السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نهج الثورة الحسينية والقول الفصل
الآن وفي هذه اللحظات ، وعلى وجه التحديد ، ومنذ استشهاد الإمام الحسن (عليه السّلام) ، ومحاولة أخذ البيعة ليزيد ، بدأت الثورة الحسينية واستمرت حتى كان عرس الدم في كربلاء عام واحد وستين .
أيضاً لا بدّ أن نؤكّد على حقيقة أنّ أئمّة أهل البيت (عليهم السّلام) لم تكن ميزتهم الوحيدة أنّهم أقدر من غيرهم على فهم حقائق الإسلام والنطق بها ، وإنّما كانوا هم الأقدر من غيرهم على تجسيد هذه المفاهيم وتحويلها إلى واقع وإلى تطبيق ونموذج في وقت كثر فيه المتكلّمون وقلّ فيه الفاعلون .
ولنتأمّل هذه الرواية التي أوردها أصحاب الصحاح ، وننقلها عن النسائي في كتابه (خصائص الإمام علي) : (( إنّ منكم مَنْ يُقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت أنا على تنزيله )) .
قالوا : مَنْ يا رسول اللّه ؟
قال : (( هذا ـ وأشار إلى علي عليه السّلام ـ )) .
نعم ، لقد نزل القرآن على رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله) ، وبلّغه للأُمّة كاملاً غير منقوص ، مشفوعاً بسنته (صلّى الله عليه وآله) ، وبقي باب التطبيق مفتوحاً بتطوّر الحوادث والأيام من خلال إقامة المجتمع المسلم ومعايشته لكثير من المستجدّات .
فقط أئمّة أهل البيت (عليهم السّلام) كانوا وحدهم قادرين على الفعل الصحيح في كلّ موقف ، لا في موقف دون موقف ، كما قال عنهم رسولنا الأكرم (صلّى الله عليه وآله) ورواه أصحاب الصحاح : (( إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به بعدي لن تضلّوا أبداً ؛ كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي )) .
إنّهم حملة النصّ الصحيح والتطبيق الصحيح ، وما أحوجنا إليهم وإلى نهجهم (سلام اللّه عليهم) .
وما أحوج الأُمّة وسط هذا الظلام الأُموي ، وهذه الفتنة العمياء إلى موقف حسيني يبدّد الظلمات . موقف حسيني لا يتحدّث عن الحقّ وإنّما يفعله ، ولا يفعله فعلاً يراه بعض الناس ويغفل عنه بعضهم الآخر ، وإنّما يفعله فعلاً يبقى مسطوراً ومحفوراً في عمق الأرض وفي عمق الوجدان البشري .
ما أحوج الأُمّة الإسلامية والبشرية كلّها إلى هذا النور المتوهّج لتبقى شمس الحسين تهدي الحائرين ، وتدلّ السائلين على الحدود الفاصلة بين الحقّ والباطل ، بين مرضاة اللّه وسخطه .
هكذا كانت ثورة الحسين (عليه السّلام) .
لم تكن حالة انفعالية نشأت عن حالة الحصار التي تعرّض لها أبو عبد اللّه الحسين (عليه السّلام) ، ولا كانت حركة إلى المجهول أملتها أجواء رسائل البيعة المشكوك في صدقها ؛ منذ البدء كانت فعلاً مدروساً ، ومخطّطاً منذ لحظة ولادته وبدأت خطوات تنفيذها في اللحظة التي تخيّل فيها ابن آكلة الأكباد أنّه لا إسلام حقيقياً بعد اليوم ، وليبقَ الدين لعق على ألسنة بعض القادة يصعدون به على أعناق الناس يطلبون الدنيا بادّعاء النسك والزهادة على أن يدعوا ما لقيصر لقيصر ، وما تبقّى إن تبقّى شيء فهو للّه .
لم يبدأ الفصل الأخير بعد ، الفصل الأخير سيفتتحه الإمام محمد بن الحسن المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) ؛ حيث سيسمع الجميع القول الفصل : ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ )(سورة هود / 103) ، ( وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ * وَالأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ * إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ * وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ * إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً * وَأَكِيدُ كَيْداً * فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً )(سورة الطارق / 11 ـ 17) .
كيف نعشق الله من ثورة الحسين عليه السلام
العشق هو تجاوز الحد في المحبة، وعن الغزالي: معنى كون الشيء محبوباً هو ميل النفس إليه، فإن قوي سمي عشقاً.
وعن جالينوس الحكيم: العشق من فعل النفس، وهي كامنة في الدماغ والقلب والكبد، وفي الدماغ ثلاث مساكن: التخيل في مقدمه والفكر في وسطه والذكر في آخره، فلا يكون أحدٌ عاشقاً حتى إذا فارق معشوقه لم يخل من تخيله وفكره وذكره، فيمتنع من الطعام والشراب باشتغال قلبه وكبده، ومن النوم باشتغال الدماغ بالتخيل والذكر والفكر للمعشوق، فتكون جميع مساكن النفس قد اشتغلت به، ومتى لم يكن كذلك لم يكن عاشقاً!
فما بالك اذا كان المعشوق هو الله ..والعاشق هو الحسين الذي وطن جميع سكناته وحركاته في الله ..فمن خلال تتبع مسيرة مولانا الحسين عليه السلام ترى كيف توطن عشق الله في الحسين حتى في اصعب المواقف...
قال رسولُ الله (صلى الله عليه واله وسلم): "أفضل الناس من عشق العبادة، فعانقها واحبها بقلبه وباشرها بجسده وتفرغ لها، فهو لا يبالي على ما أصبح من الدنيا على عسر أم على يسر".
الحسين عليه السلام ..ذاب عشقاً بخالقه....وافنى حياته له وقدمها قرباناً لنيل رضاه.
فلنتمعن بعضا من مواقف عاشوراء وكيف كان ارتباط الحسين فيها بالله لتكون لنا مناره ومدرسه ان نجعل كل حالتنا في الله وعشق الله
فهنا نورد لك مقطع من قصة الاستشهاد الشريفة
ثم بدأوا يرشقونه بالسهام و النبال حتى صار درعه كالقنفذ ، فوقف ليستريح ساعة و قد ضعف عن القتال فبينما هو واقف إذ أتاه حجرٌ فوقع على جبهته ، فاخذ الثوب ليمسح الدم عن عينه فأتاه سهم محدّد مسموم له ثلاث شعب فوقع السهم في صدره على قلبه ، فقال الحسين : بسم الله و بالله و في سبيل الله و على ملّة رسول الله ، ثم رفع رأسه إلى السماء و قال : الهي إنك تعلم أنّهم يقتلون رجلاً ليس على وجه الأرض ابن نبيّ غيره .
هنا الحسين لم يبالي بحرارة السهام ولا الألم..بل جعلها قرباناً لرضا الرب المعبود ..ولحفظ الدين ولرفعته ولبقائه..
ومن نهضه الحسين ومن ثوره عاشورا يجب ان نتعلم العشق الحقيقي والذوبان في الله من خلال عشق الحسين عليه السلام
فالذي يعشق سيد الشهداء يوصله هذا العشق إلى المعشوق الحقيقي الذي يكون ذا اثراً كبيراً في نفس العاشق، بحيث توجب فيه حرارة لا تبرد أبداً طالما هو في أسر السجن المظلم لهذا الجسد، فالعشق الحقيقي لسيد الشهداء ليس له أثراً إلا الفناء في الله تعالى، الذي جسّد حبه حب الإمام الحسين (عليه السلام).
وفُسر هذا العشق في الرواية المروية بالحرارة التي لا تظمأ أبداً: "إن لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبدا".
فهنيئاً لمن عشق الإمام الحسين وأفرط في الحب الشديد، وهنيئاً للجازعين عليه!
مشرفات روضة الامام الحجة المنتظر
المستجيرة بالحسين وحيدرية