بسم الله الرحمن الرحيم
وصل اللهم على سيدة نساء العالمين الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء (ع)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من وحي الزيارة الفاطميّة لقد ثبت بالبراهين الساطعة والحجج القاطعة ، ومن خلال الأدلّة العقليّة والنقليّة من الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة أنّ صفوة الخلائق وزبدة عالم الإمكان وسرّ الوجود ونقطة الانطلاق في عالمي الأمر والخلق هم الأربعة عشر المعصومين عليهمالسلام فهم كلّ الوجود الخلقي ووجود الكلّ الإمكاني ، هم فاطمة الزهراء وأبوها وبعلها وبنوها الأئمة الأحد عشر عليهم صلوات اللّه وسلامه أبد الآبدين ، فقد كرّمهم اللّه بالشموخ والعظمة والمقامات التي لا تدركها العقول ، فلا يقاس بهم أحد من الخلق ، كفاهم جلالةً وكمالاً وشموخا أنّ اللّه بدأ بهم الخلق كما يختم ـ كما ورد في زيارة الجامعة الكبرى التي تعدّ أساس التشيّع في معرفة الإمام عليهالسلام
( بكم بدأ اللّه وبكم يختم ) ـ فحباهم ربّهم وصانعهم بمكارم وفضائل
لا تعدّ ولا تحصى ، وميّزهم في عالمي التكوين والتشريع وفي الدنيا والآخرة بخصائص ودرجات لم يعطَ لغيرهم من المقرّبين . كلّما سبرنا في أعماق منازلهم القدسيّة فإنّا لم نبلغ معشار العشر أي واحد بالمئة كما ورد في الأحاديث الشريفة« نزّلونا عن الربوبيّة وقولوا فينا ما شئتم ولن تبلغوا وما تقولونه معشار العشر »
فإنّهم مرآة صفات اللّه العليا ومظاهر أسمائه الحسنى « لا فرق بينك وبينهم إلاّ أ نّهم عبادك فتقها ورتقها بيدك »(1الزيارة الرجبية .
ومن مقامهم الرفيع أنّ الخلق كلّه في ضيافتهم ، فإنّه بيُمنهم رُزق الورى ، وبوجودهم ثبتت الأرض والسماء « بهم يمسك السماء أن تقع على الأرض » ، « ولولا الحجّة لساخت الأرض بأهلها » . ثمّ اختصّ اللّه شيعتهم ومحبّيهم بضيافة تخصّ بأوليائهم ، فقد ورد عنهم عليهم السلام في قول جدّهم رسول اللّه صلى الله عليه وآله : « لا تعادوا الأياّم فتعاديكم » ، إنّ كلّ يوم من الاُسبوع في عالم التكوين يختصّ بواحد منهم أو ببعضهم منذ أن خلق اللّه
السماوات والأرض ، فيزار المعصوم عليهالسلام في ذلك اليوم ، ويكون الزائر الموالي ضيفه وفي كنفه وحمايته
____
.فيوم السبت مختصّ بجدّهم رسول اللّه محمّد صلى الله عليه وآله فيقول الزائر المؤمن والزائرة المؤمنة بعد ذكر أوصاف النبيّ صلى اللهعليه وآله : « يا رسول اللّه ، صلوات اللّه عليك وعلى آل بيتك الطاهرين ، هذا يوم السبت وهو يومك وأنا فيه ضيفك وجارك فأضفني وأجرني فإنّك كريم تحبّ الضيافة ومأمور بالإجارة فأضفني وأحسن ضيافتي وأجرنا وأحسن إجارتنا بمنزلة اللّه عندك وعند آل بيتك عليهمالسلام وبمنزلتهم عنده وبما استودعكم من علمه فإنّه أكرم الأكرمين » .
ويوم الأحد باسم أمير المؤمنين عليّ المرتضى وفاطمة الزهراء عليهماالسلام ويقول الزائر بعد السلام والصلاة وذكر شمّة من صفات الإمام : « يا مولاي ، يا أمير المؤمنين ، هذا يوم الأحد وهو يومك وباسمك وأنا ضيفك فيه وجارك فأضفني يا مولاي وأجرني فإنّك كريم تحبّ الضيافة ومأمور بالإجارة فافعل ما رغبت إليك فيه ورجوته منك بمنزلتك وآل بيتك عند اللّه ومنزلته عندكم وبحقّ ابن عمّك رسول اللّه صلّى عليه وآله أجمعين » .
____
ويوم الاثنين باسم السبطين الإمامين الحسنين الحسن المجتبى والحسين سيّد الشهداء عليهماالسلام فبعد السلام يقول : « يا مولاي يا أبا محمّد ، ويا مولاي يا أبا عبد اللّه ، هذا يوم الاثنين وهو يومكما وباسمكما وأنا ضيفكما فأضيفاني وأحسنا ضيافتي فنعم من استضيف به أنتما وأنا فيه من جواركما فأجيراني فإنّكما مأموران بالضيافة والإجارة فصلّى اللّه عليكما وآلكما الطيّبين » .
____
ويوم الثلاثاء باسم الأئمة الأطهار الإمام السجّاد والإمام الباقر والإمام الصادق عليهمالسلام يقول بعد زيارتهم : « يا مواليّ هذا يومكم وهو يوم الثلاثاء وأنا فيه ضيف لكم ومستجير بكم فأضيفوني وأجيروني بمنزلة اللّه عندكم وآل بيتكم الطيّبين الطاهرين » .
____
ويوم الأربعاء باسم الأئمّة الأبرار الإمام الكاظم والإمام الرضا والإمام الجواد والإمام الهادي عليهمالسلام فتقول بعد زيارتهم : « أنا مولى لكم مؤمن بسرّكم وجهركم متضيّف بكم في يومكم هذا وهو يوم الأربعاء ومستجير بكم فأضيفوني وأجيروني بآل بيتكم الطيّبين الطاهرين » .
____
ويوم الخميس باسم الإمام الحسن العسكري عليهالسلام تقول بعد زيارته : « أنا مولى لك ولآل بيتك وهذا يومك وهو يوم الخميس وأنا ضيفك فيه ومستجير بك فيه فأحسن ضيافتي وإجارتي بحقّ آل بيتك الطيّبين الطاهرين » .
____
ويوم الجمعة باسم مولانا وإمام زماننا صاحب العصر الحجّة المنتظر الإمام الثاني عشر عليهالسلام وعجّل اللّه فرجه الشريف ونقول بعد السلام والصلاة عليه : « يا مولاي ، يا صاحب الزمان ، صلوات اللّه عليك وعلى آل بيتك ، هذا يوم الجمعة وهو يومك المتوقّع فيه ظهورك والفرج فيه للمؤمنين على يديك وقتل الكافرين بسيفك ، وأنا يا مولاي فيه ضيفك وجارك وأنت يا مولاي كريم من أولاد الكرام ومأمور بالضيافة والإجارة فأضفني وأجرني صلوات اللّه عليك وعلى أهل بيتك الطاهرين » .
____
ثمّ لكلّ ضيف قرىً وكرامةً ، وأهل البيت عليهم السلام معدن كلّ خير وإحسان ، أهل الجود والسخاء والكرم ، لا ينهرون السائل ولا يخيب من يقصدهم ، وقد أمرهم اللّه سبحانه بأن يجيروا من استجار بهم ، ويضيفوا من استضافهم ، فيقرون الضيف ، وقد ورد في الأثر : ( أكرم الضيف ولو كان كافرا ) فيكرمون الضيف وإن كان كافرا فكيف بمن كان محبّا ومواليا لهم ومن شيعتهم والمؤتمرين بأوامرهم والمطيعين لهم ، فإنّهم عليهمالسلام بلا شكّ ولا ريب يضيفونه بأجمل وأكمل الضيافة ، ويجيرونه بأحسن الإجارة ، إلاّ أنّ ضيافة المعصومين عليهم السلام تعني التوفيق والتسديد في الحياة ، وتوفيق زيارتهم في الدنيا ، والممات على ولايتهم ودينهم ، ونيل رأفتهم ودعائهم ، وشفاعتهم في الآخرة ، والحشر في زمرتهم وفي جوارهم ، كما قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله : « يا عليّ أنت وشيعتك جيراني في الجنّة » فضيافة الرسول الأعظم وآله الأطهار عليهمالسلام إنّما تعني النمير من علومهم ومعارفهم ،
فطعامهم العلم والمعرفة ، كما ورد في الحديث الشريف في قوله تعالى :« فَـلْيَـنْظُرِ الإنسَانُ إلَى طَعَامِهِ »(1) عبس : 24 .، قال الإمام الباقر عليهالسلام : « فلينظر إلى علمه ممّن يأخذ » فالطعام في عالم المعنى هو العلم ، فقرى الأئمّة لضيوفهم أن يميروهم من علومهم الربّانيّة ويطعموهم من مائدة اللّه من كتابه الكريم وأسمائه الحسنى وصفاته العليا ، ويثبّتونهم على ولايتهم ، ولا يلقّاها إلاّ ذو حظٍّ عظيم . ثمّ المقصود من هذه العجالة بيان ما جاء في زيارة مولاتنا وسيّدتنا ، حجّة الحجج ، بهجة قلب المصطفى ، وقرّة عين الرسول الطاهرة البتول ، سيّدة النساء فاطمة الزهراء عليها السلام ، فقد ذكر خاتم المحدّثين شيخنا القمّي قدسسره في كتابه القيّم
( مفاتيح الجنان ) زيارتين ، وهما كما يلي :
الزيارة الاُولى : « السلام عليكِ يا ممتحنة ، امتحنكِ الذي خلقكِ فوجدكِ لما امتحنكِ صابرةً ، أنا لكِ مصدّق صابر على ما أتى به أبوك ووصيّه صلوات اللّه عليهما وأنا أسألكِ إن كنتُ صدّقتكِ إلاّ ألحقتني بتصديقي لهما لتسرّ نفسي فاشهدي أ نّي ظاهر بولايتك وولاية آل بيتكِ صلوات اللّه عليهم أجمعين » .
الزيارة الثانية :
« السلام عليكِ يا ممتحنة ، امتحنكِ الذي خلقكِ قبل أن يخلقكِ وكنتِ لما امتحنكِ به صابرة ونحن لك أولياء مصدّقون ولكلّ ما أتى به أبوكِ صلّى اللّه
عليه وآله وسلّم وأتى به وصيّه عليه السلام مسلّمون ونحن نسألك اللهمّ إذ كنّا مصدّقين لهم أن تلحقنا بتصديقنا بالدرجة العالية لنبشّر أنفسنا بأ نّا قد طهّرنا
بولايتهم عليهم السلام » .
لا يخفى على ذوي النهى أنّ هذه الزيارة العظيمة التي نزور بها مولاتنا الزهراء عليها السلام في كلّ يوم أحد من الاُسبوع ، تعدّ من أعظم الزيارات الفاطميّة المأثورة عن أهل بيت العصمة والطهارة عليهمالسلام ، فإنّها تضمّ بين كلماتها القدسيّة أنوارا وأسرارا وخزائنَ وكنوزا من العلوم والمعارف والحقائق ... نشير إلى لمعة من لمعاتها لنهتدي بجذوة من قبساتها ، فإنّه يلوح وتبرزُ في هذه الزيارتين عناوين ستّة ، يشعّ منها نور العلم والمعرفة ، ويفوح منها عطر الولاء والمحبّة
وهي كما يلي :
1 ـ الابتلاء والصبر :
« يا ممتحنة ، امتحنكِ الذي خلقكِ قبل أن يخلقكِ وكنتِ لما امتحنكِ به
صابرة » ، « فوجدكِ لما امتحنكِ صابرة » .
الاختبار والامتحان والابتلاء من سنن اللّه تعالى في الحياة ، فإنّه سبحانه خلق الموت والحياة « لِـيَـبْلُوَكُمْ أيُّكُمْ أحْسَنُ عَمَلاً »(1) هود : 7، وأينما يكون الاختيار
يكون الاختيار . فالإنسان في مقام الابتلاء والامتحان خلق مخيّرا ، وقد هداه اللّه النجدين ، فإمّا أن يكون شاكرا قولاً وعملاً ، وعابدا ومطيعا للّه سبحانه ، أو يكفر به وبنعمه وبما أمر ونهى « إمَّا شَاكِرا وَإمَّا كَـفُورا »(2) الدهر : 3 ، ثمّ يظهر من الآيات القرآنيّة والأحاديث الشريفة أنّ هذا الاختبار الاختياري كان منذ القديم وفي عوالم الأمر والمجرّدات من الأنوار والأشباح والأرواح وعالم الذرّ ، أي في العوالم الملكوتيّة وقبل العالم الناسوتي ، أي الدنيا الدنيّة ، فإنّ الدنيا ظهور لتلك العوالم ، وإتماما للحجّة ، فإنّ للّه الحجّة البالغة ، والحديث في هذا المجال كثير ... ثمّ اختبر اللّه مولاتنا فاطمة الزهراء عليهاالسلام وامتحنها قبل أن يخلقها بالخلقالدنيوي ، أي امتحنها بالبلاء في عالم الأمر « ألا لَهُ الخَلْقُ وَالأمْرُ »(3)الأعراف : 54 . ، أي في العوالم الملكوتية من الأنوار والأرواح ، وفي عالم الميثاق والذرّ ، لقد اختبرها اللّه بالبلايا والابتلاء وما يجري عليها في دار الدنيا وعلى أولادها الأطهار وذرّيّتها الأبرار من المحن والقتل بالسيف والسمّ والسجن والتشريد والنفي والتعذيب والمصائب التي لو صبّت على الأيام لصرن لياليا ، كما قالت عليهاالسلام بعد رحلة أبيها الرسول الأعظم محمّد صلى الله عليه وآله : صبّت عَلَيَّ مصائبٌ لو أ نّها صُبّت على الأيّام صرن لياليا ثمّ من أحبّه اللّه ابتلاه ببلاء حسن ، وإنّ المؤمن مبتلى ، والبلاء للولاء ، فأكثرهم ولاءً أكثرهم بلاءً ، فمن ابتلي وصبر فقد فاز فوزا عظيما ، فإنّ اللّه يوفّي الصابرين اُجورهم بغير حساب ، وقد أثبتنا في رسالة ( العصمة بنظرة جديدة ) أنّ أركان العصمة : العلم والزهد والصبر ، فمن علم بعلم اللّه وزهد في دنياه وصبر على البلايا فإنّه يُعصم من الذنوب والآثام ، إمّا بعصمة ذاتيّة كلّيّة مطلقة كما في الأنبياء والأوصياء ، أو بعصمة أفعاليّة كما في الأولياء والصالحين والمؤمنين ، وأمّا الأربعة عشر المعصومون عليهمالسلام فقد فاقوا خلق اللّه طرّا في العلم والزهد والصبر ، فعصمتهم في أعلى مراتب العصمة ، وتجلّت عصمتهم وطهارتهم وقدسيّتهم في اُمّهم فاطمة الزهراء عليهاالسلام ، فإنّها جمعت بين نوري عصمة النبوّة وعصمة الإمامة ، فكانت مظهرا تامّا لعصمة اللّه الكبرى ، وأساس عصمتها بعد لاختبار والاختيار كان على الابتلاء والصبر
كتاب: فاطمة الزهراء مشكاة الأنوار
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين