اللهم صل على محمد وال محمد
سماحة المرجع الشيرازي يؤكد أهمية تعلّم العلوم الدينية
وتحمّل المسؤولية وممارسة التبليغ وهداية الناس
في توجيهاته القيّمة التي ألقاها المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله بجمع من فضلاء وطلاب الحوزة العلمية والمبلّغين والخطباء من قم وأصفهان وطهران، وذلك في بيته المكرّم بمدينة قم المقدسة يوم الجمعة الموافق للثامن والعشرين من شهر ربيع الثاني 1430 للهجرة، أكّد سماحته أهمية ممارسة التبليغ، والعمل على هداية الناس، وقال :
قبل عشرات السنين، قام أحد التجّار المعروفين في العراق ببناء عدد من المدارس الكبيرة الخاصة بتدريس العلوم الدينية من ثروته الشخصية، وأوقف عدد من ممتلكاته أيضاً ليصرف ريعها على إدارة تلك المدارس. وهذا التاجر توفي قبل كم سنة ودفن في إحدى الحجر في الجانب الجنوبي من الروضة الحسينية الطاهرة بكربلاء المقدسة.
وذكروا عن أحوال هذا التاجر أنه: قبل سنين تم إجراء بعض الترميمات لصحن مرقد مولانا الإمام الحسين صلوات الله عليه وكان العمّال يقومون بنقل وإخراج التراب ومواد البناء بأيديهم حيث كان يعدّ حينها إدخال سيارة الحمل إلى الصحن الشريف أمراً غير لائق بهذا المكان المقدس.
قال أحد ا?شخاص: في حال مروري في الصحن الحسيني الطاهر وعندما كان العمّال منشغلين بالعمل رأيت بينهم شخصاً شبيهاً لذلك التاجر المعروف وكان يحمل أكياس التراب على رأسه بينما كان باقي العمّال يحملون ا?كياس على ظهورهم. فسألت من أحد المتواجدين هناك: هل هذا الشخص هو ذلك التاجر المعروف؟ فقال: نعم، هو ذلك التاجر المعروف. فذهبت إليه وقلت له: أنت تاجر معروف وكبير فلماذا تقوم بهذا العمل؟ فقال لي: اُريد أن أشتري كفناً بالمال الذي أكسبه من هذا العمل، لكي اُدفن به بعد موتي. ولذلك صممت على أن أعمل هنا بالمقدار الذي أستطيع أن أشتري باُجرته كفناً.
وعقّّب سماحته قائلاً: لا شك أننا لا نحتاج إلى القيام بمثل ما قام به ذلك التاجر، وليس ذلك مطلوب منّا، بل نحن مكلّفون بأمر أهم آخر وهو هداية الناس.
نعم إن طرق الإرتقاء العلمي وبلوغ المقامات العلمية العالية كثيرة، ولكن يجدر بنا أن لا نترك بعض الأعمال التي نغفل أحياناً عن أهميتها، ومنها ممارسة التبليغ، وذلك لأسباب كالخوف من الرياء مثلاً. فالخشية من الرياء وما شابه ذلك يجب أن لا تكون سدّاً في طريقنا أو تمنعنا من أداء الوظيفة، بل علينا أن نتحمّل المسؤولية ونقوم بالتبليغ والعمل على هداية الناس.
وقال سماحته: تؤكّد الروايات الشريفة أنه على المؤمن أن يكون ذكياً وماهراً، ومنها قول مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله: «المؤمن كيّس فطن حذر» (1) . وبالطبع ليس في أمور الدنيا بأن يشتري بضاعة بثمن رخيص مثلاً ويبيعها بثمن أغلى، بل عليه أن يحذر في أن لا يضل ولا ينحرف عن السبيل الموصل إلى الله تعالى، فالشيطان بالمرصاد لنا دوماً، كما جاء في قوله تعالى: «قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ، إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ»(2) .
وأضاف سماحته: أحد علماء النجف ا?شرف والذي له مجلدات في التعليق على كتاب (العروة الوثقى) والذي عاش فترة في مدينة طهران، قال لي قبل عشرين سنة في هذا المكان الذي اجتمعتم فيه: قبل سنين كان عدد نفوس طهران حوالي ستمئة ألف، وكان ستون منهم فقهاء معترف بهم، وأما ا?ن فإن عدد نفوس طهران ستة ملايين ولكن لا يوجد بينهم حتى ستة فقهاء معترف بهم.
لذا يجدر جبر هذا النقص، والسعي في تربية طلاب للعلوم الدينية وتشجيع ا?خرين للعمل في هذا المجال، وهذا الواجب لا يقوم به إلاّ نحن وأمثالنا.
نعم، قد لا يرغب الكثير من الناس في تعلّم العلوم الدينية، ولكن إن استطعتم أن تجذبوا منهم حتى نسبة قليلة فإن لذلك أجراً كبيراً وثواباً عظيماً.
وبهذا الصدد قال سماحته: قال صاحب (جواهر الكلام) حول صاحب (مفتاح الكرامة) المرحوم الحاج السيد جواد العاملي الذي كان أستاذ المجتهدين وتخرّج على يديه الكثير من الفقهاء: لولا صاحب مفتاح الكرامة لتركت الدراسة الدينية.
أي إن المرحوم السيد جواد العاملي صار سبباً في أن يستمر صاحب الجواهر بالدراسة ويصبح بعدها فقيهاً كبيراً ويقدّم خدمات ثمينة في باب الفقه بتأليفه لكتاب (جواهر الكلام).
وذات مرّة وعند زيارته لقبر المرحوم السيد جواد العاملي ذكر صاحب الجواهر إحدى حسنات السيد العاملي وقال: إن السيد العاملي كان قد أوصى والدتي ان لا تدعني أترك النجف ا?شرف وأنتقل إلى مدينة أخرى.
وختم دام ظله حديثه مؤكّداً: إن ثواب تشجيع ا?خرين وحثّهم على تعلّم العلوم الدينية أكبر بكثير من حثّهم وتشجيعهم على أداء نافلة الليل.
--------------------------------------------------------------------------------
------------ --------- -------
1) الدعوات/ للراوندي/ الباب الأول/ الفصل2 في كيفية الدعاء وآدابه و.../ ص39/ ح94.
2) سورة الحجر: الآيتان 39و40.