
ولادته
ولد آية الله السيد عبد الكريم الرضوي الكشميري في سنة 1434 هجرية في النجف الشرف من عائلة علمائية، فهو حفيد آية الله السيد حسن الكشميري أحد مراجع الدين في كربلاء، وسبط آية الله السيد محمد كاظم اليزدي الذي ثنيت له وسادة المرجعية الدينية العامة للشيعة في عصره وصاحب كتاب العروة الوثقى. وهو ينتسب إلى السلالة العلوية الطاهرة من أبويه معاً.
لحظة التحول
يبدأ المنعطف في حياته العرفاء عادة بالجذبة أو كلمة يسمعها من أستاذ في العرفان وما اشبه ذلك، ولم يخرج المترجم له عن هذه القاعدة يقول السيد الكشميري: كنت طفلاً في السابعة أو الثامنة من عمري ألعب مع أطفال آخرين في زقاق قريب من مدرسة جدي السيد محمد كاظم اليزدي إذ مر شيخ طاعن في السن وأشار إلى أن تعال إلي، فذهبت إليه، فقال لي: إن في رأسك نوراً فلا تلعب مع الأطفال فأنك لا تصلح لللعب
وبتشجيع من والده دخل السيد عبد الكريم سلك الحوزة العلمية، وألبسه والده العمة وزي طلبة العلوم الدينية وهو في سن الصبي، ولازم السيد عبد الكريم العارف الطالقاني ما يقارب عشر سنوات، من سن العاشرة من عمره إلى الحادية والعشرين حيث فارق أستاذه الحياة، واتخذ له غرفة في مدرسة جده اليزدي إلى جانب غرفة الشيخ الطالقاني، وخلال السنوات العشر هذه أرسى الطالقاني أسس العلم والعرفان بشكل محكم في شخصية السيد عبد الكريم.
وبعد هذه الحادثة ازداد ميل السيد عبد الكريم نحو العرفاء فكان يبحث عنهم في الصلحاء والعباد الطاعنين في السن، يقول: لقد كان الجميع في سن الفتوة والشباب يرافقون من هم في أعمارهم، ولكني كنت أعاشر الشيوخ المتقدمين في السن وأطلب برنامجاً للسلوك من أي أستاذ أجده من أساتذة السلوك. ولقد يسر هذا التوفيق العظيم للسيد عبد الكريم الوصول إلى درجات عالية في السلوك والعرفان وهو في سن الشباب، وقد طوى السيد الكشميري الكثير من مراحل السلوك في تهذيب الأخلاق وتزكية النفس بعيداً عن الضجيج الذي كان يثار حو السالكين لهذا الطريق، لأن أصابع الاتهام بالتصوف لم تكن موجهة أستاذه الشيخ الطالقاني الذي اختار العزلة شبه المطلقة في غرفته التي اتاحت له فرصة العمل بحرية أكبر في إرشاد السالكين وتوجيههم.
تعلق السيد الكشميري بالنجف الأشرف
هنالك محطات رئيسة في حياة السيد الكشميري كان لها الأثر البالغ في شخصيته العرفانية، وأهم هذه المحطات هي النجف الأشرف وعشقه المفرط لها، وليس بدعاً أن تكون النجف كعبته وقبلته كما عبر عنها بنفسه، ففيها ولد وترعرع وقضى أكثر من خمسين عاماً من حياته، فهي وطنه الذي يحن إليه، إضافة إلى وجود المرقد الطاهر لأمير المؤمنين ومولى الموحدين علي بن أبي طالب عليه السلام والذي لولاه لم تكن مدينة النجف، وكان السيد الكشميري يكن حباً جماً لأبي الأئمة الإمام علي عليه السلام، ولولاه لم يكن للنجف أي منزلة في قلبه، إذ هي أرض كأي أرض أخرى، وإنما تشرفت تربتها بجسد أمير المؤمنين عليه السلام بين أكنافها.
يقول السيد الكشميري: إن أرض النجف مربية، وهي تربة لا تضاهيها تربة أخرى، وخاصة لأعمال التزكية والسلوك، فهي تفتح الآفاق أمام الإنسان وتحلق بالروح عالياً. والنجف حسنها حسن جداً وسيئها سيء جداً، فأشرارها لا مثيل لهم، وأخبارها لا نظير لهم أيضاً، وهذه هي خصوصية مدينة النجف.
وكان يقول أيضاً: أرض النجف منورة، وفي أحد الأيام عندما كنت راجعاً من كربلاء إلى النجف بالسيارة كانت هنالك طفلة صغيرة تخاطب أمها قائلة وذلك قبل وصولنا إلى النجف بفرسخ: اُماه كم هذه الأرض نورانية!
وبعد هجرة السيد الكشميري إلى إيران بقي قلبه متعلقاً بالنجف الأشرف، وكان يلهج بذكراها دائماً: يقول تلميذه السيد علي أكبر صداقت: كان أحياناً يصف النجف وكأنه لا يوجد في الدنيا مدينة سواها، فكان يقول: إن كل إيران لا تعادل النجف.
يقول السيد الكشميري: النجف شيء آخر، وحتى مساجدها الصغيرة لها معنوية خاصة لا تضاهيها حتى مساجد إيران الكبيرة كمسجد كوهرشاد في خراسان.
ويقول السيد الكشميري: كانت إذا عرضت لي مشكلة أذهب إلى صحن أمير المؤمنين عليه السلام وأقرأ سبع مرات (ناد علياً...) فتحل هذه المشكلة.
ويقول المرحوم الشيخ جعفر المجتهدي عن السيد الكمشيري: إن قلب هذا السيد مملوء يحب أمير المؤمنين عليه السلام إلى درجة أنه في كل مرة يأتي فيها إلى دارنا تأتي معه أيضاً قبة أمير المؤمنين عليه السلام.
وفاته:
يفاجئ الموت الناس وهم غافلون، لاهية قلوبهم عن ذكر الله وعن ذكر الموت بينما أولياء الله يعلمون آجالهم وزمان وفاتهم فيستعدون للرحيل كما مما حكاه السيد الكشميري عن الشيخ الطالقاني والسيد القاضي، وما حكاه أيضاً عن الشيخ محمد باقر القاموسي البغدادي قال: كان من العلماء والزهاد والعرفاء العرب، وكان كالسيد القاضي، وكان يقتدي به الأتقياء والأبرار، وهو من تلاميذ الملا حسين قلي الهمداني والشيخ محمد طه، وكان آية الله محسن الحكيم من تلاميذه، لم يضع العمامة على رأسه إلى حين وفاته، وكان في أحد الأيام جالساً فقال: من الأفضل أن أرحل من هذه الدنيا، وبدأ بتلاوة سورة يس وعندما وصل إلى قوله تعالى (وجعلني من المكرمين) سلم روحه إلى بارئها.
وكان يتمنى الموت وهي العلامة التي ذكرها القرآن الكريم للتمييز بين الأولياء والأدعياء، يقول تعالى:{قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ*وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} (6-7) سورة الجمعة.
يقول أحد تلامذته: سألته مرة: هل تعرف أحداً يتمنى الموت، فإن هذا الأمر صعب جداً للكثيرين.
فقال: نعم وسكت هنيهة ثم قال: أنا. فقلت له: هل رأيت مكانك في الجنة وأقسم لك بحق أمير المؤمنين بأني لا أخبر أحداً بذلك؟ فقال: مكان مريح والحمد لله.
وكان السيد الكشميري عاشقاً للنجف الأشرف ويتمنى الرجوع إليها وأن يدفن في جوار ضريح جداه أمير المؤمنين عليه السلام. ولكنه في أواخر عمره كان يذكر قم وحرم السيدة فاطمة بنت الإمام موسى الكاظم عليه السلام ويقول: إذا مت فادفنوني في حرم السيد معصومة.
وكان في سنوات عمره الأخيرة يذكر الموت كثيراً ويردد أحياناً ما كتبه أمير المؤمنين عليه السلام على كفن سلمان المحمدي:
وفدت على الكريم بغير زاد .......... من الحسنات والقلب السليم
وعندما عاده أحد العلماء العرفاء قال: إن روحه لها سيطرة كاملة على جميع هذه المنطقة.
وكان يقول: الموت أمامي ولا مزاح فيه. وكان جوابه إذا سئل كيف حالكم يقول: في حال النزع. وقال لأحد تلاميذه مرة: رأيت السيد هاشم الحداد في عالم الرؤيا وهو يقول لي: لماذا أنت مغموم إن الفرج قريب! وكان يقول أيضاً: لقد ذهب الجميع وكان آخرهم السيد هاشم الحداد.
ورجعت نفس المطمئنة إلى بارئها راضية مرضية في يوم الأربعاء العشرين من ذي الحجة سنة 1419هـ عن عمر ناهز الأربعة والسبعين عاماً، وشيعت جنازته في قم وصلى عليه الشيخ بهجت ودفن في حرم السيدة المعصومة عليها السلام جوار قبر التلميذ الآخر للسيد القاضي العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي صاحب الميزان[/font][/align]