السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تتمة ماجاء في حديث الإمام الصادق عليه السلام لِعنوان البصــري ونورد هنا ماجاء بالحديث للتذكير.. فدخل على الإمام(عليه السلام) وسلّم عليه، فردّ عليه الإمام(عليه السلام) السلام. وقال له: اجلس غفر الله لك.
فجلس عنوان، وكان الإمام(عليه السلام) لا يزال في مصلاّه، فاطرق الإمام طويلاً، ثم رفع رأسه، وسأله عن كنيته، فقال له عنوان: (أبوعبدالله)، فدعا له الإمام(عليه السلام). وقال له: ثبّت الله كنيتك، ما مسألتك؟ فسرّه هذا الدعاء من الإمام، وقال لنفسه: لو لم يكن لي من زيارته والتسليم عليه غير هذا الدعاء لكان كثيراً.
فقال عنوان للإمام(عليه السلام): سألت الله أن يعطف قلبك عليّ ويرزقني من علمك، وان الله تعالى أجابني في الشريف ما سألته
روافــــــــد المعرفـــــــــة
~~~~
وفي هذا الحديث يذكر الإمام الصادق(عليه السلام) لـ (عنوان) ثلاث روافد للمعرفة، وهذه الروافد الثلاثة هي:
1 ـ اطلب في نفسك حقيقة العبودية.
2 ـ واطلب العلم باستعماله.
3 ـ واستفهم الله يفهمك.
وفيما يلي نشرح هذه الروافد الثلاثة، كما ورد في حديث الإمام الصادق(عليه السلام) لعنوان البصري.
الرافد الأول: (اطلب في نفسك حقيقة العبودية)
ويُدرك الإنسان حقيقة العبودية بمعرفة الله ومعرفة النفس والعلاقة بينهما، فإذا عرف الإنسان الله وعرف نفسه أدرك العلاقة بين النفس وبين الله وهذه العلاقة هي العبودية.
فانّ النفس الإنسانيه مخلوقة لله، والله خالقها وهي مملوكة لله، والله مالكها، وهو المهيمن على الإنسان وهذه النقاط مجتمعة هي (العبودية).
يقول تعالى: (ضرب الله مثلاً عبداً مملوكاً لا يقدر على شيء) فهو مملوك لله لا يملك حتى نفسه، ولا يقدر على شيء إلاّ باذن مولاه.
فإذا ادرك الإنسان في نفسه حقيقة العبودية، في علاقته بالله، ادرك الحقائق التي تترتب على العبودية بنفس الوضوح والصفاء، في نفسه.. وهذه الحقائق كثيرة منها: الطاعة، والخشية، والدعاء، والرجاء، والحب، والذكر، ولهذه الحقائق وجهان: الوجه الأول هو طاعة الله، وذكره، وحبه، والخشية منه. والوجه الآخر هو رفض الطاعة لغير الله، إلاّ باذن الله وأمره، ورفض الخشية من غير الله، إلاّ بأمر الله (ويخشونه ولا يخشون أحداً إلاّ الله).. وكما يعي الإنسان الله، ويعي نفسه، ويعي العلاقة بينه وبين الله، وهي علاقة العبودية، كذلك يعي الإنسان في نفسه الحقائق المترتبة على العبودية وجهها. والإنسان يدرك هذه الحقائق جميعاً، في نفسه وفي فطرته، دون حاجة الى كتاب أو تعلّم.. ويقرأ هذه الحقائق حكمها في كتاب النفس.
وهذا هو ما نجده في حديث الإمام الصادق(عليه السلام) الى عنوان البصري في روافد المعرفة (اطلب في نفسك...).
فإذا عرف الإنسان العبودية في نفسه بوضوح وصفاء عرف الإنسان في نفسه حقيقة العبودية وعرف كلّما يترتب على العبوديه من الحقائق في علاقة الإنسان بالله، وهي حقائق خطيرة وهامة في حياة الإنسان، وهذا هو الرافد الأول للمعرفة.
ولكي ينتهل الإنسان المعرفة من هذا الرافد بشكل كامل، عليه أن يعرف نفسه، ويتأمّل في نفسه، فإنّ التأمل في النفس مفتاح كثير من المعارف..
وهو مدرسة معروفة في (العرفان) المعاصر.
الرافد الثاني: (اطلب العلم باستعماله)
واستعمال العلم هو العمل بالعلم، ويتساءل السائل ما العلاقة بين العلم والعمل؟
والجواب في القرآن واضح ودقيق (واتّقوا الله ويعلمكم الله) ومعنى الآية الكريمة أن التقوى من روافد العلم.
وتصوّر الشيخ محمد عبده في (تفسير المنار) أن تفسير الآية الكريمة بهذه الطريقة يفتح للجاهلين الذين يلبسون لباس الصلاح ودعوى العلم بالله وفهم القرآن والحديث ومعرفة أسرار الشريعة من غير أن يكونوا قد تعلموا من ذلك شيئاً، والعامة تُسلّم لهم بهذه الدعوى). وبناءً على ذلك فإنّ الشيخ يفسر هذه الآية على أن الآية الكريمة تعطف قضية على اُخرى مغايرة لها (لأنّ عطف (يعلمكم) على (اتقوا الله) ينافي أن يكون جزاءً له ومرتباً عليه لأن العطف يقتضي المغايرة).
وما يقوله الشيخ صحيح، أن العطف يقتضي المغايرة ولا إشكال في المغايرة بين (اتقوا الله) و (يعلمكم الله) ولكن الذي كان ينبغي أن لا يفوت الشيخ أن العطف كذلك يقتضي المناسبة بين المعطوف والمعطوف عليه، فما هي المناسبة بين (اتقوا الله) و (يعلمكم الله).
ولاشك أن العلم الثاني من علم الله، وليس بتعليم الكتب والمدارس.
ولاشك في وجود مناسبة بين التقوى والعلم في هذه الآية حتى يصحّ العطف بينهما.
ولاشك أن التعليم الإلهي الوارد في آية البقرة، ليس بمعنى أن التقوى تغني عن دراسة القرآن والحديث والفقه.
وإذا ضممنا هذه النقاط الثلاثة الى بعض نصل الى نتيجة تختلف بعض الشيء عما وصل اليه الشيخ محمد عبده في تفسير هذه الآية. فإنّ الآية الكريمة تشير الى حقيقة من رقائق الكتاب وهي أن التقوى تفتح قلب الانسان لتلقي الحكمة من عند الله. فقد يقرأ القرآن اثنان فيتفاعل معه أحدهما ويتعظ به ويتحول القرآن في نفسه الى سلوك، ويقرأه الآخر، فلا ينفعل به، ولا يتأثر، ولا يتعظ به.
وقد يسمع الحديث إثنان فيفتح الله قلب أحدهما على ما فيه من حكمة ومعرفة ويتلقاه الآخر، تلقياً سطحيّاً فوقياً.
وقد ينظر اثنان الى آيات الله في الكون، فتعمق هذه الآيات في نفس أحدهما (التوحيد)، ويمر الآخر على هذه الآيات بسطحيّة.
إنّ التقوى تمنح الانسان وعي التوحيد والحكمة، ويمنح الانسان نوراً في قلبه، ويرفع الله تعالى له به الالتباس، ويميز الله تعالى له به الحق عن الباطل والهدى عن الضلال، والصدق من الكذب، وذلك قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً ويكفر عنكم سيئاتكم) والشرطية والجزاء واضحتان في هذه الآية، وليست العلاقة بينهما بالعطف، كما في آية البقرة: 282.
ولسنا نناقش في أن التقوى يحصل بالعلم، وأن التقوى والخشية من الله من ثمرات العلم، يقول تعالى: (إنّما يخشى الله من عباده العلماء).
ويقول تعالى: (انّ الذين اُوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجداً* ويقولون سبحان ربنا ان كان وعد ربنا لمفعولاً* ويخرون للاذقان يبكون ويزيدهم خشوعاً). ولكن العلم أيضاً من ثمرات التقوى. وبين العلم والتقوى علاقة تبادلية من الجانبين.
عن الصادق(عليه السلام): «العلم مقرون بالعمل، فمن علم عمل، ومن عمل علم». ونكرر مرة اُخرى: أن ليس معنى ذلك اطلاقاً أن التقوى يغني عن التعلّم، وان بامكان الإنسان أن يستغني بالتقوى، عن المدرسة والكتاب والاستاذ، سواءٌ كان في علوم الشريعة أم في العلوم العقلية، أم في العلوم التجريبية.
وقد ورد في الحديث عن رسول الله(صلّى الله عليه وآله): ان موسى(عليه السلام) لقي الخضر(عليه السلام) فقال: اوصني؟ فقال الخضر: اشعر قلبك التقوى تنل العلم.
وينسب الى الإمام الصادق(عليه السلام): كما في مصباح الشريعة: أنّ التقوى (ميزان كل علم وحكمة) وروى ثقة الإسلام الكليني; في الكافي:
كتب أبو جعفر الباقر(عليه السلام) الى سعد الخير: بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فانّي اوصيك بتقوى الله، فانّ فيها السلامة من التلف، والغنيمة في المنقلب. انّ الله عزّ وجل يقي بالتقوي عن العبد ما عزب عنه عقله، ويجلّي بالتقوى عنه عماه وجهله.
وقد ورد في الأحاديث عن رسول الله(صلّى الله عليه وآله) وأهل بيته أن الذي يعمل بما يعلم يعلّمه الله ما لا يعلم.
عن رسول الله(صلّى الله عليه وآله): «من تعلم فعمل علّمه الله ما لم يعلم».
وعن الإمام الباقر(عليه السلام): «من عمل بما يعلم علّمه الله ما لم يعلم».
الرافد الثالث: للمعرفة (الدعاء والسؤال والطلب من عند الله)
يقول الإمام الصادق لعنوان البصري ـ كما في الرواية ـ «واستفهم الله يفهمك». فانّ العلم نور يقع في قلب من يريد الله أن يهديه.
وهذا النور هو (المعرفة) والتي سبق أن وضحناها بداية هذا الكلام.
وهو من عند الله تعالى. ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور، يقول تعالى: (ومن لم يجعل الله له نوراً فماله من نور).
فإذا أراد الإنسان قبساً من هذا النور، فليس له سبيل الى ذلك إلاّ إذا طلبه من عند الله، ولا يجده عند غير الله.
ولكن الطلب من عند الله لا ينفى السعي.
فانّ النصر من عند الله، ليس في ذلك شك. يقول تعالى: (وما النصر إلاّ من عند الله...).
النفي والاستثناء يفيدان الحصر ولكن الله تعالى يعلمنا مع ذلك أن نسعى الى تحصيل أسباب النصر بالاعداد والتحضير للوسائل التي تمكّن الناس من النصر، يقول تعالى: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوّة..).
والأمر بالإعداد والتحضير للمعركة لا ينافي الإيمان بأن النصر من عند الله. والأمر كذلك، فيما نحن فيه، فانّ العلم (المعرفة) من عند الله ليس في ذلك شك. ولكن ذلك لا ينفي ضرورة السعي للدراسة وطلب العلم من العلماء.
محمد مهدي الآصفي
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
تتمة ماجاء في حديث الإمام الصادق عليه السلام لِعنوان البصــري ونورد هنا ماجاء بالحديث للتذكير.. فدخل على الإمام(عليه السلام) وسلّم عليه، فردّ عليه الإمام(عليه السلام) السلام. وقال له: اجلس غفر الله لك.
فجلس عنوان، وكان الإمام(عليه السلام) لا يزال في مصلاّه، فاطرق الإمام طويلاً، ثم رفع رأسه، وسأله عن كنيته، فقال له عنوان: (أبوعبدالله)، فدعا له الإمام(عليه السلام). وقال له: ثبّت الله كنيتك، ما مسألتك؟ فسرّه هذا الدعاء من الإمام، وقال لنفسه: لو لم يكن لي من زيارته والتسليم عليه غير هذا الدعاء لكان كثيراً.
فقال عنوان للإمام(عليه السلام): سألت الله أن يعطف قلبك عليّ ويرزقني من علمك، وان الله تعالى أجابني في الشريف ما سألته
روافــــــــد المعرفـــــــــة
~~~~
وفي هذا الحديث يذكر الإمام الصادق(عليه السلام) لـ (عنوان) ثلاث روافد للمعرفة، وهذه الروافد الثلاثة هي:
1 ـ اطلب في نفسك حقيقة العبودية.
2 ـ واطلب العلم باستعماله.
3 ـ واستفهم الله يفهمك.
وفيما يلي نشرح هذه الروافد الثلاثة، كما ورد في حديث الإمام الصادق(عليه السلام) لعنوان البصري.
الرافد الأول: (اطلب في نفسك حقيقة العبودية)
ويُدرك الإنسان حقيقة العبودية بمعرفة الله ومعرفة النفس والعلاقة بينهما، فإذا عرف الإنسان الله وعرف نفسه أدرك العلاقة بين النفس وبين الله وهذه العلاقة هي العبودية.
فانّ النفس الإنسانيه مخلوقة لله، والله خالقها وهي مملوكة لله، والله مالكها، وهو المهيمن على الإنسان وهذه النقاط مجتمعة هي (العبودية).
يقول تعالى: (ضرب الله مثلاً عبداً مملوكاً لا يقدر على شيء) فهو مملوك لله لا يملك حتى نفسه، ولا يقدر على شيء إلاّ باذن مولاه.
فإذا ادرك الإنسان في نفسه حقيقة العبودية، في علاقته بالله، ادرك الحقائق التي تترتب على العبودية بنفس الوضوح والصفاء، في نفسه.. وهذه الحقائق كثيرة منها: الطاعة، والخشية، والدعاء، والرجاء، والحب، والذكر، ولهذه الحقائق وجهان: الوجه الأول هو طاعة الله، وذكره، وحبه، والخشية منه. والوجه الآخر هو رفض الطاعة لغير الله، إلاّ باذن الله وأمره، ورفض الخشية من غير الله، إلاّ بأمر الله (ويخشونه ولا يخشون أحداً إلاّ الله).. وكما يعي الإنسان الله، ويعي نفسه، ويعي العلاقة بينه وبين الله، وهي علاقة العبودية، كذلك يعي الإنسان في نفسه الحقائق المترتبة على العبودية وجهها. والإنسان يدرك هذه الحقائق جميعاً، في نفسه وفي فطرته، دون حاجة الى كتاب أو تعلّم.. ويقرأ هذه الحقائق حكمها في كتاب النفس.
وهذا هو ما نجده في حديث الإمام الصادق(عليه السلام) الى عنوان البصري في روافد المعرفة (اطلب في نفسك...).
فإذا عرف الإنسان العبودية في نفسه بوضوح وصفاء عرف الإنسان في نفسه حقيقة العبودية وعرف كلّما يترتب على العبوديه من الحقائق في علاقة الإنسان بالله، وهي حقائق خطيرة وهامة في حياة الإنسان، وهذا هو الرافد الأول للمعرفة.
ولكي ينتهل الإنسان المعرفة من هذا الرافد بشكل كامل، عليه أن يعرف نفسه، ويتأمّل في نفسه، فإنّ التأمل في النفس مفتاح كثير من المعارف..
وهو مدرسة معروفة في (العرفان) المعاصر.
الرافد الثاني: (اطلب العلم باستعماله)
واستعمال العلم هو العمل بالعلم، ويتساءل السائل ما العلاقة بين العلم والعمل؟
والجواب في القرآن واضح ودقيق (واتّقوا الله ويعلمكم الله) ومعنى الآية الكريمة أن التقوى من روافد العلم.
وتصوّر الشيخ محمد عبده في (تفسير المنار) أن تفسير الآية الكريمة بهذه الطريقة يفتح للجاهلين الذين يلبسون لباس الصلاح ودعوى العلم بالله وفهم القرآن والحديث ومعرفة أسرار الشريعة من غير أن يكونوا قد تعلموا من ذلك شيئاً، والعامة تُسلّم لهم بهذه الدعوى). وبناءً على ذلك فإنّ الشيخ يفسر هذه الآية على أن الآية الكريمة تعطف قضية على اُخرى مغايرة لها (لأنّ عطف (يعلمكم) على (اتقوا الله) ينافي أن يكون جزاءً له ومرتباً عليه لأن العطف يقتضي المغايرة).
وما يقوله الشيخ صحيح، أن العطف يقتضي المغايرة ولا إشكال في المغايرة بين (اتقوا الله) و (يعلمكم الله) ولكن الذي كان ينبغي أن لا يفوت الشيخ أن العطف كذلك يقتضي المناسبة بين المعطوف والمعطوف عليه، فما هي المناسبة بين (اتقوا الله) و (يعلمكم الله).
ولاشك أن العلم الثاني من علم الله، وليس بتعليم الكتب والمدارس.
ولاشك في وجود مناسبة بين التقوى والعلم في هذه الآية حتى يصحّ العطف بينهما.
ولاشك أن التعليم الإلهي الوارد في آية البقرة، ليس بمعنى أن التقوى تغني عن دراسة القرآن والحديث والفقه.
وإذا ضممنا هذه النقاط الثلاثة الى بعض نصل الى نتيجة تختلف بعض الشيء عما وصل اليه الشيخ محمد عبده في تفسير هذه الآية. فإنّ الآية الكريمة تشير الى حقيقة من رقائق الكتاب وهي أن التقوى تفتح قلب الانسان لتلقي الحكمة من عند الله. فقد يقرأ القرآن اثنان فيتفاعل معه أحدهما ويتعظ به ويتحول القرآن في نفسه الى سلوك، ويقرأه الآخر، فلا ينفعل به، ولا يتأثر، ولا يتعظ به.
وقد يسمع الحديث إثنان فيفتح الله قلب أحدهما على ما فيه من حكمة ومعرفة ويتلقاه الآخر، تلقياً سطحيّاً فوقياً.
وقد ينظر اثنان الى آيات الله في الكون، فتعمق هذه الآيات في نفس أحدهما (التوحيد)، ويمر الآخر على هذه الآيات بسطحيّة.
إنّ التقوى تمنح الانسان وعي التوحيد والحكمة، ويمنح الانسان نوراً في قلبه، ويرفع الله تعالى له به الالتباس، ويميز الله تعالى له به الحق عن الباطل والهدى عن الضلال، والصدق من الكذب، وذلك قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً ويكفر عنكم سيئاتكم) والشرطية والجزاء واضحتان في هذه الآية، وليست العلاقة بينهما بالعطف، كما في آية البقرة: 282.
ولسنا نناقش في أن التقوى يحصل بالعلم، وأن التقوى والخشية من الله من ثمرات العلم، يقول تعالى: (إنّما يخشى الله من عباده العلماء).
ويقول تعالى: (انّ الذين اُوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجداً* ويقولون سبحان ربنا ان كان وعد ربنا لمفعولاً* ويخرون للاذقان يبكون ويزيدهم خشوعاً). ولكن العلم أيضاً من ثمرات التقوى. وبين العلم والتقوى علاقة تبادلية من الجانبين.
عن الصادق(عليه السلام): «العلم مقرون بالعمل، فمن علم عمل، ومن عمل علم». ونكرر مرة اُخرى: أن ليس معنى ذلك اطلاقاً أن التقوى يغني عن التعلّم، وان بامكان الإنسان أن يستغني بالتقوى، عن المدرسة والكتاب والاستاذ، سواءٌ كان في علوم الشريعة أم في العلوم العقلية، أم في العلوم التجريبية.
وقد ورد في الحديث عن رسول الله(صلّى الله عليه وآله): ان موسى(عليه السلام) لقي الخضر(عليه السلام) فقال: اوصني؟ فقال الخضر: اشعر قلبك التقوى تنل العلم.
وينسب الى الإمام الصادق(عليه السلام): كما في مصباح الشريعة: أنّ التقوى (ميزان كل علم وحكمة) وروى ثقة الإسلام الكليني; في الكافي:
كتب أبو جعفر الباقر(عليه السلام) الى سعد الخير: بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فانّي اوصيك بتقوى الله، فانّ فيها السلامة من التلف، والغنيمة في المنقلب. انّ الله عزّ وجل يقي بالتقوي عن العبد ما عزب عنه عقله، ويجلّي بالتقوى عنه عماه وجهله.
وقد ورد في الأحاديث عن رسول الله(صلّى الله عليه وآله) وأهل بيته أن الذي يعمل بما يعلم يعلّمه الله ما لا يعلم.
عن رسول الله(صلّى الله عليه وآله): «من تعلم فعمل علّمه الله ما لم يعلم».
وعن الإمام الباقر(عليه السلام): «من عمل بما يعلم علّمه الله ما لم يعلم».
الرافد الثالث: للمعرفة (الدعاء والسؤال والطلب من عند الله)
يقول الإمام الصادق لعنوان البصري ـ كما في الرواية ـ «واستفهم الله يفهمك». فانّ العلم نور يقع في قلب من يريد الله أن يهديه.
وهذا النور هو (المعرفة) والتي سبق أن وضحناها بداية هذا الكلام.
وهو من عند الله تعالى. ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور، يقول تعالى: (ومن لم يجعل الله له نوراً فماله من نور).
فإذا أراد الإنسان قبساً من هذا النور، فليس له سبيل الى ذلك إلاّ إذا طلبه من عند الله، ولا يجده عند غير الله.
ولكن الطلب من عند الله لا ينفى السعي.
فانّ النصر من عند الله، ليس في ذلك شك. يقول تعالى: (وما النصر إلاّ من عند الله...).
النفي والاستثناء يفيدان الحصر ولكن الله تعالى يعلمنا مع ذلك أن نسعى الى تحصيل أسباب النصر بالاعداد والتحضير للوسائل التي تمكّن الناس من النصر، يقول تعالى: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوّة..).
والأمر بالإعداد والتحضير للمعركة لا ينافي الإيمان بأن النصر من عند الله. والأمر كذلك، فيما نحن فيه، فانّ العلم (المعرفة) من عند الله ليس في ذلك شك. ولكن ذلك لا ينفي ضرورة السعي للدراسة وطلب العلم من العلماء.
محمد مهدي الآصفي
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
