
اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلَى الصِّدّيقَةِ فاطِمَةَ الزَّكِيَّةِ حَبيبَةِ حَبيبِكَ وَنَبِيِّكَ، وَاُمِّ اَحِبّائِكَ وَاَصْفِيائِكَ، الَّتِى انْتَجَبْتَها وَفَضَّلْتَها وَاخْتَرْتَها عَلى نِساءِ الْعالَمينَ، اَللّـهُمَّ كُنِ الطّالِبَ لَها مِمَّنْ ظَلَمَها وَاسْتَخَفَّ بِحَقِّها، وَكُنِ الثّائِرَ اَللّـهُمَّ بِدَمِ اَوْلادِها، اَللّـهُمَّ وَكَما جَعَلْتَها اُمَّ اَئِمَّةِ الْهُدى، وَحَليلَةَ صاحِبِ اللِّواءِ، وَالْكَريمَةَ عِنْدَ الْمَلاَءِ الأَعْلى، فَصَلِّ عَلَيْها وَعَلى اُمِّها صَلاةً تُكْرِمُ بِها وَجْهَ أبيها مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَتُقِرُّ بِها اَعْيُنَ ذُرِّيَّتِها، وَاَبْلِغْهُمْ عَنّى فى هذِهِ السّاعَةِ اَفْضَلَ التَّحِيَّةِ وَالسَّلامِ .
اَللّـهُمَّ الْعَنْ أَعْدَآءَ فَآطِمَةَ وَ أَبِيْهَآ وَ بَعْلِهَآ وَ بَنِيْهَآ عَدَدَ مَا أَحَاطَ بِهِ عِلْمُكْ وَ أَحْصَاهُ كِتَابُكْ ، وَ عَجِّلْ فِيْ ظُهُورِ اِبْنِهَا المُفَدَىْ أرْوَاحُنَا لِثَرَاهُ الفِدَاء ..و ثَبِّتْنَا عَلَىْ ؤِلَايَتِهَا وَ طَاعَتِهَا وَ ارْزُقْنَا حُبَّهَ وَ نَجِنَا بِهِ يَومَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَ لَا بَنُونْ إِلَا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيْمْ ..


(( النشآط الاجتمآعي للزهرآء عليها السلآم ))

إِنَّ لِكُلِ أُمَّةٍ قَآدَتَهَآ مِنَ الرِجَآلِ وَ النِسَآءْ ، الْذِيْنَ قدْ وَصَلُوآ لِلْقِمَمْ وَ بَلَغُوا أَقْصَىْ مُسْتَوَيَآتِ الْكَمَآلِ وَ الْجَلَآلْ ، وَ فِيْ أُمَّتِنَآ نَحْنْ ؛ فَهُمْ مُحَمَّدٌ وَ آلُ مُحَمَّدٍ عَلَيْهُمْ أَفْضَلُ الْصَلَآةِ وَ الْسَلَآمْ ، وَ الْذِيْنَ قدْ مَثَّلَ كُلُ وَآحِدٍ مِنْهُمْ نُسْخَةً عَنْ مَنْ قَبْلَهْ ، فَهُمْ " نُورٌ عَلَى نُورٍ" ، عَلَىْ اخْتِلَآفِ دَرَجَآتِ أَفْضَلِيَّتِهِمْ عَلَيْهُمْ أَفْضَلُ الْصَلَآةِ وَ الْسَلَآمْ جَمِيعآ ، وَ الْسَيْدَةُ الْصِدِّيْقَةُ فَآطِمَةُ الْزَهْرَآءُ عَلَيْهَآ الْسَلَآمْ لَهَآ مَكَآنَتُهَآ ضِمْنَ هَذَآ الْنِظَآمُ الْنُوْرَآنِيْ الْعَظِيمْ ، وَ لَهَآ مَآَقدَمْتْهُ مِنْ مَوآقِفُ وَ أَدْوَآرْ ، نَصَرْتْ بِهَآ الْحَقُ وَ خَذْلَتْ الْبَآطِلَ رَغْمَ الأَنُوْفَ ..وَ مِنْ ضِمْنْهَآ ، الْدَوْرُ الْاجْتِمَآعِيْ الْذِيْ مَثْلَتْهُ الْصَدِّيْقَةُ الْزَهْرَآءْ عَلَيْهَآ الْسَلَآمْ ؛ وَ الْذِيْ رَغْمَ جُهُوْدُهَآ قُوْبَلَ بِالْجُحُودِ وَ الْنُكْرَآنِ مِنَ الْبعَضْ وَ لَكِنْ تَبْقَىْ فَآطِمَةَ مَشْعَلاً لِلنُورِ وَ لَهَآ دَورَهَآ الْعَظِيْمِ الْذِيْ لَاْ يُسْتَهَآنِ بِهِ ..!!
قد يورد البعض ملاحظة ذات مغزى تقول : " إننا لا نجد في التاريخ ما يشير إلى نشاط اجتماعي للسيدة فاطمة الزهراء(عليها الصلاة و السلام ) في داخل المجتمع الإسلامي إلا في رواية أو روايتين " . !!
وتعليقاً على هذا نقول : كل زمان له متطلباته وتقنياته ، وأطر نشاطه . وإنما يُطَالب كل من الرجل والمرأة ويحاسب وفقاً لذلك ، ويتم تقويم نشاطاته أيضاً على هذا الأساس ، من حيث حجم تأثيرها في الواقع الإسلامي كله .
وبالنسبة لعصر النبوة ، فإن تعليم الزهراء (عليها الصلاة و السلام ) القرآن للنساء ، وتثقيفهن بالحكم الشرعي ، وبالمعارف الإلهية الضرورية ، و من ثم مشاركتها الفاعلة والمؤثرة في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى في المواقع المختلفة ،حتى في المباهلة مع النصارى، ثم دورها الرائد في الدفاع عن القضايا المصيرية ، ومنها قضية الإمامة .و من ثم خطبتها الرائعة في المسجد ، التي تعتبر مدرسة ومعيناَ يرفد الأجيال بالمعرفة . . . هذا ، عدا عن إسهامها المناسب لشخصيتها ولقدراتها ، ولظروفها في حروب الإسلام المصيرية .
وعدا عن طبيعة تعاملها مع الفئات المحتاجة إلى الرعاية كاليتيم ، والأسير ، والمسكين ، وهو ما خلده الله سبحانه قرآناً يتلى إلى يوم القيامة . وأعظم من ذلك كله . . موقفها القوي والمؤثر ، الذي وظفت فيه حتى فصول موتها ودفنها لصالح حفظ ثمرات الجهاد ، في سبيل قضية الإسلام الكبرى ، تماماً فعلته ابنتها زينب ( عليها السلام ) في نطاق حفظها القوي والمؤثر لثمرات الجهاد والتضحيات الجسام للإمام الحسين عليه السلام وصحبه في كربلاء . . نعم ، إن ذلك كله ، ونظائره ، يدل على أن الزهراء ( عليها السلام ) ، قد شاركت في العمل الإنساني ، والسياسي ، والثقافي ، والإيماني بما يتناسب مع واقع ، وحاجات ، وظروف عصرها .
وفي نطاق أطر نشاطاته ، وفقا للقيم السائدة فيه . . وقد حققت إنجازات أساسية على صعيد التأثير في حفظ الدعوة ، وفي نشرها ، وتأصيل مفاهيمها ، وسد الثغرات في مختلف المجالات التي تسمح لها ظروف ذلك العصر بالتحرك فيها .

وهنا الذي حققته قد لا يوازيه أي إنجاز لأية امرأة عبر التاريخ ، مهما تعاظم نشاطها ، وتشعبت مجالاته ، وتنوعت مفرداته ، لأنه استهدف تأصيل الجذور . فكان الأبعد أثراً في حفظ شجرة الإسلام ، وفي منحها المزيد من الصلابة والتجذر ، والقوة . وفي جعلها أكثر غنى بالثمر الجني ، والرضي ، والهني . . فيتضح مما تقدم : أن الاختلاف في مجالات النشاط وحالاته ، وكيفياته بين عصر الزهراء عليها السلام وهذا العصر ، لا يجعل الزهراء عليها السلام في دائرة التخلف والنقص والقصور . ولا يجعل إنجاز المرأة في هذا العصر أعظم أثراً، وأشد خطراً . حتى ولو اختلفت متطلبات الحياة ، واتسعت وتنوعت آفاق النشاط والحركة فيها . . لأن من الطبيعي أن يكون عصر التأصيل لقواعد الدين . والتأسيس الصحيح لحقائق الإيمان ، وقضايا الإنسان المصيرية هو الأهم ، والأخطر ، والانجاز فيه لا بد أن يكون أعظم وأكبر . .
وهكذا يتضح : أنه لا معنى للحكم على الزهراء عليها السلام بقلة النشاط الاجتماعي في عصرها قياساً على مجالات النشاط للمرأة في هذا العصر . .
وبعد ما تقدم فإننا نذكر بالأمور التالية :

أولاً : ليته ذكر لنا الرواية أو الروايتين لنعرف مقصوده من النشاط الاجتماعي . فإن كان المقصود به هو أنها قد تخلفت عن وظيفتها (عليها الصلاة و السلام ) ولم تقم بواجبها كمعصومة وبنت نبي ، وزوجة ولي .
فقد كان على خصومها أن يعيبوها بذلك وكان على أبيها وزوجها أن يسددوها في هذا الأمر وإن كان المقصود بالنشاط في داخل المجتمع الإسلامي هو إنشاء المدارس ، والمؤسسات الخيرية ، أو تشكيل جمعيات ثقافية ، أو خيرية ، أو إقامة ندوات ، واحتفالات ، أو إلقاء محاضرات ، وتأليف كتب تهدى أو تباع ، فإن من الممكن أن لا تكون الزهراء ( عليها السلام ) قد قامت بالكثير من هذا النشاط كما يقوم به بعض النساء اليوم ، ولا يختص ذلك بالزهراء عليها السلام ، بل هو ينسحب على كل نساء ذلك العصر ، والعصور التي تلته .
فإن طبيعة حياة المجتمع وإمكاناته وكذلك طبيعة حياة المرأة آنذاك كانت تحد من النشاط الذي يمكنها أن تشارك فيه إلا في مجالات خاصة تختلف عن المجالات في هذه الأيام ، بقطع النظر عن المبررات الشرعية التي ربما يتحدث عنها البعض بطريقة أو بأخرى .
أما إذا كان المقصود هو أن التاريخ لم يذكر : أنها كانت تجهر بالحق ، لمن أراد معرفة الحق ، ولا تقوم بواجباتها في تعليم النساء وتوجيههن وفي صيانة الدين ، وحياطته ، على مستوى قضايا الإسلام الكبرى ، وغيرها خصوصا ما أثير عنها من معارف نشرتها ، حتى ولو في ضمن أعمالها العبادية وغيرها .
فإن ما أنجزته في هذا المجال كالنار على المنار ، وكالشمس في رابعة النهار . وإن خطبتها في مسجد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ومع نساء الأنصار تعتبر بحد ذاتها مدرسة للأجيال ، ومنبعا ثرا للمعرفة على مدى التاريخ لو أحسن فهمها ، وصحت الاستفادة منها .
هذا مع وجود أبيها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وابن عمها أمير المؤمنين عليه السلام ، اللذين هما محور الحركة الاجتماعية ، والإنسانية والإسلامية وكان نشاطها ( عليها السلام ) جزءا من مجموع النشاط العام الذي كان آنئذ .
على أن قوله " إلا في رواية أو روايتين " يبقى غير واضح وغير دقيق . فهناك العديد من الروايات التي ذكرت مشاركتها في أنشطة مختلفة ، اجتماعية وسياسية وثقافية وتربوية ، وقد ذكرنا بعضا من ذلك فيما سبق ، بل إن بعض الروايات تذكر : أنها كانت تشارك حتى في مناسبات غير المسلمين . وذلك حينما دعاها بعض اليهود إلى حضور عرس لهم . وثمة رواية تحدثت عن ذلك الأعرابي الذي أعطته عقدها ، وفراشا كان ينام عليه الحسن والحسين ( عليهما السلام ) ، فاشتراهما عمار بن ياسر . . . في قصة معروفة .
بل إن الله سبحانه قد تحدث أنها وأهل بيتها ( عليهم السلام ) من طبيعتهم إطعام الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا . وحين خطبت خطبتها في المسجد جاءت في لمة من النساء كانوا يؤيدونها في ما تطالب به ، بل ويتحدث البعض عن وجود تكتل نسائي لها ( عليها السلام ) في مقابل تكتلات مناوئة .
هذا كله عدا عن أن اهتمامها ( بالجار قبل الدار ) يعطينا صورة عن طبيعة اهتماماتها ، وأنها لو وجدت أية فرصة لأي نشاط اجتماعي أو نشاط إنساني أو ثقافي فستبادر إليه بكل وعي ومسؤولية وحرص .

وثانياً : إن تأكيدات النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) للمسلمين بصورة مستمرة قولاً وعملاً ، على ما لها من مقام ودور ، وموقع في الإسلام والإيمان ، والمعرفة ، قد جعل لها درجة من المرجعية للناس ، وأصبح بيتها موئلاً للداخلات والخارجات وكان " . . يغشاها نساء المدينة ، وجيران بيتها " . وصار الناس يقصدونها لتطرفهم بما عندها من العلم والمعرفة .
وكان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) نفسه يوجه حتى بأصحاب الحاجات المادية إلى بيت فاطمة ( عليها السلام ) ، كما في قضية الإعرابي الذي أعطته عقدها ، وفراشا للحسنين (عليهما الصلاة و السلام ) كما أسلفنا .
وكان الناس يترددون عليها لطلب المعرفة أيضا ، وكل ذلك من شأنه أن يملأ حياتها عليها السلام بالحركة والنشاط ، الذي يضاف إلى نشاطاتها البيتية ، حيث كانت تطحن حتى مجلت يداها . .
ثالثاً : إنه لا يمكن تقييم إنسان ما على أساس إنجازاته ونشاطاته الاجتماعية ، أو ذكائه السياسي ، فهناك أذكياء سياسيون كثيرون - ، ولكنهم لا يتمتعون بالقيمة الحقيقة للإنسان ، لأن النشاط الاجتماعي والذكاء لا يعطي الموقف السياسي أو غيره قيمة –و هذا لا ينافي وجود هذه السمة لديها عليها السلام-، وإنما تتقوم السياسة بمنطلقاتها ومبادئها ، و تؤخذ من المعصوم : كالنبي والوصي ، و الزهراء(عليهم السلام) أيضا .
فهي عليها السلام تحدد لنا ما به تكون القيمة للسياسة ، أو لأي عمل آخر ، اجتماعيا كان أو غيره ، ولا تكتسب الزهراء عليها السلام قيمتها من سياساتها ، أو من نشاطاتها الاجتماعية ، وإلا لكان بعض المجرمين أو المنحرفين أعظم قيمة حتى من الأنبياء ، والأولياء ، والأصفياء ، إذا قام بنشاط اجتماعي أو سياسي كبير ، بسبب توفر المال ، أو الجاه ، أو السلطة له ، مع عدم توفر ذلك للنبي أو الولي عليهم السلام .
والحقيقة : أن قيمة الإنسان إنما تنبع من داخل ذاته ، ومن قيمه التي يجسدها ، ومن مثله وإنسانيته ، ومن علمه النافع المنتج للتقوى والخشية من الله سبحانه ، وما سوى ذلك فهو في سياق الأسباب والنتائج ، وقد يكون في الطرف الآخر من المعادلة .

رابعاً : إننا لا بد أن نتحقق أولا من حقيقة موقع الزهراء عليها السلام
فيما يرتبط بإيمان الإنسان المسلم ، ونتحقق أيضا من حقيقة المهام التي يفترض فيها أن تضطلع بها في تأييد هذا الدين وتشييده ، فنقول : إن ولاء الإنسان المسلم للنبي والأئمة والزهراء ( عليهم أفضل الصلاة و السلام ) له دور أساسي ومفصلي في بلورة إيمانه ، وتحقيق هويته وشخصيته الرسالية والإنسانية ، فوجود الزهراء - المرأة - التي ليست هي بإمام ولا نبي ، بصفتها المرأة الكاملة في إنسانيتها هو الذي نحتاجه كضرورة حياتية ، واعتقادية ، وسلوكية ، وحتى منهجية في حياتنا ، أما نشاطها الاجتماعي أو السياسي ، فليس له هذه الدرجة من الأهمية أو الحساسية مع وجود أبيها وزوجها عليهم السلام جميعا .
إننا نحتاج إلى هذا الوجود لنرتبط به ، وتحنو عليه قلوبنا ، وهو يجسد لنا القيم والمثل ، والكمال الإنساني الذي نحتاج إليه هو الآخر ، لتحتضنه قلوبنا من خلال احتضانها للزهراء ( عليها السلام ) ، وليسهم - من ثم - في بناء عقيدتنا ، وتركيز المفاهيم الإسلامية والقيم والمثل في قلوبنا وعقولنا ، لتنتج ولتصوغ عواطفنا وأحاسيسنا وكل وجودنا ، هذا هو دور فاطمة عليها السلام ، وليس دورها ودورهم هو بناء المؤسسات ، أو إنشاء الجمعيات الخيرية أو الإنسانية ، أو ما إلى ذلك ! ! .
خامسا : إنه لا شك في أن للزهراء عليها السلام الدور الكبير والحساس في بقاء هذا الدين ونقائه ، ولولاها لطمست معالمه وعفيت آثاره ، فالزهراء هي نافذة النور ، وهي برهان الحق ، وهي - كما هو زوجها . علي أمير المؤمنين ( عليه السلام ) - مرآة الإسلام التي تعكس تعاليمه ، وأحكامه ، ومفاهيمه ، ونظرته للكون وللحياة . فهي مع الحق يدور معها كيفما دارت وتدور معه كيفما دار
إنها المعيار والميزان الذي يوزن به إيمان الناس ، ودرجة استقامتهم على طريق الهدى والخير والخلوص والاخلاص . ونعرف به رضا الله ورسوله ، وغضب الله ورسوله ( صلى الله عليه و آله) .
وهذا ما يشير إليه قول النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم : هي بضعة مني وهي قلبي الذي بين جنبي ، من آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ، أو يرضيني ما أرضاها ويسخطني ما أسخطها ، أو نحو ذلك .
إليه قول النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم : هي بضعة مني وهي قلبي الذي بين جنبي ، من آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ، أو يرضيني ما أرضاها ويسخطني ما أسخطها ، أو نحو ذلك .

والملاحظ : أنه ( صلى الله عليه و آله ) قد جعل المرتكز لمقولة يرضيني ما يرضيها أو من آذاها فقد آذاني هو كونها بضعة منه .
ومن الواضح : أن كونها جزءا من كيانه الجسدي والمادي من حيث بنوتها النسبية له ، ليس هو السبب في كون ما يرضيها يرضيه ، وذلك لأمرين :

الأول : إنه ( صلى الله عليه و آله ) لا ينطلق في مواقفه من موقع العصبية للقرابة أو للعرق أو ما إلى ذلك ، بل هو ( صلى الله عليه و آله ) إنما يريد أن يكون كل ما لديه من خصوصيات ، أو امتيازات ، أو قدرات مادية أو معنوية في خدمة هذا الدين ، ومن أجله ، وفي سبيله .

الثاني : إن البنوة النسبية أو بالتبني لا تكفي بحسب طبيعتها لاكتساب امتياز بهذا المستوى من الخطورة ، وإن كانت لها أهميتها من حيث أنها تشير إلى صفاء العنصر ، وطهارة العرق ، لأنها ( عليها السلام ) كانت نورا في الأصلاب الشامخة ، والأرحام المطهرة ، ولكن من الواضح إن الحفاظ على هذا الطهر بحاجة إلى جهد ، وحين لم يبذل ابن نوح ( عليه السلام ) - الذي تحدثت بعض الروايات عن أنه ابن له ( عليه السلام ) بالتبني لا بالولادة - هذا الجهد هلك وضل ، حتى قال الله عنه لأبيه نوح : * ( إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ) * ، ولذلك لم يكن رضا ابن نوح رضا الله ورسوله ، ولا غضبه غضب الله ورسوله .
فالمراد بكونها ( بضعة منه ) لا بد أن يكون معنى يصلح أن يكون مرتكزا لكون رضاها رضاه ( صلى الله عليه و آله ) ، وأذاها أذاه ، خصوصا مع علمنا بأنه ( صلى الله عليه و آله ) قد قال ذلك حينما أجابت عن سؤال : ما خير للمرأة ؟ فقالت : أن لا ترى الرجال ولا يراها الرجال.
إن مزاياها من مزايا رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) وكمالها من كماله ، فالحديث عنها بما هي جزء من كيان النبي ( صلى الله عليه و آله) ووجوده الإنساني والرسالي بكل ميزاته ، ودقائقه ، وخصوصياته التفصيلية ، كإنسان إلهي كامل ، يمثل الإنسانية والفطرة ، والكمال والصفاء ، والحق والصدق ، بأجلى وأدق هذه المعاني وأسماها .
وواضح أن فاطمة إنما تغضب إذا انتقصت الإنسانية ، والقيم واعتدي عليها ، وترضى إذا كرمت وتكاملت هذه الإنسانية والقيم وتجذرت ، فالاعتداء عليها لا يغضبها من حيث هي شخص بل يغضبها من حيث أنه اعتداء على الإنسانية ، وعلى الكمال الروحي والسمو المعنوي ، ولكون ذلك محاولة للانتقاص ، من هذا الوجود الكريم .
إن العدوان عليها عدوان على الحق ، وعلى الفطرة وعلى الإنسانية ، وعلى الفضل ، وذلك هو الذي يغضبها ، ويغضب الله ورسوله ، وكل عمل يأتي على وفق الفطرة ، ويصون هذا الوجود ، فهو الذي يرضيها ويرضي الرسول ويرضي الله .
وبذلك تصلح أن تكون معيارا وميزانا حين ترضى ، وحين تغضب . ولنا أن نقرب هذا المعنى بالإشارة إلى شاهد قرآني وهو قوله تعالى : * ( مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا * ) سورة المائدة : 32
فإن الجسد الذي هو لحم وعظم لا يزال موجودا ، والذي فقد هو إرادته ، واختياره ، وعقله ، وخصائصه الإنسانية ، من نبل وكرم ، وعواطف ، ومشاعر ، و . . . إن الجسد قد أفرغ من محتواه بواسطة إزهاق روحه ..
.

السلام عليكِ أيتها الصديقة الشهيدة ..
لقد كانت هذه وقفة من الوقفات مع الصديقة الطاهرة السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام ، و التي يجب علينا كتابعين لها و حاملين لاسمها ، و لحبها بين قلوبنا أن نطيل مثل هذه الوقفات المتأملة في حياة هذه الصديقة عليها و على أبيها و بعلها و بنيها أفضل الصلاة و السلام ..!!

نسأل الله القبول و أهل البيت عليهم السلام الشفاعة ...
مع تحيآت : مشرفآت الروضة العامة -خآدمآت الصديقة الزهرآء عليهآ السلآم - الأخوآت : السلام على الزهرآء * بريق الحورآء(عليهآ السلآم ) * المودة في القربى *
منتديآت السيد الفآطمي الموسوي حفظه الله و رعاه
