اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من أسباب البعد عن الله تعالى
لا بُدّ أن نُدرك جيّداً أن هنالك العديد من الأعمال الّتي يرتكبها الإنسان فتؤدّي به إلى الطرد من رحمة الله تعالى، والابتعاد عن الله سبحانه، والإقصاء عن ساحة قدسه ولطفه، الأمر الّذي تترتّب عليه عواقب وخيمة في الدنيا والآخرة. منها ما ورد في دعاء أبي حمزة الثماليّ:
1- الاستخفاف بحقّ الله والإعراض عنه
"سيّدي.. لعلّك رأيتني مستخفّاً بحقّك فأقصيتني، أو لعلّك رأيتني معرضاً عنك فقليتني..".
يؤكّد الإمام زين العابدين عليه السلام في هذا المقطع على عظمة مراعاة الحقوق الإلهيّة، والتنبيه على عدم الاستخفاف بها أو الإعراض عن ذكره سبحانه. هذا بالرغم من عجز العبد عن الوفاء بالحقوق الإلهيّة وشكر نعمه، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ حقوق الله جلّ ثناؤه أعظم من أن يقوم بها العباد، وإنّ نعم الله أكثر من أن يحصيها العباد، ولكن أمسوا وأصبحوا تائبين".
ويقول الإمام عليّ عليه السلام: "لكنّه سبحانه جعل حقّه على العباد أن يُطيعوه، وجعل جزاءهم عليه مضاعفة الثواب تفضّلاً منه".
ولذا لا بُدّ للإنسان أن يكون من الذاكرين لله سبحانه والمطيعين له، لما في ذلك من القرب من الله عزَّ وجلَّ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "قال الله تعالى: من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أُعطي السائلين".
وروي أنّ الله أوحى إلى داود عليه السلام: "يا داود، إنّه ليس عبد من عبادي يُطيعني
فيما آمره إلا أعطيته قبل أن يسألني، وأستجيب له قبل أن يدعوني".
وها نحن نقرأ في مناجاة الذاكرين للإمام زين العابدين عليه السلام: "إلهي بك هامت القلوب الوالهة، وعلى معرفتك جُمعت العقول المتباينة، فلا تطمئنّ القلوب إلا بذكرك..".
2- الكذب على الله:
"سيّدي.. لعلّك وجدتني في مقام الكاذبين فرفضتني".
حتماً إنّ من يتّصف بصفة الكذب هو مرفوض ومطرود من ساحة الرحمة الإلهيّة، قال العزيز الجبّار: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ﴾ و﴿إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ﴾
وأوقح الكذّابين من يكذب على الله تعالى: ﴿وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ﴾، و:﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾، ﴿وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾.
ومن ثمار الكذب كما يقول الإمام عليّ عليه السلام: "ثمرة الكذب المهانة في الدنيا والعذاب في الآخرة". وإنّ الكذب يُسوِّد الوجه كما قال تعالى: ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ
كَذَبُواْ عَلَى اللهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ﴾، وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ الكذب يُسوّد الوجه".
هذا بالإضافة إلى أنّ الكذب يؤدّي إلى الحرمان من النِّعم والابتلاء بالفقر، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الكذب يُنقص الرِّزق"، وعن الإمام عليّ عليه السلام: "اعتياد الكذب يورث الفقر".
ونحن نعيش اليوم- للأسف الشديد- أكثر الأزمان الّتي عُرف فيها اعتياد الكذب والغشّ والنفاق بين الناس، بل اختلط فيه الحقّ بالباطل، وأصبح العمل بالحقّ باطلاً والعمل بالباطل حقّاً، وهذا أمير المؤمنين عليه السلام يُحدِّثنا عن هكذا زمان مظلم بالباطل، حينما يقول: "إنّه سيأتي عليكم من بعدي زمان ليس فيه شيء أخفى من الحقّ ولا أظهر من الباطل، ولا أكثر من الكذب على الله ورسوله".
3- عدم شكر الله على نعمه:
"سيّدي.. لعلّك رأيتني غير شاكر لنعمائك فحرمتني".
إنّ نِعَم الله تعالى وجزيل عطائه على الإنسان كثيرة لا تُحصى ولا تُعدّ، بل لا تنقطع ولا تنضب، حتى عن الكافر والناكر لوجود الله وجميل صنعه عليه. ينعم الله على المؤمن والكافر بنعمة النظر والسمع وتنّفس الهواء وغيرها على حدٍّ سواء.
ولكن هل سألنا أنفسنا نحن المؤمنين بالله وبعظيم نعمه علينا، إن كنّا من الشاكرين لله تعالى على هذه النِّعم الجزيلة والعظيمة؟
يقول الإمام الصادق عليه السلام: "في كلّ نفسَ من أنفاسك شكر لازم لك، بل ألف
وأكثر"، وعنه عليه السلام: "ما من عبد إلا ولله عليه حجّة، إمّا في ذنب اقترفه، وإمّا في نعمة قصّر عن شكرها".
وقال عليه السلام: "أوّل ما يجب عليكم لله سبحانه، شكر أياديه وابتغاء مراضيه".
بالتالي لكي تدوم نِعَم المولى عزَّ وجلَّ علينا لا بُدّ أن نقابل نعمه بالشكر والحمد، قال الإمام عليّ عليه السلام: "أحسن الناس حالاً في النِّعم من استدام حاضرها بالشكر، وارتجع فائتها بالصبر"، وعنه عليه السلام: "إذا وصلت إليكم أطراف النِّعم فلا تُنفِّروا أقصاها بِقلّة الشكر"
كتاب مظاهر الرحمة