
هناك أمور كثيرة تدل على أن الحسين (ع) يكافئ خدامه في الدنيا قبل الآخرة وكلها تؤكد على أن من يقوم ولو بخدمة بسيطة في مجالس الإمام الحسين (ع) وفي إقامة الشعائر الحسينية ، فإنها تقع مقبولة ومقدرة عند سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين (ع)، وإنه يكافئ عليها لأن الله تعالى أعطى الإمام الحسين (ع) ذلك وخوّله في المكافأة، فخدمة الإمام الحسين (ع) مفيدة للدنيا والآخرة.
نعم، إن واقعة كربلاء وقصة عاشوراء واستشهاد الإمام الحسين (ع) يلزم أن تبقى حية وفاعلة، وحياتها وبقاؤها يكون بسبب المجالس والمنابر والشعائر الحسينية، ولذا ترى بعض الجماعات في البلاد الإسلامية وحتى التي تدعي الإسلام منها، تحارب الشعائر الحسينية خوفاً من الاطاحة بعرشها، وكثيراً ما تحاربها للقضاء على أصل الواقعة ودفن آثارها، ليصفى لها حكمها ويسلم لها عرشها.
وهنا لا بأس بذكر قصة اتفقت في مدينة قم المقدسة، وذلك قبل عدة أعوام لنعرف شيئاً من فوائد هذه المجالس الحسينية.
إن أحد علماء طهران ممن كان يهتم كثيراً بمجالس الإمام الحسين(ع) ويتحمس للشعائر الحسينية، ويشجّع الآخرين على تأسيس المجالس والمواكب وإقامة هذه الشعائر، كان قد أوصى إلى أولاده بأن يدفنوه في كربلاء المقدسة حين ما مات.
فلما توفي هذا العالم وأراد أولاده العمل بوصيته، صادفهم الإختلاف الموجود بين إيران والعراق، وغلق الحدود فيما بينهم، بحيث لم يسمح لأحد الذهاب إلى العتبات المقدسة في العراق، ولا إلى دفن موتاهم هناك ، فتشاور الأولاد فيما بينهم في قصة دفن أبيهم، وقالوا : بما أننا لم نقدر على تنفيذ وصية والدنا ، فعلينا أن ندفنه في بلد مقدس آخر عند جوار واحد من أهل البيت(ع)، فأما أن ندفنه في مشهد الإمام الرضا(ع) في خراسان، أو في جوار مرقد السيدة فاطمة المعصومة (ع) في مدينة قم.
وبعد التشاور اتفق رأيهم على أن يدفنوه في قم المقدسة ، وذلك لأنها أقرب إلى طهران، ويمكنهم زيارته والحضور على قبره للفاتحة أكثر مما لو دفنوه في غيرها. فجاءوا بجثمان أبيهم ذلك العالم الحسيني إلى قم ودفنوه في إحدى مقابرها.
ومن المتعارف لدى الناس أنهم يزورون موتاهم ويحضرون على قبورهم لقراءة الفاتحة على أرواحهم في اليوم الثالث من موتهم، وكذلك في اليوم السابع، وهكذا في اليوم الأربعين، وأيضا في الذكرى السنوية من وفاتهم، وهذا المتعارف مأخوذ من الروايات، ففي الروايات على ما في كتاب (لئالئ الأخبار) وغيره من مصادر الحديث : أن روح الميت بعد مفارقته للجسد، يعود إلى زيارة الجسد في القبر عدّة مرات، في اليوم الثالث، وفي اليوم الخامس ـ وهذا اليوم لم يتعارف فيه زيارة الموتى عند الناس ـ وفي اليوم السابع ، وفي اليوم الأربعين، وبعد مرور عام واحد.
والظاهر أن عودة الروح إلى الجسم في القبر هو على نحو الشعاع مما يلائم عالم البرزخ ، وليس عودة حقيقية كما في عالم الدنيا أو عالم الآخرة والقيامة ، فيقف على جسده ويرى ما حلّ به من التفسخ والتفكك ، فيعز عليه ذلك ويتأثر بشدة لأنه كان مدة من الزمن مرافقا له، فيخاطبه : أنت الذي لم تكن تتحمل أن يجلس التراب أو الذباب على وجهك وخدك، فكيف استسلمت لهذا البلاء؟ فهلا كنت قد أعددت لنفسك في الدنيا ما يدفع عنك في هذا اليوم هذه المكاره والشدائد؟
نعم هذه عادة متعارفة وعليه قامت الأدلة,
وأسرة هذا العالم وأولاده كبقية الناس زاروا قبر أبيهم في اليوم السابع من وفاته حسب المتعارف ، لكن الذي فاجأهم هو : أنهم رأوا جماعة غرباء لم يعرفوهم ، قد جلسوا حول قبر والدهم، كجلوس أسرة الميت على قبر ميتهم، وقد اشتغلوا بقراءة الفاتحة وتوزيع الحلوى والفواكه على روح الميت ، فتقدم أولاد ذلك العالم إلى أولئك الجالسين حول قبر والدهم وسألوهم
قائلين : هل أنكم اشتبهتم حيث جلستم على هذا القبر؟
قالوا: لا.
قالوا: هل تعرفون صاحب هذا القبر معرفة صداقة أو قرابة أو جوار أو غير ذلك مما جعلكم من أجله تجلسون على قبره؟
قالوا: لا، ليست بيننا وبينه أية نسبة ولا صداقة ولا جوار.
قالوا: فما هو سبب جلوسكم على قبره مع أنه ميتنا وليس بميتكم؟
قالوا، وهم يخاطبون أولاد العالم المتوفى : ما نسبتكم أنتم مع صاحب هذا القبر؟
قالوا: نحن أولاده وأسرته.
قالوا إن لنا في ذلك قصة :
كان لنا والد توفي قبل اثني عشر عاماً وقد دفناه في هذه المقبرة، وحيث أنه لم يكن ملتزماً في دينه أيام الدنيا، كان معذباً في برزخه وقبره ، ولذا كلما رأيناه في المنام وزرناه في عالم الرؤيا طيلة هذه السنوات، رأيناه في حالة يرثى له من الشدة والعذاب، إلى قبل ليلتين ، فقد رأيناه في المنام وهو بحالة جيدة ومرضية ، يتوسط بستاناً جميلاً، فيه أنواع الفواكه والطيور، محفوفاً بالأشجار.. تجري من تحتها العيون والأنهار، فتعجبنا من ذلك وسألناه عن حاله وعن تغيّر أوضاعه بعد مرور اثني عشر عاماً، ورجوناه أن يخبرنا عن سببه، وأنه هل كان السبب الخيرات التي كنا نبعثها على روحه، أو شيء آخر؟
فأجاب قائلاً:
إن الخيرات كانت مفيدة ومؤثرة، لكن الذي سبب نجاتنا، وهيأ لنا هذه النعم، وعفى الله عن سيئاتنا التي ارتكبناها في الدنيا هو موت أحد خدام الحسين (ع) ودفنه في هذه المقبرة ، وأشار إلى هذا القبر الذي نحن الآن جلوس عنده. ثم قال : فمن اليوم الذي دفن هذا العالم هنا، رفع الله عنا العذاب ببركة الإمام الحسين (ع)، فإنه عليه السلام جاء إلى زيارة خادمه، وعندما دخل هذه المقبرة أمر الله برفع العذاب عن جميع أهل هذه المقبرة المدفونين فيها احتراماً لقدوم الإمام الحسين (ع)، وأجّل حسابنا إلى يوم القيامة. فنحن الآن في ضيافة الإمام الحسين (ع) تكريما لخادم الإمام الحسين عليه السلام .
ثم أضافوا قائلين :ونحن لما عرفنا بأن صاحب هذا القبر قد صار سبباً لرفع العذاب عن أبينا ، أقبلنا إلى زيارته وقراءة الفاتحة على روحه تقديراً وشكراً له على ذلك ,,
******
اللهم امنن و تفضل علينا بخدمة أبا عبد الله الحسين عليه السلام و لو بالشيء القليل و البسيط فإننا على يقين بأن جزاء ذلك ليس بالقليل بل كثير كثير,,
و صل يا ربي على محمد و على آل بيته الطيبين الطاهرين .
من كتاب : عاشوراء و القرآن المهجور
لآية الله السيد محمد الشيرازي رحمه الله .[/font][/align]