خولة الحنفية(رضي الله عنها) (1)
اسمها وكنيتها ونسبها
السيّدة أُمّ محمّد، خولة بنت جعفر بن قيس الحنفية أو الحنيفة.
زواجها وأولدها
تزوّجت الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام) بعد شهادة فاطمة الزهراء(عليها السلام)، وولدت له محمّداً، الملقّب بمحمّد بن الحنفية نسبة إلى لقب عائلة أُمّه.
سبيها
أرسل أبو بكر أيّام حكومته جماعة يرأسهم خالد بن الوليد إلى بني حنيفة؛ ليأخذ زكاة أموالهم، امتنع مالك بن نويرة التميمي ـ رئيس بني حنيفة ـ من إعطاء الزكاة إلى غير مستحقّيها، معتقداً أنّ الزكاة لابدّ أن تُعطى إلى وصيّ رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وهو الإمام علي(عليه السلام).
عند ذلك قام خالد بن الوليد بقتل مالك بن نويرة غيلة، معلّلاً قتله إيّاه أنّه مرتدّ عن الإسلام، ثمّ وطء زوجة مالك في تلك الليلة من غير أن تعتدّ، وصادر أموالهم، وأخذ بقية الرجال والنساء سبايا إلى أبي بكر، وكانت السيّدة خولة من ضمن السبايا.
احتجاجها في مجلس أبي بكر
روى جابر بن عبد الله الأنصاري قال: «كنت إلى جنب أبي بكر وقد طلع سبي بني حنيفة، وكانت فيه جارية مرهقة، فلمّا دخلت المسجد قالت: يا أيّها الناس ما فعل محمّد؟ قالوا: قُبض.
قالت: فهل له بيت يُقصد إليه؟ قالوا: نعم هذا قبره(صلى الله عليه وآله). فنادت: السلام عليك يا أحمد يا محمّد يا رسول الله، أشهد أنّك تسمع كلامي وتقدر على جوابي، وإنّا سُبينا من بعدك، وإنّا نقول لا إله إلاّ الله وإنّك رسول الله. وجلست. فوثب إليها رجلان من المهاجرين أحدهما طلحة والآخر الزبير فطرحا ثوبيهما عليها.
فقالت: ما بالكم معشر العرب تصونون حلائلكم وتهتكون حلائل الغير؟ فقالوا: لمخالفتكم حين تقولون نزكّي ولا نصلّي، أو نصلّي ولا نزكّي، وقد طرحنا ثوبينا عليك لنتغالا في ثمنك.
فقالت: أقسمت بالله ربّاً وبمحمّد نبيّاً لا يملك رقبتي إلاّ بما رأت أُمّي وهي حامل بي؟ وما قالت عند الولادة؟ وما العلامة التي بيني وبينها؟ وإلاّ إن ملكني أحدكما بقرت جوفي بيدي فيذهب ماله ويذهب نفسي فيكون المطالب بهذا.
فقالا: يا أيّتها المرأة، أبدي رؤياك التي رأت أُمّك وهي حامل بك حتّى نُبدي لك العبارة. وأخذ طلحة والزبير ثوبيهما وعادا جالسين، إذ دخل أمير المؤمنين(عليه السلام) وقال: ما هذا الرجف في مسجد رسول الله(صلى الله عليه وآله)؟
فقالوا له: يا علي، امرأة من بني حنيفة حرّمت ثمنها على المسلمين، فقالت ثمني حرام إلاّ على مَن يُخبرني بالرؤيا التي رأت أُمّي والعبارة لها. فقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام): ما دعت إلى باطل أخبروها تملكوها.
قالوا: يا علي، مَن فينا يعلم علم الغيب، أما علمت أن ابن عمّك الرسول(صلى الله عليه وآله) قُبض وأنّ أخبار السماء وديناها كان جبرئيل(عليه السلام) يهبط عليه بخبر ساعة فساعة. فقال أبو بكر: يا علي أخبرها.
فقال(عليه السلام): أخبرها أملكها بلا اعتراض أحد منكم؟ قالوا: نعم. قال علي: يا حنيفية، أخبرك أملكك؟ فقالت: مَن أنت الجرئ دون أصحابك؟ فقال: أنا علي. فقالت: لعلّك الرجل الذي نصبك محمّد(صلى الله عليه وآله) صبحة الجمعة بغدير خُمّ علماً للناس.
قال: أنا ذلك الرجل. فقالت: إنّا من أسبابك أُصبنا ومن نحوك أتينا، لأنّ رجالنا قالوا لا نسلّم صدقات أموالنا ولا طاعة نفوسنا إلاّ للذي نصبه محمّد فينا وفيكم علماً.
فقال لها أمير المؤمنين(عليه السلام): وإنّ أجركم غير ضائع، إنّ الله يُوفي كلّ نفس ما عملت قحط منعت السماء قطرها والأرض نباتها وغارت العيون حتّى أنّ البهائم لم تجد رعياً ترعى، وكانت أُمّك تقول: إنّك حمل مشؤوم في زمان غير مبارك، فلمّا كان بعد سبعة أشهر كملاً رأيت في نومها كأن قد وضعتك وكأنّها تقول: إنّك حمل مشؤوم في زمان غير مبارك، وكأنّك تقولين لها: يا أُمّه لا تشأمي بي إنّي ولد مبارك أنشأ نشوء حسنا، يملكني سيّد يولدني ولداً يكون لحنيفية عزّاً.
قالت: صدقت أنّى لك هذا؟ قال: هو إخبار النبي(صلى الله عليه وآله) لي. قالت: وما العلامة بيني وبين أُمّي؟ فقال(عليه السلام): إنّها لمّا وضعتك كتبت كلامك والرؤيا في لوح من النحاس وأودعته يمنة الباب، فلمّا كان بعد حولين عرضت عليك فأقررت، فلمّا كان بعد أربع سنين عرضت عليك فأقررت، فلمّا كان بعد ستّ سنين عرضت عليك فأقررت، فلمّا كان بعد ثمان عرضت عليك فأقررت، فلمّا كان بعد عشر سنين جمعت بينك وبين اللوح وقالت: يا بنية إذا نزل بساحتكم سافك دمائكم وناهب أمير المؤمنين(عليه السلام) مقتله أموالكم وسابي ذراريكم وسقت فيمن سبي فخذي هذا اللوح معك واجتهدي أن لا يملكك من الجماعة إلاّ مَن يُخبرك بالرؤيا وهذا اللوح.
فقالت: صدقت، فأين اللوح؟ فقال: في عقصتك. فدفعت اللوح إلى علي(عليه السلام) فملكها دون غيره بما ثبت من حجّته وإظهار بيّنته، فأقامها(عليه السلام) عند أسماء بنت عميس زوجة أبي بكر، فلمّا مضى على ذلك مدّة جاء إخوتها فدخلوا المسجد وقالوا: يا معاشر أصحاب رسول الله بم تستحلّون أخذ أُختنا ونحن قوم مسلمون؟
فقال أبو بكر: أُختكم عند علي أخذها. فقال عمر: هيهات أن تكون أُختكم ثيّباً وهي عند علي. فجاء علي(عليه السلام)، فقال له أبو بكر: هؤلاء إخوة خولة وذكروا أنّهم مسلمون. فقال له علي(عليه السلام): إنّ أُختهم عند أسماء بنت عميس فأنفذ إليها. فأنفذ فجاؤوا بخولة فسلّمها علي(عليه السلام) إلى إخوتها. فقالوا: يا علي، قد رضينا أن تكون أُختنا زوجتك. فعقد عليها العقد مع إخوتها بأملاك»(2).
ــــــــــــــ
1. اُنظر: أعيان الشيعة 6/360.
2. الدر النظيم: 409.
__________________