الاتباع..
إن هنالك سورة في القرآن الكريم باسم النبي محمد (ص) في هذه السورة هناك آية فيها مدح وذكر للنبي (ص) وبشارة لمن اتبعه، تقول الآية الكريمة: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ﴾.. المؤمن يسأل الله عز وجل أن يجعله من خيار المستنين بسنته، يقول تعالى: ﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ﴾!.. فأولى الناس بالنبي (ص) هم الذين اتبعوه في كل شؤونه!.. لا ذريته، ولا الذين جاوروه: فالمجاورة المكانية لا تلازم المجاورة المكانتية، والمجاورة المنزلية لا تلازم المنزلتية!..
الصالحات..
أولاً: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾..إن هذه العبارة متكررة في القرآن الكريم:
أ- قال: ﴿الصَّالِحَاتِ﴾ولم يقل: "الواجبات"!.. فالصالحات تنطبق على الواجبات والمستحبات أيضاً، مثل: صلاة الليل التي هي من المستحبات، وهي أيضاً من الصالحات، بل على رأس الصالحات!..
ب- إن الجمع المحلى بأل في اللغة العربية؛ يفيد العموم!.. و﴿الصَّالِحَاتِ﴾ جمع محلى بأل، أي مضاف إليه أل.. فلو قال: عمل صالحاً؛ أي أنه عمل صالحاً واحداً.. ولم يقل: عملوا صالحات، بل قال: ﴿الصَّالِحَاتِ﴾؛ أي جميع الصالحات.
فإذن، إن المؤمن يجب أن تكون نيته -والله عز وجل يثيبه على النية- العمل بكل خلال رسول الله (ص) والاستنان بكل فعل قام به النبي (ص)!.. كما نقول في الصلاة الشعبانية: (اللهمَّ!.. فأعنّا على الاستنان بسنّته فيه، ونيل الشفاعة لديه).. فالذي يستن بالنبي (ص) هذا في معرض الشفاعة؛ فرب العالمين يعوّض بعض الهفوات والتقصير التي تصدر منه.. بينما هناك من يريد شفاعة بلا استنان!.. والمراقبة الدقيقة المتصلة، ومراقبة شؤون الحياة، والقيام بالمستحبات؛ هذه تُفهم من الآيات القرآنية، مثل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾،﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾،﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾.. فهمةالإنسان ونيته أن يكون في أعلى درجات التقوى!..
ثانياً: ﴿وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ﴾.. هذه آية وحيدة في سورة النبي (ص) فيها ذكر للنبي الأعظم (ص)، ولكن ما الفرق بين ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾،﴿وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ﴾؟.. والله العالم أن:
الأول: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾؛ ربما يُراد به الإيمان العام، الإيمان العقائدي؛ فمن آمن بالله عز وجل، وبالرسول (ص)؛ هذا مسلم.
الثاني: ﴿وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ﴾؛كأنه بيان للتشريعات وللجزئيات.. ومن مصاديقها في زماننا هذا: تقليد الإنسان للفقيه جامع الشرائط؛ فهذا إيمان بما نُزّل على النبي (ص)؛ لأن الفقيه لا يفتي من عنده، بل يفتي بناء على ما ورده من روايات النبي وآل النبي (ص).. فهذا الإنسان المُقلّد عندما يعمل بالرسالة؛ يكون قد عمل بكلام رسول الله (ص).. بينما هناك جماعة من المنحرفين طوال التاريخ يقولون: نحن نعمل بلب الشريعة، وأنتم لكم القشور؛ أي الأعمال الفرعية!.. هذا الكلام كلام سخيف وباطل، فكما أن هناك -كما يقال في اصطلاحهم- طريقة؛ هناك أيضاً شريعة، وهناك أخلاق، وهناك سير إلى الله عز وجل، وهناك أحكام معاملات وعبادات.. فمن لم يقلد؛ هو إنسان ليس على سبيل النجاة.
ثالثاً: ﴿كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ﴾..
-﴿كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ﴾..﴿كَفَّرَ﴾؛ أي غطى.. هؤلاء في مقام العمل، رب العالمين يغطي ويزيل عنهم السيئات.. وفي آية أخرى هناك وعد بتبديل السيئات إلى حسنات، يقول تعالى:﴿إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾.. هناك بحث عند العلماء حول ما المراد بهذه الآية: هل التائب المستقيم على الطريق، يبدل الله سيئاتهم حسنات؛ أي أن كل سرقة تتحول إلى صدقة مثلا!.. والزنا يتحول إلى زواج شرعي!.. هناك تفسيران:
1. التفسير الأول: إن بعض العلماء يقول: نعم، ما المانع في ذلك؟.. إن رب العالمين في عالم الطبيعة، يحوّل السماد النتن إلى رائحة طيبة، كما هو الحال في الورود الفواحة، فهذا السماد يتحوّل إلى رائحة تباع بأغلى الأثمان!.. وفي عالم التكوين كذلك، يحوّل رب العالمين السيئات إلى حسنات: فالنطفة القذرة النجسة، تتحول إلى طفل وسيم وجميل؛ رب العالمين هو هو ما المانع في ذلك؟!..
2. التفسير الثاني: ولكن هناك من يقول: لا، ليس المراد أن كل سرقة تتحول إلى صدقة، وإنما هم في مقام العمل يُكفّرون: فمن كان سارقاً ثم تاب، يصير مصدّقاً؛ هذا معنى تبديل السيئات إلى حسنات.. هذا في مقام التكفير!..
-﴿وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ﴾..هذا الذي يبحث عنه الناس هذه الأيام فلا يجدونه، حيث أن أثرى الأثرياء لا يشعرون بالاستقرار الباطني، وتعلوهم الكآبة والقلق والاضطراب دائماً.. هذا البال لا يصلح إلا بفضل الله عز وجل، وهو القائل في آية أخرى: ﴿أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾!.. فالذي خلق القلب هو الذي يطمئنه، ويصلح باله.. فمن يلجأ إلى: الخمرة، والأفيون، والطعام اللذيذ، ومعاشرة النساء، و.. الخ؛ هذه أدوات استمتاع تصلح بال الإنسان مؤقتاً، فهو في ساعة القيام بها متلذذ فقط!.. ولكن المؤمن ليس هكذا: المؤمن قلبه مطمئن في كل آنٍ؛ لا يطمئن ساعة ويضطرب أخرى.. فالقلب إذا اطمأن بذكر الله عز وجل، استمر الاطمئنان إلى يوم لقائه: فهو في البرزخ مطمئن، وفي عرصات القيامة مطمئن، ويجتاز نار جهنم وهو مطمئن ألا يقول تعالى: ﴿وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا﴾ ويصل إلى باب الجنة وهو مطمئن!.. فرق بين اطمئنان المتع المادية، وبين اطمئنان هذه الآية﴿وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ﴾!..
__________________
نسألكم الدعاء
الشيخ حبيب الكاظمي