اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
دموع الحسين ودموعنا....
هل هي دعوة لقتل الحسين( عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه الميامين، كل يوم وفي كل أرض؟ أينما وجدناه، وأينما حلّ وارتحل؟ ، هل هي دعوة لفسح المجال أمام يزيد بن معاوية ليحكم الناس في كل عصر ومصر؟ ليعيد الكرّة فيقتل ريحانة رسول الله (صلى الله عليه وآله) السبط الشهيد؟ ، شخصياً، لا أدري بالضبط ماذا عنى الشعراء بشعرهم هذا؟، ولكن دعوني هنا أن افترض ما عنوه، من خلال رؤيتي للحدث المهول الذي شهدته أرض كربلاء الطاهرة ظهيرة يوم العاشر من المحرم عام (61) للهجرة، من خلال ما يمكنني أن استقرأه من قول الشعراء الآنفي الذكر ، دعونا نبدأ من دمعة الحسين(عليه السلام) في ذلك اليوم، وهي الدمعة التي تختلف بمعانيها كلياً عن دمعة العقيلة زينب(عليها السلام) في نفس اليوم، بفارق ساعات من الزمن فقط ، فالحسين(عليه السلام) بكى قاتليه، أمّا زينب(عليها السلام) فقد بكت الحسين(عليه السلام) ، لكل دمعة، إذن رسالة تختلف عن الاخرى. فلماذا بكى الحسين(عليه السلام) أعداءه؟ وما هي الرسالة التي أراد أن يبعث بها، عبر التاريخ، إلى كل الأجيال التي سترث الأرض من بعده؟ ، ولماذا بكت زينب(عليها السلام) أخيها الحسين(عليه السلام)؟ وهل من رسالة في دمعتها؟ ،لقد بكى الحسين (عليه السلام) أعداءه لأنهم (مظلومون)! ظلموا أنفسهم، فباؤوا بالخزي في الدنيا وأشدّ العذاب في الآخرة، فالحسين(عليه السلام) لم يبكِ ظالماً أبداً، والى هذا المعنى تشير الآية القرآنية الكريمة: ( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ إِنّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ). لقد اختار لهم ربّهم الدنيا والآخرة، فخسروا الاثنين، وأختار لهم الحياة فاختاروا الموت، واختار لهم السعادة فاختاروا الشقاء، واختار لهم الحرية والعزة والكرامة، فاختاروا العبودية والذل والمهانة، ولكل ذلك باؤوا بغضب من الله تعالى، أولئك الذين يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون، بظلمهم أنفسهم، فكانت دمعة الحسين( عليه السلام) عليهم من أجل تنبيههم الى ذلك. ولإلفات وعيهم الى الحقيقة ، لقد سعى الإمام كثيراً وطويلاً لردع أعداءه عن ارتكاب فعلتهم الشنعاء، وبذل جهداً كبيراً من أجل ذلك، من خلال الحوار المباشر تارةً وعقد الاجتماعات السرية والعلنية، والخطب العامة، والجدال بالتي هي احسن، تارةً أخرى، حتى لا يعتذر أحد منهم يوم القيامة بالجهل بالامور، أو إنّه لم يكن على علم بحقيقة الأحداث ، لقد حاول الإمام الحسين (عليه السلام) رفع الغشاوة عن بصائر الناس، وإطلاعهم عن الحقيقة كاملة، كما حاول أن يضعهم أمام الامر الواقع، بكامل وعيهم ومعرفتهم، لماذا؟ لأنه يحب الانسان الذي كرمه الخالق جل وعلا، فكان يكره أن يكون سببا لشقاء الانسان مهما كانت هويته وديانته وانتماءه وعنصره وجنسه، ولذلك قاتله (عرباً) أقحاحاً، و(مسلمين تعرفهم بسيماهم) و(رجالاً اشدّاء) فيما استشهد معه وبين يديه (مسيحيين)، ونساء وأطفال، لأن القضية لم تكن قضية سلطة يتقاتل عليها الفريقان، أبداً، كما إنها لم تكن قضية قومية أو مذهبية أو عنصرية أو حتى دينية، وإنما كانت قضية إنسانية مقدسة تجلى فيها معسكران، أحدهما يمثل الحق، فيما يمثل الآخر الباطل، أحدهما يمثل الانسان وقوى الخير التي أودعها الله فيه، والثاني يمثل كل قوى الشر التي في داخل الانسان، كما في الآية المباركة:( وَنَفْسٍ وَمَا سَوّاهَا* فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا* قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكّاهَا* وَقَدْ خَابَ مَن دَسّاهَا) ولذلك لم يغلق الإمام الحسين( عليه السلام) بابه بوجه أحد من الناس أبداً، بغضّ النظر عن دينه، أو قوميته، أو جنسه، فكان باب الله تعالى، وسفينة النجاة لمن شاء وأحبّ أن يركبها، ليحيا حياة طيبة في الدنيا، وينجو بها يوم الفزع الأكبر. لقد بكى الإمام الحسين( عليه السلام)على قاتليه، قبل أن يتورطوا بدمه الزكي، وهو يرى فشل كل محاولاته الانسانية والدينية التي بذلها من اجل إنقاذهم من النار بسببه، وهم الذين تمثلوا بقول الله عز وجل: ( أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي النّارِ)، كانت دمعة الإمام الحسين( عليه السلام) انسانية، حاول بها إنقاذ الانسان من الجهل والظلالة وسوء المنقلب والعاقبة، إلاّ أنّ القوم فهموا الرسالة بالمقلوب، وفسروها خطأ، عندما تصوروا بأنّه يبكي نفسه، لأنّه قريباً سيغدو مقتولاً، إنّ دمعة الإمام الحسين(عليه السلام) على قاتليه في عاشوراء تجلي البعد الانساني في ثورته المباركة وحركته الخالدة في أبهى صوره، وإلاّ بالله عليكم، هل رأيتم أو سمعتم قتيلاً يبكي على قاتليه؟ ، ولأن ثورة الإمام الحسين( عليه السلام) أنسانية ورسالية، فهو لم يستعجل القتال، إذ لم يكن هدفه القتال لذاته، وإنما من أجل الإنسان، فإذا كان المنطق والحوار والخطاب، طريق الى حماية الانسان من نفسه الامّارة بالسوء، فلماذا اللجوء، إذن، إلى السيف؟ ، لقد حاول الإمام الحسين( عليه السلام) استفراغ كل طاقته في الحوار قبل أن يرد على رسل القوم (النبال) التي صوّبوها بإتجاه معسكره ليستعجلوه القتال، ولو كان الإمام لا يحب الانسان، لاستعجل القتال ليعجل بقاتليه الى النار، كما يفعل من يكرهون الانسان، ويحبون توريطه من خلال استدراجه الى مكامن الخطأ والجريمة، أمّا الإمام الحسين( عليه السلام) فقد سعى الى تنبيه الانسان الى خطئه وجريمته، في محاولة إنسانية منه لإنقاذه من براثن الجريمة ، إنّه فعل إزاء قاتليه، ما فعله أبوه الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الذي ظل يحاور (الخوارج) حتى عدل عن مقاتلته عشرات الآلاف منهم، كما تذكر ذلك كتب التاريخ، فبالكلمة حقن الامام( عليه السلام) دماء مغفلين، وبها حاول الإمام الحسين( عليه السلام) ذلك، وبها يحاول المصلحون الانسانيون ، فالمصلح، يوفّر على الناس دمائهم، والمصلح لا يحب الولوغ في دماء الناس، ولذلك فهو لا يوفر جهداً لتحريم دم الانسان وصونه من الهدر لا زال هناك متسع من الوقت والجهد والوسائل غير السيف والقتل ، على العكس من الطغاة والمجرمين الذين يبدأون خطوتهم الاولى نحو الهدف، بهدر الدم الحرام وإزهاق الروح المحترمة، وهنا يكمن الفارق الكبير بين المصلح والمجرم، فالاول هدفه حياة الإنسان، أمّا الثاني فهدفه ممات الانسان، الاوّل يموت هو لحيى الانسان، والثاني يموت الانسان ليحيى هو، وشتّان ما بين الاثنين. فالمصلح يبدأ بالكلمة وقد ينتهي الى السيف، إذا اضطّر الى ذلك، أمّا الظالم فيبدأ بالسيف وينتهي إليه، إنّه يبدأ بالدم وينتهي اليه، يبدأ بأرواح الناس وينتهي اليها ، قد يقول قائل، ويسأل سائل: ألم يكن الامام( عليه السلام) على علم بعنادهم وغيّهم وضلالتهم؟ فلماذا، إذن، حاول وعظهم ونصيحتهم؟ ، ويأتي الجواب من القرآن الكريم: ( مَعْذِرَةً إِلَى رَبّكُمْ ) كما أجاب المؤمنون الذين استنكر عليهم بعض قومهم وعظهم للكافرين، بقولهم مستنكرين: (لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللّهُ مُهْلِكُهُمْ )، هذا من جانب، ومن جانبٍ آخر، فهي رسالة الى الاجيال والتاريخ، ودرس للجميع، ليمارسوا الوعظ والإرشاد حتّى مع أعدا أعدائهم وأشدهم ضراوة، فما بالك بالمغفلين الذين يعادون المرء عن جهل، قبل أن يقع السيف بين الطرفين، من أجل إلقاء الحجة أولاً ومن أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الجهل والتورط بالدم الحرام، من جانب آخر. لعل من هذا المعنى، يمكن أن نستنبط المفهوم الذي عناه الشعراء الآنفي الذكر. فهو دعوة متكررة، لكلّ جيلٍ وعصر، للحيلولة دون قتل الإمام الحسين( عليه السلام) كلّ يوم، ودون تكرار الحدث الذي شهدته كربلاء، على كلّ أرض، من اجل إنقاذ الانسان من التورط في الجريمة، إنها دعوة صادقة من الإمام لمنع أعدائنا، وقبل ذلك أعداء أنفسهم، من المغرّر بهم الذين غسلت ماكينة الدعاية الأموية المضللة عقولهم وأماتت ضمائرهم وحطّمت تفكيرهم، من ارتكاب مثل هذه الجريمة المروعة التي سيحجزون بسببها مقعدهم في قعر جهنم، لأن الامام وهو الرحمة الربانية للبشر، يكره أن يكون سبباً لدخول إنسان واحد النار، لجريمة يرتكبها بحقه، فكيف يمكن ذلك؟. كيف يمكن أن نحول دون تكرار الحدث المأساوي؟ وكيف يمكننا أن نمنع من تكرار الجريمة؟ وكيف يمكننا أن نكون ممن يحفظ الإمام الحسين(عليه السلام) من القتل ويصون الدماء من أن تراق ظلماً على الارض؟ وكيف لنا أن نكون ممن ينتصر للحسين( عليه السلام) قبل أن يقتل، ولكربلاء قبل ان يسيل عليها دم السبط، وللآل والأصحاب قبل أن يقتلوا بسيف البغي، وللهاشميين والهاشميات قبل أن يأخذونهم سبايا الى الشام؟ ، الجواب في معرفة أسباب وقوع الحدث المهول، فمن خلال إزالتها بعد معرفتها، نحول دون تكرار الحدث ، فعندما تساس الامة براعي مثل يزيد، الذي قال عنه الامام الحسين( عليه السلام) مخاطبا الوليد بن عتبة والي المدينة، عندما رفض إعطاءه البيعة: ((... ويزيد فاسق، فاجر شارب الخمر، قاتل النفس المحترمة، معلن بالفسق والفجور)) عندما تساس الامّة بمثل هذا، فعلى الاسلام السلام، وعندما ينزو على منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) رجل كمعاوية بن ابي سفيان، فعلى الانسان السلام، وعندما يتسلل الإعلام الأموي الى كل مكان، الى البيت والمدرسة والمسجد والسوق والى مخادع الناس، فعلى الحرية والكرامة والعزة السلام ، دعونا أولاً نمنع من انعقاد سقيفة في الامة، ثم نجاهد للحيلولة دون أن ينزو على السلطة حاكم كمعاوية بن أبي سفيان يُحَوّل الناس الى عبيد والمال الى دولة بين الاغنياء فيحرم منه فقراء الامة ويتخم آخرين، ويُسخّر خزينة البلاد لتحقيق رغباته الذاتية ونزواته الشخصية، فيصرفها لشراء الذمم وصناعة الدعاية السوداء المضللة وإختلاق الاحاديث والروايات الباطلة على لسان رسول الله (صلى الله عليه وآله) كل ذلك من أجل تحويل الحكم الاسلامي الى ملك عضوض يتوارثه الطلقاء وأبناء الطلقاء، فيحكم الامة باسم الاسلام، مثلاً، رجل كيزيد الذي يشرب الخمر ويلعب بالقرود ويقتل النفس المحترمة، ثم يدعو له أئمة المسلمين من على منابر الجمعة، كخليفة ، أية مهزلة في التاريخ هذه؟ بل أية مهزلة على مر التاريخ هذه؟ ففي كل يوم لنا يزيد حاكماً وفي كل يوم لنا معاوية خليفة للمسلمين وفي كل يوم لنا سقيفة وفي كل يوم لنا فتاوى تكفيرية ودعاية سوداء تضلل الناس وتغسل الأدمغة وأخيراً تقتل الحسين (عليه السلام)؟ ، هنا مربط الفرس، إذن، فإذا حكم البلاد رجل كيزيد علينا ان نستعد لسماع نبأ قتل الحسين، وإذا اعتلى منبر رسول الله(صلى الله عليه وآله) رجل كمعاوية الذي قال للمسلمين في أول خطبة جامعة في مسجد الكوفة (يا أهل الكوفة، أتروني قاتلتكم على الصلاة والزكاة والحج؟ وقد علمت أنكم تصلون وتزكون وتحجون، ولكني قاتلتكم لأأتمر عليكم وألي رقابكم، وقد آتاني الله ذلك وأنتم كارهون، الا ان كل دم اصيب في هذه مطلول، وكل شرط شرطته فتحت قدميّ هاتين)إذا اعتلى منبر الرسول رجل كهذا، فعلى الامة أن تتوقع قتل الحسين بين لحظة وأخرى ، لذلك، إذا أردنا أن لا يتكرر المشهد الكربلائي في كل يوم وفي كل أرض، علينا أولاً أن نمنع سقيفة ولا نقبل بمعاوية خليفة أو يزيد حاكماً، وأن نقاطع الاعلام الاموي ولا نصغ الى أقوال المرجفين في المدينة، ونسير بركب الإمام الحسين( عليه السلام)، مهما غلا الثمن وكبرت التضحيات، فالحياة بلا كرامة موت في الدارين، والموت بعز حياة في الدارين، أليس كذلك؟ ، كذلك، على الامّة ان تقف مع الحسين حياً، ولا تنتظر ان يقتل فتبكيه ميتاً، وهذا يتطلب منها ان تنصره وتنتصر له فارساً، قبل ان يترجل من على صهوة جواده، كيف؟ ، إنّ الحسين (عليه السلام) قيم ومبادئ وأفكار ومناقبيات ورسالة، انّه ليس مجرد ثائر من أجل سلطة، أو مغامر من اجل حكم، ابداً، والى هذا المعنى أشار عليه السلام بقوله ((ألا واني لم اخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأبي علي بن أبي طالب عليه السلام، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن ردّ عليّ هذا، أصبر حتى يحكم الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين)) ، هدف الحسين( عليه السلام)، اذن كان الاصلاح اولاً واخيراً، اصلاح ما فسد من حال الامة على يد الحكومات والانظمة التي تعاقبت على الحكم من بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإصلاح ما أفسدته القوى الاجتماعية التي ملكت المال والإعلام وتالياً السلطة ، لقد جاد الإمام الحسين (عليه السلام) بأغلى ما عنده من أجل تصحيح مسار الامة، وإعادتها الى جادة الصواب والحق والعدل والإنصاف، من اجل أن تحيا حرة كريمة وسعيدة بين أمم الارض ، إنّ نتيجة حكم السلطات الظالمة للامة يمكن تلخيصه بما يلي:
أولا: تغيير مسار النظام السياسي ، من نظام يعتمد الشورى والانتخاب والبيعة والتداول السلمي للسلطة، الى نظام يعتمد الوراثة في اعتلاء السلطة، وأخذ البيعة بالعنف والاكراه، وتالياً القتل والاغتيال والتآمر كأدوات يعتمدها المتصارعون على السلطة للفوز بها، وبقراءة سريعة لتاريخ المسلمين، والنماذج الكثيرة التي ترويها كتب السيرة والخلفاء والسلاطين، يتّضح لنا هذا المعنى جلياً، لدرجة انه يزكم الأنوف بفضائحه، ويخجل منه المرء الذي يكره الانتساب الى مثل هذا التاريخ، المهزلة.
ثانيا: محو القيم الانسانية التي اعتمدها الاسلام في العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وبين الناس انفسهم، صغيرهم وكبيرهم، غنيهم وفقيرهم، عالمهم ومتعلمهم، نساءهم ورجالهم، وبين أركان الحكم أنفسهم، كقيم المساواة والرأفة ومبدأ تكافؤ الفرص، والتكافل الاجتماعي والحرية والكرامة والصدق والتسامح والتعاون على البر والتقوى والإيثار وغير ذلك من المعاني والقيم السامية التي جاء بها الاسلام العظيم، لتحل محلها، في ظل الانظمة الفاسدة والمستبدة، سياسات الأثرة والاقصاء والتمييز العنصري والطائفي والعشائري والعبودية والاكراه وروح الانتقام والذلة وغيرها من السياسات التي دمرت الامة، فتقهقرت الى الوراء لتصبح في آخر القافلة الانسانية وفي نهاية مسيرة البشرية. لقد عنى الشعراء إذن، ان كل يوم هو زمن مفتوح للصراع بين الحق والباطل، وان كل ارض هي ساحة مفتوحة لهذا الصراع، وان على اهل الحق ان يواجهوا الظلم صغيراً قبل ان ينمو ويكبر فيتمكن من قتل الحسين، وبذلك فقط يمكنهم ان يحولوا دون تكرار تراجيديا كربلاء بكل فصولها المهولة وتفاصيلها المرعبة والاليمة ، امّا دمعة زينب (عليها السلام)، فقد حملت رسالة أخرى، إنها رسالة الرفض الأبدي للظلم، وصرخة المظلوم في قصور الظالمين، لتهدم أواوينها، وتدمر قلاعها ، إنها رسالة الاحتجاج على القتل، وسلاح المستضعفين في مواجهة سلاح التضليل، ووسيلة المظلوم لاستنكار الظلم، وأداة المقهور لاستنهاض الامة الغافلة والناس النيام والرعاع المغفلين والعامة الجاهلة والصفوة التي أعماها الطمع وأسال لعابها المال الحرام والحضوة الزائفة عند السلطان، إنها الرسالة التي لا يمكن لظالم، مهما أوتي من قوة وجبروت، أن يحجبها عن الفضاء الخارجي، ولذلك امتدت هذه الرسالة الزينبية عبر التاريخ وستظل ممتدة الى قيام الساعة، إذ سيفشل الظالمون في إخماد اوارها مهما فعلوا، ولنا في التاريخ أكبر دليل وأنصع برهان، ولقد صدقت ابنة علي( عليه السلام) العقيلة زينب( عليه السلام) عندما خاطبت الطاغية يزيد في مجلسه بالشام قائلة ((فكد كيدك واسع سعيك وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا ولا تدرك أمدنا ولا تدحض عنك عارها، وهل رأيك إلا فند وأيامك إلا عدد وجمعك إلا بدد))، إنها الرسالة التي فضحت زيف الحاكم الجائر، وكشفت عن حقيقة الامور التي بذل الظالم من اجل التستر عليها الشيء الكثير، وسخر لها جيوش (المثقفين) و(الاعلاميين) و(فقهاء البلاط) و(وعّاظ السلاطين) من المأجورين والموتورين، من الذين يتبعون المطامع ، إنها شجاعة الرسالة وبطولة أهل الحق وصمود الثائرين وقدرة المظلومين. من هنا أفهم ، إذا أردنا أن نحول دون تكرار الحدث المأساوي، علينا أن نحتفظ بالدمعتين ساخنتين، فهما رسالتان تكمل الواحدة الاخرى، وهما جناحا ثورة السبط الشهيد سيد شباب أهل الجنة الامام الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام) ، ينبغي علينا ان لا ننخدع بما يقوله المشككون، الذين يحاولون انتزاع حب الحسين( عليه السلام) من قلوبنا، فالدمعة رسالة وليست عواطف فحسب، وإنها معاني سامية وقيم عظيمة ومناقبيات خلاقة، من يتنازل عنها سيتنازل عن الحسين( عليه السلام)، ومن يفرّط بها سيفرّط بكربلاء، ومن يغفل عنها سيغفل عن الهدف والوسيلة في آن واحد، لنحذر من نسيان الدمعتين، وما حملتا من رسالتين تاريخيتين عظيمتين، من أجل أن لا ننسى الحسين( عليه السلام) وثورته الانسانية، وبالتالي، من أجل أن نتذكر أنفسنا، فلا ننسى حالنا وواقعنا وما نحن عليه من وضع لا يحسد عليه، فالحسين (عليه السلام) عبرة (بفتح العين) وعبرة (بكسر العين) فلا يمكن أن نعيش الحسين( عليه السلام) بواحدة أبداً، فالعبرة (بفتح) جزء من العبرة (بكسر) والعكس هو الصحيح، وهما متلازمتان لا تفترقان أبداً ما دامت السماوات والأرض.
نزار حيدر
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين