(( وَفي وَجْهي لَمَعاتُ بَرْقِ الْقُرْبِ مِنْ آثارِ حِمايَتِكَ ))
والبَرقُ الذي يَلمع في الغيم ، وجمعه بُروق . وفي صفة أَبي إدريسَ: دخلْت مسجد دِمَشْقَ فإذا فتى بَرّاقُ الثنايا؛ وصَف ثناياه بالحُسن والضِّياء (*قوله «والضياء» الذي في النهاية: والصفاء) وأنها تَلْمَع إذا تبسَّم كالبرق، أَراد صفة وجهه بالبِشْر والطَّلاقة؛ ومنه الحديث: تَبْرقُ أَساريرُ وجههِ أَي تلمع وتَسْتَنِيرُ كالبَرْق . بَرق السيفُ وغيره يَبْرُق بَرْقاً وبَرِيقاً وبرُوقاً وبَرَقاناً: لمَع وتَلأْلأَ، والاسم البَريق . ( لسان العرب )
ورد في مناجاة المعتصمين (( وَلا يَليقُ بِمَنِ اسْتَجارَ بِعِزِّكَ اَنْ يُسْلَمَ اَوْ يُهْمَلَ، اِلـهي فَلا تُخْلِنا مِنْ حِمايَتِكَ وَلا تُعْرِنا مِنْ رِعايَتِكَ ... )) ، وحماية الله عز وجل ولطفه تظهر آثارها على المؤمن في مقابل القرب الآلهي للمعبود .
(( مَهيباً بِهَيْبَتِكَ عَزيزاً بِعِنايَتِكَ مُتَجَلِّلاً مُكَرَّماً بِتَعْليمِكَ وَتَزْكِيَتِكَ ))
الهَيْبةُ: المَهابةُ ، وهي الإِجلالُ والـمَخافة. ابن سيده: الـهَيْبةُ التَّقِـيَّةُ من كل شيءٍ . والعَزِيزُ: من صفات الله عز وجل وأَسمائه الحسنى؛ قال الزجاج : هو الممتنع فلا يغلبه شيء ، وقال غيره : هو القوي الغالب كل شيء ، وقيل : هو الذي ليس كمثله شيء . (( متجللاً )) اللهُ الجَليلُ سبحانه ذو الجَلال والإِكرام ، جَلَّ جَلال الله ، وجَلالُ الله : عظمتُه، ولا يقال الجَلال إِلا لله . والجَلِيل : من صفات الله تقدس وتعالى ، وقد يوصف به الأَمر العظيم ، وفي الحديث: أَلِظُّوا بيا ذا الجَلال والإِكرام؛ قيل: أَراد عَظِّمُوه، وجاء تفسيره في بعض اللغات: أَسْلِمُو؛ قال ابن الأَثير: ويروى بالحاء المهملة وهو من كلام أَبي الدرداء في الأَكثر؛ وهو سبحانه وتعالى الجَلِيلُ الموصوف بنعوت الجَلال ، والحاوي جميعَها ، هو الجَلِيلُ المُطْلَق وهو راجع إِلى كمال الصفات ، كما أَن الكبير راجع إِلى كمال الذات، والعظيم راجع إِلى كمال الذات والصفات. وجَلَّ الشيءُ يَجِلُّ جَلالاً وجَلالةً وهو جَلٌّ وجَلِيلٌ وجُلال: عَظُم، والأُنثى جَلِيلة وجُلالة. وأَجَلَّه: عَظَّمه ، يقال جَلَّ فلان في عَيني أَي عَظُم، وأَجْلَلته رأَيته جَلِيلاً نَبيلاً، وأَجْلَلته في المرتبة ، وأَجْللته أَي عَظَّمته . والمُكَرَّم : الرجل الكَرِيم على كل أَحد . ( لسان العرب ) .
من خطب الإمام علي ( عليه السلام ) في عجيب صنعة الكون : (( ثُمَّ فَطَرَ مِنْهُ أَطْبَاقاً فَفَتَقَهَا سَبْعَ سَمَاوَاتٍ بَعْدَ ارْتِتَاقِهَا فَاسْتَمْسَكَتْ بِأَمْرِهِ وَ قَامَتْ عَلَى حَدِّهِ وَأَرْسَى أَرْضاً يَحْمِلُهَا الْأَخْضَرُ الْمُثْعَنْجِرُ وَالْقَمْقَامُ الْمُسَخَّرُ قَدْ ذَلَّ لِأَمْرِهِ وَأَذْعَنَ لِهَيْبَتِهِ وَوَقَفَ الْجَارِي مِنْهُ لِخَشْيَتِهِ وَجَبَلَ جَلَامِيدَهَا وَنُشُوزَ مُتُونِهَا .. )) ( نهج البلاغة ) .
وطلب المؤمن في هذا الشطر للهيبة الممتدة من هيبة الله عز وجل ، والعزّة بعناية المولى جل شأنه ، وتتبعها صفتي الإجلال والإكرام ، إنما يكتسبها المؤمن طلباً من نور صفات الله عز وجل بعد أن أحرز المؤمن حقيقة العبودية في توحيده ووصل لمبتغاه ، رُويَّ في الحديث القدسي : (( عبدي اطعني تكن مثلي، أقول للشيء كن فيكون ، وتقول للشيء كن فيكون .. )) .
ولزوم حصول مثل هذه الصفات للمؤمن بأن يكون ( مُهاباً عزيزاً متجللاً مكرّماً ) هي فعل التعليم من الله عز وجل ، جاء في التفسير ( علّم الإنسان ما لم يعلم ) (( ثم عمم سبحانه النعمة فذكر تعليمه للإِنسان ما لم يعلم فقال : { علَّم الإِنسان ما لم يعلم } وفيه مزيد تقوية لقلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتطييب لنفسه . ( تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) ) ، والتعليم في هذا المقام يتعدد بقدرة الله جل جلاله من حيث الوسيلة وبما هو محدد للمؤمن ومرتبته ودرجة عبوديته وقربه لله عز وجل ، بالإضافة إلى إنتقاء الله عز وجل للمؤمن وتزكيته . بسم الله الرحمن الرحيم (( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً )) [النساء : 49] ، وجاء في تفسيرها (( وبالجملة فالتزكية لله سبحانه حق لا يشاركه فيها غيره, إذ لا يصدر عن غيره إلاَّ من ظلم وإلى ظلم, ولا يصدر عنه تعالى إلاَّ حقاً وعدلاً يقدر بقدره لا يفرط ولا يفرّط, ولذا ذيل قوله: { بل الله يزكي من يشاء } بقوله - وهو في معنى التعليل -: { ولا يظلمون فتيلاً } . وقد تبيّن ممّا مرّ أن تزكيته تعالى وإن كانت مطلقة تشمل التزكية العملية والتزكية القولية, لكنها تنطبق بحسب مورد الكلام على التزكية القولية)) ( تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) ) .
(( واَلْبِسْنى خِلَعَ الْعِزَّةِ وَالْقَبُولِ ))
(( خِلعَ )) والخِلْعةُ من الثياب : ما خَلَعْتَه فَطَرَحْتَه على آخر أَو لم تَطْرَحْه . وكلُّ ثوب تَخْلَعُه عنك خِلْعةٌ؛ وخَلَع عليه خِلْعةً. (( العزّة )) والعِزُّ في الأَصل: القوة والشدة والغلبة . والعِزُّ والعِزَّة: الرفعة والامتناع، والعِزَّة لله ؛ وفي التنزيل العزيز : (( ولله العِزَّةُ ولرسوله وللمؤمنين )) أَي له العِزَّة والغلبة سبحانه . ( لسان العرب) ، والعزة والقبول مطلباً من الصفات الكريمة الشريفة الموجبة لشرف الذات ورفعة الحسب وجلالة القدر بين الناس . وهو لباس الباطن الذي يواري الباطن كله إذ يختلف عن لباس الظاهر الذي يواري سوءة المؤمن الظاهرة للناس .
(( وَسَهِّلْ لى مَناهِجَ الْوُصْلَةِ والْوُصُولِ ))
والمَنْهج هو الطَّريق ، والجمع مناهج ( مقاييس اللغة ) ، والوُصْلة ما اتَّصل بالشيء . قال الليث: كلُّ شيء اتَّصَل بشيء فما بينهما وُصْلة، والجمع وُصَل . جاء في مناجاة المريدين للإمام زين العابدين ( عليه السلام ) (( سُبْحانَكَ ما اَضْيَقَ الْطُّرُقَ عَلى مَنْ لَمْ تَكُنْ دَليلَهُ، وَما اَوْضَحَ الْحَقَّ عِنْدَ مَنْ هَدَيْتَهُ سَبيلَهُ، اِلـهي فَاسْلُكْ بِنا سُبُلَ الْوُصُولِ اِلَيْكَ، وَسَيِّرْنا في اَقْرَبِ الطُّرُقِ لِلْوُفُودِ عَلَيْكَ، قَرِّبْ عَلَيْنَا الْبَعيدَ وَسَهِّلْ عَلَيْنَا الْعَسيرَ الشَّديدَ.. )) .
والمعنى هو طلب العبد من ربّه تسهيل الطرق وتيسير الأمور في الهداية والوصول لله عز وجلّ وهو غاية المؤمن . كما جاء في دعاء عرفة للإمام الحسين ( عليه السلام ) : (( اِلهى هذا ذُلّى ظاهِرٌ بَيْنَ يَدَيْكَ ، وَهذا حالى لا يَخْفى عَلَيْكَ ، مِنْكَ اَطْلُبُ الْوُصُولُ اِلَيْكَ ، َوِبَكَ اَسْتَدِلُّ عَلَيْكَ، فَاهْدِنى بِنُورِكَ اِلَيْكَ )) .