اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم وتقبل شفاعتهم والعن عدوهم من الجن والانس
صلى الله عليك يا مولاي يا ابا عبد الله الحسين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الشيخ (((عبدالزهره الكعبي))) قدس سره الشريف
المنبر الخالد للشهيد وآثاره
لئن كان الأديب الكبير الراحل السيد حيدر الحلي ناعية الطف بأدبه وشعره الذي رثا به جده الحسين (عليه السلام) وذكر مصائبه ومواقفه فلقد كان خطيبنا الشهيد الشيخ عبد الزهرة الكعبي (قدس سره) ناعية الطف بخطابته ومنبره الشريف، وإخلاصه في تلك الخدمة الشريفة المقدسة.
ولقد خلّده بحق منبره في العاشر من المحرم الذي كان يتلو فيه القصة الكاملة لجهاد الحسين(عليه السلام) ومن ناصره من أهل بيته وأصحابه ومأساة استشهادهم في طف كربلاء، فكان مجلس شيخنا الكعبي (قدس سره) يعقد في بداية سوق العرب الواقع في كربلاء المقدسة في ذلك اليوم بحضور آلاف المستمعين، والذي عرف بـ (مقتل الحسين) يذاع بنصه الكامل من دار الإذاعة العراقية منذ عام 1959م.
وقد أذيع لمرتين في نفس العام صباحاً ومساءاً، لأن أربعة عشر ألف طلب برقي وهاتفي انهالت على وزير الثقافة والإرشاد ودار الإذاعة طالبةً تكرار إذاعته.
ثم بادرت إذاعة الأهواز لإذاعته في اليوم العاشر من كل عام، واعتاد القسم العربي لإذاعته في طهران من كل عام كذلك. كما أذيعت أقسام منه عبر إذاعة الكويت لبعض السنين.
بل ولا أبالغ إن قلت إن جيلنا هذا من الكهول والشباب لا يشعر بأثر يوم العاشر من المحرم بذلك الشعور العظيم ما لم يستمع إلى قصته الكاملة بصوت الشهيد الشيخ الكعبي (قدس سره) الذي يتراءى لكل مستمع إنه يتحدث من ساحة الجهاد والفداء في كربلاء يوم العاشر من محرم (عام 61هـ) ولا تكاد تجد بيتاً من بيوت الشيعة في العراق والخليج وخوزستان ولبنان وغيرها إلا وقد اقتنى من الأشرطة المسجلة للمقتل بصوت الشيخ الكعبي (قدس سره).
بل وتعتبر هذه الأشرطة من الباقيات الصالحات والآثار المباركات له (قدس سره) لما لها من التأثير البالغ في أوساط أبناء المذاهب الإسلامية الأخرى كذلك حيث اعتنق كثير منهم مذهب أهل البيت (عليهم السلام) بل أصبحوا من الدعاة إليه بتأليفاتهم كالأستاذ إدريس الحسيني مؤلف كتاب (لقد شيعني الحسين)، والأستاذ صائب عبد الحميد مؤلف كتاب (نشأة التشيع والشيعة).
كما وسجلت آلاف النسخ من هذه الأشرطة وانتشرت في بعض دول أفريقيا مؤثرة في مستمعيها هناك.
وقد طبع هذا المجلس المفصل لواقعة كربلاء بكتاب خصص لقراءة المقتل يوم العاشر بعنوان (الحسين قتيل العبرة).
كما وكان شهيدنا معروفاً بقراءته تكملة مأساة الطف مبتدئاً من مسير العائلة المخدرة مع الإمام السجاد (عليه السلام) يوم الحادي عشر من المحرم وجهادهم ومصائبهم في الكوفة والشام حتى وصولهم يوم الأربعين إلى كربلاء منتهياً بإيابهم إلى المدينة فكان شهيدنا (قدس سره) يتلوها في الزيارة المليونية ـ التي يحضرها المسلمون بمختلف أقطارهم وجنسياتهم ـ يوم الأربعين بجوار حرم سيد الشهداء الحسين (عليه السلام)حيث تحضرها تلك الجموع الغفيرة بمواكبها من العراق وغيره في الحسينية الطهرانية.
نسبه وولادته ونشأته
هو الخطيب الشهيد الشيخ عبد الزهرة بن فلاح بن عباس بن وادي آل منصور من قبيلة بني كعب الشهيرة. وقد نزحت أسرته من المشخاب واستوطنت كربلاء.
ولد الشهيد الكعبي في مدينة المشخاب يوم الخامس من شهر جمادى الأولى عام (1337هـ ـ 1907م) ذكرى مولد الصديقة الطاهرة الزهراء(عليها السلام) ولذلك سمي بـ (عبد الزهرة).
نشأ وترعرع في ربوع كربلاء المقدسة بعد أن شد عوده وقوي ساعده دخل معاهد العلم والأدب عند الكتاتيب آنذاك يسمى بـ(الملا) فتعلم القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم كله وهو في سن مبكر خلال ستة أشهر على يد المرحوم الشيخ محمد السراج في الصحن الحسيني الشريف، وفي علم العروض على يد الشيخ عبد الحسين الحويزي، ثم أصبح من أساتذه الحوزة العلمية الشريفة في كربلاء حيث كان يلقي دروسه في الفقه الإسلامي واللغة العربية وفن الخطابة على عدد من طلبة الحوزة والعلوم الدينية وتولى التدريس في مدرسة الإمام القائم ومدرسة السيد المجدد الشيرازي ومدرسة (باد كوبة) الدينية وغيرها كما درس الأحاديث النبوية وخطب نهج البلاغة.
حضر مباديء العلوم على الحجة الشيخ علي بن فليح الرماحي، ثم درس الفقه والأصول على العلامة الشيخ محمد داود الخطيب، وأخذ المنطق والبلاغة على العلامة الحجة الشيخ جعفر الرشتي.
أما الخطابة فقد أخذها على الخطيبين الجليلين الشيخ محمد مهدي المازندراني الحائري المعروف بـ(الواعظ) وخطيب كربلاء الأوحد الشيخ محسن بن حسن أبو الحب الخفاجي ثم برع فيها واشتهر، وذاع صيته في الآفاق مخلصاً متفانياً في خدمة الإمام سيد الشهداء (عليه السلام).
فكانت له المجالس العامرة بالجماهير من الرجال والنساء والأطفال في مساجد كربلاء وحسينياتها ودورها وأسواقها فضلاً عن مجالسه في مدن العراق الأخرى مثل بغداد والنجف الأشرف والحلة والدجيل والمشخاب والبصرة والديوانية والشطرة والمجر الكبير والأهواز.
وقد سافر لعدد من الدول العربية من أجل التبليغ بإشارة من مراجع الدين العظام أمثال آية الله السيد محسن الحكيم وآية الله السيد الشيرازي وبعض أهل العلم والفضيلة فذهب إلى دولة البحرين والقطيف والإحساء وجنوب إيران وغيرها من البلدان خارج العراق. ونال إعجاب المستمعين وتأثرهم بمجالسه، لما له من دور متميز في هذا الفن، فضلاً عن سجاياه الحميدة وطباعه الكريمة التي شهد بها له الصديق والعدو والقريب والبعيد.
دروس من خطابته
امتاز الشهيد الكعبي (قدس سره) بقدرته المنبرية الفائقة المتمثلة في قوة البيان والشجاعة في عرض الأفكار المقدسة للإسلام الحنيف وفي مهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما كان مهتم بحفظ القرآن الكريم، والتأكيد على حفظ الأحاديث الشريفة للنبي صلى الله عليه واله وسلم وأهل بيته الكرام (عليهم السلام) بنصها، فضلاً عن اهتمامه بالجانب الأدبي بانتقائه البليغ من عيون الشعر وعلى هذا يمكننا أن نستفيد بأن المواد الأولية للمنبر الحسيني الشريف ومقوماته
هي:
1ـ القرآن الكريم.
2ـ الأحاديث والخطب النبوية.
3ـ الشعر العربي الأصيل.
ثم يأتي بعدها اختيار موضوع المنبر من التاريخ والأخلاق والتفسير والسيرة وغيرها.
وقد هيأ الشهيد الشيخ الكعبي (قدس سره) جيلاً من الخطباء البارعين بخطاباتهم وتأثيرهم في المجتمع، فكان يؤكد عليهم في دروسه بالاهتمام بالمنبر الشريف ومقوماته وعوامل التوفيق لخدمته المقدسة، فتخرج من تحت منبره ودرسه عدد من الخطباء الكبار يربو عددهم على (300) خطيب حسيني بارع منتشرون في البلاد الإسلامية أمثال الشيخ ضياء الشيخ حمزة الزبيدي والخطيب الشيخ على الساعدي والخطيب الشيخ عبد الرضا الصافي والخطيب الشيخ عبد الحميد المهاجر والسيد محمود الخطيب والشيخ أحمد عصفور وغيرهم.
جهاده ومعاناته
عُرف (قدس سره) بإخلاصه وتفانيه في خدمة أهل البيت (عليهم السلام) ولما كان زاهداً في الدنيا وحطامها، فلقد كان معروفاً بجهاده أينما حل، ومناهضته ضد الباطل والانحراف والظلم والجور والتعدي مهما كانت نتائجه والمعاناة بسببه حيث المضايقة من قبل الطغاة وأعوانهم لمن سلك هذا السبيل المقدس المناصر للحق على مر العصور كما هو معروف.
ولقد كان له دور متميز بجهاده في تربية الجيل من الشباب بالثقافة الإسلامية والتسلح بالوعي بمخاطر الانحراف والظلم وذلك من خلال منبره ومشاركته في مشاريع التوعية والتربية أينما حل (رضوان الله تعالى عليه).
أي أنه كان يتميز من دون باقي أقرانه بالجرأة المشهودة واهتمامه بالشباب وكان يمانع من إخراج الأطفال من المجلس قائلاً: (إن اهتمامنا عملياً ينبغي أن ينصب على هؤلاء لأنهم الثمرة في المستقبل. وكذلك تميز بالذكاء وقوة حافظته حيث الخزين العلمي الذي كان يتبين من خلال مجالسه المؤثرة في مستمعيه فكان يطرح المعلومات التاريخية والبحوث العقائدية والتي لا يراجع بها كتاباً في موسم التبليغ.
وساهم مع وجهاء بعض المناطق التي كان يذهب إليها في موسم التبليغ في حل كثير من المشاكل الاجتماعية والعائلية مهتماً بإصلاح ذات البين.
وكما سعى في تزويج كثير من الشباب المؤمن بالمال والجاه مؤثراً في أوساط المجتمع وعلى العموم فلقد كان عالماً عاملاً مجاهداً، دمث الأخلاق متواضعاً، لا يشعر جليسه بأي حرج في طرح الأسئلة معروف بالنوادر وظرف الحديث والمزاح المتزن.
وقد نقل عن جهاده ومواقفه الشيخ ضياء الزبيدي وهو من تلامذته قائلاً:
(تم اعتقال الشهيد السيد حسن الشيرازي (قدس سره) من قبل السلطة البعثية الجائرة في العراق على أثر اختلاق اعتراف من قبل (رشيد مصلح) أحد رموز حكومة عبد الرحمن عارف حيث ظهر (مصلح) أمام الملأ وعبر شاشات التلفزيون موجهاً الاتهام للسيد الشيرازي (قدس سره) بأنه كان يشجعه على الإطاحة بحكومة البعث في العراق.
فاعتقل السيد على أثرها فبادر بعض خطباء كربلاء برفع برقية إلى (البكر) طالبين إطلاق سراح السيد، فما كان من السلطة إلا أصدرت أمراً باعتقال الموقعين على البرقية وهم الشيخ عبد الزهرة الكعبي، الشيخ حمزة الزبيدي، السيد كاظم القزويني والسيد مرتضى القزويني والشيخ حميد المهاجر.
فتمكنت السلطة من اعتقال الشيخ الكعبي والشيخ حمزة الزبيدي واختفى الآخرون. فكان اعتقال الكعبي والزبيدي في دائرة أمن كربلاء لمدة ثلاثة أيام نُقلا بعدها إلى مركز أمن (الحرية) ثم مديرية الأمن العامة في بغداد.
بعدها تم نقلهما إلى سجن (بعقوبة) حيث حكم عليهما بالحجز الإحترازي لمدة أربعة أشهر أُطلق سراحهما بعدها وذلك عام 1969م.
الكعبي والأدب العربي
يتبادر إلى الذهن عندما يذكر الشيخ الكعبي مقتل الحسين، وخطابة المنبر إلا إن للشيخ الخطيب باع طويل في الأدب العربي بقسميه الفصيح والدارج، فقد ذكر المرجاني في كتابه خطباء المنبر إن له ديوان شعر تحت عنوان:
(دموع الأسى) ولا يزال مخطوطاً، ولا يعلم عما اعتراه من التلف أو الضياع ومن نماذج شعره في مدح الإمام الصادق(عليه السلام):
لأبي الكـاظم الإمام أيــادٍ*** سـابقات تعــمُّ كـلَّ البريـة
أظـهرها الله في شرعة طه*** بعـد إخفــائها فعادت بهـية
رويــت عنـه للأنام علوم ***هي كانت من قبل ذاك خفية
فحفظنا تـلك العلوم ومن ذا*** قـد عرفنا بالفرقة الجعـفرية
استشهاده
ولا يزال يواصل مسيرته الجهادية المقدسة، سيما جهاده المنبري الذي كان مدوياً، ولم يكترث فيه من مضايقات الطغاة وأساليبهم القمعية الإرهابية، فما كان منهم إلا أن سخّروا بعض جلاوزتهم لدسّ السمّ القاتل إليه في القهوة التي قدمت له في مجلس فاتحة حضره الشيخ الكعبي وبعض تلامذته، فرجع إلى مجلسه في صحن العباس (عليه السلام) وأثناء قراءته أصابته حالة إغماء سقط على أثرها من على المنبر وفي طريقه إلى المستشفى عرجت روحه الطاهرة إلى ربها راضيةً مرضية في ليلة شهادة فاطمة الزهراء (عليها السلام) يوم 6/ 6/ 1974م،
أعقب الشهيد الكعبي (قدس سره) ولدين هما (علي، عبد الحسين).
تشييعه
كان يوماً مشهوداً في مدينة كربلاء بل في العراق، فقد زحفت الجماهير من كل حدب وصوب للاشتراك في تشييع جثمانه المقدس عبر الخط الطويل من داره إلى مرقده في الوادي القديم بعد إتمام الزيارة والصلاة عليه.
وكانت مراسيم تشييعه مشابهةً تماماً لمراسيم تشييع مراجع الدين الكبار، حيث وضع جثمانه في (العماري) وهي نعش خشبي كبير يوضع فيه التابوت
احتراماً للمتوفى.
ثم انطلقت المسيرات العزائية الحزينة في مقدمة الجنازة.
وقد ضجت لوفاته كثير من البلاد الإسلامية فكتبت عنه الصحف والمجلات وأقيمت على روحه مجالس الفاتحة في كثير
من البلاد داخل العراق وخارجه. وقد أبّنه كثير من أهل العلم والفضيلة وإليكم ما كتب في رثائه صاحب الفضيلة العلامة السيد عبد الستار الحسني دامت بركاته يقول:
مَضى مَنْ به كانَتْ تَميْسُ المنابِرُ *** وتَزْهُو بمَسْعاهُ الحثيثِ الشعائرُ
وَمَنْ كانَ في دُنْيا الخطابَةِ بَدْرَها الـ *** مُنير الذي تَنْجابُ مِنْهُ الدياجِرُ
لِسانُ الهُدى المنْطيقُ سحْبانُ عَصْرِه *** لَهُ تَتَهادى كالجُمانِ العَبائِرُ
بهِ أتْلَعَت (قَيْسُ بنُ عَيْلانَ) جيدها *** وحازَتْ ذُرى العَلْياءِ (كَعْبٌ) و(عامِرُ)
وشِيعَةُ أَهلِ البَيْتِ تَهْتِفُ باسمِهِ ***إذا غابَ مِنْهُ الجِسْمُ فالذِكْر ُ عاطِرُ
ومازالَ بَيْنَ الخَلْقِ يُرْفَعُ صَور بـ *** (مَقْتَلِ) سِبْطِ المُصْطَفى وهو هادِرُ
أجَلْ (عَبْدُ زَهْراءِ) النُبوّة ِ خالِداً *** سَيَبْقى وَإِنْ قد ْ غَيّبَته ُ المقابرُ
شَهيداً قَضى بالسُّمِّ مِنْ أَجْلِ دينهِ *** فَسالَتْ دَما ً ـ مُذْ غابَ عَنْها ـ المحاجِرُ
بأَمثالِه ِ ظَلَّ الهُدى شامِخَ الذرّى *** وَدارَت علــى أَهـْلِ الضَّلالِ الدوائِرُ
لَئِنْ خَلَتِ (الأَعْوادُ) مِنْهُ وَأَو حشَتْ *** فَقَدْ عَمِرَتْ ـ مِمّا بناهُ ـ المآثرُ
الخطيب الحسيني الشيخ عبد الزهراء الكعبي رحمه الله