وَاهْلِكْ عَدُوَّهُمْ مِنَ الجِنِّ وَالاِنْسِ مِنَ ألاَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ
بين مصائب الرضا عليه السلام ومصائب كربلاء
لمّا خرج محمّد بن الإمام جعفر الصادق عليه السلام بالمدينة، بعث الرشيد إليه الجلوديّ, وأمره أن ينهب دور آل أبي طالب، ويسلب نساءهم وأن لا يدع عليهن إلا ثوباً واحداً !!
وكان هذا بعد شهادة الإمام الكاظم عليه السلام، فصار الجلوديّ إلى المدينة، وفعل مع العلويّين كما أمره الرشيد، وهجم برجاله على دار الرضا عليه السلام..
فاضطربن العلويّات، وتجمّعن في بيت واحد, فقال له الرضا عليه السلام: دعني أسلب ما عليهن، وآتيك به, وحلف له أن لا يترك عليهن شيئاً. فوقف الجلوديّ على الباب، ودخل الإمام عليه السلام، فأخذ جميع ما عليهن من ثياب وأسورة وخلاخيل وأقراط، ودفعه إلى الجلوديّ1...
سيّدي يا أبا الحسن، ما أشبه هذا الموقف بيوم عاشوراء ، بعد شهادة الإمام الحسين عليه السلام, لمّا هجم القوم على خيام بنات رسول الله صلى الله عليه وآله, ولكن لقد حاميت عن نسائك وعيالك, ولم تدع القوم يسلبونهن, ولكن أسفي على بنات رسول الله!! من الذي حامى عنهنّ، وليس لهنَّ من رجالهنّ إلّا مريض عليل لا يستطيع النهوض؟
فأخذ القوم يسلبون بنات رسول الله...
سيّدي أنت القائل: "إنّ المحرّم شهر, كان أهل الجاهليّة يحرّمون فيه القتال, فاستحلّت فيه دماؤنا, وهتكت فيه حرمتنا, وسبي فيه ذرارينا ونساؤنا, وأضرمت النيران في مضاربنا, وانتهب ما فيها من ثقلنا, ولم تُرعَ لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حرمة في أمرنا.."2.
يروى عن دعبل الخزاعيّ أنّه قال: دخلت على سيّدي ومولاي عليّ بن موسى الرضا عليه السلام في مثل هذه الأيّام (أي أيّام محرّم)، فرأيته جالساً جلسة الحزين الكئيب، وأصحابه من حوله، فلمّا رآني مقبلاً قال لي: "مرحباً بك يا دعبل, مرحباً بناصرنا بيده ولسانه"، ثمّ إنّه وسَّع لي في مجلسه وأجلسني إلى جانبه، ثمّ قال لي: "يا دعبل أحبّ أن تنشدني شعراً، فإنّ هذه الأيّام أيّام حزن كانت علينا أهل البيت، وأيّام سرور كانت على أعدائنا، خصوصاً بني أميّة، يا دعبل، من بكى وأبكى على مصابنا ولو واحداً كان أجره على الله. يا دعبل، من ذرفت عيناه على مصابنا، وبكى لما أصابنا من أعدائنا، حشره الله معنا في زمرتنا. يا دعبل، من بكى على مصاب جدّي الحسين غفر الله له ذنوبه البتّة". ثمّ إنّه عليه السلام نهض، وضرب ستراً بيننا وبين حرمه، وأجلس أهل بيته من وراء الستر ليبكوا على مصاب جدّهم الحسين عليه السلام, ثمّ التفت إليّ، وقال لي: "يا دعبل، إرث الحسين, فأنت ناصرنا ومادحنا ما دمت حيّاً، فلا تقصّر عن نصرنا ما استطعت". قال دعبل: فاستعبرت، وسالت عبرتي وأنشأت أقول:
وقدْ ماتَ عطشاناً بشَطِّ فُراتِ-- وأَجْرَيْتِ دَمْعَ العَيْنِ في الوَجَناتِ
نُجومَ سماواتٍ بِأَرْضِ فَلاةِ-- وأُخْرَى بفَخٍّ نالَها صَلَواتي
ا مُعَرَّسُهُمْ فيها بِشَطِّ فُراتِ-- تُوُفِّيتُ فيهمْ قَبْلَ حِينِ وَفاتي3
أَفاطِمُ لَوْ خِلْتِ الحُسَينَ مُجَدَّلاً--إذاً لَلَطَمْتِ الخَدَّ فاطِمُ عِنْدَه
أفاطمُ قُومي يا ابْنَةَ الخيرِ وانْدُبي--قُبورٌ بِكُوفانٍ وأُخْرَى بطَيْبَة
قُبورٌ بِبَطْنِ النَّهْرِ مِنْ جَنْبِ كَرْبلا--تُوُفُّوا عُطَاشَى بالعَراءِ فليتني
*غريب حرسان,سلسلة مجالس العترة,نشر جمعية المعارف الاسلامية,ط:2001م-1431ه-ص:75-82