اللهمّ عرّفني نفسك، فإنّك إنْ لم تعرّفني نفسَك لمْ أعرف نبيّك، اللهمّ عرّفني رسولك، فإنّك إنْ لم تعرّفني رسولك لم أعرفْ حجّتك، اللهمّ عرّفني حجّتك، فإنّك إنْ لم تعرّفني حجّتك ضلَلتُ عن ديني

تفصيل قضية الهجوم على دار الزهراء(ع)

"ما أوذي نبي مثلما أوذيت "

المشرفون: الفردوس المحمدي،تسبيحة الزهراء

مظلومة يا زهراء

تفصيل قضية الهجوم على دار الزهراء(ع)

مشاركة بواسطة مظلومة يا زهراء »

[font=Arabic Transparent]بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه الطيبين واللعن الدائم على أعدائهم من الأولين والآخرين

هنا أضع لكم تفصيل الهجوم على دار الزهراء عليها السلام من كتاب الهجوم على بيت فاطمة (ع) لـ عبدالزهراء مهدي والذي تناول الكثير من الأمور التي سأعمل على إدراجها في المرات المقبلة.


تفصيل قضية الهجوم

الهجوم الأوّل :

لما فرغ أمير المؤمنين (عليه السلام) من دفن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أقام في منزله بما عهد إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، واجتمع إليه جماعة من بني هاشم والأصحاب من المهاجرين والأنصارـ كالعبّاس، والزبير، والمقداد، وطلحة، وسعد بن أبي وقّاص ـ فإنّهم غضبوا من بيعة أبي بكر، وأرادوا التحيّز عنه


وإظهار الخلاف عليه، وأن يبايعوا أمير المؤمنين (عليه السلام). وقد أشار إلى ذلك معاوية في كتابه إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله: وما يوم المسلمين منك بواحد، لقد حسدت أبا بكر..! والتويت عليه، ورمت إفساد أمره، وقعدت في بيتك عنه، واستغويت عصابة من الناس حتّى تأخروا عن بيعته..
فذهب إليهم عمر في جماعة ممن بايع فيهم أسيد بن حضير، وسلمة بن سلامة فألفوهم مجتمعين، فقالوا لهم: بايعوا أبا بكر! فقد بايعه النّاس! فوثب الزبير إلى سيفه، فقال عمر: عليكم بالكلب فاكفونا شرّه.. فبادر سلمة بن سلامة فانتزع السيف من يده، فأخذه عمر فضرب به الأرض فكسره، وأحدقوا بمن كان هناك من بني هاشم ومضوا بجماعتهم إلى أبي بكر، فلمّا حضروا قالوا: بايعوا أبا بكر! فقد بايعه الناس، وأيم الله لئن أبيتم ذلك لنحاكمنّكم بالسيف.. فلمّا رأى ذلك بنو هاشم أقبل رجل رجل فجعل يبايع، حتّى لم يبق ممن حضر إلاّ علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال له: بايع أبا بكر، فقال علي (عليه السلام): " أنا أحقّ بهذا الأمر منه وأنتم أولى بالبيعة لي، أخذتم هذا الأمر من الأنصار، واحتججتم عليهم

بالقرابة من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتأخذونه منّا أهل البيت غصباً؟! ألستم زعمتم للأنصار أنكم أولى بهذا الأمر منهم لمكانكم من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأعطوكم المقادة، وسلّموا لكم الإمارة، وأنا أحتجّ عليكم بمثل ما احتججتم على الأنصار، أنا أولى برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حيّاً وميّتاً. (وأنا وصيّه ووزيره، ومستودع سرّه وعلمه، وأنا الصدِّيق الأكبر، أوّل من آمن به وصدّقه، وأحسنكم بلاءً في جهاد المشركين، وأعرفكم بالكتاب والسنّة، وأفقهكم في الدِّين، وأعلمكم بعواقب الأُمور، وأذربكم لساناً، وأثبتكم جناناً، فعلامَ تنازعونا هذا الأمر..؟!) أنصفونا ـ إن كنتم تخافون الله - من أنفسكم، واعرفوا لنا من الأمر مثل ما عرفته الأنصار لكم، وإلاّ فبوؤا بالظلم وأنتم تعلمون..
(فقال عمر: أما لك بأهل بيتك أُسوة..؟! فقال علي (عليه السلام): " سلوهم عن ذلك.. "، فابتدر القوم الذين بايعوا من بني هاشم، فقالوا: ما بيعتنا بحجّة على علي (عليه السلام).. ومعاذ الله أن نقول أنّا نوازيه في الهجرة وحسن الجهاد، والمحل من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)) فقال عمر: إنّك لست متروكاً حتّى تبايع طوعاً أو كرهاً. فقال علي (عليه السلام): " احلب حلباً لك شطره، اشدد له اليوم ليردّ عليك غداً، إذاً والله لا أقبل قولك، ولا أحفل بمقامك.. ولا أُبايع "، فقال أبو بكر: مهلاً يا أبا الحسن! ما نشدّد عليك ولا نكرهك. فقام أبو عبيدة إلى علي فقال: يا ابن عم! لسنا ندفع قرابتك ولا سابقتك ولا علمك ولا نصرتك ولكنّك حدث السنّ ـ وكان لعليٍّ (عليه السلام)يومئذ ثلاث وثلاثون سنة ـ وأبو بكر شيخ من مشايخ قومك, وهو أحمل لثقل هذا الأمر، وقد مضى الأمر بما فيه، فسلِّم له، فإن عمّرك الله لسلّموا هذا الأمر

إليك، ولا يختلف عليك اثنان بعد هذا إلاّ وأنت به خليق وله حقيق... (ولا تبعث الفتنة قبل أوان الفتنة، قد عرفت ما في قلوب العرب وغيرهم عليك).
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): " يا معاشر المهاجرين والأنصار! الله الله (لا تنسوا عهد نبيّكم إليكم في أمري و) لا تخرجوا سلطان محمّد من داره وقعر بيته إلى دوركم وقعر بيوتكم وتدفعوا أهله عن حقّه ومقامه في الناس، يا معاشر الجمع! (إنّ الله قضى وحكم ونبيّه أعلم وأنتم تعلمون) إنّا أهل البيت أحقّ بهذا الأمر منكم، أما كان منّا القارئ لكتاب الله، الفقيه في دين الله، المضطلع بأمر الرعية؟ والله إنّه لفينا لا فيكم، فلا تتبعوا الهوى فتزدادوا من الحقّ بعداً، وتفسدوا قديمكم بشرّ من حديثكم. فقال بشير بن سعد الأنصاري ـ (الذي وطّأ الأمر لأبي بكر ـ وقالت جماعة الأنصار): يا أبا الحسن! لو كان هذا الكلام سمعته الأنصار منك قبل الانضمام لأبي بكر ما اختلف فيك اثنان (.. فقال علي (عليه السلام): " يا هؤلاء أكنتُ أدع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مسجّى لا أُواريه وأخرج أُنازع في سلطانه؟!! ").
وفي رواية: " لَبيعتي كانت قبل بيعة أبي بكر، شهدها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمر الله بها، أو ليس قد بايعني؟!... فما بالهما يدّعيان ما ليس لهما وليسا بأهله ".
(" والله ما خفت أحداً يسمو له وينازعنا أهل البيت فيه ويستحلّ ما استحللتموه، ولا علمت أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ترك يوم غدير خم لأحد حجّة، ولا لقائل مقالاً، فأُنشد الله رجلاً سمع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم غدير خم يقول: " من كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه، اللّهمّ وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره،

واخذل من خذله ".. أن يشهد بما سمع ".
قال زيد بن أرقم: فشهد اثنا عشر رجلاً بدرياً بذلك، وكنت ممن سمع القول من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فكتمت الشهادة يومئذ فذهب بصري.
قال: وكثر الكلام في هذا المعنى وارتفع الصوت وخشى عمر أن يصغى ألى قول علي (عليه السلام) ففسخ المجلس وقال: إنّ الله تعالى يقلّب القلوب والأبصار، ولا يزال ـ يا أبا الحسن ـ ترغب عن قول الجماعة، فانصرفوا يومهم ذلك).
اشتغال أمير المؤمنين (عليه السلام) بجمع القرآن
فجلس أمير المؤمنين (عليه السلام) في بيته، واشتغل بجمع القرآن ـ كما أوصاه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ من يومه ذلك ـ وهو اليوم الثالث من وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، أي يوم الأربعاء ـ فأكثر الناس في تخلّفه عن بيعة أبي بكر، واشتدّ أبو بكر وعمر
عليه في ذلك فخرجت أُمّ مسطح بن أثاثة فوقفت عند القبر وقالت:

كانت أُمور وأنباء وهنبثة
لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب

إنّا فقدناك فقد الأرض وابلها
واختلّ قومك فاشهدهم ولا تغب

قالوا: وكان الزبير والمقداد يختلفان في جماعة من الناس إلى علي (عليه السلام)فيتشاورون ويتراجعون أُمورهم، فجاء عمر وكلّم فاطمة الزهراء (عليها السلام) وحلف لها وقال: إن اجتمع هؤلاء النفر عندكم آمر بإحراق البيت عليهم.. وفي رواية: أن يهدم البيت عليهم...
فوقفت فاطمة (عليها السلام) على بابها فقالت: " لا عهد لي بقوم حضروا أسوأ محضر منكم، تركتم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جنازة بين أيدينا وقطعتم أمركم بينكم، لم تستأمرونا ولم تردّوا لنا حقّاً ".
وفي رواية: ".. وقطعتم أمركم فيما بينكم فلم تؤمرونا ولم تروا لنا حقّنا، كأنّكم لم تعلموا ما قال يوم غدير خم، والله لقد عقد له يومئذ الولاء ليقطع منكم بذلك منها الرجاء، ولكنكم قطعتم الأسباب بينكم وبين نبيّكم، والله حسيب بيننا وبينكم في الدنيا والآخرة ".
المراجعات مع أمير المؤمنين (عليه السلام)
ثم إن عمر أتى أبا بكر فقال له: ألا تأخذ هذا المتخلّف عنك بالبيعة؟ فإنّ الناس أجمعين قد بايعوك ما خلا هذا الرجل وأهل بيته وهؤلاء النفر..!
وفي رواية سلمان: أرسل إلى علي فليبايع، فإنّا لسنا في شيء حتّى يبايع.. ولو قد بايع أمنّاه.
وفي رواية: يا هذا! ليس في يديك شيء منه مالم يبايعك علي، فابعث إليه حتّى يأتيك فيبايعك، فإنّما هؤلاء رعاع.. فبعث إليه قنفذاً فقال له: اذهب فقل لعليٍّ: أجب خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فذهب قنفذ فما لبث أن رجع فقال لأبي بكر: قال لك: " ما خلّف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أحداً غيري، لسريع ما كذبتم على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ".
وفي رواية ابن عباس: قال علي (عليه السلام): " ما أسرع ما كذبتم على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وارتددتم، والله ما استخلف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) غيري، فارجع ـ يا قنفذ ـ فإنّما أنت رسول، فقل له: قال لك علي (عليه السلام): " والله ما استخلفك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإنّك لتعلم مَنْ خليفة رسول الله "، فأقبل قنفذ إلى أبي بكر فبلّغه الرسالة فقال أبو بكر: صدق علي..! ما استخلفني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
وفي رواية اُخرى: لمّا جاء قنفذ قال لفاطمة (عليها السلام): أنا قنفذ رسول أبي بكر ابن أبي قحافة خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، قولي لعليّ: يدعوك خليفة رسول الله..!
قال علي (عليه السلام): " قولي: ما أسرع ما ادّعيت ما لم تكن بالأمس، حين خاطبت الأنصار في ظلّة بني ساعدة ودعوت صاحبيك عمر وأبا عبيدة ". فقالت فاطمة ذلك. فرجع قنفذ، فقال عمر: ارجع إليه فقل: خليفة المسلمين يدعوك.
فردّ قنفذ إلى عليّ فأدّى الرسالة، فقال علي (عليه السلام): " من استخلف متسخلَفاً فهو دون من استخلفه، وليس للمستخلَف أن يتأمّر على المستخلِف.. " فلم يسمع له ولم يطع.
فبكي أبو بكر طويلاً. فغضب عمر ووثب وقام، وقال: ألا تضمّ هذا المتخلّف عنك بالبيعة..؟! فقال أبو بكر: اجلس، ثم قال لقنفذ: اذهب إليه فقل له: أجب أمير المؤمنين أبا بكر.. فأقبل قنفذ حتّى دخل على علي (عليه السلام) فأبلغه الرسالة، فقال: " كذب والله! انطلق إليه فقل له: لقد تسمّيت باسم ليس لك، فقد علمت أنّ أمير المؤمنين غيرك.. " فرجع قفنذ فأخبرهما.
وفي رواية سلمان عنه (عليه السلام): " سبحان الله! ما والله طال العهد فينسى، والله إنّه ليعلم إنّ هذا الاسم لا يصلح إلاّ لي، ولقد أمّره رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ وهو سابع سبعة ـ فسلّموا عليّ بإمره المؤمنين، فاستفهم هو وصاحبه من بين السبعة، فقالا: أمر من الله ورسوله، فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " نعم حقّاً من الله ورسوله إنّه أمير المؤمنين، وسيّد المسلمين، وصاحب لواء الغرّ المحجّلين، يقعده الله عزّ وجلّ يوم القيامة على الصراط فيدخل أولياءَه الجنّة وأعداءه النار ".
فوثب عمر غضبان فقال: والله إنّي لعارف بسخفه..! وضعف رأيه..! وإنّه لا يستقيم لنا أمر حتّى نقتله.. فخلّني آتيك برأسه، فقال أبو بكر: اجلس! فأبى، فأقسم عليه فجلس، ثمّ قال: يا قنفذ! انطلق فقل له: أجب أبا بكر.. فأقبل قنفذ فقال: يا علي! أجب أبا بكر، فقال علي (عليه السلام): " إنّي لفي شغل عنه، وما كنت ُ بالذي أترك وصيّة خليلي وأخي وأنطلق إلى أبي بكر وما اجتمعتم عليه من الجور ".
وفي رواية: قال أبو بكر: ارجع إليه فقل: أجب! فإنّ الناس قد أجمعوا على بيعتهم إيّاه، وهؤلاء المهاجرون والأنصار يبايعونه وقريش، وإنّما أنت رجل من المسلمين لك ما لهم وعليك ما عليهم، وذهب إليه قنفذ فما لبث أن رجع، فقال: قال لك: " إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لي وأوصاني إذا واريته في حفرته: أن لا أخرج من بيتي حتّى أُؤلف كتاب الله فإنّه في جرائد النخل وفي أكتاف الإبل ".
أقول: يستفاد من ظاهر بعض الروايات وقوع الهجوم الأخير في هذا اليوم، لذكره عقيب هذه المراسلات، كما يظهر من كلام المسعودي، ولكن روى سليم عن سلمان أنّ إرسالهم كان بعد عرض القرآن عليهم قال سلمان:
لما بعث إليه علي (عليه السلام): " إني مشغول وقد آليت على نفسي يميناً أن لا أرتدي برداء إلاّ للصلاة حتى أؤلف القرآن وأجمعه.. " سكتوا عنه أياماً، فجمعه في ثوب واحد وختمه، ثم خرج إلى الناس وهم مجتمعون مع أبي بكر في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فنادى علي (عليه السلام) بأعلى صوته: " أيّها الناس! إنّي لم أزل منذ قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مشغولاً بغسله، ثم بالقرآن حتى جمعته كله في هذا الثوب
الواحد، فلم ينزل الله على رسول آية منه إلاّ وقد جمعتها، وليست منه آية إلاّ وقد أقرأنيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلّمني تأويلها.. ".
ثم قال علي (عليه السلام): " لئلا تقولوا غداً إنّا كنا عن هذا غافلين، لا تقولوا يوم القيامة إنّي لم أدعُكم إلى نصرتي.. ولم أُذكّركم حقّي.. ولم أدعُكم إلى كتاب الله من فاتحته إلى خاتمته ".
فقال له عمر: ما أغنانا بما معنا من القرآن عما تدعونا إليه!
ثم دخل علي (عليه السلام) بيته. ثم ذكر مراودات القوم معه كما مرّ.. وقال: فسكتوا عنه يومهم ذلك.

[color=#cf006b]الإستنصار:



قال سلمان: فلمّا كان الليل حمل علي (عليه السلام)، فاطمة (عليها السلام) على حمار، وأخذ بيد ابنيه الحسن والحسين (عليهما السلام)، فلم يدع أحداً من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلاّ أتاه في منزله، فناشدهم الله حقّه ودعاهم إلى نصرته، فما استجاب منهم رجل غيرنا أربعة، فإنّا حلقنا رؤوسنا، وبذلنا له نصرتنا، فلما أن رأى علي (عليه السلام) خذلان الناس إيّاه وتركهم نصرته واجتماع كلمتهم مع أبي بكر وتعظيمهم إياه لزم بيته.
وفي رواية ابن قتيبة: خرج علي (عليه السلام) يحمل فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)على دابّة ليلاً يدور في مجالس الأنصار تسألهم النصرة، فكانوا يقولون: يا بنت رسول الله! قد مضت بيعتنا لهذا الرجل، ولو أنّ زوجك وابن عمك سبق إلينا
قبل أبي بكر ما عدلنا به..!
فيقول علي (عليه السلام): " أفكنت أدع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في بيته لم أدفنه وأخرج أُنازع الناس سلطانه..؟! " فقالت فاطمة (عليها السلام): " ما صنع أبو الحسن إلاّ ما كان ينبغي له وقد صنعوا ما الله حسيبهم وطالبهم ".

الهجوم الثاني :

فاُخبر أبو بكر باجتماع بعض المتخلّفين عند أمير المؤمنين (عليه السلام) فبعث إليهم عمر بن الخطاب في جمع كثير، فجاء فناداهم فأبوا أن يخرجوا، فدعا عمر بالحطب، فقال: والذي نفس عمر بيده لتخرجنّ أو لأحرقنها على من فيها.. فقيل له: يا أبا حفص، إنّ فيها فاطمة! فقال: وإن؟!!.
ثمّ استأذن عمر أن يدخل عليهم فلم يُؤذن له، فشغب وأجلب.

خروج الزبير :

فخرج إليه الزبير مصلتاً سيفه، وقال: لا أغمده حتّى يُبايَع علي (عليه السلام).. وشدّ على عمر ليضربه بالسيف، فرماه خالد بن الوليد بصخرة فأصابت قفاه وسقط السيف من يده.
وفي رواية: ففرّ عمر من بين يديه ـ حسب عادته ـ وتبعه الزبير فعثر بصخرة في طريقه فسقط لوجهه.
وفي رواية أُخرى: زلّت قدمه وسقط إلى الأرض، فقال أبو بكر: عليكم بالكلب.
وفي رواية: فنادى عمر: دونكم الكلب.. فوثبوا عليهوأحاطوا به وكانوا أربعين رجلاً، فاعتنقه زياد بن لبيد الأنصاري ورجل آخر، فندر السيف من يده، فقال عمر: خذوا سيفه واضربوا به الحجر..
وفي رواية: صاح به أبو بكر ـ وهو على المنبر ـ: اضربوا به الحجر، فأخذ سلمة بن أسلم سيفه فضربه على صخرة أو جدار، فكسره.
وفي رواية أُخرى: إنّ محمّد بن سلمة هو الّذي كسره..
وفي رواية ثالثة: إنّ عمر ضرب بسيفه صخرة فكسره. فخرج من كان في الدار فبايعوا إلاّ عليّ (عليه السلام).

التوطئة للهجوم الأخير :

فقال عمر لأبي بكر: ما يمنعك أن تبعث إليه فيبايع..؟! وإن لم تفعل لأفعلن. ثم خرج مغضباً وجعل ينادي القبائل والعشائر: أجيبوا خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)! فأجابه الناس من كل ناحية ومكان..! فاجتمعوا عند مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)فدخل على أبي بكر وقال: قد جمعت لك الخيل والرجال.. فقال له أبو بكر: من نرسل إليه؟ قال عمر: نرسل إليه قنفذاً فهو رجل فظّ غليظ جاف من الطلقاء، أحد بني عدي بن كعب، فأرسله وأرسل معه أعواناً، وقال له: أخرجهم من البيت فإن خرجوا وإلاّ فاجمع الأحطاب على بابه، وأعلمهم إنّهم إن لم يخرجوا للبيعة أضرمت البيت عليهم ناراً.
فانطلق قنفذ واستأذن على علي (عليه السلام) فأبى أن يأذن لهم، فرجع أصحاب قنفذ إلى أبي بكر وعمر ـ وهما جالسان في المسجد والناس حولهما ـ فقالوا: لم يؤذن لنا، فقال عمر: اذهبوا! فإن أذن لكم وإلاّ فادخلوا بغير إذن.. فانطلقوا فاستأذنوا، فقالت فاطمة (عليها السلام): " أحرّج عليكم أن تدخلوا على بيتي بغير إذن.. " فرجعوا وثبت قنفذ، فقالوا: إنّ فاطمة قالت: كذا وكذا.. فتحرّجنا أن ندخل بيتها بغير إذن.

الهجوم الأخير :

فغضب عمر وقال: ما لنا وللنساء..؟! ثم أمر أُناساً حوله بتحصيل الحطب.
وفي رواية: فوثب عمر غضبان.. فنادى خالد بن الوليد وقنفذاً فأمرهما أن يحملا حطباً وناراً فقال أبو بكر لعمر: إئتني به بأعنف العنف..! وأخرجهم وإن أبوا فقاتلهم، فخرج في جماعة كثيرة من الصحابة من المهاجرين والأنصار والطلقاء والمنافقين وسفلة ا لأعراب وبقايا الأحزاب.
وفي رواية: إنّهم كانوا ثلاثمائة.
وقيل: غير ذلك، منهم:
1 ـ عمر بن الخطاب 2 ـ خالد بن الوليد 3 ـ قنفذ

4 ـ عبد الرحمن بن عوف 5 ـ أسيد بن حضير الأشهلي 6 ـ سلمة بن سلامة بن وقش الأشهلي 7 ـ سملة بن أسلم.
وفي بعضها: سلمة بن أسلم بن جريش الأشهلي 8 ـ المغيرة بن شعبة 9 ـ أبو عبيد ة بن الجراح 10 ـ ثابت بن قيس بن شماس 11 ـ محمد بن مسلمة
12 ـ سالم مولى أبي حذيفة 13 ـ أسلم العدوي 14 ـ عياش بن ربيعة 15 ـ هرمز الفارسي (جدّ عمرو بن أبي المقدام) 16 ـ عثمان 17 ـ زياد بن لبيد 18 ـ عبد الله بن أبي ربيعة 19 ـ عبد الله بن زمعة 20 ـ سعد بن مالك 21 ـ حماد وذكروا بعضهم أبا بكر أيضاً وكذا زيد بن ثابت، فقال لهم عمر: هلّموا في جمع الحطب.. فأتوا بالحطب، والنار، وجاء عمر ومعه فتيلة.
وفي رواية: أقبل بقبس من نار، وهو يقول: إن أبوا أن يخرجوا فيبايعوا أحرقت عليهم البيت.. فقيل له: إنّ في البيت فاطمة، أفتحرقها؟! قال: سنلتقي أنا وفاطمة!!.
فساروا إلى منزل علي (عليه السلام) وقد عزموا على إحراق البيت بمن فيه. قال أُبي بن كعب: فسمعنا صهيل الخيل، وقعقعة اللجم، واصطفاق الأسنة، فخرجنا من منازلنا مشتملين بأرديتنا مع القوم حتى وافوا منزل علي (عليه السلام). وكانت فاطمة (عليها السلام)قاعدة خلف الباب، قد عصبت رأسها ونحل جسمها في وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلما رأتهم أغلقت الباب في وجوههم وهي لا تشكّ أن لا يدخل عليها إلاّ بإذنها، فقرعوا الباب قرعاً شديداً ورفعوا أصواتهم وخاطبوا من في البيت بخطابات شتّى، ودعوهم إلى بيعة أبي بكر، وصاح عمر:
يابن أبي طالب! افتح الباب..!
والله لئن لم تفتحوا لنحرقّنه بالنار..!
والذي نفسي بيده لتخرجن إلى البيعة أو لأحرقنّ البيت عليكم..!
اخرج يا علي إلى ما أجمع عليه المسلمون وإلاّ قتلناك..!
إن لم تخرج يابن أبي طالب وتدخل مع الناس لأحرقنّ البيت بمن فيه..!
يابن أبي طالب! افتح الباب وإلاّ أحرقت عليك دارك..!
والله لتخرجن إلى البيعة ولتبايعنّ خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وإلاّ أضرمت عليك النار..!
يا علي! اخرج وإلاّ أحرقنا البيت بالنار..!
فخرجت فاطمة (عليها السلام) فوقفت من وراء الباب، فقالت: " أيها الضالّون المكذبون! ماذا تقولون؟ وأيّ شيء تريدون؟ " فقال عمر: يا فاطمة! فقالت: " ما تشاء يا عمر؟ " قال: ما بال ابن عمّك قد أوردك للجواب وجلس من وراء الحجاب؟
فقالت:" طغيانك يا شقيّ أخرجني وألزمك الحجّة.. وكلّ ضالّ غوي ".
فقال: دعي عنك الأباطيل وأساطير النساء!! وقولي لعلي يخرج.
فقالت: " لاحبّ ولاكرامة، أبحزب الشيطان تخوّفني يا عمر؟! وكان حزب الشيطان ضعيفاً ".
فقال: إن لم يخرج جئت بالحطب الجزل وأضرمتها ناراً على أهل هذا البيت وأحرق من فيه، أو يقاد علي إلى البيعة..!
فقالت فاطمة (عليها السلام): " يا عمر! ما لنا ولك لا تدعنا وما نحن فيه؟ " فقال: افتحي الباب وإلاّ أحرقنا عليكم بيتكم..
فقالت فاطمة (عليها السلام): " أفتحرق عليّ ولدي؟! " فقال: إي والله أو ليخرجنّ وليبايعنّ.
وفي رواية: " يابن الخطاب! أتراك محرقاً عليَّ بابي؟! " قال: نعم.
قالت: " ويحك يا عمر! ما هذه الجرأة على الله وعلى رسوله؟! تريد أن تقطع نسله من الدنيا وتطفئ نور الله والله متمّ نوره؟! " فقال: كفّي يا فاطمة! فليس محمّد حاضراً! ولا الملائكة آتية بالأمر والنهي والزجر من عند الله! وما عليّ إلاّ كأحد من المسلمين، فاختاري إن شئت خروجه لبيعة أبي بكر أو إحراقكم جميعاً..!
فقالت ـ وهي باكية ـ: " اللّهم إليك نشكو فقد نبيّك ورسولك وصفيّك، وارتداد أمّته علينا، ومنعهم إيّانا حقّنا الذي جعلته لنا في كتابك المنزل على نبيّك المرسل ".
فقال لها عمر: دعي عنك يا فاطمة حمقات النساء! فلم يكن الله ليجمع لكم النبوّة والخلافة..!!
فقالت: " يا عمر! أما تتقي الله عزّ وجلّ.. تدخل على بيتي، وتهجم على داري؟! " فأبى أن ينصرف.
إحراق الباب وإسقاط جنين فاطمة (عليها السلام) وضربها
ثم أمر عمر بجعل الحطب حوالي البيت وانطلق هو بنار وأخذ يصيح: أحرقوا دارها بمن فيها.
فنادت فاطمة (عليها السلام) بأعلى صوتها: " يا أبت يا رسول الله! ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة ".
فلما سمع القوم صوتها وبكاءَها انصرفوا باكين، وبقي عمر ومعه قوم، ودعا بالنار وأضرمها في الباب، فأخذت النار في خشب الباب، ودخل الدخان البيت، فدخل قنفذ يده يروم فتح الباب..
فأخذت فاطمة (عليها السلام) بعضادتي الباب تمنعهم من فتحه، وقالت: " ناشدتكم الله وبأبي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن تكفّوا عنا وتنصرفوا ".
فأخذ عمر السوط من قنفذ وضرب به عضدها، فالتوى السوط على يديها حتى صار كالدملج الأسود.
فضرب عمر الباب برجله فكسره، وفاطمة (عليها السلام) قد ألصقت أحشاءها بالباب تترسه، فركل الباب برجله وعصرها بين الباب والحائط عصرة شديدة قاسية حتى كادت روحها أن تخرج من شدّة العصرة، ونبت المسمار في صدرها ونبع الدم من صدرها وثدييها، فسقطت لوجهها ـ والنار تسعر ـ، فصرخت صرخة جعلت أعلى المدينة أسفلها، وصاحت: " يا أبتاه! يا رسول الله! هكذا يصنع بحبيبتك وابنتك.. آه يا فضّة! إليك فخذيني فقد والله قتل ما في أحشائي "، ثم استندت إلى الجدار وهي تمخض، وكانت حاملة بالمحسن لستة أشهر فأسقطته، فدخل عمر وصفق على خدّها صفقة من ظاهر الخمار، فانقطع قرطها وتناثرت إلى الأرض.
فخرج أمير المؤمنين (عليه السلام) من داخل الدار محمرّ العين حاسراً، حتى ألقى ملاءته عليها وضمّها إلى صدره وصاح بفضّة: " يا فضة! مولاتك! فاقبلي منها ما تقبله النساء فقد جاءها المخاض من الرفسة وردّ الباب، فأسقطت محسناً ".
وقال (عليه السلام): " إنّه لا حق بجدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيشكو اليه ".
وقال لفضة: " واريه بقعر البيت ".
ثم وثب علي (عليه السلام) فأخذ بتلابيب عمر ثم هزّه فصرعه ووجأ أنفه ورقبته وهمّ بقتله، فذكر قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وما أوصاه به من الصبر والطاعة، فقال: " والذي أكرم محمّداً (صلى الله عليه وآله وسلم) بالنبوة يا ابن صهاك! لولا كتاب من الله سبق وعهد عهده إليّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلمت أنك لا تدخل بيتي ".
فأرسل عمر يستغيث، فأقبل الناس حتى دخلوا الدار، فرجع قنفذ إلى أبي بكر وهو يتخوّف أن يخرج عليّ (عليه السلام) بسيفه، لما قد عرف من بأسه وشدّته، فقال أبو بكر لقنفذ: ارجع، فإن خرج وإلاّ فاقتحم عليه بيته، فإن امتنع فأضرم عليهم بيتهم النار..!
فانطلق قنفذ فاقتحم هو وأصحابه بغير إذن، وثار علي (عليه السلام) إلى سيفه فسبقوه إليه وكاثروه ـ وهم كثيرون ـ، فتناول بعض سيوفهم فكاثروه.
فقال عمر لعلي (عليه السلام): قم فبايع لأبي بكر، فتلكأ واحتبس، فأخذ بيده وقال: قم، فأبى أن يقوم، فألقوا في عنقه حبلاً وفي رواية: جعلوا حمائل سيفه في عنقه، وفي غير واحد من النصوص: أخرجوه ملبباً
بثيابه يجرّونه إلى المسجد، فصاحت فاطمة (عليها السلام) وناشدتهم الله وحالت بينهم وبين بلعها، وقالت: " والله لا أدعكم تجرّون ابن عمّي ظلماً، ويلكم ما أسرع ما خنتم الله ورسوله فينا أهل البيت.. " وبزعمها أنّها تخلّصه من أيديهم، فتركه أكثر القوم لأجلها.
فأمر عمر قنفذاً أن يضربها بسوطه، فضربها بالسوط على ظهرها وجنبيها إلى أن أنهكها وأثر في جسمها الشريف.
وفي رواية: ضربها قنفذ على وجهها وأصاب عينها.
وفي رواية اخرى: ألجأها قنفذ إلى عضادة بيتها ودفعها فكسر ضلعاً من جنبها فألقت جنيناً من بطنها، فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة.
وفي روايات اُخرى: ضربها على رأسها أو ذراعها أو كتفها، أو عضدها وبقي أثر السوط في عضدها مثل الدملج، أو لكزها بنعل السيف، وأنّ الضرب الصادر منه كان السبب في إسقاط جنينها أو كان اقوى سبب في ذلك.
وفي رواية: ضربها خالد بن الوليد ايضاً بغلاف السيف.
وفي رواية: ضغطها خالد بن الوليد خلف الباب فصاحت.. ولذا أسند بعض الثقات إسقاط الحمل إلى خالد أيضاً.
وفي رواية ضربها المغيرة بن شعبة حتى أدماها، أو دفع الباب على بطنها..
ولذا أُسند الإسقاط إليه أيضاً.
وفي رواية: التفت عمر إلى من حوله وقال: اضربوا فاطمة..!! فانهالت السياط على حبيبة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبضعته حتى أدموا جسمها، وبقيت آثار العصرة القاسية والصدمة المريرة تنخر في جسم فاطمة، فأصبحت مريضة عليلة حزينة.
وفي عدّة من الروايات: ضرب عمر بالغلاف على جنبها، وبالسوط على ذراعها، واسودّ متنها من أثر الضرب وبقي إلى أن قبضت.
قال سلمان: فلقد رأيت أبا بكر ومن حوله يبكون!! ما فيهم إلاّ باك، غير عمر وخالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة، وعمر يقول: إنّا لسنا من النساء ومن
رأيهنّ في شيء.

إخراج أمير المؤمنين (عليه السلام) ثانياً :

فاستخرج أمير المؤمنين (عليه السلام) من منزله مكرهاً مسحوباً، وانطلقوا به، يسوقه عمر سوقاً عنيفاً، ويقوده آخرون كما قال (عليه السلام): ".. كما يقاد الجمل المخشوش.. " إلى بيعتهم، مصلتة سيوفها، مقذعة أسنتها.. وهو ساخط القلب، هائج الغضب، شديد الصبر، كاظم الغيظ، فجيء به تعباً، وفي رواية: يمضي به ركضاً.. واجتمع الناس ينظرون، وامتلأت شوارع المدينة من الرجال، فما مرّ بمجلس من المجالس إلاّ يقال له: انطلق فبايع.. واتّبعه سلمان وأبو ذر والمقداد وعمّار وبريدة، وهم يقولون: ما أسرع ما خنتم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)وأخرجتم الضغائن التي في صدوركم.
وقال بريدة بن الخصيب الأسلمي: يا عمر! أتيت على أخي رسول الله ووصيّه وعلى ابنته فتضربها، وأنت الذي تعرفك قريش بما تعرفك به!!
وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) يتألّم ويتظلّم ويستنجد ويستصرخ، وهو يقول: " أما والله لو وقع سيفي في يدي، لعلمتم أنكم لم تصلوا إلى هذا أبداً، أما والله ما ألوم نفسي في جهادكم ولو كنت استمسك من أربعين رجلاً لفرّقت جماعتكم، ولكن لعن الله أقواماً بايعوني ثم خذلوني.. ".
ويقول أيضاً: " واجعفراه..! ولا جعفر لي اليوم، واحمزتاه..! ولا حمزة لي اليوم.. ".
فمرّوا به على قبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فوقف عند القبر وقال: " يـ ( ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي ) " فخرجت يد من قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)يعرفون أنها يده، وصوت يعرفون أنه صوته نحو أبي بكر: " يا هذا ( أَ كَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُراب ثُمَّ مِنْ نُطْفَة ثُمَّ سَوّاكَ رَجُلا )..؟! " قال عدي بن حاتم: ما رحمت أحداً رحمتي علياً حين أُتي به ملببا..
وقال سلمان حينما رأى ذلك: أيصنع ذا بهذا؟ والله لو أقسم على الله
لانطبقت ذه على ذه !!

وقال أبوذر: ليت السيوف عادت بأيدينا ثانية.

فخرجت فاطمة (عليها السلام) واضعة قميص رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على رأسها آخذة بيدي ابنيها ـ وهي تبكي وتصيح فنهنهت من الناس ـ فما بقيت هاشمية إلاّ خرجت معها فصرخت وولولت ونادت: " يا أبا بكر! ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).. والله لا أكلم عمر حتى ألقى الله(3).. خلّوا عن ابن عمّي..، مالي ولك يا أبا بكر؟! أتريد أن تؤتم ابنيّ وترملني من زوجي؟! والله لئن لم تكف عنه لأنشرنّ شعري، ولا شقنّ جيبي، ولآتينّ قبر أبي، ولأصيحنّ إلى ربّي.. فما صالح باكرم على الله من ابن عمّي، ولا ناقة صالح بأكرم على الله منّي، ولا الفصيل بأكرم على الله من ولدي.. " فقال علي (عليه السلام) لسلمان: " أدرك ابنة محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإني أرى جنبتي المدينة تكفئان، والله إن نشرت شعرها، وشقّت جيبها، وأتت قبر أبيها وصاحت إلى ربّها، لا يناظر بالمدينة أن يخسف بها وبمن فيها.. " فأدركها سلمان (رضي الله عنه) فقال: يا بنت محمّد! إن الله بعث أباك رحمةً.. فارجعي.
فقالت: " يا سلمان! يريدون قتل علي، ما عَلَيّ صبر ".
فقال سلمان: إنّي أخاف أن يخسف بالمدينة، وعلي (عليه السلام) بعثني إليك يأمرك أن ترجعني إلى بيتك.
فقالت:" إذاً أرجع وأصبر وأسمع له وأُطيع ".

قال أبو جعفر (عليه السلام): " والله لو نشرت شعرها لماتوا طرّاً ".
وفي رواية: عدلت بعد ذلك إلى قبر أبيها، فأشارت إليه بحزنة ونحيب وهي تقول:
" نفسي على زفراتها محبوسة
يا ليتها خرجت مع الزفرات

لا خير بعدك في الحياة وإنما
أبكي مخافة أن تطول حياتي "

ثم قالت: " وا أسفاه عليك يا أبتاه، واثكل حبيبك أبو الحسن المؤتمن، وأبو سبطيك الحسن والحسين، ومن ربيّته صغيراً وواخيته كبيراً، وأجلّ أحبّائك لديك، وأحبّ أصحابك عليك، أولهم سبقاً إلى الاسلام، ومهاجرةً إليك يا خير الأنام.. فها هو يساق في الأسر كما يقاد البعير ".
ثم إنها أنّت أنّةً وقالت: " وامحمداه..! واحبيباه..!، وا أباه..! وا أبا القاسماه..! وا أحمداه..! وا قلّة ناصراه..! وا غوثاه وا طول كربتاه..! وا حزناه..! وا مصيبتاه..! وا سوء صباحاه..! " وخرّت مغشيةً عليها، فضجّ الناس بالبكاء والنحيب، وصار المسجد مأتماً.
وفي رواية: وأصبحت فاطمة (عليها السلام) تنادي: " وا سوء صباحاه..! "، فسمعها أبو بكر فقال لها: إنّ صباحك لصباح سوء.

الإجبار على البيعة :

ثم انتهى بعليّ (عليه السلام) إلى أبي بكر فأجلسوه بين يديه ـ وعمر قائم بالسيف على رأسه ـ وخالد بن الوليد وأبو عبيد ة بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفة و معاذ بن جبل والمغيرة بن شعبة وأُسيد بن حضير و بشير بن سعد وسائر الناس حول أبي بكر عليهم السلاح، فقال علي (عليه السلام): " ما أسرع ما توثّبتم على أهل بيت نبيّكم، يا أبا بكر! بأيّ حقّ.. وبأيّ ميراث.. وبأيّ سابقة..! تحثّ الناس إلى بيعتك؟ ألم تبايعني بالأمس بأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ " فجلس عمر على ركبتيه وحسر عن ذراعيه، وانتهر علياً (عليه السلام) وقال له: بايع ودع عنك هذه الأباطيل، فقال له (عليه السلام): " فإن لم أفعل فما أنتم صانعون؟ " قالوا: نقتلك ذلاً وصغاراً.
وفي بعض الروايات: قال أبو بكر ـ وفي بعضها قال عمر ـ: إذاً والله الذي لا إله إلاّ هو نضرب عنقك.
فقال: " إذاً تقتلون عبد الله وأخا رسوله ".
قال أبو بكر أو عمر ـ على اختلاف النصوص ـ: أمّا عبد الله فنعم، أمّا أخا رسول الله فلا.
فقال علي (عليه السلام): " أما والله لولا قضاء من الله سبق وعهد عهده إليّ خليلي لست أجوزه لعلمت أيّنا أضعف ناصراً وأقلّ عدداً ".
ثم أقبل علي (عليه السلام) عليهم فقال: " يا معشر المسلمين والمهاجرين والأنصار! أُنشدكم الله أسمعتم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول يوم غدير خم.. كذا وكذا، وفي غزوة تبوك.. كذا وكذا.. " فلم يدع علي (عليه السلام) شيئاً قاله فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)علانية للعامّة
إلاّ ذكّرهم إيّاه. فقالوا: اللّهم نعم، فلما تخوّف أبو بكر أن ينصره الناس وأن يمنعوه.. بادرهم فقال: كلّما قلت حقّ، قد سمعناه بآذاننا ووعته قلوبنا، ولكن قد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول بعد هذا: إنّا أهل بيت اصطفانا الله وأكرمنا واختار لنا الآخرة على الدنيا، وإنّ الله لم يكن ليجمع لنا أهل البيت النبوّة والخلافة.
فقال علي (عليه السلام): " هل أحد من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) شهد هذا معك؟ " فقال عمر: صدق خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد سمعنا هذا منه كما قال، وقال أبو عبيدة وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل: قد سمعنا ذلك من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
فقال علي (عليه السلام): " لقد وفيتم بصحيفتكم الملعونة التي قد تعاقدتم عليها في الكعبة إن قتل الله محمداً أو مات لتزونّ هذا الأمر عنّا أهل البيت، فقال أبو بكر: فما علمك بذلك؟! ما اطلعناك عليها؟!
فقال علي (عليه السلام): " أنت يا زبير.. وأنت يا سلمان.. وأنت يا أباذر.. وأنت يا مقداد.. أسألكم بالله وبالإسلام أما سمعتم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول ذلك وأنتم تسمعون: " إن فلاناً وفلاناً.. حتى عدّ هؤلاء الخمسة قد كتبوا بينهم كتاباً وتعاهدوا فيه وتعاقدوا على ما صنعوا؟ " فقالوا: اللّهم نعم، قد سمعنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: " إنّهم قد تعاهدوا وتعاقدوا على ما صنعوا وكتبوا بينهم كتاباً إن قتلت أو متُّ أن يزووا عنك هذا يا علي "، فقلتَ: " بأبي أنت يا رسول الله! فما تأمرني إذا كان ذلك أن أفعل؟ " فقال لك: " إن وجدت عليهم أعواناً فجاهدهم ونابذهم، وإن لم تجد أعواناً فبايعهم واحقن دمك ".
فقال علي (عليه السلام): " أما والله لو أنّ اؤلئك الأربعين رجلاً الذين بايعوني وفوا لي لجاهدتكم في الله، ولكن ـ أما والله ـ لا ينالها أحد من عقبكما إلى يوم القيامة. وفيما يكذّب قولكم على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قول الله: ( أَمْ يَحْسُدُونَ النّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً )(1) فالكتاب: النبوّة، والحكمة: السنّة، والملك: الخلافة، ونحن آل ابراهيم.. " فقام بريدة فقال: يا عمر! ألستما اللذين قال لكما رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " انطلقا إلى علي (عليه السلام) فسلّما عليه بإمرة المؤمنين "، فقلتما: أعن أمر الله وأمر رسوله؟ فقال: " نعم ".
فقال أبو بكر: قد كان ذلك يا بريدة ولكنّك غبت وشهدنا والأمر يحدث بعده الأمر.
وفي رواية قال أبو بكر: قد كان ذلك ; ولكن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال ـ بعد ذلك ـ: لا يجتمع لأهل بيتي الخلافة والنبوة. فقال: والله ما قال هذا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). فقال عمر: ما أنت وهذا يا بريده! وما يدخلك في هذا؟ قال بريدة: والله لاسكنت في بلدة أنتم فيها أُمراء.. فأمر به عمر فضُرب وأُخرج.
ثم قام سلمان فقال: يا أبا بكر! اتق الله وقم عن هذا المجلس ودعه لأهله، يأكلوا به رغداً إلى يوم القيامة، لا يختلف على هذه الاُمة سيفان.. فلم يجبه أبو بكر، فأعاد سلمان فقال مثلها، فانتهره عمر وقال: ما لك ولهذا الأمر وما يدخلك فيما هاهنا؟ فقال: مهلاً يا عمر! قم يا أبا بكر عن هذا المجلس ودعه لأهله يأكلوا به والله خضراً إلى يوم القيامة، وإن أبيتم لتحلبن به دماً، وليطمعن فيه الطلقاء والطرداء والمنافقون، والله لو أعلم أني أدفع ضيماً أو أعز لله ديناً لوضعت سيفي على عاتقي ثم ضربت به قدماً قدماً، أتثبون على وصيّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!! فابشروا بالبلاء.. واقنطوا من الرخاء.
ثم قام أبو ذر فقال: أيّتها الأُمّة المتحيرة بعد نبيّها (صلى الله عليه وآله وسلم) المخذولة بعصيانها..! إنّ الله يقول: ( إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْض وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )(1) وآل محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) الأخلاف من نوح وآل إبراهيم من إبراهيم، والصفوة والسلالة من إسماعيل وعترة النبي محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، أهل بيت النبوّة، وموضع الرسالة، ومختلف الملائكة، وهم كالسماء المرفوعة، والجبال المنصوبة، والكعبة المستورة، والعين الصافية، والنجوم الهادية، والشجرة المباركة، أضاء نورها، وبورك زيتها.. محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) خاتم الأنبياء، وسيد ولد آدم، وعلي وصيّ الأوصياء، وإمام المتقين، وقائد الغرّ المحجلين، وهو الصديق الأكبر، والفاروق الأعظم، ووصيّ محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)ووارث علمه، وأولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم، كما قال الله تعالى: ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَأُولُوا الأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْض فِي كِتابِ اللّهِ )(2) فقدّموا من قدّم الله، وأخّروا من أخرّ الله، واجعلوا الولاية والوزارة لمن جعل الله..
ثم قام أبو ذر والمقداد وعمار فقالوا لعليّ (عليه السلام): ما تأمر؟ والله إن أمرتنا لنضربن بالسيف حتى نُقتل. فقال علي (عليه السلام): " كفّوا رحمكم الله! واذكروا عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وما أوصاكم به.. " فكفّوا.
وأقبلت أُمّ أيمن النوبية ـ حاضنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ وأُمّ سلمة فقالتا: يا عتيق! ما أسرع ما أبديتم حسدكم لآل محمّد.. فأمر بهما عمر أن تخرجا من المسجد، وقال: ما لنا وللنساء؟!
ثم قام عمر فقال لأبي بكر ـ وهو جالس فوق المنبر ـ: ما يجلسك فوق المنبر وهذا جالس محارب لا يقوم فيبايعك أو تأمر به فتضرب عنقه..؟ والحسن والحسين (عليهما السلام) قائمان، فلما سمعا مقالة عمر بكيا، فضمّهما (عليه السلام) إلى صدره فقال:
" لا تبكيا فوالله ما يقدران على قتل أبيكما "، ثم قال عمر: قم يابن أبي طالب فبايع.
فقال (عليه السلام): " فإن لم أفعل؟ " قال: اذاً والله نضرب عنقك.. فاحتج عليهم ثلاث مرّاتفالتفت علي (عليه السلام) إلى القبر، وقال: " يـ ( ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي ) " ـ وفي بعض الروايات قالها قبل ذلك، وفي بعضها بعده ـ ورفع رأسه إلى السماء وقال: " اللّهم اشهد ".
فمدّوا يده كرهاً فقبض على أنامله وعسر عليهم فتحها فراموا بأجمعهم فتحها فلم يقدروا، فمسح أبو بكر عليها وهي مضمومة.
وفي رواية: لما بلغ ذلك العباس بن عبد المطلب أقبل مسرعاً يهرول ويقول: ارفقوا بابن أخي ولكم عليّ أن يبايعكم.. فأخذ هو بيد علي (عليه السلام) فمسحها على يد أبي بكر ثمّ خلّوه مغضباً.
ثم قال علي (عليه السلام): " سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: ليجئن قوم من أصحابي من أهل العلية والمكانة منّي ليمرّوا على الصراط فإذا رأيتهم ورأوني.. وعرفتهم

وعرفوني.. اختلجوا دوني فأقول: أي ربّ أصحابي.. أصحابي! فيقال: ما تدري ما أحدثوا بعدك، إنّهم ارتدّوا على أدبارهم حيث فارقتهم، فأقول: بعداً وسحقاً ".
وأما فاطمة (عليها السلام)
وأما فاطمة (عليها السلام) ; فبقيت آثار العصرة القاسية في جسمها، وأصبحت مريضة عليلة حزينة، ولزمت الفراش، ونحل جسمها، وذاب لحمها، وصارت كالخيال، ومرضت مرضاً شديداً، ولم تدع أحداً ممن آذاها يدخل عليها، وما رئيت ضاحكة إلى أن قبضت.
عيادة الشيخين
فلما ثقلت واشتدّ مرضها قال عمر لأبي بكر: انطلق بنا إلى فاطمة (عليها السلام)فإنّا قد أغضبناها.. فاستأذنا عليها فلم تأذن لهما، فطالت عليهما المدافعة، فأتيا علياً (عليه السلام) وقالا: قد كان بيننا وبينها ما قد علمت، فإن رأيت
أن تأذن لنا فنعتذر إليها من ذنبنا.
وفي رواية: فلما رأى ذلك أبو بكر أعطى الله عهداً، لا يظلّه سقف بيت حتى يدخل على فاطمة (عليه السلام) ويترضاها، فبات ليلة في الصقيع ما أظلّه شيء، ثم إن عمر أتى علياً (عليه السلام) فقال له: إنّ أبا بكر شيخ رقيق القلب وقد كان مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الغار فله صحبة، وقد أتيناها غير هذه المرّة مراراً نريد الإذن عليها وهي تأبى أن تأذن لنا حتى ندخل عليها فنتراضى، فإن رأيت أن تستأذن لنا عليها فافعل، قال: " نعم ". فدخل علي (عليه السلام) على فاطمة (عليها السلام) فقال: " يا بنت رسول الله! قد كان من هذين الرجلين ما قد رأيت.. وقد تردّدا مراراً كثيرة... ورددتِهما ولم تأذني لهما، وقد سألاني أن أستأذن لهما عليك "، فقالت: " والله لا آذن لهما ولا أكلّمهما كلمة من رأسي حتى ألقى أبي فأشكوهما إليه بما صنعاه وارتكباه مني.. " فألحّ عليها علي (عليه السلام) وقال: " فإنّي ضمنت لهما ذلك "، قالت: " إن كنت قد ضمنت لهما شيئاً.. فالبيت بيتك، والنساء تتبع الرجال لا أُخالف عليك شيء، فائذن لمن أحببت " فخرج علي (عليه السلام) فأذن لهما، فلما وقع بصرهما على فاطمة (عليها السلام) سلّما عليها.. فلم تردّ عليهما وحوّلت وجهها الكريم عنهما!!، فتحولا واستقبلا وجهها، حتى فعلت مراراً، وقالت: " يا علي! جاف الثوب.. " وقالت لنسوة حولها: " حوّلن وجهي.. " فلما حولن وجهها حَوَّلا إليها، فقال أبو بكر: يا بنت رسول الله! إنّما أتيناك ابتغاء مرضاتك، واجتناب سخطك، نسألك أن تغفري لنا وتصفحي عمّا كان منّا إليك، قالت: " لا أكلمكما من رأسي كلمة واحدة حتى ألقى أبي.. وأشكوكما إليه.. وأشكو صنعكما وفعالكما وما ارتكبتما منّي ". قالا: إنا جئنا
معتذرين مبتغين مرضاتك فاغفري واصفحي عنّا ولا تؤاخذينا بما كان منا.
وفي رواية: اعترفنا بالإساءة ورجونا أن تعفي عنا وتخرجي سخيمتك.
فالتفتت إلى علي (عليه السلام) وقالت: " إنّي لا أكلمهما من رأسي كلمة حتى أسألهما عن شيء سمعاه من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فإنْ صدقاني رأيت رأيى.. " قالا: اللّهم ذلك لها، وإنّا لا نقول إلاّ حقّاً ولا نشهد إلاّ صدقاً، فقالت: " أُنشدكما بالله! هل سمعتما النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: " فاطمة بضعة منّي وأنا منها، من آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذاها بعد موتي فكان كمن آذاها في حياتي، ومن آذاها في حياتي كان كمن آذاها بعد موتي؟! " قالا: اللّهم نعم.
فقالت: " الحمد لله "، ثم قالت: " اللّهم إنّي أُشهدك فاشهدوا يا من حضرني، أنهما قد آذياني في حياتي وعند موتي، والله لا أُكلمكما من رأسي كلمة حتى ألقى ربي فأشكوكما إليه بما صنعتما به وبي وارتكبتما مني.. " فدعا أبو بكر بالويل والثبور، وقال: ليت أُمّي لم تلدني، فقال عمر: عجباً للناس كيف ولّوك أُمورهم وأنت شيخ قد خرفت، تجزع لغضب امرأة وتفرح برضاها.
وفي رواية: قالت: " نشدتكما الله! ألم تسمعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: " رضا فاطمة من رضاي، وسخط فاطمة من سخطي، فمَنْ أحبّ فاطمة ابنتي فقد أحبّني، ومَنْ أرضى فاطمة فقد أرضاني، ومَنْ أسخط فاطمة فقد أسخطني؟ " قالا: نعم، قالت: " فإني أُشهد الله وملائكته أنّكما أسخطتماني وما أرضيتماني.. ولئن لقيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأشكونكما إليه " فانتحب أبو بكر يبكي، وهي تقول: " والله لأدعونّ الله عليك في كل صلاة
أصلّيها ".
فلما خرجا قالت لامير المؤمنين (عليه السلام): " هل صنعت ما أردت؟ " قال: " نعم "، قالت: " فهل أنت صانع ما آمرك به؟ " قال: " نعم "، قالت: " فإنىّ أُنشدك الله ألاّ يصلّيا على جنازتي.. ولا يقوما على قبري ".

تجهيز فاطمة (عليها السلام) ودفنها وبكاء أمير المؤمنين (عليه السلام) عليها :


ثم إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يمرّضها بنفسه، وتعينه على ذلك أسماء بنت عميس سرّاً، إلى أن حضرتها الوفاة فأخذت تبكى، فقال لها أمير المؤمنين (عليه السلام): " يا سيدتي! ما يبكيك؟ " قالت: " أبكي لما تلقى بعدي ". فقال لها: " لا تبكي! فوالله إن ذلك لصغير في ذات الله " فوصّته بأن يتولى أمرها ويدفنها ليلاً،
ويعفى قبرها، ولا يحضر عند تجهيزها والصلاة عليها ودفنها الشيخان وأعوانهم.
ثم إنها لبست ثيابها الجدد ـ بعد أن اغتسلت ـ ثم أمرت أن لا تكشف..
وفي بعض الروايات قالت: " لا يكشفنّ أحد لي كتفاً ".
فعمل أمير المؤمنين (عليه السلام) بوصيتها، فغسّلها ليلاً، وحينما كان مشغولاً بتغسيلها بكى بكاءً عالياً، ثم خرج ودموعه تسيل على خدّيه، فلما سُئل عن ذلك أجاب بأنّه وجد آثار السياط والرفسة والضربات بجسمها، بل قال المقداد
: خرجت بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من الدنيا وظهرها وجنبها يدميان من أثر ضربات السيف والسياط. فصلّى عليها أمير المؤمنين (عليه السلام) ليلاً ولم يشهدها إلاّ خواصه.
فدفنها أمير المؤمنين (عليه السلام) وعَفَّى موضع قبرها.. فلما نفض يده من تراب القبر هاج به الحزن، فأرسل دموعه على خدّيه وحوّل وجهه إلى قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: " السلام عليك يا رسول الله منّى والسلام عليك من ابنتك وحبيبتك، وقرّة عينك، وزائرتك، والبائتة في الثري ببقعتك، والمختار الله لها سرعة اللحاق بك.. قلّ يا رسول الله! عن صفيّتك صبري، وضعف عن سيّدة النساء تجلّدي، إلاّ أن في التأسّي لي بسنّتك والحزن الذي حلّ بي لفراقك موضع التعزي، ولقد وسّدتك في ملحود قبرك، بعد أن فاضت نفسك على صدري، وغمّضتك بيدي، وتولّيت أمرك بنفسي، نعم وفي كتاب الله أنعم القبول ( إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ) قد استُرجِعَت الوديعة وأُخذت الرهينة وأُخلست الزهراء فما أقبح الخضراء والغبراء.
يا رسول الله! أمّا حزني فسرمد، وأمّا ليلي فمسهّد، لا يبرح الحزن من
قلبي أو يختار الله لي دارك الّتي فيها أنت مقيم، كمد مقيّح، وهم مهيّج، سرعان ما فرّق بيننا وإلى الله أشكو..
وستنبئك ابنتك بتظاهر أُمّتك عليّ وعلى هضمها حقّها فاستخبرها الحال، فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلاً، وستقول و ( يَحْكُم اللّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ ).
سلام عليك ـ يا رسول الله! ـ سلام مودّع، لاسئم ولا قال، فإنْ أنصرف فلا عن ملالة، وإنْ أقم فلا عن سوء ظنّي بما وعد الله الصابرين الصبر أيمن وأجمل، ولو لا غلبة المستولين علينا لجعلت المقام عند، قبرك لزاماً، والتلبّث عنده معكوفاً، ولأعولت إعوال الثكلى على جليل الرزيّة فبعين الله تدفن بنتك سرّاً.. ويهتضم حقّها قهراً.. ويمنع إرثها جهراً.. ولم يطل العهد، ولم يخلق منك الذكر، فإلى الله ـ يا رسول الله! ـ المشتكى، وفيك أجمل العزاء.. فصلوات الله عليها وعليك ورحمة الله وبركاته ".



لعن الله ظالميك وغاصبي حقك يا مولاتنا يا فاطمة الزهراء وعليك سلام الله ما بقينا
وبقي الليل والنهار .[/font]
[/color]
علي كريم الربيعي
الـمـديـر التـنـفـيـذي
مشاركات: 1247
اشترك في: الخميس أغسطس 14, 2008 5:07 am

Re: تفصيل قضية الهجوم على دار الزهراء(ع)

مشاركة بواسطة علي كريم الربيعي »

حفظكم الله ورعاكم

لو عملتوا البحث على حلقات أفضل من سرده مرة واحده وحتى لايكون ممل للأعضاء

جزيتم خير الجزاء
شجن
عضو موقوف
مشاركات: 2578
اشترك في: السبت يونيو 07, 2008 3:10 am

Re: تفصيل قضية الهجوم على دار الزهراء(ع)

مشاركة بواسطة شجن »

[align=center]ربي يعطيك الف عافيه

طرح موفق ان شاء الله

دمتيـ بصحه
شجن[/align]
مظلومة يا زهراء

Re: تفصيل قضية الهجوم على دار الزهراء(ع)

مشاركة بواسطة مظلومة يا زهراء »

[font=Arabic Transparent]حياكم الله جميعاً وشكراً لحضوركم المشرف


إن شاء الله سأعمل بما نصحت في المرات القادمة ولكن قراءة هذا الجزء المتواصل مهمة جداً
ومن يقرأها لن يشعر بطولها لأن بها أمور قد لا يعلمها البعض.


شكراً لهذا التواصل والتعاون الجميل[/font]
صورة العضو الرمزية
تربة البقيع
مـشـرفـة
مشاركات: 6215
اشترك في: الخميس يوليو 31, 2008 2:53 pm

Re: تفصيل قضية الهجوم على دار الزهراء(ع)

مشاركة بواسطة تربة البقيع »

[font=Traditional Arabic]بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
لعن الله من اذاخا لعن الله من ظلمها
سددت خطاكم في طريق الخير
و صب الله عليكم ابواب العلم صبا
اثابكم المولى على كتابة هذا الموضوع
[/font]
صورة
مظلومة يا زهراء

Re: تفصيل قضية الهجوم على دار الزهراء(ع)

مشاركة بواسطة مظلومة يا زهراء »

[align=center]
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجّل فرجهم وارحمنا بهم

للرفع ..
[/align]
صورة العضو الرمزية
أنوار فاطمة الزهراء
المدير الإداري
مشاركات: 49612
اشترك في: الثلاثاء سبتمبر 23, 2008 1:36 pm
الجنس: فاطمية

Re: تفصيل قضية الهجوم على دار الزهراء(ع)

مشاركة بواسطة أنوار فاطمة الزهراء »

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد

لعن الله من سن الظلم عليكم يا لأهل البيت
لعن الله ظالميكم من الأولين والأخرين

قرأت التفصيل أيضا في كتاب مأساة الزهراء ردود وشبهات للسيد جعفر العاملي من أيران
كتاب فيه تفاصيل يقشعر الجسم منه
لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
صورة العضو الرمزية
يا ساقي عطاشى كربلاء
فـاطـمـيـة
مشاركات: 4200
اشترك في: الاثنين يوليو 28, 2008 9:55 pm

Re: تفصيل قضية الهجوم على دار الزهراء(ع)

مشاركة بواسطة يا ساقي عطاشى كربلاء »

بسْــمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمّـَدٍ وآلِ مُحَمّـَدٍ وعَجِّلْ فَرَجَهُمْ وسَهّـِلْ مَخْرَجَهُمْ والعَنْ أعْدَاءَهُمْ
طرح قيم ومبارك
وفقكم الله تعالى وقضى حوائجكم

ننتظر جديدكم المميز
اين الطالب بدم المقتول بكربلاء

بريق الزهراء
صورة العضو الرمزية
أيمان الزهراء
عضو موقوف
مشاركات: 5923
اشترك في: الخميس نوفمبر 12, 2009 3:55 pm

Re: تفصيل قضية الهجوم على دار الزهراء(ع)

مشاركة بواسطة أيمان الزهراء »

جزاك الله كل خير على هذا الطرح الرائع
المرأة تكلف بأكمالها تسع سنوات
صورة العضو الرمزية
مليكة الصبر
فـاطـمـيـة
مشاركات: 134
اشترك في: الثلاثاء نوفمبر 10, 2009 2:13 pm

Re: تفصيل قضية الهجوم على دار الزهراء(ع)

مشاركة بواسطة مليكة الصبر »

جزاك الله كل خير على هذا الطرح الرائع
صورة العضو الرمزية
أسيرة كربلاء
فـاطـمـيـة
مشاركات: 5064
اشترك في: السبت إبريل 03, 2010 1:43 am

Re: تفصيل قضية الهجوم على دار الزهراء(ع)

مشاركة بواسطة أسيرة كربلاء »

اللهم صل على محمد وال محمد الابرار الاخيار
صورة
دمتم بحفظ الله ورعايته
صورة
صورة العضو الرمزية
فاطمة مشكاة قبري
فـاطـمـيـة
مشاركات: 6385
اشترك في: الخميس ديسمبر 17, 2009 7:59 pm

Re: تفصيل قضية الهجوم على دار الزهراء(ع)

مشاركة بواسطة فاطمة مشكاة قبري »

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين

الله يجزكِ خير الجزآء أختي العزيزة.. مظلومة يآزهرآء..
وفقكِ الله لكل خير ورزقكِ شفآعة السيدة الزهرآء (ع) ..
عين المولى ترعآكِـ
صورة
شكراً كثيراً صورة

العودة إلى ”روضة النبي المختار "ص" وال بيته الاطهار "ع"“