اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
لذا، فإنَّ هدف الأنبياء هو إحياء صفة العبوديَّة عند الإنسان.
ولو جُعلت هذه الأنانية والتكبّر في مقابل الله تعالى، أي لو جعل الإنسان نفسه مقابل الباري تعالى، فسيؤدِّي ذلك إلى ظهور حالة الطغيان؛ ما يجعله طاغوتاً، وهذا لا يختصّ بالملوك وحسب، بل إنَّ أيَّ شخص منّا -بني الإنسان- يمكن له أن يجعل من نفسه -لا سمح الله- طاغوتاً وصنماً، ويقوم بتنشئته وتربيته.
* الدعاء صلة الوصل بالله / إنَّ العلاقة والارتباط بالله ـ التي تحصل من نتاج الطلب منه تعالى للحصول على عطاياه ـ هي الباعث على تسامي روح الإنسان، وتقويتها، «وهو رحيم كريم لم يجعل بينك وبينه من يحجبك عنه»(3).
فإنَّ الله تعالى يسمع صوتك ويقضي حاجتك، في أيِّ وقت تدعوه وتعرض حاجتك عليه، فإنَّك تستطيع أن تخاطب الله تعالى، وتتحدَّث إليه وتأنس به وتطلب منه في أي وقت، وهذه نعمة كبيرة بالنسبة للإنسان.
* الدعاء رحمة ومعرفة إلهية / إنَّ أهم خواص الدعاء هو الارتباط بالله والإحساس بالعبوديَّة في حضرته، وإنَّ ذلك يعتبر من أكبر النعم الإلهية؛ وكذلك تظهر خواص الدعاء حينما ندعو الله فيستجيب دعوتنا.
إنَّ الاستجابة الإلهية من قِبَل الباري عزّ وجلّ، تتحقَّق بدون قيد أو شرط، إلا أننا نُمنع الإجابة؛ نتيجة لِمَا نرتكب من معاصٍ، فنكون السبب الباعث لحجب ما ندعو به، وهذا بحدّ ذاته يعتبر من المعارف التي نتعلّمها من الدعاء، وهو أحد الخصوصيات التي يمتاز بها الدعاء أيضاً.
إنَّ إحدى البركات التي نحصل عليها من خلال الأدعية المأثورة التي وصلتنا عن طريق الأئمة(عليهم السلام) هو أنَّ هذه الأدعية مليئة بالمعارف الإلهية، فإنَّ أدعية الصحيفة السجّادية، ودعاء كميل، والمناجاة الشعبانية، ودعاء أبي حمزة الثمالي -وبقية الأدعية الواردة الأخرى-كلَّها معارف إلهية، بحيث لو قرأها الشخص وفهمها، فإنَّه يحصل على مجموعة كبيرة من المعارف، فضلاً عمَّا يصحبه من تعلّق قلبي وارتباط بالذات الإلهية المقدّسة.
وصيّتي للشباب، الاهتمام بقراءة هذه الأدعية، دعاء كميل نقرأ فيه: «اللهم اغفر لي الذّنوب التي تحبس الدّعاء؛ اللّهم اغفر لي الذّنوب التي تُنزل البلاء» أو «تُنزل النقم»، فإنَّ كلّ ذلك يعتبر من المعارف الإلهية؛ ومعنى ذلك هو أننا ـ بني الإنسان ـ نرتكب أحياناً أخطاءً وذنوباً، تؤدِّي إلى منع الاستجابة لأدعيتنا، وأحياناً تصدر عنّا بعض الذنوب تجلب لنا البلاء.
أو عندما نقرأ في دعاء أبي حمزة الثمالي: «معرفتي يا مولاي دليل عليك وحبّي لك شفيعي إليك؛ وأنا واثق من دليلي بدلالتك وساكن من شفيعي إلى شفاعتك»(4).
إنَّ هذه الكلمات تفتح بصيرة الإنسان، وتزيد في معارفه، فهي من أنوار الله وفيوضاته، وتوفيقاته وعناياته الربّانية؛ وهذا هو ما نستطيع الحصول عليه في الدعاء، وبناءً على ذلك، ينبغي لكم إعطاء أهمية للدعاء.
في بعض الأحيان لا توجد لدى الإنسان حاجة -رغم تعدد واختلاف حوائجه- بل يريد الاستئناس بالقرب من الله، وأحياناً يحتاج إلى رضا الله أو مغفرته، وهذا يعتبر نوعاً من أنواع الحوائج أيضاً، وأحياناً يطلب الإنسان أمراً مادياً، فلا ضير في ذلك كلّه.
إنَّ الطلب من الله ـ أي شيء وبأي لغة ـ أمر مرغوب، ويحتوي على الخصائص التي تطرّقت إليها أيضاً؛ أي الارتباط بالله والشعور بالعبوديَّة.
طبعاً، إنَّ أفضل المضامين ذات الألفاظ الجميلة، والمليئة بالمعارف الإلهية، تجدونها في الأدعية المأثورة عن الأئمة(عليهم السلام)، وعليكم معرفة أهميتها والاستعانة بها.
(*) مقتطف من خطبة بتاريخ 19/9/1427هـ.
(1) بحار الأنوار، ج90، ص300.
(2) المصدر السابق، ج4، ص203.
(3) المصدر السابق.
(4) المصدر السابق، ج95، ص83.