وَعَجِّلْ فَرَجَهُمْ وَاهْلِكْ عَدُوَّهُمْ مِنَ الجِنِّ وَالاِنْسِ مِنَ ألاَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ
بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْسَّلامِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ الْلَّهِ وَبَرَكَاتَةَ
ثانيا: ان نستشعر آيات القران الكريم، فلا نمر عليها مرور الكرام، او ان نقراها لقلقة لسان، من اجل ان تترك فينا الاثر المطلوب، والى هذا المعنى اشار امير المؤمنين عليه السلام يصف المتقين بقوله {اما الليل فصافون اقدامهم، تالين لاجزاء القران يرتلونها ترتيلا، يحزنون به انفسهم، ويستثيرون به دواء دائهم، فاذا مروا بآية فيها تشويق ركنوا اليها طمعا، وتطلعت نفوسهم اليها شوقا، وظنوا انها نصب اعينهم، واذا مروا بآية فيها تخويف اصغوا اليها مسامع قلوبهم، وظنوا ان زفير جهنم وشهيقها في اصول آذانهم} وكذلك في قوله يصف به اصحابه الميامين {أوه على اخواني الذين تلوا القرآن فاحكموه، وتدبروا الفرض فاقاموه}.
ثالثا: لقد شرع القران الكريم كل ما يخص الانسان الفرد والانسان المجتمع، وبعودة سريعة الى عدد الايات التي شرعت للانسان الفرد قياسا الى عدد الايات التي شرعت للانسان المجتمع، فسنجدها قليلة جدا، ما يعني بان القران الكريم صب اكثر اهتمامه على التشريع للانسان المجتمع.
حتى ايات الانسان الفرد انما شرعها الله تعالى من اجل ان تساهم في صياغة الانسان المستقيم الذي سيلعب دورا ايجابيا في المجتمع، فمثلا في الاية المباركة {ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} تحث على ان يكون لصلاة الانسان اثرا مباشرا في بناء شخصيته ليكون عنصرا ايجابيا ومفيدا في المجتمع لا يرتكب الفحشاء ولا يفعل المنكر.
هذه الحقيقة غفلناها للاسف الشديد فلم نعد نهتم كثيرا بالجانب الاجتماعي لايات القران الكريم، وانما صببنا كل اهتمامنا على الجانب الفردي، وهذا خطا كبير جدا يجب ان ننتبه اليه من اجل ان نعود للقران عودة جماعية (اجتماعية) لنجد فيه الحلول المناسبة لمشاكلنا الاجتماعية، وما اكثرها واعقدها، والى هذا المعنى اشار امير المؤمنين عليه السلام بقوله {انما بدء وقوع الفتن اهواء تتبع، واحكام تبتدع، يخالف فيها كتاب الله} وذلك عندما يغفل المجتمع عن الجانب الاجتماعي في كتاب الله العزيز، وهو حالنا وواقعنا المزري اليوم، وللاسف الشديد.
لقد لخص القران الكريم هذه الحقيقة في العديد من الايات لعل من ابرزها قوله عز وجل {نحن نقص عليك احسن القصص} وهذه الاية في سورة يوسف التي انصب قالبها في قصة نبي الله يوسف عليه السلام، وردت في القران الكريم كخارطة طريق اجتماعية من خلال صياغة الانسان الفرد بطريقة سليمة، يعتمد على الله تعالى ويهتم باخيه الانسان ويعذر ويسامح ويتجاوز ويحب الخير لغيره كما يحب الخير لنفسه، لا يغش ولا يخادع ولا يمد يده الى المال الحرام، ولا يرتكب الفساد الاداري ولا يميز بين الناس عندما يوليه الله تعالى مسؤولية ما او منصبا في الدولة، كما انه لا يخون من ياتمنه على ارزاق الناس واعراضهم ودمائهم، وغير ذلك من القيم والمناقبيات التي تبني الشخصية السليمة التي تفضي الى بناء المجتمع السليم.
اما في قوله تعالى {ان الذي فرض عليك القران لرادك الى معاد} والفرض هنا بمعنى الايجاب، اي اوجب عليك العمل به، اي بما فيه من الاحكام، وهي بالتاكيد اشارة الى الجانب الاجتماعي بالدرجة الاولى، لان مهمة الرسول الكريم، كما هو واضح، بناء المجتمع الصالح من خلال بناء الفرد السليم.
رابعا: ان نعمل بالقران الكريم فلا نكتفي بقراءته والتدبر فيه، ففي وصيته الى ولديه الحسن والحسين عليهما السلام بعد ان ضربه عدو الله ابن ملجم، يقول امير المؤمنين عليه السلام {والله الله في القران لا يسبقكم بالعمل به غيركم} وفي هذا النص تستوقفنا حقيقتان؛
الاولى؛ هي ان الامام يحث على العمل بالقران، اي بآياته وسننه وقواعده وطرقه التي تنتهي الى السعادة في الدارين، وهذه الحقيقة يستوحيها امير المؤمنين عليه السلام من كتاب الله العزيز ذاته، ففي آيات مثل {شهر رمضان الذي انزل فيه القران هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان} {ان هذا القران يهدي للتي هي اقوم} {وننزل من القران ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين} حث واضح على العمل بالقران الكريم، والا كيف يمكن ان تكون آياته فيها هدى وشفاء وخارطة طريق اذا اكتفى الناس بقراءته فقط دون العمل به؟ ففي هذه الحالة ستنطبق عليهم الاية المباركة {وقال الرسول يارب ان قومي اتخذوا القرآن مهجورا} فهم بالتاكيد لم يهجروا قراءته، وانما هجروا العمل به والتمسك بهديه.
الثانية؛ هي ان هذا القران ليس للمؤمنين فقط وانما للناس كافة، لذلك فان الامام عليه السلام يحذر المسلمين من ان ياخذ غيرهم بهديه ويتركونه، وهذا ما يحصل اليوم، فان امما واقواما عملت بهدي القران الكريم فتقدمت، والمسلمين هجروا هديه واكتفوا بقراءته فتاخروا.
لقد وردت آيات كثيرة تشير الى ان هذا القران للناس كافة، منها قوله عز وجل {ولقد ضربنا للناس في هذا القران من كل مثل}.
بقي ان نجيب على السؤال الاخير، وهو:
من اين ناخذ علوم القران الكريم؟ وعلى يد من نتعلم اسراره؟ ولمن نلجأ لنفهم معانيه ونغوص في اعماقه؟.
سنجد الاجابة على هذا السؤال بشكل واضح وجلي اذا عرفنا منزلة اهل البيت عليهم السلام، وتحديدا منزلة امير المؤمنين الامام علي بن ابي طالب عليه السلام، من القرآن الكريم، فعندها سنعرف لمن يجب ان نلجا لنتلو القران الكريم حق تلاوته.
فاما بالنسبة الى منزلة اهل البيت عليهم السلام، فيمكننا ان نستكشفها من خلال النصوص التالية التي اوضح فيها امير المؤمنين عليه السلام منزلتهم من القران الكريم:
{هم، اهل البيت، موضع سره، ولجأ امره، وعيبة علمه، وموئل حكمه، وكهوف كتبه، وجبال دينه، بهم اقام انحناء ظهره، واذهب ارتعاد فرائصه، فاين يتاه بكم؟ وكيف تعمهون وبينكم عترة نبيكم؟ وهم ازمة الحق واعلام الدين والسنة الصدق، فانزلوهم باحسن منازل القران، وردوهم ورود الهيم العطاش، ايها الناس، خذوها عن خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم (انه يموت من مات منا وليس بميت، ويبلى من بلي منا وليس ببال) فلا تقولوا بما لا تعرفون، فان اكثر الحق فيما تنكرون، واعذروا من لا حجة لكم عليه، وانا هو، الم اعمل فيكم بالثقل الاكبر، واترك فيكم الثقل الاصغر؟}.
{نحن شجرة النبوة ومحط الرسالة، ومختلف الملائكة، ومعادن العلم، وينابيع الحكم}.
{اين الذين زعموا انهم الراسخون في العلم دوننا، كذبا وبغيا علينا، ان رفعنا الله ووضعهم، واعطانا وحرمهم، وادخلنا واخرجهم، بنا يستعطى الهدى، وبنا يستجلى العمى، ان الائمة من قريش غرسوا في هذا البطن من هاشم، لا تصلح على سواهم، ولا تصلح الولاة من غيرهم}.
{نحن الشعار والاصحاب، والخزنة والابواب، ولا تؤتى البيوت الا من ابوابها، فمن اتاها من غير ابوابها سمي سارقا}.
{فيهم، اهل البيت، كرائم القران، وهم كنوز الرحمن، ان نطقوا صدقوا، وان صمتوا لم يسبقوا}.
{هم عيش العلم، وموت الجهل، يخبركم حلمهم عن علمهم، وظاهرهم عن باطنهم، وصمتهم عن حكم منطقهم، لا يخالفون الحق ولا يختلفون فيه، هم دعائم الاسلام، وولائج الاعتصام، بهم عاد الحق في نصابه، وانزاح الباطل عن مقامه، وانقطع لسانه عن منبته، عقلوا الدين عقل وعاية ورعاية، لا عقل سماع ورواية، فان رواة العلم كثير، ورعاته قليل}.
هذا هو موقع اهل البيت من القران الكريم، اما موقع امير المؤمنين فحدث ولا حرج ويكفيه بهذا الصدد حديثين عن رسول الله (ص) بحقه، الاول قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) {علي مع الحق والحق مع علي، لا يفترقان حتى يردا علي الحوض} والثاني قوله (ص) {انا مدينة العلم وعلي بابها، فمن اراد دخول المدينة فلياتها من بابها}.
لقد وصف امير المؤمنين عليه السلام علاقته ومكانته من القران الكريم بقوله {انما مثلي بينكم كمثل السراج في الظلمة، يستضئ به من ولجها، فاسمعوا ايها الناس وعوا، واحضروا آذان قلوبكم تفهموا} وكذلك في قوله عليه السلام {تالله لقد علمت تبليغ الرسالات، واتمام العدات، وتمام الكلمات، وعندنا، اهل البيت، ابواب الحكم وضياء الامر} وهو القائل {لقد علمني حبيبي رسول الله (ص) الف باب من العلم، يفتح لي من كل باب الف باب}.
ان امير المؤمنين عليه السلام هو الاقرب الى القران الكريم، بل هو القران الناطق، وهو عدل القران، وهو احد الثقلين، فلقد استوعبه وفهمه كما نزل على رسول الله (ص) وهو القائل عليه السلام {والله ما نزلت آية الا وقد علمت فيم نزلت واين نزلت، ان ربي وهب لي قلبا عقولا، ولسانا مسؤولا، وفي نص آخر، ولسانا طلقا} وفي آخر {سلوني عن كتاب الله فانه ليس من آية الا وقد عرفت بليل نزلت ام بنهار؟ في سهل ام في جبل؟}.
كما ذكرت كل كتب التاريخ ان رسول الله (ص) قال اكثر من مرة {معاشر الناس، هذا علي اخي ووصيي وواعي علمي وخليفتي في امتي على من آمن بي، الا ان تنزيل القران علي، وتاويله وتفسيره بعدي عليه} وقوله (ص) {علي يعلم الناس بعدي من تاويل القران ما لا يعلمون}.
مما تقدم وغيره الكثير جدا، يؤكد لنا حقيقة في غاية الاهمية وهي ان معلم القران الاول بعد رسول الله (ص) هو امير المؤمنين عليه السلام، ولذلك يجب ان لا ناخذ القران من غيره فنتيه كما تاه من اخذه ممن يجهل آياته ومعانيه ولم يسبر اغواره، فالقران الكريم الذي يصفه امير المؤمنين عليه السلام بقوله:
{ان الله سبحانه انزل كتابا هاديا بين فيه الخير والشر، فخذوا نهج الخير تهتدوا، واصدفوا عن سمت الشر تقصدوا} {والله سبحانه يقول: (ما فرطنا في الكتاب من شئ) وفيه تبيان لكل شئ، وذكر ان الكتاب يصدق بعضه بعضا، وانه لا اختلاف فيه، فقال سبحانه: (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) وان القرآن ظاهره انيق، وباطنه عميق، لا تفنى عجائبه، ولا تنقضي غرائبه، ولا تكشف الظلمات الا به} {وتعلموا القران فانه احسن الحديث، وتفقهوا فيه فانه ربيع القلوب، واستشفوا بنوره فانه شفاء الصدور، واحسنوا تلاوته فانه انفع القصص} {وكتاب الله بين اظهركم، ناطق لا يعيا لسانه، وبيت لا تهدم اركانه، وعز لا تهزم اعوانه} {ذلك القران فاستنطقوه، ولن ينطق، ولكن اخبركم عنه: الا ان فيه علم ما ياتي، والحديث عن الماضي، ودواء دائكم، ونظم ما بينكم} {ثم انزل عليه الكتاب نورا لا تطفأ مصابيحه، وسراجا لا يخبو توقده، وبحرا لا يدرك قعره، ومنهاجا لا يضل نهجه، وشعاعا لا يظلم ضوؤه، وفرقانا لا يخمد برهانه، وتبيانا لا تهدم اركانه، وشفاءا لا تخشى اسقامه، وعزا لا تهزم انصاره، وحقا لا تخذل اعوانه} {واعلموا ان هذا القران هو الناصح الذي لا يغش، والهادي الذي لا يظل، والمحدث الذي لا يكذب، وما جالس هذا القران احد الا قام عنه بزيادة او نقصان، زيادة في هدى، او نقصان من عمى، واعلموا انه ليس على احد بعد القران من فاقة، ولا لاحد قبل القران من غنى، فاستشفوه من ادوائكم، واستعينوا به على لأوائكم، فان فيه شفاءا من اكبر الداء، وهو الكفر والنفاق، والغي والضلال، فاسالوا الله به، وتوجهوا اليه بحبه، ولا تسالوا به خلقه، انه ما توجه العباد الى الله بمثله} {وان الله سبحانه لم يعظ احدا بمثل هذا القران، فانه (حبل الله المتين) وسببه الامين، وفيه ربيع القلب، وينابيع العلم، وما للقلب جلاء غيره، فالقران آمر زاجر، وصامت ناطق، حجة الله على خلقه، اخذ عليهم ميثاقهم، وارتهن عليهم انفسهم، اتم نوره، واكمل به دينه، وقبض نبيه (ص) وقد فرغ الى الخلق من احكام الهدى به}
ان هذا القران لا يمكن ان نهتدي بهديه الا اذا اخذناه من مصدره الاول بعد الرسول الكريم (ص) الا وهو امير المؤمنين الامام علي بن ابي طالب عليه السلام، فهو باب علم رسول الله (ص) وهو عيبة علمه، فكيف نريد ان نتعلم القران ونهتدي بهديه اذا تسورنا المدينة ولم ندخلها من الباب؟ كما فعل كثيرون عندما اخذوا القران من غير امير المؤمنين فتاهوا ولم يهتدوا، واضلوا كثيرا ممن خلق، اذا بهم يفسرون القران على اهوائهم ويفهمون آياته بغير ما انزل الله تعالى فتحولوا الى قتلة ومجرمين، يعيثون في الارض فسادا.
في العاصمة واشنطن، في الليلة التاسعة من شهر رمضان المبارك.
نزار حيدر__النبأ