

حلب هي ثاني أكبرالمدن السورية ، تعاقبت عليها عهود كثيرة حتى جاءت سنة 637 لتصبح بأيدي العرب ثم ليخرج منها العديد من الفقهاء والعلماء والأدباء والشعراء ، فليس غريباً عليها أن تحظى بمكانة تاريخية وتحتضن مشهد أو مرقد أو مقام لأهل بيت النبوة (ع) .
عند مدخل مدينة حلب إلى اليمين، وعلى السفح الشرقي المُطلّ على المدينة من الغرب يطالعك جبلُ الجَوشَن، وهو يحتضن مشهد سيّد الشهداء الإمام الحسين بن علي (ع) ، وهو يُشرف على المدينة.
وقد شُيِّد هذا البناء في المكان الذي وُضِع عليه رأسه الشريف في إحدى مراحل نقله إلى يزيد بن معاوية بدمشق.
كان الطريق الذي سلكته سبايا أهل البيت (ع) هو طريق (الكوفة – الموصل – نصيبين – حلب – حماة – حمص) وفي حلب نزلوا خارجها عند سفح جبل الجوشن .. وقبل أن يرتحل موكب السبايا شاء الله أن يخلد هذا المكان ويترك فيه أثراً ورمزاً يبقى مدى الدهر .. هذا الأثر هو قطرة دم زكية كانت قد سقطت من رأس الحسين (ع) عندما وضع على صخرة لتصبح تلك الصخرة مشهداً ومزاراً لأهل البيت (ع) في غربي حلب ، في حي الأنصاري .

من كان السبب في بنائه ؟
يروى أن رجلا راعيا يسمى عبدالله يسكن في درب المغاربة وكان يخرج كل يوم لرعي الغنم فنام في يوم الخميس 20 من ذي الحجة سنة 573 هـ بعد صلاة الظهر ، فرأى في نومه في المكان الذي بنى فيه المشهد كأن رجلاً اخرج نصفه من سفح الجبل المطل على المكان ومد يده إلى الوادي وأخذ عنزاً فقال له :
يا مولاي لأي شئ أخذت هذه العنزة وليست لك ؟
فقال: قل لأهل حلب يعمرون في هذا المكان مشهداً ويسمونه (مشهد الحسين )
فقال الراعي : لايرجعون إلى قولي .
فقال : قل لهم يحفرون هناك ، ورمى بالعنز من يده إلى المكان الذي أشار إليه ، فلما استيقظ رأى العنز قد غاصت قوائمها ، فدخل حلب ووقف على باب الجامع القبلي ، وحدث بما رأى فخرج جماعة من أهل البلد إلى المكان الذي ذكر فرأوا العلامــة على ما وصف ، وكان هذا الموضع الذي ظهرت فيه العين في غاية الصلابة بحيث أنه لاتعمل فيه المعاول ثم خطوا في ذلك المكان المشهد .
تؤكد المصادر التاريخية على أن سيف الدولة الحمداني أمير حلب آنذاك هو الذي قام ببناء مشهد الحسين (ع) بمدة طويلة وأن الصخرة التي وقعت عليها قطرة الدم الزكي نقلت الى مشهد الحسين (ع) سنة 1337هـ نتيجة دخول الفرنسيين إلى حلب هجم حينها جماعة من رعاع الناس على المشهد ونهبوا مافيه من الذخائر والمقتنيات الأخرى وانفجرت قنبلة بالقرب من المشهد فتهدم معظم بنيانه ....
ويحدثنا الغزي كذلك عن هذا اليوم فيقول:
« هجم عليه جماعة من رعاع الناس وغوغائهم ونهبوا ما فيه من الذخائر والسلاح. وبينما كان بعض أولئك الغوغاء يعالج قنبلة لاستخراج ما فيها من البارود انفجرت وأتت على البارود المتجمع أمامه، وسَرَت فيه النار بأسرع من لمح البصر إلى غيرها من الأعتدة النارية، فانفجرت جميعها انفجارَ بركانٍ عظيم، أحدَثَ دويّاً هائلاً كهزيم الرعد القاصف اهتزت له المدينة، وتحطم زجاج النوافذ فيها، وتطايرت أحجار البناء الضخمة في الهواء إلى مسافات بعيدة، وسقط بعضها على من فيه من الذعَّار والشطّار فهلكوا عددهم عن آخرهم، ويُقدَّر عددهم بثلاثين إنساناً تقريباً. وبات المكان بعدها مِزقاً محطمة وأطلالاً خاوية ».
وبعد تلك الأحداث نقلت منه تلك الصخرة إلى مشهد السقط محسن بن الإمام الحسين (ع) الذي كانت زوجة الإمام الحسين (ع) حاملا فيه عند مرورهم بتلك المنطقة فاسقطت جنينها ودفن هناك .. وكذلك شيد له سيف الدولة مشهداً على مقربة من مشهد الحسين (ع) ولاتزال الصخرة موجودة فيه .
بقي المشهد مدة طويلة مهملا .. ومنذ اكثر من نصف قرن أخذت تقام فيه يوم عاشوراء محاضرات دينية تتلى فيه قصة المولد النبوي وتطبخ فيه الأطعمة ويجلس على موائدها المدعوون من رجال الحكومة العثمانية والعلماء والأعيان والوجهاء .. وفي اليوم السابع والعشرين من رجب تتلى فيه قصة المعراج .. وفي سنة 1302هـ جددت فيه الجهة الشمالية وبعد بضع سنين أهدى السلطان عبدالحميد ستاراً حريرياً مزركشا بآيات قرآنية وضع على المحراب ..
وفي عام 1960م قامت مجموعة من الخيرين بتأسيس جمعية باسم (جمعية الإعمار والإحسان) أخذت على عاتقها تجديد بناء المشهد وأعادت بنائه واتصلت بالمرجع الديني السيد محسن الحكيم (قدس سره) وطرحت عليه الموضوع فشجع الفكرة وأذن في صرف الحقوق الشرعية .

يعتبر المشهد اليوم من أروع المابني الأيوبية وهو عبارة عن عمارة ضخمة فيه باحة سماوية وإيوان ومصلى مسقوف بثلاث قباب ... وفي أماكن مختلفة من المشهد كتابات تؤرخ تاريخ بنائه وكتابات أخرى تذكر آل البيت عليهم السلام .
عمّر مشهد الإمام الحسين (ع) في أيام دولة الغازي بن الملك الناصر يوسف في ودفن فيه العديد من الأشراف والأفاضل والأعلام .
وفي عهد الملك العزيز محمد ( 613 ـ 634 هـ ) استأذن القاضي بهاء الدين ابن الخشّاب في بناء حرم إلى جانبه، وبيوت يأوي إليها طلبة العلم والمنقطعون للعبادة. وقبل إتمام هذا المشروع دخلت جيوش التتار مدينة حلب سنة 658 هـ، ونهبوا جميع محتويات المشهد من سجّاد وتحف وقناديل من الذهب والفضة، وحطَّموا كذلك أبوابه ونوافذه. وتوقف المشروع بعد ذلك إلى حين.
ولمّا ملك الظاهر بيبرس سنة 660 هـ ـ وكان يُحبّ حلب ـ جدّده ورمَّمه، وأعاد إليه نشاطه الديني والثقافي والاجتماعي. واستمر في أداء رسالته حتّى سنة ( 1302 هـ / 1885 م )، حيث أبدى السلطان عبدالحميد العثماني اهتماماً خاصاً به فجدَّد الجهة الشمالية من القِبلية، وأهدى محرابَه ستاراً حريرياً مزركشاً بآيات قرآنية. وجدَّد ترخيم أرض صحن المشهد، وفرش القبلية بالطنافس، ورتب له إماماً ومؤذِّناً وخادماً وموظّفِين يقرأون كل يوم أجزاءً شريفةً من القرآن، والنفقة على ذلك كله من حساب أملاك السلطان بحلب. ولكن الإهمال اعترى المكان إثر الانقلاب الدستوري العثماني.
وفي ( 1312 هـ / 1894 م ) عاد الاهتمام به ثانية، فوُضع فيه منبر خشبي جميل، وجرت فيه خطبة الجمعة والعيدين. واستمرّت الشعائر فيه حتى الحرب العالمية الأولى ( 1914 ـ 1918م )، حيث أبطلت فيه جميع الشعائر الدينية والاحتفالات بسبب تحويله إلى مستودع للذخيرة من قبل الأتراك الاتحاديين، مما سبَّب له الدمار الشامل عند انسحابهم من حلب يوم الجمعة 20 محرم 1337 هـ / 12 تشرين الأول 1918.
لم يكن وجود مشهد الإمام الحسين عليه السّلام بحلب مقتصراً على الاحتفالات الدينية والمناسبات التاريخية، بل كان إلى جانب ذلك مركزَ إشعاع للعلم والمعرفة يقصده الناس لينهلوا من موارد العلم الصافية ما يطفئ تعطشهم إلى العلم والمعرفة، وكان يتردد عليه ويلتقي فيه أكثر من عالم لكلٍّ مقرّه ومحرابه، يتعبد فيه ويلقي دروسه على رواد العلم.
وكان الناس يخرجون في يوم عاشوراء إلى المشهد و تقام وليمة يحضرها الوالي ومَن دونه، فيُـتلى شيء من القرآن الكريم و وتنشَـد مرثية ابن معتوق في سيدنا الحسين (ع) التي أولها:
هلّ المحرمُ فاستَهِلَّ مُكبِّرا ** وانثُرْ به دُرَرَ الدموعِ على الثَّرى
اعذروني على الإطالة , اختصرت لكم هذا البحث الطويل الذي بحثته في الشبكة العنكبوتية عن مشهد الإمام الحسين (ع) في حلب و الذي يعرف بمشهد النقطـــة .[/align]
[align=center]من منكم زار هذا المقـام ؟[/align]