اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم يا كريم
أكمل معكم أحبائي الحِكم من التدرج في نزول القرآن ( حيث المتبقي حكمتان)
ثانياً: حكم تخص القرآن.
1- بيان إعجازه
إن نزول القرآن على رسول الله (ص) طول ثلاث وعشرين سنة على نسق, وسمو واحد من دون أيّ اختلاف, وهو يمرّ بأحوال شتى تعرض لرسول الله (ص) من شدة ورخاء, وحرب وسلم دون أن يظهر عليه أيّ لون من ألوان الانفعال البشريّ, فإن ذلك أظهر لعظمة القرآن, وآكد لإعجازه, وهو يتحدى الثقلين أن يأتوا بمثله.
2- بيان الميزة العملية للقرآن
لم يكن القرآن كتاباً بشرياً يخضع للتعديل, ويجري عليه النقض والإبرام, فهو ليس وليد عقل محدود, بل هو (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) (هود 1).
لقد جاء القرآن ليهتدي به الناس, ويقيم الموازين القسط بينهم, لذا لا بد ان يأتي على سنّة الله في تغيير المجتمعات, وتطورها التدريجيّ, فأتى للناس شيئاً فشيئاً ليتغيروا شيئاً فشيئاً, ولم يكمل حتى تغير المجتمع بكامل جوانبه, فكان القرآن عملياً في أسلوبه كما كان عملياً في تشريعاته.
3- أولوية الوحي
كانت الآيات القرآنية تنزل حسب الحاجات, والوقائع في وقتها المناسب مما يكسب الأحكام صفة الالتزام المباشر من قبل الناس, فكان للنزول بحسب الحاجة من الأثر التطبيقي مالا يكون فيما لو كان النزول نظرياً.
ومع هذا فالقرآن معانيه عامة لا تختص بما نزلت فيه من الوقائع, بل هي حسب القاعدة: (العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب).
ثالثاً: حِكم تخص الناس.
1- قوة الإلزام والإقناع
إن نزول القرآن تنجيمياً, ونزول الحكم عند قيام الحدث منحه قوة الإقناع, وجعله سبباً متيناً للامتثال, والتطبيق, الأمر الذي أحدث ترابطاً بين التشريع والتنفيذ, لذلك كان المسلمون إذا سمعوا الآيات يهرعون لتطبيقها, ثم يعودون للاستزادة.
2- ربط المسلمين بالمصدر التشريعيّ
كان المسلمون إذا حدثت واقعة يستشرفون نزول الوحي, وينتظرون حِكمه وفي هذا شدّ وثيق لتصرفاتهم بالمصدر التشريعيّ, وإخضاع إرادة المسلمين لإرادة خالقهم.
3- دفع الضيق والحرج التشريعيّ
إن تنزيل القرآن نجوماً جعل الشرع يحيط بالناس شيئاَ فشيئاَ من دون أدنى حرج, فهم ينفذون الإسلام, وينسلون من الجاهلية في سياق حياتهم الاعتيادية في حين لو أُنزل التشريع جملة واحدة, لوجد الناس في تطبيقه حرجاً, ومشقة {وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً} (الإسراء 106)