وَعَجِّلْ فَرَجَهُمْ وَاهْلِكْ عَدُوَّهُمْ مِنَ الجِنِّ وَالاِنْسِ مِنَ ألاَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ
بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْسَّلامِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ الْلَّهِ وَبَرَكَاتَةَ
ورد في كثير من أخبار الأئمة المعصومين سلام الله عليهم أنه: لولا الحجة لساخت الأرض؛ ومنها: قول أبي حمزة الثمالي للإمام الصادق سلام الله عليه: أتبقى الأرض بغير إمام؟ قال: لو بقيت بغير إمام ساخت، ولو لم يبق في الأرض إلا اثنان لكان أحدهما الإمام الحجة. (منتخب الأنوار، ص30).
وقال أبو الحسن سلام الله عليه: إن الأرض لا تخلو من حجّة، وأنا والله ذلك الحجة. (الكافي ج 1 ص 179).
وعن أبي جعفر سلام الله عليه: لو أن الإمام رُفع من الأرض ساعة لساخت بأهلها كما يموج البحر بأهله. (بصائر الدرجات ص 448).
وعن سليمان الجعفري قال: سألت أبا الحسن الرضا سلام الله عليه قلت: تخلو الأرض من حجة لله؟ لو خلت الأرض طرفة عين لساخت بأهلها. (بصائر الدرجات ص 489).
وحقيقة: إن لأهل البيت سلام الله عليهم فوائد وبركات جمّة لا يدركها إلا من له توفيق من الله، رغم وضوحها وتجلّيها للعيان، فإنّ معرفة هذه البركات تحتاج إلى بصيرة نافذة وقلب سليم يلامسها ويحسّها ويعيش آثارها العظيمة التي بعضها يدرك ولا يكاد يوصف.
إنّ طول غيبة بقية الله الأعظم الإمام الحجة بن الحسن المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف
ـ ومع الأسف الشديد ـ وشدة الفتن وتكالب الفرق على المحبّين، جَعل بعضهم يغفل عن آثار وبركات وفوائد إمام الزمان, الذي بيمنه يُرزق الورى وبجوده تثبت الأرض والسماء.
بل آلت حالة بعض الموالين إلى أنهم تأثّروا ببعض الشبهات المسمومة التي تثار ضدّ الإمام الحجة عجّل الله تعالى فرجه الشريف، وبقي البقية من الموالين غرباء لا ناصر لهم ولا معين يعينهم في ردّ مثل الشبهات، والدفاع عن حريم الإمامة الذي صار ملعباً للدنّي والبعيد؛ كي يلعب فيه ويتطاول على مقدّسات أمّة هي من خيرة الأمم بنصّ القرآن الكريم وشهادة آل الرسول الكرام سلام الله عليهم.
من هنا وجدتُ من الضروري أن أشير إلى بعض المقتطفات من فوائد الإمام الثاني عشر الحجة بن الحسن المهدي, في عصر الغيبة علَّني أوفَّق لرد بعض الشبهات المثارة حول بركات وجوده عليه السلام.
وقبل بيان هذه الفوائد والبركات ينبغي الالتفات إلى أن عدم إحساسنا ببركاته لا يعني عدم وجودها؛ فعدم العلم بالشيء لا ينفي وجوده كما يقولون. ولقد عبّر عجل الله تعالى فرجه الشريف في توقيعه الشريف للشيخ المفيد (رضوان الله تعالى عليه) عن فوائد وجوده بالشمس المغطَّاة بالغيوم؛ فهي مصدر النور و الدفء والخيرات ولكن لا يحسّون بها بسبب الغيوم الحاجبة لها.
أما فوائد إمام الزمان عجّل الله تعالى فرجه الشريف في عصر الغيبة فهي كثيرة، نشير إلى بعضها ومنها:
1. البركات والخيرات
علاوة على أن الوجود بأسره خُلق لأهل البيت سلام الله عليهم، والخلق عيال عليهم، فإنّ الخلق يُرزقون ويتنعّمون بالنعم ببركة محمد وآله سلام الله عليهم، وهذا ما نصّت عليه الأخبار الشريفة الواردة عنهم، حيث دلّت جملة منها على أنّ خيرات الأرض والسماء إنما هي ببركة الأئمة الأطهار سلام الله عليهم ومنهم بقية الله الأعظم الحجة بن الحسن عجّل الله تعالى فرجه الشريف، ففي الحديث عن أبي جعفر سلام الله عليه قال: بنا أثمرت الأشجار وأينعت الثمار وجرت الأنهار ونزل الغيث من السماء ونبت عشب الأرض، وبعبادتنا عُبد الله، ولولانا ما عُرف الله. (بحار الأنوار ج 25 ص 5).
وفي زيارة سيد الشهداء الامام الحسين سلام الله عليه نقول: بكم تُنبت الأرض أشجارها، وبكم تُخرج الأشجار ثمارها، وبكم تُنزل السماء قطرها ورزقها، وبكم يُكشَف الكرب، وبكم يُنزَل الغيث. (بحار الأنوار ج 98 ص 153).
2. هداية العباد
بعث الله عزّ وجل أهل البيت سلام الله عليهم رحمةً للعباد وبركةً لهم ليهدوهم إليه ويرشدوهم لعبادته وطاعته، ولولاهم ما عُرف الله ولا عُبد، ومن أبرز خصائص مولانا بقية الله الأعظم هداية العباد إلى الله تعالى وإرشادهم إلى سبيل الحق.
فمن لطفه بالعباد إذا تاهوا في متاهات الضلالة وضاعوا في ظلماتها أن يُظهر الحقّ ويهديهم إليه، وقد أشار الإمام زين العابدين سلام الله عليه إلى ذلك في حديث له فقال: «ولولا ذلك ـ أي عدم خلوّ الأرض من حجة ـ لم يُعبد الله. (أمالي الصدوق ص 156).
وقضية الشيخ المفيد (رضوان الله عليه) في مسألة المرأة الحامل خير شاهد على ذلك، حيث سئل (رضوان الله عليه) عن امرأة ماتت وفي بطنها ولد حيّ، فأفتى بدفنهما، ثم عرف بعد مدة أن عناية الإمام الحجة عجّل الله تعالى فرجه الشريف شملته حيث إنه هدى أحدهم إلى الصواب فشقّوا بطنها وأخرجوا الطفل ودفنوها فاعتزل الشيخ (رضوان الله عليه) الإفتاء إلا أنّ أمر المولى عجّل الله تعالى فرجه الشريف وصله بأنّ منك الفتيا ومنّا التسديد.
3. حفظ الكون
فلولا الحجة من آل محمد سلام الله عليهم لماج الكون بأهله ولساخت الأرض بأهلها.
فعن الإمام السجاد سلام الله عليه قال: ونحن أمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء، ونحن الذين بنا يمسك الله السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، وبنا يمسك الأرض أن تميد بأهلها، وبنا ينزل الغيث، وتنشر الرحمة وتخرج بركات الأرض، ولولا ما في الأرض منا لساخت بأهلها. ثم قال سلام الله عليه: ولم تخلُ الأرض منذ خلق الله آدم من حجة الله فيها، ظاهر مشهور، أو غائب مستور، ولا تخلو إلى أن تقوم الساعة من حجّة الله فيها، ولولا ذلك لم يعبد الله. (بحار الأنوار ج 23 ص 5).
وفي خبر عنه سلام الله عليه قال: إني لأمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء. (البحار ج53 ص181).
4. بيان الأحكام
وهي وظيفة المعصومين سلام الله عليهم، فهم بُعثوا لبيان الأحكام وتوضيحها للعباد، وكما ذهب شيخ الطائفة الطوسي إلى أن الأمة لو اتّفقت على الباطل فمن اللازم على الحجّة عليه السلام ـ من باب اللطف ـ أن يُظهر الحق كيلا تجتمع الأمة على الباطل.
وهناك كثير من الشواهد على بيانه للأحكام منها قصّة الشيخ المفيد السالفة.
5. إغاثة الملهوفين
مع أن الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف محجوب عنا ولا نستطيع أن نراه ونعرفه، إلا أنه عندما تستوجب الأمور أن يظهر لمصلحة مهمةٍ، يظهر (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) ويغيث شيعته وينجيهم من الشدّة. والشواهدُ على ذلك كثيرة؛ منها: ما نقله المجلسي رحمة الله عليه في (البحار) عن بعض الصالحين عن محيي الدين الأربلي، قال: حضر عند أبيه ومعه رجل فنعس فوقعت عمامته عن رأسه فبدت في رأسه ضربة هائلة، فسأله عنها فقال له: هي من صفّين. فقيل له: وكيف ذلك ووقعة صفين قديمة؟ فقال: كنت مسافراً إلى مصر فصاحبني إنسان من غزّة، فلما كنّا في بعض الطريق تذاكرنا وقعة صفين. فقال لي الرجل: لو كنت في أيام صفين لرويت سيفي من عليّ وأصحابه، فقلت: لو كنت في أيام صفين لرويت سيفي من معاوية وأصحابه، وها أنا وأنت من أصحاب عليّ سلام الله عليه ومعاوية لعنه الله فاعتركنا عركة عظيمة، واضطربنا فما أحسست بنفسي إلا مرميّاً لما بي، فبينما أنا (كذلك) وإذا بإنسان يوقظني بطرف رمحه، ففتحت عيني فنزل إلي ومسح الضربة فتلاءمت فقال: إلبث هنا ثم غاب قليلاً وعاد ومعه رأس مخاصمي مقطوعاً والدوابّ معه، فقال لي: هذا رأس عدوّك، وأنت نصرتنا فنصرناك، و لينصرنّ الله من نصره. فقلت: من أنت؟ فقال: فلان بن فلان ـ يعني صاحب الأمر عجّل الله تعالى فرجه الشريف ـ ثم قال لي: وإذا سئلت عن هذه الضربة، فقل ضُربتها في صفين. (بحار الأنوار العلامة المجلسي ج 25ص75).