وَعَجِّلْ فَرَجَهُمْ وَاهْلِكْ عَدُوَّهُمْ مِنَ الجِنِّ وَالاِنْسِ مِنَ ألاَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ
بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْسَّلامِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ الْلَّهِ وَبَرَكَاتَةَ
القرآن الكريم..علويا
نسبة الى امير المؤمنين الامام علي بن ابي طالب عليه السلام، من خلال الاجابة على الاسئلة التالية:
اولا: كيف نقرا القران الكريم؟.
ثانيا: كيف نجسده؟.
ثالثا: ومن اين ناخذ علومه؟ وعلى يد من نتعلم اسراره؟ ولمن نلجأ لنفهم معانيه ونغوص في اعماقه؟.
للجواب على السؤال الاول، يلزمنا، اولا، ان ننتبه الى حقيقة في غاية الاهمية، وهي؛
ان القران الكريم هو معجزة الرسول الكريم محمد بن عبد الله (ص) وهو المعجزة الخالدة للاسلام والتي لا تقف عند حد زماني او مكاني معين، وبذلك تختلف معجزة رسولنا الكريم عن معاجز بقية الانبياء والرسل، فاذا كانت معاجز الرسل والانبياء آنية (وقتية) فان معجزة الرسول الكريم خالدة لا تقتصر على زمان او مكان معينين، وهذا يعني بانه (القران الكريم) يجب ان يكون قادرا على الاجابة على كل اسئلة البشرية الى قيام يوم الدين، بمعنى آخر، انه يجب ان نجد في طياته وآياته الكريمة كل الحلول لكل المشاكل التي نعيشها، ليس نحن، هذا الجيل فقط، وانما كل الاجيال التي تعاقبت منذ نزول القران الكريم والتي ستتعاقب الى قيام يوم الدين، والا لما صدق عليه وصف المعجزة الخالدة، والمصدر الخالد، فهل ان القرآن الكريم كذلك هو اليوم؟.
بنظرة سريعة الى واقع الحال، سنجد ان القران الكريم اليوم ليس كذلك؟ فهو لم يحل مشاكلنا، كما اننا لم نجد فيه الاجوبة على مختلف اسئلتنا، ما يعني ان السر في احد امرين:
فاما ان يكون القران ليس كما وصفته للتو، من كونه معجزة الرسول الكريم الخالدة، الذي تجد فيه البشرية كل ما تحتاجه من اجل حياة افضل، وهذا مستحيل، فلقد ثبت الله تعالى هذه الحقيقة في العديد من الايات، كما في قوله تعالى {افلا يتدبرون القران ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} وفي قوله {ذلك بان الله نزل الكتاب بالحق} و {هو الذي نزل عليك الكتاب بالحق} و {وما من دابة في الارض ولا طائر يطير بجناحيه الا امم امثالكم ما فرطنا في الكتاب من شئ} و {افغير الله ابتغي حكما وهو الذي انزل اليكم الكتاب مفصلا} و {الله الذي نزل الكتاب بالحق والميزان وما يدريك لعل الساعة قريب} و {وما كان هذا القران ان يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين} وفي قوله {ان هذا القران يهدي للتي هي اقوم} و {ولقد صرفنا للناس في هذا القران من كل مثل فابى اكثر الناس الا كفورا} و {ولقد صرفنا في هذا القران للناس من كل مثل وكان الانسان اكثر شئ جدلا} وغيرها الكثير من الايات التي تشير الى هذا المعنى.
او ان يكون السر في الانسان ذاته، والذي لا يعرف كيف يقرا القران الكريم او لا يعرف كيف يتعامل معه، وكيف يستفيد منه، فمثله في هذه الحالة كمثل المريض الذي يصف له الطبيب دواءا لا يستفيد منه، لانه لا يعرف كيف ومتى ياخذ الدواء.
وبمراجعة سريعة للعلاقة التي تربطنا بالقران الكريم سنجد بان السر في النقطة الثانية، بعد ان حولنا القران الكريم الى مجموعة تعاويذ نقراها عند الحاجة، فاذا اراد احدنا، مثلا، ان يرزقه الله ولدا قرا الاية الفلانية، واذا ارادت الام ان تستعجل نصيب ابنتها تقرا السورة الكذائية، واذا اشتهى احدنا ان يوسع الله عليه رزقه قرا السورة العلانية، واذا مات احد هرعنا الى القران الكريم لنقرا بعض آياته على قبره ليرحمه الله ويسكنه فسيح جنانه، وهكذا، ولكن؛ هل ترانا رجعنا الى القران الكريم نبحث فيه عن حلول لمشاكلنا الاجتماعية؟ وهل عدنا اليه عندما تتدهور العلاقة بين افراد الاسرة الواحدة؟ وهل قراناه لنعرف الحل المناسب الذي يقدمه لنا عندما تزداد وتنتشر الامراض الاجتماعية في مجتمعاتنا، كالجريمة المنظمة والفساد المالي والاداري والتحلل الخلقي وغير ذلك؟ هل عدنا اليه لنتلمس في آياته الكريمة معالم الطريق لحياة سعيدة ملؤها الصحة والامن وحسن الجوار والاسرة السعيدة والرفاهية؟ وهل عدنا اليه لنتعلم كيف نقيم نظاما سياسيا عادلا ومستقرا يقوم على اساس مبادئ الحرية والشراكة والشورى؟ وهل قرانا قصص الامم السالفة بطريقة نتعلم فيها كيف ولماذا تنقرض امم وشعوب؟ وكيف وبماذا تنهض امم وشعوب اخرى؟ وهل لجانا الى آياته اذا ما داهمنا خطر قيام نظام شمولي استبدادي وراثي قمعي بوليسي لنعرف كيف الخلاص وبماذا؟ وهل تعلمنا منه كيف نواجه الاعلام المضلل والدعاية السوداء؟ وهل علمتنا سوره وآياته كيف نتحاور وكيف يحترم بعضنا وجهة نظر البعض الاخر، بلا تعصب اعمى من اجل الوصول الى الحقيقة؟ ابدا ابدا، لاننا لم نعد نتعامل مع القران كمرجع لحل مشاكلنا او من اجل حياة افضل، انما حولناه، كما قلت آنفا، الى تعاويذ متفرقة لا اكثر ولا اقل.
الم اقل لكم بان السر فينا وليس في القران الكريم، في طريقة تعاملنا وطبيعة علاقتنا معه وليس في آياته المحكمات؟.
هذا من جانب، ومن جانب آخر فاننا حولنا آيات القران الكريم الى رموز وصور واشكال ميتة لا حياة فيها ولا حراك، من خلال اهتمامنا بقراءته فقط، فاذا بنا نتبارى في تجويده وترتيله، ونتسابق في ختم اجزائه خاصة في شهر الله الفضيل رمضان المبارك، فهذا ختمه مرة في هذا الشهر الفضيل وذاك ختمه مرتين وثالث ختمه ثلاث او اربع مرات وهكذا، بسرعة بسرعة حتى لا يلحق بنا احد، اما اذا سالنا انفسنا، في كم آية تدبرنا في شهر رمضان الكريم؟ وفي كم آية تفكرنا؟ وكم آية تركت في نفوسنا وعقولنا اثرا فغيرت سيرتنا او بدلت فهمنا ووعينا للاشياء والاحداث او بدلت من سلوكياتنا المنحرفة او من علاقاتنا السيئة؟ فهذا ما لا يهتم به احد ولا يسال عنه احد.
صحيح ان قراءة القران الكريم امر مستحب جدا، وان الابداع في قراءته، شكلا وصوتا ومضمونا، امر مستحب هو الاخر، ولكنه ليس الهدف ابدا، وليس المنتهى ابدا، وانما حثت الايات والروايات على القراءة والتجويد والترتيل من اجل ان يترك فينا الاثر المطلوب، والا فما فائدة القراءة المجردة والترتيل والتجويد الميت الذي لا يؤثر في نفوسنا وجوارحنا شيئا؟ اولم يقل القران الكريم متحدثا عن الاثر الذي تتركه آيات القران على جبل، فكيف لا تترك اثرها على القلوب وفي النفوس؟ يقول تعالى {لو انزلنا هذا القران على جبل لرايته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الامثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون}.
نعود الى السؤال الذي صدرنا به الحديث، وهو؛
كيف نقرا القران الكريم؟.
الجواب:
اولا: بطريقة التفكر والتدبر، لتترك آياته الاثر المطلوب.
والتدبر والتفكر لغة، يقال (تفكر اذا ردد قلبه معتبرا) اي ان التفكر في الاية يلامس القلب من جانب ويترك الاثر المطلوب من جانب آخر، ولذلك ورد في القران الكريم هذا المعنى بقوله عز وجل {افلا يتدبرون القران ام على قلوب اقفالها} فالذي يغلق قلبه بقفل كبير لا يمكنه ان يتفكر ابدا، وبالتالي لا يمكنه ان ان يعتبر بالايات باي شكل من الاشكال.
واذا عدنا الى الايات القرانية التي تحث على التدبر والتفكر، فسنكتشف حقيقة في غاية الاهمية، الا وهي ان كل آيات الله تعالى في خلقه لا يمكن ان يشعر بها الانسان او يتحسسها او يعتبر بها او يتلمس عظمتها وسرها وفلسفتها الا بالتفكر والتفكر فقط، ففي الايات:
{ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه اخلد الى الارض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب ان تحمل عليه يلهث او تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون}.
{انما مثل الحياة الدنيا كماء انزلناه من السماء فاختلط به نبات الارض مما ياكل الناس والانعام حتى اذا اخذت الارض زخرفها وازينت وظن اهلها انهم قادرون عليها اتاها امرنا ليلا او نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالامس كذلك نفصل الايات لقوم يتفكرون}.
{الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والارض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار}.
{وهو الذي مد الارض وجعل فيها رواسي وانهارا ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشي الليل النهار ان في ذلك لآيات لقوم يتفكرون}.
{ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والاعناب ومن كل الثمرات ان في ذلك لآية لقوم يتفكرون}.
{ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف الوانه فيه شفاء للناس ان في ذلك لآية لقوم يتفكرون}.
{ومن آياته ان خلق لكم من انفسكم ازواجا لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة ان في ذلك لآيات لقوم يتفكرون}.
{الله يتوفى الانفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الاخرى الى اجل مسمى ان في ذلك لآيات لقوم يتفكرون}.
{وسخر لكم ما في السماوات وما في الارض جميعا منه ان في ذلك لآيات لقوم يتفكرون}.
{لو انزلنا هذا القران على جبل لرايته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الامثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون}.
{افلا يتدبرون القران ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا}.
اذن، فكل آيات الله تعالى الاجتماعية والاعجازية، في الافاق والكون والخلق، وآياته في الرزق وفي عظمة الخالق، بل وحتى آية الله سبحانه وتعالى في خلق القران الكريم، لا يمكن ان نفهمها ونستوعبها الا بالتفكر والتدبر، لان آيات الله من العمق والسعة ما لا يمكن ان تترك فينا اثرا من دون التدبر والتفكر، فضلا عن ان مرجعية آيات القران الكريم لا يمكن ان تتحقق من دون التدبر والتفكر.
من هنا جاء الحث المتواصل في احاديث رسول الله (ص) وائمة اهل البيت عليهم السلام، على التدبر والتفكر، لاستيعاب آيات الله تعالى وفهم آيات القران الكريم، ففي الحديث الشريف {تدبر ساعة خير من عبادة سنة، او سبعين سنة} كما ورد في صفة الصحابي الجليل ابا ذر الغفاري رضي الله عنه (وكان اكثر عبادته التفكر} فبالتدبر والتفكر يكون القران الكريم مصدرا ومرجعا خالدا نجد فيه الحلول المناسبة لمشاكلنا المستديمة والعويصة.
والغريب في الامر ان الله تعالى شاء ان يعاقب من لا يتدبر في آياته، بطريقة تفقده نعم الرؤية والاستماع والتعقل والتفقه، على الرغم من امتلاكه للعين والاذن والقلب، كما تفقده القدرة على فهم واستيعاب آيات الله تعالى والى الابد، كما اشارت الى ذلك الايتين الكريمتين:
{ولقد ذرانا لجهنم كثيرا من الجن والانس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم اعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها اولئك كالانعام بل هم اضل اولئك هم الغافلون}.
{ساصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الارض بغير الحق وان يروا كل آية لا يؤمنوا بها وان يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وان يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ذلك بانهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين}.
ان الغفلة عن آيات الله تعالى تجر على العبد خسران نعمة التعقل والتفكر والفهم، وبالتالي فانه يخسر بذلك القران الكريم كمرجع ومصدر خالد يجد فيه الحلول اللازمة.