بلّغ رسول الله (ص) رسالته وأكمل مهمّته على هذه الارض ، وآن له أن يلتحق بربّه ، ويحيا حياة الخلد والنعيم ، فيدنو من هناء الأجل .
ويمرض رسول الله (ص) ، ويشتدّ عليه مرضه ، وفاطمة (ع) تنظر إليه فتشعر أنّها هي حاملة الألم والمرض .
جاءت فاطمة لتعود أباها ، جاءته بخطى وئيدة حزينة حتّى قربت منه ، فرحّب بها ، وهشّ لها ، ثمّ أجلسها إلى جنبه قائلاً: مرحباً بابنتي ، ثم أعلمها بقرب أجله ورحيله ، فبكت لذلك ، ثمّ أخبرها أنّها أوّل أهله لحاقاً به فضحكت (104) فرحاً بذلك ، ممّا يدلّ على شدّة تعلّقها برسول الله (ص) ، إذ تختار الموت للقائه عن الحياة بدونه .
أيّام المرض تمرّ ثقيلة وئيـدة ، فيعايشها المسلمون بترقّب وحذر ، وتعايشها فاطمة (ع) بحزن وألم ، ويأذن الله لنبيّه (ص) أن يلحق به ، ويمضي إلى عالمه العلوي ، فيختاره تعالى إلى جواره، وينتقل إلى الرفيق الأعلى .
لقد رُزِئت البشرية بنبيّها ، وتفقد الأرض كوكب الهداية والرحمة ، وتشتدّ الرزية على فاطمة (ع) ويعظم المصاب في نفسها ، وتظلّ تعيش بعد أبيها في حزن وألم ، وهي ترقب ساعة اللحاق به والعيش معه في جنّات الخلد .
لم تعش الزّهراء (ع) طويلاً بعد أبيها ، وكما أخبرها (ص) أنّها أوّل أهل بيته لحاقاً به ، فقد اختلف المؤرِّخون في المدّة الّتي عاشتها بعد أبيها ، فذهب بعضهم إلى أنّها عاشت خمسة وسبعين يوماً ، وذهب آخرون إلى أنّها عاشت ثلاثة أشهر ، وقال غيرهم أنّها عاشت ستّة أشهر .
لقد عاشت فاطمة (ع) هذه المدّة الوجيزة صابرة محتسبة ، قضتها بالعبادة والانقطاع إلى الله سبحانه ، كما ساهمت فيها مساهمة فعّالة في قضايا الرسالة والاُمّة ، كقضيّة الخلافة والبيعة .
وقفت فاطمة إلى جانب الامام عليّ (ع) ، وأحقِّيّته في الخلافة بعد رسول الله (ص) ، وكانت تلتقي بالمهاجرين والانصار وتحاورهم في ذلك، ومرّت عليها في تلك الايّام ظروف عصيبة أثّرت في صحّتها وسلامتها ، إذ كانت ترى الحق يُزوى عن موضعه ، وأنّ وصايا رسول الله (ص) في أهل بيته قد نُسيت وانشـغل الناس عنها ، وخرجت فاطمة (ع) من تلك الأحداث منكسرة حزينة آيسة من الأوضاع ، تحمل معها الهموم الثقال .
ووقع بينها وبين أبي بكر وعمر خلافٌ حول فدك ، وهي أرض زراعية وهبها لها الرسول (ص) ، فلمّا توفِّي ، رفض أبو بكر إعطاءها ذلك ، وردّ شهادة عليّ والحسنين (ع) بحقِّها ، وقد حاججته الزّهراء (ع) في خطبة عظيمة رواها المؤرِّخون .
ولم ترجع ملكيّة فدك لأهل البيت (ع) إلاّ في زمن عمر بن عبدالعزيز الّذي ردّها على أولاد فاطمة ، فلمّا توفِّي، اغتصبها الحكّام الامويون مرّة اُخرى .