والمروّة أو المروءة خلُقٌ يحمل عدّةَ معانٍ إنسانيّة وسلوكية , نستطيع أن نتبيّن ذلك من خلال الأحاديث الشريفة :
قال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه وآله) لرجلٍ من ثقيف : (( يا أخا ثقيف , ما المروءةُ فيكم ؟ )) .
قال : يا رسول اللَّه , الإنصافُ والإصلاح .
قال : (( وكذلك هي)) .
وجاء عن الإمام عليّ (عليه السّلام) أنّه قال : (( ثلاثٌ هنّ جماعُ المروءة ؛ عطاءٌ مِن غير مسألة , ووفاءٌ مِن غير عهد , وجودٌ مع إقلال . على قدْرِ شرف النفس تكونُ المروءة )) .
وخرج (عليه السّلام) على أصحابه وهم يتذاكرون المروّة , فقال : (( أين أنتم مِن كتاب اللَّه (عزّ وجلّ) ؟ )) .
قالوا : يا أمير المؤمنين , في أيّ موضع ؟
فقال : (( في قوله (عزّ وجلّ) : (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ) ؛ فالعدل : الإنصاف , والإحسان : التفضّل )) .
وقال (سلام اللَّه عليه) : (( المروّة اسم جامع لسائر الفضائل والمحاسن )) .
وسألَ معاويةُ الحسنَ بنَ عليٍّ (عليه السّلام) عن الكرم والمروءة , فقال : (( أمّا الكرم فالتبرعُ بالمعروف , والإعطاءُ قبل السؤال , والإطعامُ في المحلّ ؛ وأمّا المروءة فحفظُ الرجلِ دينَه , وإحرازُ نفسِه مِن الدنس , وقيامه بضيفه , وأداء الحقوق , وإفشاء السّلام )) .
وقال عبد الرحمن بن عباس , رفعه , قال : سأل معاويةُ الحسنَ بن عليّ (عليهما السّلام) عن المروّة , فقال : (( شُحُّ الرجلِ على دينه , وإصلاح ماله , وقيامُه بالحقوق )) .
فقال معاوية : أحسنت يا أبا محمّد , أحسنتَ يا أبا محمّد .
فكان معاوية يقول بعد ذلك : وددتُ أنَّ يزيدَ قالها وإنه كان أعور
وسُئل الإمام الحسن (عليه السّلام) : ما المروّة ؟
فقال : (( حفظُ الدين , وإعزازُ النفس , ولين الكنف , وتعهّدُ الصنيعة , وأداء الحقوق , والتحبّبُ إلى الناس )) .
ورُويَ عن الإمام الصادق (عليه السّلام) قولهُ : (( الفتوّةُ والمروّة : طعامٌ موضوع , ونائلٌ مبذول , واصطناعُ المعروف , وأذىً مكفوف )) .
إلى ما يقرب من ذلك مِن معاني العفّة والشهامة , والتفضّل والرحمة , والإحسان والإصلاح , وإكرام النفس وإعزازها , والترفع عن الخسّةِ والدناءةِ والرذيلة .
والآن نأتي إلى مروءة الإمام الحسين (سلام اللَّه عليه) لنرى ماذا أبقى للناس مِن منزلتها :
فممّا روي فيها ما رواه القوم , منهم الحافظ محمد بن جرير الطبريّ في تاريخ الاُمم والملوك قال : وجاء القوم وهم ألف فارس مع الحرّ بن يزيد التميمي اليربوعي حتّى وقف هو وخيله مقابل الحسين في حرّ الظهيرة , والحسين وأصحابه معتمّون متقلّدو أسيافهم , فقال الحسين لفتيانه : (( اسقوا القوم وارووهم من الماء , ورشّفوا الخيل ترشيفاً )) .
فقام فتيانه فرشّفوا الخيل ترشيفاً , فقام فتية وسقوا القوم من الماء حتّى أرووهم , وأقبلوا يملؤون القصاع و الأتوار و الطاس من الماء ثمَّ يُدنونها من الفرَس , فإذا عبّ فيه ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً عُزلت عنه وسقوا آخَر حتّى سقوا الخيل كلّها .
وفي رواية اُخرى : قال هشام : حدّثني لقيط , عن عليّ بن طعان المحاربيّ [قال] : كنت مع الحرّب بن يزيد , فجئت في آخر من جاء من أصحابه , فلمّا رأى الحسينُ ما بي وبفرسي من العطش قال : (( أنخِ الراوية )) . والراوية عندي السّقاء , ثمّ قال : (( يابن أخي , أنخِ الجمل )) . فأنختُه , فقال : (( اشرب )) . فجعلت كلّما شربت سال الماء من السقاء , فقال الحسين : (( اخنث السقاء )) , أي أعطفه . قال : فجعلت لا أدري كيف أفعل , قال : فقام الحسين فخنثه فشربت وسقيت فرسي .
وللموضوع تتمة ..
الأخلاق الحسينية