً لأي أم وفتاة أن تربي جيلاً كهذا إذا لم تكن هي قد تشربت هذه القيم النبيلة، ولا يوجد مدرسة وعقيدة تزخر بهكذا قيم كمدرسة النهضة الحسينية وكمدرسة آل البيت عليهم السلام الذين سقطوا بأجمعهم شهداء على مذبح الحرية والكرامة، فمن علي ابن أبي طالب وأبناءه عليهم السلام إلى الأئمة الطاهرين من ولد الحسين عليهم السلام، فكان أن سقط الحسن بن علي العسكري(232هـ ـ 260هـ)عليهما السلام شهيداً وعمرة لا يتجاوز الثامنة والعشرين عاماً، ليرسخوا بذلك هذه القيم التي لا يمكن المساومة عليها.
ونتساءل هل يمكن للمرأة المعاصرة أن تقتدي بأم البنين لتربي جيلاً نهضوياً يحمل مشعل الحرية والكرامة ويسعى لتحقيق حياة حضارية معاصرة قائمة على تلك القيم؟ أم أنها لكي تكون قادرة على ذلك عليها أن تحلل وتقرأ أولوياتها وأهدافها وتعرضها على حياة المرأة العظيمة أم البنين عليها السلام التي لم تتوان أبداً عن نصرة الحسين عليه السلام وتهيئة أبناءها جميعا للتضحية من أجل سيد شباب أهل الجنة، لتكون سلامة الحسين عليه السلام هي الأولوية وليس سلامة أولادها.
يمكن للمرأة المعاصرة أن تصبح كأم البنين عليها السلام فتختار الخلود والسعادة الأبدية على الدنيا الفانية، إذا جعلت أم البنين عليها السلام قدوة حقيقية وذلك من خلال الإتباع والطاعة والاقتداء التام بها، وليس مجرد لافتة ترفعها في مواسم الذكرى ثم تختار طريقاً آخر مخالف تماماً لما غرسته أم البنين عليها السلام وسعت لتحقيقه في حياتها.
إن ذلك يمكن تحقيقه عندما تتعرف المرأة المعاصرة على معارف وعلوم أهل البيت عليهم السلام وتجعلهم قدوة تسير على دربهم، لأن تلك المعارف هي القيم التي حاربتها كل السلطات المستبدة في كل مراحل تاريخنا، وحياتنا المعاصرة، التي تمنع فيها الكثير من السلطات المستبدة الكتاب الشيعي الذي يحمل رؤى أهل البيت عليهم السلام، لأنه يحمل ثقافة وفكراً يحارب الاستبداد ويعري المستبدين، ويوجه الناس لمعرفة قادة الأمة الحقيقيين، وهو ما تراه يؤثر على شعبيتهم القائمة على التعتيم والتضليل الإعلامي الكبير.
نسالكم الدعاء
دمتم برعاية بقية الله
الهي ان لم تبدئني الرحمة منك بحسن التوفيق فمن السالك بي اليك بواضح