اللهمّ عرّفني نفسك، فإنّك إنْ لم تعرّفني نفسَك لمْ أعرف نبيّك، اللهمّ عرّفني رسولك، فإنّك إنْ لم تعرّفني رسولك لم أعرفْ حجّتك، اللهمّ عرّفني حجّتك، فإنّك إنْ لم تعرّفني حجّتك ضلَلتُ عن ديني

رسائل الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه للشيخ المفيد

"ما أوذي نبي مثلما أوذيت "

المشرفون: الفردوس المحمدي،تسبيحة الزهراء

صورة العضو الرمزية
جارالزهراء وخادمها
فــاطــمــي
مشاركات: 6297
اشترك في: السبت سبتمبر 12, 2009 6:23 am

رسائل الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه للشيخ المفيد

مشاركة بواسطة جارالزهراء وخادمها »

رسائل الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه للشيخ المفيد

«اللهم كن لوليّك الحجّة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه، في هذه الساعة وفي كل ساعة، وليّاً وحافظاً، وقائداً وناصراً، ودليلاً وعيناً، حتى تسكنه أرضك طوعاً، وتمتّعه فيها طويلاً»

خـروج إمـام لا مــحـالـة ظـــاهـــر يـقـوم عـلى اسم الله بالبركـات يـمـيـز فـيـنـا كـل حـــق وبــاطـــل ويـجزي على النعماء والنقمـات فيا نفس طيبي ثم يانفس فأبشري

للإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه في غيبتيه الصغرى والكبرى رسائل وتوقيعات كثيرة يخاطب فيها عدّة من الشخصيات الشيعية، بالإضافة إلى الرسائل الخاصّة إلى نوّابه، والرسائل الجوابية المرسلة لبعض الأفراد أحياناً، والمؤسف أنّه لم يصلنا شيء من هذه الرسائل إلا عدد محدود!
ولكن تبقى رسائل الإمام عجّل الله تعالى فرجه إلى الشيخ المفيد قدس سره والعبارات التي تضمّنتها حالة فريدة امتازت بها عن رسائله للآخرين، فلم يعهد عن الإمام عجّل الله تعالى فرجه أنّه أثنى على أحد بهذه الصورة كما حصل مع الشيخ المفيد رضوان الله عليه؛ فلو راجعتم كلّ ما وصلنا من عبارات المدح من الإمام الحجّة
صلوات الله وسلامه عليه بشأن جملة من الأفراد ـ باستثناء سفرائه الأربعة الخاصّين، ووكلائه الآخرين(2) ـ قد لا تجدون في كلّ كلمات المديح والتقريظ التي تفضّل بها الإمام بحقّ هؤلاء الأشخاص ما يرتقي لمستوى ما قاله سلام الله عليه بحقّ الشيخ المفيد قدس سره؛ وفي هذا دلالة على المقام الرفيع للشيخ قدس سره عند أهل البيت سلام الله عليهم.
الرسالة الأولى (3)



قال العلاّمة الطبرسيّ رحمه الله: «ذكر كتاب ورد من الناحية المقدسة حرسها الله ورعاها في أيّام بقيت من صفر سنة عشرة وأربعمائة على الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان قدّس الله روحه ونوّر ضريحه، ذكر موصلُه أنّه يحمله من ناحية متّصلة بالحجاز؛ نسخته:
للأخ السديد و الوليّ الرشيد، الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان ـ أدام الله إعزازه ـ من مستودع العهد المأخوذ على العباد


بسم الله الرحمن الرحيم


أمّا بعد؛ سلام عليك أيها الوليّ المخلص في الدين، المخصوص فينا باليقين، فإنّا نحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، ونسأله الصلاة على سيّدنا ومولانا ونبيّنا محمّد وآله الطاهرين، ونُعلمك ـ أدام الله توفيقك لنصرة الحقّ وأجزل مثوبتك على نطقك عنّا بالصدق ـ أنّه قد أذن لنا في تشريفك بالمكاتبة، وتكليفك ما تؤدّيه عنّا إلى موالينا قِبَلك، أعزّهم الله بطاعته وكفاهم المهمّ برعايته لهم وحراسته.
فقف ـ أيّدك الله بعونه على أعدائه المارقين من دينه ـ على ما أذكره، واعمل في تأديته إلى من تسكن إليه بما نرسمه إن شاء الله:
نحن وإن كنّا ثاوين بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين حسب الذي أراناه الله تعالى لنا من الصلاح ولشيعتنا المؤمنين في ذلك ما دامت دولة الدنيا للفاسقين، فإنا نحيط علماً بأنبائكم، ولا يعزب عنّا شي‏ء من أخباركم، ومعرفتنا بالذل الذي أصابكم مذ جنح كثير منكم إلى ما كان السلف الصالح عنه شاسعاً ونبذوا العهد المأخوذ وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون.
إنّا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم، ولو لا ذلك لنزل بكم اللأواء واصطلمكم الأعداء، فاتّقوا الله جلّ جلاله وظاهرونا على انتياشكم من فتنة قد أنافت عليكم، يهلك فيها من حمّ أجله، ويحمى عنها من أدرك أمله، وهي أمارة لأزوف حركتنا، ومباءتكم بأمرنا ونهينا، والله متمّ نوره ولو كره المشركون.
اعتصموا بالتقيّة من شبّ نار الجاهلية يحششها عصب أموية، يهول بها فرقة مهدية، أنا زعيم بنجاة من لم يرمِ فيها المواطن، وسلك في الطعن منها السبل المرْضيّة، إذا حلّ جمادى الأولى من سنتكم هذه فاعتبروا بما يحدث فيه، واستيقظوا من رقدتكم لما يكون في الذي يليه، ستظهر لكم من السماء آية جليّة، ومن الأرض مثلها بالسوية، ويحدث في أرض المشرق ما يُحزن ويُقلق، ويَغلب من بعد على العراق طوائف عن الإسلام مرّاق، تضيق بسوء فعالهم على أهله الأرزاق، ثم تنفرج الغمّة من بعد ببوار طاغوت من الأشرار، ثم يسترّ بهلاكه المتّقون الأخيار، ويتّفق لمريدي الحجّ من الآفاق ما يؤمّلونه منه على توفيرٍ عليه منهم واتّفاق، ولنا في تيسير حجّهم على الاختيار منهم والوفاق شأن يظهر على نظام واتّساق.
فليعمل كل امرئ منكم بما يقرب به من محبّتنا، ويتجنّب ما يدنيه من كراهتنا وسخطنا، فإنّ أمرنا بغتة فجاءة حين لا تنفعه توبة، ولا ينجيه من عقابنا ندم على حوبة، والله يلهمكم الرشد ويلطف لكم في التوفيق برحمته.
نسخة التوقيع باليد العليا على صاحبها السلام.
هذا كتابنا إليك أيها الأخ الوليّ والمخلص في ودّنا، الصفيّ والناصر لنا الوفيّ، حرسك الله بعينه التي لا تنام، فاحتفظ به ولا تظهر على خطّنا الذي سطّرناه بما له ضمنّاه أحداً وأدّ ما فيه إلى من تسكن إليه، وأوص جماعتهم بالعمل عليه إن شاء الله، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين».


الرسالة الثانية


وورد على الشيخ المفيد كتاب آخر من قبله صلوات الله عليه يوم الخميس الثالث والعشرين من ذي الحجة سنة 412 هـ ؛ نسخته:
من عبد الله المرابط في سبيله إلى ملهم الحق ودليله


بسم الله الرحمن الرحيم


سلام الله عليك أيها الناصر للحقّ، الداعي إليه بكلمة الصدق، فإنا نحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو إلهنا وإله آبائنا الأولين، ونسأله الصلاة على سيّدنا ومولانا محمد خاتم النبيين وعلى أهل بيته الطاهرين.
وبعد؛ فقد كنّا نظرنا مناجاتك عصمك الله بالسبب الذي وهبه الله لك من أوليائه وحرسك به من كيد أعدائه، وشفعنا ذلك الآن من مستقرّ لنا ينصب في شمراخ من بهماء صرنا إليه آنفاً من غماليل ألجأنا إليه السباريت من الإيمان، ويوشك أن يكون هبوطنا إلى صحصح من غير بعد من الدهر و لا تطاول من الزمان، ويأتيك نبأ منّا يتجدّد لنا من حال، فتعرف بذلك ما نعتمده من الزلفة إلينا بالأعمال، والله موفّقك لذلك برحمته.
فلتكن حرسك الله بعينه التي لا تنام ـ أن تقابل لذلك فتنة تبسل نفوس قوم حرثت باطلاً لاسترهاب المبطلين، يبتهج لدمارها المؤمنون، ويحزن لذلك المجرمون، وآية حركتنا من هذه اللوثة حادثة بالحرم المعظّم من رجس منافق مذمّم مستحلّ للدم المحرّم، يعمد بكيده أهل الإيمان، ولا يبلغ بذلك غرضه من الظلم والعدوان، لأننا من وراء حفظهم بالدعاء الذي لا يحجب عن ملك الأرض والسماء، فلتطمئنّ بذلك من أوليائنا القلوب، وليتّقوا بالكفاية منه، وإن راعتهم بهم الخطوب، والعاقبة بجميل صنع الله سبحانه تكون حميدة لهم ما اجتنبوا المنهيّ عنه من الذنوب.
ونحن نعهد إليك أيّها الوليّ المخلص المجاهد فينا الظالمين ـ أيّدك الله بنصره الذي أيّد به السلف من أوليائنا الصالحين ـ أنّه من اتقى ربّه من إخوانك في الدين، وأخرج مما عليه إلى مستحقّيه، كان آمناً من الفتنة المبطلة ومحنها المظلمة المضلّة، ومن بخل منهم بما أعاره الله من نعمته على من أمره بصلته، فإنه يكون خاسراً بذلك لأولاه وآخرته.
ولو أنّ أشياعنا ـ وفّقهم الله لطاعته ـ على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم؛ لما تأخّر عنهم اليُمن بلقائنا، ولتعجّلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حقّ المعرفة وصدقها منهم بنا، فما يحبسنا عنهم إلا ما يتّصل بنا مما نكرهه ولا نؤثره منهم. والله المستعان، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلاته على سيدنا البشير النذير محمد وآله الطاهرين وسلم، وكتب في غرة شوال من سنة اثنتي عشرة وأربعمائة.
نسخة التوقيع باليد العليا صلوات الله على صاحبها:
«هذا كتابنا إليك أيها الوليّ الملهم للحقّ العليّ بإملائنا وخطّ ثقتنا، فاخفهِ عن كلّ أحد، واطوِهِ، واجعل له نسخة تطلع عليها من تسكن إلى أمانته من أوليائنا ـ شملهم الله ببركتنا إن شاء الله ـ الحمد لله والصلاة على سيّدنا محمد النبي وآله الطاهرين»(4).
أقول: إنّه لشرف كبير ومصدر فخر واعتزاز أن يمثل الشخص بين يدي الإمام ويكون في حضرته؛ يزوره عياناً ويتشرّف برؤيته وتقبيل يده. ولكن ـ اعلموا أيّها الإخوان ـ إنّ هذا ليس هو الواجب، فإنّه لم يبلغنا عن الشيخ المفيد أنّه التقى بالحجّة ـ ولا يُعرف ما هو السبب، وربما التقاه ولم يصلنا خبره ـ ولكنّه مع ذلك نال هذه الأوسمة منه سلام الله عليه.


تدبّر في بعض كلمات الرسالة


لقد ذكر الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه في خطابه للشيخ المفيد كلمة الإهمال فقال: ـ غير مهملين ـ ولم يقل: غير تاركين، ذلك أنّ هنالك فرقاً بين الإهمال والترك من جهة القصد، فالترك أعمّ وأشمل، أي يكون بقصد وبلا قصد؛ أمّا الإهمال فلا يكون إلاّ عن قصد(5).
ومن ثمّ يكون المعنى، إنّنا إذا لم نرعكم، فالإهمال من جانبكم وليس من جانبنا.
وقال عجّل الله تعالى فرجه: ـ ولا ناسين لذكركم ـ نافياً أن يكون النسيان بشكل عام ومطلق، ممّا يعني أنّه يذكر الجميع دائماً وفي كلّ مكان، ولولا ذلك لنزل البلاء بهم.
فليس من شك في أنّ الإمام المعصوم سلام الله عليه هو المصداق الأكبر لخليفة الله تعالى في أرضه، قائماً كان أو قاعداً، حيّاً كان أو ميتاً، حاضراً كان أو غائباً، فهو إمام على أيّة حال، ويمارس مهامّه ومسؤوليّاته الموكلة إليه.
والإمام المهدي عجل الله ظهوره ليس استثناءً عن هذه الحقيقة، ولا غيابه يدفع به إلى الانزواء والقعود عن أداء دوره الأخطر، وهو دور قيادة المؤمنين في عصر الغيبة المؤلم عليه وعلى شيعته وإلا لكان الإشكال صادقاً وفي محلّه؛ حول الحكمة من ولادته وغيبته.
ولطالما تناهى إلى أسماع المؤمنين ما يجعلهم على ثقة تامّة واطمئنان كامل بما يثبت المرّة بعد الأخرى وجوده المبارك سلام الله عليه ودوره القيادي للأمّة المؤمنة، فكما أنعم على الشيخ المفيد رضوان الله عليه بالمراسلة والتوجيه وكشف المحجوب عن بصيرته، كذلك قام سلام الله عليه بما يتنبّه إليه هذا العالم المرجع أو ذاك ـ باعتبارهم نوّابه الشرعيين وفق النيابة العامّة ـ وهناك من القصص الموثقة والحوادث المشهودة ما يفوق حدَّ الإحصاء عن تفضله وإكرامه للشيعة وعلمائهم.
ولا عجب في ذلك، لأنه غير مهمل لذكرهم ولا ناسٍ لأمرهم. فهو
يمارس توجيهه المأذون له فيه حتى في القضايا الفردية البادية البساطة.
فممّا نقله السيد الوالد رحمه الله قوله:
كنت مواظباً على قراءة دعاء الندبة وحدي في سرداب الغيبة في سامراء المشرّفة. وذات يوم كعادتي كنت أقرأه، ولمّا بلغتُ عبارة: وعرجت به إلى سمائك قرأتها بعبارة «وعرجت بروحه إلى سمائك» ـ حسب بعض النسخ ـ وهذا يعني تغيير المعنى تماماً، حينها سمعت بأذني أنّ هناك من يصحّح لي ما قرأته حسب تلك النسخة، ليتمّ المعنى على أنّ المعراج النبوي كان روحياً وبدنياً، وأدركت في الساعة أنّ المتحدّث إليّ ليس إلاّ ولي الأمر الإمام الحجّة عليه الصلاة والسلام.
وقد وقع نظير هذا الفعل من الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه لعدد من العلماء وفي أماكن مختلفة، مما يشير إلى أنّ الإمام يأخذ بأيدي نوّابه الحقيقيّين إلى جادّة الصواب حتى في الحالات الفردية.
أما قيادة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه لشيعته ومحبّيه؛ فقد أضحت عبر ما ثبت من الوقائع والكرامات المهدوية ما يفوق العدّ والتصنيف، إذ أنقذهم
سلام الله عليه ولا يزال ينقذهم من أشكل المشكلات وأعقد الأزمات.
وقطرة من ذلك؛ ما روي عمّا أصبح يعرف فيما بعد بحادثة (مسجد الرمّانة) في البحرين، وهو المسجد الذي لا يزال قائماً فيها حتى الآن. إذ روي أنّ الوزير الأوّل لأحد ولاة البحرين ـ إبّان فترة رزوحها تحت سيطرة الاستعمار البرتغالي ـ كان ينصب العداء لأهل البيت سلام الله عليهم ومحبّيهم؛ فاختلى ذات يوم بالوالي الذي كان يشاركه بشيءٍ من العداء للشيعة، وأغراه في إلحاق الأذى بالشيعة عبر مؤامرة وسوس له الشيطان بها، إذ جاء برمّانة يبدو منقوشاً عليها عبارة: «لا إله إلا الله، محمد رسول الله، أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ خلفاء رسول الله..» وتحدّاهم بأن يأتوا ببرهان أقوى حجّة من هذه الرمّانة تؤيّد مسلكهم أو يضطرّهم إلى الرجوع عن مذهبهم، أو دفع الجزية كما الكفار، أو قتل رجالهم وسبي نسائهم وأولادهم.
ولكنّ الإمام المهدي صلوات الله عليه أنقذ محبّيه وشيعته من هذه المؤامرة والخطر الداهم، عبر إخباره أحد الفضلاء الأتقياءـ بعد أن أعيت الشيعة وضاقت بهم السبل ـ بما قام به الوزير الناصبي من وضع قوالب نقشت عليها العبارات المذكورة حول الرمانة، لتبدو طبيعية في حال نموّها في الشجرة، بل وأنبأه الإمام بمكان تلك القوالب التي أخفاها الوزير في بيته، وقد قتله الملك بعد اتضاح تفاصيل المؤامرة وأعلن اعتناقه المذهب الحقّ والولاية للأئمّة المعصومين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين(6).
ومن مصاديق قيادته سلام الله عليه؛ اهتمامه بتوفير الإجابات على المسائل العقائدية والشرعية التي يتحيّر فيها العلماء والفقهاء في بعض الأحيان، ومن ذلك ما وقع للعالم التقيّ الفاضل المولى المقدّس الأردبيلي رضوان الله عليه، فقد كان ذا كرامات نادرة لرفيع منزلته لدى الأئمّة الأطهار صلوات الله عليهم. فحيث كان قد فكّر في بعض المسائل وقد أغلقت عليه، أن يذهب إلى الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه؛ علّه يلطف بالجواب عليه. وفي هذه الأثناء وبعد طول التماس أوكله إلى إمام العصر والزمان صلوات الله عليه باعتباره الإمام الموكول له أمر قيادة الأمّة والعلماء، فقصد مسجد الكوفة وسأل الإمام عجل الله تعالى فرجه عن مسائله كلّها، فأجابه بكلّ لطف وإكرام(7).
أقول: هناك الكثير جداً من الشواهد التي لا تقبل الردّ ولا تحتمل الشكّ، في أنّ إمام العصر والزمان سلام الله عليه هو صاحب اليد الطولى ـ بإذن الله تعالى ـ في المحافظة على كيان الدين والتشيّع وسلامة الشيعة من كثير من الأخطار، ولولا ألطافه وكراماته ومكرماته لساخت الأرض بأهلها ولتناوش الأعداءُ المحبّين والموالين لأهل بيت العصمة والطهارة من كلّ حدب وصوب.
وليست رسالته عجل الله تعالى فرجه للشيخ المفيد إلا نموذجاً واحداً ـ وإن كان بارزاً ومميّزاً ـ لرعايته سلام الله عليه لعلماء شيعته الذين يقرّون جميعاً بحاجتهم إلى الألطاف المهدوية أكثر من حاجتهم إلى الماء والهواء(8).
إنّ الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه هو إمامنا الحيّ المنتظر، ومنذ ذاك اليوم الذي غاب فيه - في ربيع الأول عام 260هـ.- وإلى حين فرجه الشريف، والشيعة في ترقّب وانتظار؛ مشرئبّة أعناقهم لوقت ظهوره المبارك، لاعتقادهم بأنّه البقية الخاتمة لحجج الله على خلقه، وأنّ جميع أمورهم موكلة إليه. وبالطبع، فهو إمام الممكنات كلّها، وهذا مبحث من مباحث أصول الدين تمّت مناقشته باستفاضة في مظانّه، كما نوقشت الأدلّة الخاصة به، وقد وردت روايات عن الأئمّة المعصومين سلام الله عليهم في هذا الصدد(9).


كيف تلقـّى الشيخ المفيد رسائل الإمام؟


طبقاً للآثار، فقد تلقّى الشيخ المفيد ثلاث رسائل من الإمام، وصلتنا اثنتان منها، بينما يُعتقد بتلف الثالثة أثناء حوادث حرق المكتبات. إلاّ أنّ السيّد بحر العلوم(10) يثير مسألة جديرة في المقام في كتابه (الفوائد الرجالية) وهي: كيف تسلّم الشيخ المفيد الرسالة من الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه مع أنّه لم يتشرّف بلقائه عجّل الله فرجه ولم يكن هناك نائب للإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه في ذلك الوقت ليسلّمها إليه؟
فيقول: وقد يشكل أمر هذا التوقيع بوقوعه في الغيبة الكبرى مع جهالة حال المبلّغ ودعواه المشاهدة المنفية بعد الغيبة الكبرى.
ويجيب رحمه الله بقوله: ويمكن دفعه باحتمال حصول العلم بمقتضى القرائن واشتمال التوقيع على الملاحم والإخبار عن الغيب الذي لا يطلع عليه إلا الله وأولياؤه بإظهاره لهم، وإنّ المشاهدة المنفية: أن شاهد الإمام ويعلم أنّه الحجة سلام الله عليه حال مشاهدته له، ولم يعلم من المبلّغ ادّعاؤه لذلك. وقد يمنع ـ أيضاً ـ امتناعها في شأن الخواصّ، وإن اقتضاه ظاهر النصوص بشهادة الاعتبار، ودلالة بعض الآثار(11).


عظمة الشيخ المفيد


تستوقفنا هنا قضيّة مهمّة جدّاً وهي أنّ الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه لم يخصّ أحداً غير الشيخ المفيد رحمه الله بمثل هذه الكلمات التي تحمل معاني العرفان بالإخلاص والولاء.
أجل، لا غرابة في أن يشهد فرد بصلاح فرد آخر وحسن سيرته، ولكن عندما تكون هذه الشهادة صادرة عن إمام معصوم يصبح الأمر مختلفاً تماماً، إنّها شهادة ترجح كفّتها على الدنيا وما فيها، لأنّ هذه الشهادة خالدة في ضمير العقيدة، لا تفنى ولا تزول مع الأيام، ولهذا وغيره نرى أنّ الشيخ المفيد رحل عن هذه الدنيا منذ قرابة الألف عام لكن ذكراه ما زالت حيّة تتجدّد على مرّ العصور.
واللافت للنظر في المقام أيضاً أنّه رغم المكانة الجليلة والمنزلة السامية التي حظي بها الشيخ المفيد إلا أنّي لم أجد في موضع ما أنّه تشرّف بلقاء الإمام المهدي أو كتب رسالة للإمام عجّل الله تعالى فرجه ولكن حيث إنّه أدّى واجباته على أتمّ ما كان ينتظره منه الإمام، فقد استحقّ عناية الإمام عجّل الله تعالى فرجه ولطفه بجدارة، حتى أنّ الإمام نفسه خاطبه من خلال مراسلته له والتي ربما يظنّ الظانّ منها رغبته عجّل الله تعالى فرجه بالحديث إليه.


منزلة الشيخ المفيد عند العامّة


كان مجلس درس الشيخ المفيد يزخر بفطاحل علماء الخاصّة والعامّة(12)، كما اشتهر عنه أنّه حظي بمكانة رفيعة جعلت حتى أعداءه من الناصبة يثنون عليه لما كان عليه من خطر المكانة ونيافة الإمامة، فكان بحقّ نوراً على علم استضاء به القاصي والداني، الموالف والمخالف.
فمن علماء العامّة الذين ما وسعهم ـ رغم تعصّبهم ـ إلاّ الثناء عليه الشيخ عبد الله اليافعي(13) صاحب كتاب «مرآة الجنان» المليء بالدسّ(14). فرغم تحامله على الشيعة وعلمائهم إلاّ أنّه لم يتمالك نفسه في مدح الشيخ المفيد عند تعرّضه لحوادث سنة 413 للهجرة.
أجل؛ لقد قال بعض علماء العامّة بعد رحيل الشيخ المفيد: «أراحنا الله منه»، بل ذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك فأقام مراسم الاحتفال والسرور وتزيين جدران داره بهذه المناسبة، ولكنهم أيضاً اعترفوا له بالفضل والمنزلة.


الإمام ينعى الشيخ المفيد


نستطيع أن ندرك عظمة منزلة الشيخ المفيد عند الإمام المهدي عجّل الله فرجه من خلال كلمات النعي التي قالها عجّل الله تعالى فرجه بحقّه حين وافته المنية ورحل عن الدنيا:


لا صوّت الناعي بفقدك إنّه


يوم على آل الرسول عظيم(15)




وأيّ زهو وفخر أسمى من أن يخاطبه الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه بهذه الكلمات:
«سلام عليك أيّها العبد الصالح الناصر للحق الداعي بكلمة الصدق».
إن صدور هذه الكلمات من إمام معصوم إلى شخص غير معصوم مسألة في غاية الأهمية؛ ترى ما الذي فعله الشيخ المفيد رحمه الله ليستحقّ كل هذا الإطراء والثناء من جانب الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه؟


تحمّل الشيخ المفيد لمسؤوليّته


يقول العالم الباحث آية الله المرعشي النجفي قدّس سره:
لقد نذر الشيخ المفيد نفسه للبحث والمناظرة، فكانت له مناظرات مختلفة مع علماء جميع الأديان، حتى لقد حضرته مجموعة من العلماء وطلبت منه موعداً لمناظرته، فقال الشيخ: لا وقت عندي، فقالوا: يا شيخ، لقد حضرنا من مكان بعيد، ونريد العودة، فتأمّل الشيخ قليلاً وقال: ليس عندي مجال سوى ساعتين تسبقان أذان الصبح، فباستطاعتكم الحضور في هذا الوقت لعدّة مرات، فقالوا: لا بأس نهجع في النهار ونأتي سحراً للمناظرة.
سؤال يطرح نفسه: ألم يكن الشيخ يخلد للنوم؟
يذكر التاريخ أنّ مجلس درسه كان يعجّ بكثير من الشخصيات كأبي العلاء المعرّي وكثير من المتصوّفة.
وعرف الشيخ المفيد بقوّة ذاكرته فكان مضرب الأمثال عند العامّة والخاصّة، وبعبارة موجزة لقد رهن حياته لخدمة أهل البيت سلام الله عليهم، فكان مصداقاً للآية الكريمة (يَهْدونَ بأمْرِنا)(16) حيث تدور جميع روايات الأئمة سلام الله عليهم حول هذا المحور أي هداية الناس من الضلالة والانحراف والجهالة(17).
إنّ ما يريده الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه من شيعته هو أن يسعوا في هداية الناس، حيث يحتاج الأمر إلى بعض الخطوات التمهيدية، منها حسن المعاشرة وطلب العلم وسلوك طريق المداراة مع العدوّ والصديق.
ولذلك يذكر الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه في رسائله للشيخ المفيد كلمة «الصدق» مرّات عدّة، وهي كلمة تحتاج إلى سنوات طويلة لبلوغها. فإذا تراجعت «الأنا» عن الفرد وحلّ محلّها الإيثار، صار حقيقاً أن يصبح اللباس الخشن والناعم، والغذاء الجيد والعادي سيّان عند الإنسان.
حقّاً إنّه لأمر صعب أن يسعى المرء ليكون بمستوى الشيخ المفيد، إلا بعد أن يفني ذاته في مرضاة مولاه.
لذا نرى في عصرنا الحالي وبسبب فقدان الثقة بأكثر العلماء أنّ الناس قد توزّعوا فرقاً أشتاتاً، وأكثرهم هائمون في بحر الغفلة، فلو كان العالم محلّ ثقة، لاستطاع أن يهدي كثيراً من الناس إلى دين الله أفواجاً وجماعات، لكنّه فقد حتّى ثقة أهله وولده به، فلا أمل يرجى منه.
في الختام، أسأل الله بحقّ الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه أن يغدق علينا من ألطافه، ويسدّد خطانا لإنجاز كلّ ما يصبّ في السبيل المرضيّ عنده.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين.

منقول
صورة العضو الرمزية
أنوار فاطمة الزهراء
المدير الإداري
مشاركات: 49621
اشترك في: الثلاثاء سبتمبر 23, 2008 1:36 pm
الجنس: فاطمية

Re: رسائل الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه للشيخ المفيد

مشاركة بواسطة أنوار فاطمة الزهراء »

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ وعَجِّلْ فَرَجَهُمْ
يا غياث المستغيثين أغثني بالآية العظمى الإمام محمد الجواد أدركني
بارك الله فيك أخي الكريم

اللهم عجل لوليك الفرج
لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
صورة العضو الرمزية
ابوجلال
فــاطــمــي
مشاركات: 440
اشترك في: الخميس ديسمبر 30, 2010 4:52 pm

Re: رسائل الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه للشيخ المفيد

مشاركة بواسطة ابوجلال »

بسم الله الرحمن الرحيم
اخي العزيز جار الزهراء وخادمها السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك ال فيكم موضوع قيم ورائع عن مراسلات الامام ارواحنا اله الفداء
للشيخ المفيد رضوان الله عليه
جعله الله في ميزان اعمالكم
نسألكم والزيارة والدعاد بقضاء الحاجة وتيسير الامور
صورة العضو الرمزية
هدية فاطمة (ع)
فـاطـمـيـة
مشاركات: 30263
اشترك في: الخميس أكتوبر 15, 2009 6:31 pm

Re: رسائل الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه للشيخ المفيد

مشاركة بواسطة هدية فاطمة (ع) »

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاك الله كل خير أخي الكريم جار الزهراء وخادمها بارك الله فيكِ موفقين ومسددين ببركة أهل البيت عليهم السلام


أَللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَ الِ مُحَمَّد وَ أَيِّدْني بِالْعِصْمَةِ وَ أَنْطِقْ لِساني بِالْحِكْمَةِ
صورة
صورة العضو الرمزية
عشقِي الأبدي هو الله
عضو موقوف
مشاركات: 49213
اشترك في: السبت أكتوبر 04, 2008 5:03 pm
مكان: في قلب منتداي الحبيب

Re: رسائل الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه للشيخ المفيد

مشاركة بواسطة عشقِي الأبدي هو الله »

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
واللعنة الدآئمة الوبيلة على أعدآئهم وظالميهم أجمعين

مشكور اخي الكريم على الطرح
ووفقكم الله ورعاكم, وسدد الرحمن خطاكم وقضى حوائجكم
وصلّي‌ الله‌ على محمّد وآله‌ الطاهرين‌
( حسبي الله ونعم الوكيل )
صورة العضو الرمزية
يالثارات الزهراء
مـشـرفـة
مشاركات: 12964
اشترك في: السبت يناير 31, 2009 12:36 am

Re: رسائل الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه للشيخ المفيد

مشاركة بواسطة يالثارات الزهراء »

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله بك لهذا الطرح المبارك القيم
جزاكم الله خير وقضى حوائجكم للدنيا والآخرة
قال النبي صلى الله عليه وآله:
من أحب فاطمة ابنتي فهو في الجنة معي ومن ابغضها فهو في النار
صورة العضو الرمزية
شجرة النبوة
فـاطـمـيـة
مشاركات: 5492
اشترك في: الاثنين يناير 04, 2010 12:04 am

Re: رسائل الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه للشيخ المفيد

مشاركة بواسطة شجرة النبوة »

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شكرا جزيلا لكم على هذا الطرح الجميل .. بارك الله فيكم وقضى حوائجكم في الدينا والأخرة

العودة إلى ”روضة النبي المختار "ص" وال بيته الاطهار "ع"“