وَاهْلِكْ عَدُوَّهُمْ مِنَ الجِنِّ وَالاِنْسِ مِنَ ألاَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ
المخيم الحسيني مشهدٌ على الخلود وشاهد على التغيير
حسين نعمة
"بهذه التربة وعدني جدي رسول الله فها هنا محط ركابنا, وسفك دمائنا, ومحل ثبورنا" كلمات أشار اليها الإمام الحسين (عليه السلام) وهو يقول بهذا حدثني جدي رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) " مشيرا الى تربة معسكره – (المخيم الحسيني)، الكلمة التي حينما نستذكرها أو نقف على معالمها الشاخصة، تنفتح لنا أبواب واقعة الطف الأليمة على مصراعيها، فهو المعسكر الذي احتمت به أسرة النبي وحرمه الطهر الطهور، حتى أخر غارة لآل أمية وحرق الخيام وسبي الأطفال والنساء، ومنه نَهب كل ما كان لآل بيت رسول الله (صلوات الله وسلامه عليهم)، وبه جِيء بالأكبر مبرجٌ بالدماء، ولبس القاسم لباس زفافه وهابَ الى صرح الكرامة ملاقيا جده المختار؛ ليزفه الى حور العين، كما غفت به عيون الرضيع، وبقي المهد ينتظره مع ولولات الأمهات وسط احتدام الوقع يوم عاشوراء..
وآخر الخيام هي خيم أصحاب الحسين (عليه السلام) وأنصاره ومحلها هو الاواوين لسور المخيم الحسيني الشريف، الذي غلفت جدرانه بالمرمر والقاشاني الكربلائي وتحزمت بأشرطة من الآيات الحكيمات..
فوجود المخيم الحسيني خيرُ ماثلاً للعيان أنه يستقطب زائريه من كل حدب وصوب، دليلا على الإرادة الإلهية وحكمته سبحانه وتعالى في أن يخلد هذا (المخيم) الطاهر متحديا بذلك أعداء الدين الذين رفعوا أصواتهم قائلين "أحرقوا بيوت الظالمين" إلا أن اله (عز وجل) أحرق أعداء الحسين بنار الدنيا قبل نار الآخرة، وذلك لخصوصية الكرامة الحسينية المقدسة المقتبسة أصلاً من كرامة رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) حيث ملئت آثار سيد الشهداء وسيد شباب أهل الجنة الحسين بن علي (سلام الله عليه) الدنيا بأسرها..
المخيم الحسيني الشريف الذي يقع إلى الطرف الجنوبي الغربي من الحائر الحسيني الشريف، وهو مشهدٌ من معالم كربلاء الأثرية والأماكن المقدسة التي يتبرك بها الزوار، وقد سميت المنطقة التي يقع فيها على اسمه، بمحلة المخيم التي كانت والقسم الشرقي من محلة باب الطاق المجاورة لها تعرف بمحلة السادة (آل عيسى) حتى أواخر عام 1276هـ، وقد تغير هذا الاسم إلى محلة المخيم بعد هذا التاريخ، بحسب الوثائق والمستندات التاريخية القديمة عن سادات كربلاء..
فتوالت وجرت على المخيم المشرف عدة عمارات يقول عنها (المؤرخ سعيد زميزم) في تصريح خصه لموقع نون ، أنها عمارات مهمة وثقها تاريخ المخيم العمراني، ويستدل من خلال الوثائق التاريخية الموجودة عن بعض سادة كربلاء الى إن هذه البقعة المكرمة كانت تعرف قديماً بمقبرة المخيم زمن كانت تعرف بمحلة آل عيسى، وأصبح الناس فيما بعد يتبركون بها، وأجريت على المخيم الحسيني إصلاحات عديدة، وتمت عملية أعمار شاملة للمخيم بعد سقوط النظام البائد عام 1424هـ شملت إعادة بناء السور بصورة شاملة وتهديم القبة القديمة وبناء قبة كبيرة كسيت بالقاشاني الكربلائي..
مشيرا الى موقع المخيم الحالي إنه الأقرب للواقع والصواب مستدلا بما أجمع عليه الباحثين والمؤرخين ممن دَون وكتبَ عن المخيم الحسيني، نافيا إدعاءات ووجهة أنظار المستشرقين حول عدم صحة موقع المخيم الحسيني حاليا، موعزا ذلك الى إن هؤلاء النخبة من المستشرقين أشاروا الى هذا الموضوع وفق ما تشتهي أنفسهم دون اعتمادهم على المستندات التي تثبت ما ادعوه! ..
فيما يبين رئيس قسم المخيم الحسيني (الحاج فاضل أبو دگة) لموقع نون ، تم ضم المخيم الحسيني الى الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة في عام (2008) ومنذ ذاك الوقت توجهت الأمانة العامة للعتبة بأجراء كل ما هو يناسب الخدمة الحسينية الشريفة، آخذةً على عاتقها التكليف الذي اعتبرته أمانةً فسعت في تطوير الخدمات وإكمال المراحل الأخيرة لأعمار المخيم، بعد أن شَمر العديد من الخيرين عن سواعدهم وتحملوا التضحيات واستشعروا المسؤولية وبذلوا أموالهم لبناء المخيم الحسيني وتحملوا في سبيل ذلك المضايقات من قبل أزلام النظام البائد من اجل إعادة بناء هذا الصرح العظيم.
ويؤكد أبو دگة،"إن المخيم يعتبر احد المحطات المهمة لمواكب عزاء يوم عاشوراء في كل سنة، حيث لابد أن تمر به المواكب الحسينية لإتمام الشعائر المقامة كالتشابيه أحد الشعائر المحاكية لحرق الخيام استذكارا لساعة حرق المخيمات الحسينية وذلك بعد مراسيم الركضة التي تبدأ بعد صلاة الظهر، وكذلك في ليلة الحادي عشر من محرم حيث يخيم الظلام الدامس على المدينة وتطفئ الإضاءة، وتستعمل الشموع ابتداء من وقت الأصيل، حيث تأتي مواكب العزاء من كربلاء وأطرافها الى المخيم، وتسمى هذه الليلة بليلة الغُرباء، محاكاةً للغربة التي طغت على مخيم أهل البيت (سلام الله عليهم) في تلك الليلة المشؤومة" ..
هذا وقد تشكلت هيكلية المخيم الحسيني على تعدد الخيام، وهي عشرة مخيمات في طليعتها خيمة العباس (عليه السلام) وهي أول خيمة تطأها الزوار بعد دخولهم الباب الرئيس للمخيم الشريف، الذي يزدان بالفسيفساء المنقوشة على القاشاني الكربلائي المعرق بزخارف عدة، حيث كتب على ناصية باب المخيم أشرطة من الآيات الحكيمات، وعبارة يلحظها الداخل الى الحرم المطهر تقول: (السلام على الخيام الخالية من الحسين وأهل بيته)..
ثم تمر عبر خيمة العباس (عليه السلام) الواقعة تحت قبة شماء خضراء شاخصة للعيان الى باحة الحرم حيث المحامل الستة عشر على هيئة أقواس تمثل الهوادج، وما أن تلمح بطرفك يتجلى أمام ناظريك قبابٌ متباهيات تمثل شموخ الخيام التي أحرقتها نيران بني أمية، مصرحةً أن الحق واضح، كما تشاهد الى جهة يسار الداخل لحرم المزار الشريف، باباً آخر كتب على ناصيته (السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين) وهو الباب الثاني للمزار يدخل منه الزائر الى الحرم حيث صحن المخيم الشريف، ثم تسير بعد اجتيازك المحامل نحو بابٌ تجده مرصع بالذهب، ثم خيمة نجل الإمام الحسين علي الأكبر (عليهما السلام) تحت باب الحرم مباشرة، ثم باحة المزار وخيمة الأمام الحسين (سلام الله عليه) التي كتب على واجهةِ شباكها (محراب الإمام الحسين) فوق المينا التي أحيطت بالذهب ثم خشب الصاج ثم زججت بالمرايا بأشكالٍ هندسية تقوست وتنوعت بهيئتها، وتكسرت عليها إنارة المكان الملكوتي، ثم الشباك الذهبي الذي خطَ عليه أسماء أهل البيت (عليهم السلام) وكتبت بينها آية مباركة لقول الله تعالى : " سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ"، وتعلوا باحة هذا المكان الشريف القبة الكبيرة إيحاءً بكونها خيمة الإمام الحسين (عليه السلام) أكبر الخيام، وتحيط بها القباب الصغار المعبرة هي الأخرى عن باقي الخيام، أم القبة الكبيرة فقد كتب عليها من سورة الإنسان قوله تعالى :"فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا {الإنسان/11} وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا" ، أما الى الدخل فقد تزينت القبة بآي من سورة يس، وازدانت بالمرايا المُزهَرةِ، ونقشت على جدران الحرم المشرف أشرطةٌ من الآيات القرآنية الكريمة، ثم خيمة الإمام علي السجاد(عليه السلام) التي تقابل خيمة السيدة زينب (عليها السلام)، وقد أطرتا بالذهب والمينا وكتب عليهما آيات من الذكر الحكيم، والى يمين خيمة الإمام السجاد، باب يخرج منه الزائر الى صحن المزار، وبينما أنك لا زلت في صحن المزار، تشهد خيمة نائية عن تلك الخيام قيل إنها خيمة الأنصار إلا أنها (خيمة القاسم) وهو ما شائع لدى العامة، حيث تقع الى ركن الصحن الشريف، وتسمى خيمة العريس تدخل إليها بعد مرورك الى رواق تزجج وتلألأ بالمرايا وتميز بتقوسات الخشب الصاج الذي نقشت عليه أسماء الأئمة الأطهار (سلام الله عليهم)، ثم تلج الى الخيمة فترمق المكان الذي وضِع فيه القاسم وهو محناً بدم الشهادة قتيلا دون عمه الحسين (سلام الله عليهما) ..