هنا ندرس بعض مواقف الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) من جملة من التحدّيات الداخلية التي كان لها تأثير سلبي مباشر على المذهب، ومنها تحدّيات السلطة لمرجعية الإمام العلمية.
الموقف الاول:إنّ موقف الإمام الكاظم(عليه السلام) من أخيه عبد الله (الافطح) لم يكن موقفاً عدائياً سافراً رغم أنه ادّعى الإمامة لنفسه[8] بعد أبيه. وهذا الادعاء الخطير يؤثر على الوجود الشيعي ومستقبله، فلم يكرّس(عليه السلام) كامل جهده وطاقاته لحلّ هذه المشكلة، ولم يسلك مساراً يضغط به من الخارج على الخصم، ولم يفرض على الصف الشيعي أن ينقسم الى فريقين الى أنصار وخصوم.
كما أنه(عليه السلام) لم يدخل الحرب النفسية ولا الكلامية وانما عالج هذا الشرخ الجديد بأسلوب هادئ، وكفيل بعلاج هذه الأزمة. ويتضح ذلك مما يلي : أوّلا :ترك للشيعة وعلمائها الحرية في أن تكتشف بنفسها كفاءة هذا المدّعي وعلميّته أو تكتشف غيرها من الطاقات فيما إذا كان يمتلكها، عن طريق الفحص المباشر، أو المقارنة بينه وبين الإمام موسى(عليه السلام) كما حدث مع مؤمن الطاق وهشام بن سالم الذين تقدم ذكرهما.
ثانياً : أبقى الإمام(عليه السلام) علاقته مع أخيه ودّية ولم يجعل من المشكلة سبباً للمقاطعة بدليل أنه دعاه للحضور في منزله كما تذكره الرواية التي سنذكرها بعد قليل.
ثالثاً : استخدم الإمام(عليه السلام) اسلوب المعجزة التي تميّزه عن عبد الله باعتباره(عليه السلام) اماماً مفترض الطاعة فقام(عليه السلام) باثبات ذلك أمام جمع من خواصّ الشيعة.
فقد قال المفضّل بن عمر: لمّا قضى الصادق(عليه السلام) كانت وصيّته في الإمامة الى موسى فادّعى أخوه عبد الله الإمامة وكان أكبر ولد جعفر في وقته ذلك هو المعروف بالافطح فأمر موسى(عليه السلام) بجمع حطب كثير فيوسط داره فأرسل الى أخيه عبدالله يسأله أن يصير إليه فلمّا صار عنده ومع موسى(عليه السلام) جماعة من وجوه الإمامية وجلس إليه أخوه عبدالله ، أمر موسى(عليه السلام) أن يجعل النار في ذلك الحطب كله فأحترق كله ولا يعلم الناس السبب فيه، حتى صارالحطب كله جمراً ثم قام موسى(عليه السلام) بثيابه في وسط النار وأقبل يحدّث الناس ساعة، ثم قام فنفض ثوبه ورجع الى المجلس، فقال لاخيه عبد الله : «ان كنت تزعم انك الإمام بعد أبيك فاجلس في ذلك المجلس»، فقالوا: رأينا عبد الله قد تغير لونه، فقام يجرّ رداءه حتى خرج من دار موسى(عليه السلام)[9].
والجدير بالذكر أن الطائفة التي اتبعته قد رجع أكثرهم بعد ذلك الى القول بإمامة أخيه «موسى الكاظم» لمّا تبيّنوا ضعف دعواه وقوّة رأي أبي الحسن «موسى الكاظم» ودلالة حقه، وبراهين امامته[10].
الموقف الثاني:موقف الإمام موسى(عليه السلام) من العناصر التي تصدّت للمرجعية العلمية والدينية، وأصبحت فيما بعد مرجعاً عاماً يُدعم من قبل السلطان ويحظى برعايته، ليجعل منهم أدوات طيّعة تبرّر له سلوكه وخلافته.
وانطلاقاً من ضرورة الحفاظ على الصيغ الاصيله ، ومخافة أن تتعرض الشريعة للتحريف بسبب الاتّجاهات والمناهج التي وجدت في مدرسة الخلفاء.
تصدّى الإمام موسى الكاظم(عليه السلام) لتلك المناهج والاتّجاهات وحاول أن يسلبها الصيغة الشرعية الزائفة التي كان يتمتع بها أصحابها حينما جعلوا في مواقع الفتيا في الدولة .
قال يونس بن عبد الرحمن: قلت : لأبي الحسن الأول (وهو الإمام الكاظم): بِمَ أُوحد الله ؟
فقال (عليه السلام) : «يا يونس لا تكونن مبتدعاً، من نظر برأيه هلك، ومن ترك أهل بيت نبيّه ضلّ، ومن ترك كتاب الله وقول نبيّه كفر»[11].
وقال الإمام الكاظم في موضع آخر : «مالكم والقياس؟! إنمّا هلك من هلك من قبلكم بالقياس»[12].
ولم يقتصر الإمام(عليه السلام) على إدانة هذا الاتّجاه فحسب وانما حاول أن يعرّف مواقع الخطأ والانحراف بشكل تفصيلي.
فعن محمد الرافعي أنه قال: كان لي ابن عم يقال له (الحسن بن عبدالله) وكان زاهداً وكان من أعبد أهل زمانه، وكان يلقاه السلطان، وربّما استقبله بالكلام الصعب يعظه ويأمر بالمعروف، وكان السلطان يحتمل له ذلك لصلاحه.
فلم يزل على هذه الحالة، حتى كان يوماً دخل أبو الحسن موسى(عليه السلام) المسجد فرآه فأدناه إليه، ثم قال له: «يا أبا علي، ما أحبّ اليّ ما أنت فيه وأسرّني بك، إلاّ انه ليست لك معرفة، فاذهب فاطلب المعرفة .
قال : جعلت فداك وما المعرفة؟
قال: اذهب وتفقّه واطلب الحديث.
قال : عمن ؟
قال : عن مالك بن أنس وعن فقهاء أهل المدينة، ثم اعرض الحديث عليّ.
قال : فذهب فتكلّم معهم، ثم جاءه فقرأه عليه فأسقطه كلّه»[13].
[8] بصائر الدرجات: 251، ح 4، واُصول الكافي: 1/351، ح 7، واختيار معرفة الرجال: 282 ح 502، والارشاد: 2/221.
[9] الخرائج والجرائح: 1/308، ح 2 وعنه في بحار الأنوار : 48 / 67 و47 / 251 .[10] الارشاد: 2 / 210 ـ 211.
[11] اُصول الكافي : 1 / 56 ـ 58 .
[12] اُصول الكافي: 1/57، ح 16 وعنه في وسائل الشيعة: 27/42 ح 15 .
[13] بصائر الدرجات : 254، و ط: 2/274، ح6، واُصول الكافي: 1/352، ح 8 باسم محمد الواقفي، والارشاد: 2/223 باسم الرافعي وعنه في اعلام الورى: 2/18، 19، وكشف الغمة: 3/13، 14، والخرائج والجرائح: 2/650 ح2، وفي بحار الأنوار: 48/52، ح 48 عن البصائر والارشاد والاعلام والخرائج.
الى متى يا مهدينا الى متى هذا الغياب عجل على ظهورك إذا كنا مع الحق فلا نبالي
ربي يعطيكم العافية أختي العلوية على الطرح المبارك
الله يوفقكم ويقضي جميع حوائجكم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين رشح المنتدى لإغاثة المحتاجين والمرضى
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
اللهم صل على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين المنتجبين
بارك الله فيكم في ميزان حسناتكم يارب
جزيتم الف خير وقضى الله حاجاتكم بالدنيا والاخرة
اللهم صل على محمد وال محمد