اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
"كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله".
إن الأمة الإسلامية ـ كما يصرح القرآن الكريم في هذه الآية الكريمة هي خير الأمم خير من كل الأمم التي توالت على البشرية. أو أي أمة يمكن أن تتواجد وتخرج للناس. ثم يعدد بعد ذلك صفات ومميزات هذه الأمة حيث يقول تعالى: ﴿ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾, فـ الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرهو من المميزات الأساسية التي جعلت هذه الأمة خير أمة أخرجت للناس.
ولئن كانت التقوى هي ميزان التفاضل بين الأفراد: "إن أكرمكم عند الله اتقاكم" فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو من موازين التفاضل بين الأمم كما يتبين من الآية السابقة.
سبب الغضب الإلهي
إن جزاء أعمال الإنسان يكون عادة في الاخرة وليس في الدنيا, ولكن هناك نوع من المعاصي عجّل الله تعالى العذاب على مرتكبيها في الدنيا فشملهم الغضب الإلهي في الدنيا والعقاب في الاخرة. وهذا ما حصل للكثير من الأمم السابقة التي يحدثنا عنها القرآن الكريم. فما هي المرحلة التي إذا وصلت إليها الأمة استحقت العذاب الدنيوي والغضب الإلهي بهذا الشكل؟
إن الغضب الإلهي الذي نزل على الأمم السابقة كان السبب الأساسي فيه تركها فريضة النهي عن المنكر, وقد ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام: "فإن الله سبحانه لم يلعن القرون الماضية بين أيديكم إلا لتركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, فلعن الله السفهاء لركوب المعاصي, والحلماء لترك التناهي".
فعندما تركوا النهي عن المنكر نزل العذاب على الأمة كلها بما فيها من سفهاء وحلماء فاسقون ومتدينون ـ بحسب الظاهر ـ فاستحق أهل المعصية العذاب بسبب ما ارتكبت أيديهم, واستحق الآخرون أيضا العذاب لأنهم رؤوا المنكرات ولم يحركوا ساكناً للإصلاح!.
يقول تعالى في كتابه الكريم ﴿ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ ﴾.
فالعذاب سيأخذ الجميع ولن يستثنى منهإلا فئة واحدة, فمن هي هذه الفئة ؟ هل هم المتدينون الذين يؤدون الصلاة والصيام ويعيشون ضمن دائرة " ما يعنيهم" دون أن يحركوا ساكناً للقيام بدورهم الإيجابي المصلح في المجتمع؟
كلا, الآية الكريمة تأكد أن الذين ينجون هم فقط المتدينون ﴿ الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ ﴾. فالذي التزم بفريضة النهي عن المنكر هو الذي سينجو, وكل الآخرين سيشملهم العذاب سواء كانوا ممن تلوثت أيديهم بالمعاصي أم من الذين لم تتلوث أيديهم ولكنهم رأوا المعاصي فسكنوا إليها ورضوا بها. لأن إصلاح الآخرين هو أيضا تكليف, وتركه معصية. والى ذلك أشار الإمام الخميني قدس سره في كلماته حيث يقول: "كما أن كل فرد مطالب بإصلاح نفسه, فإنه مطالب أيضاً بإصلاح الآخرين".
وهذه الأمة ليست مستثناة من ذلك فلو ترك المسلمون فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر استحقوا العذاب الإلهي, فقد ورد عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يزال الناس بخير ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وتعاونوا على البر, فإذا لم يفعلوا ذلك نزعت منهم البركات وسلط بعضهم على بعضهم, ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء".
إن هذه الرواية تشير إلى الارتباط الغيبي بين المعاصي والمشاكل الدنيوية " نزعت منهم البركات وسلط بعضهم على بعض". فالمشاكل الاقتصادية والفتن بين الناس بالإضافة إلى أسبابها الطبيعية لها ارتباط بالنهي عن المنكر, وهي نوع من العقاب الإلهي لترك هذه الفريضة.
وعن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "لتأمرون بالمعروف ولتنهُن عن المنكر, أو ليعمنَّكم عذاب الله".
شرط الفوز بالجنة والنجاة من النار
هناك أمور تعتبر مفصلية وأساسية في تحديد مصير الإنسان ليكون من أهل الجنة والكرامة الإلهية, أو يكون من الخاسرين أهل النار والذل الأبدي, وقد حددت سورة العصر هذه الأمور الأساسية, حيث اقسم تعالى بالعصر إن الإنسان في خسر إلا من كانت فيه صفات أساسية ذكرها في السورة الكريمة, ومن هذه الصفات التزامه بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, يقول تعالى: ﴿ وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ فلن يخرج من الخاسرين ليدخل في الرابحين إلا الذين كانوا يوصون بعضهم البعض بإتباع الحق, وهو فعل المعروف وترك المنكر. يقول الإمام الخميني قدس سره: "الدعوة إلى الحق هي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وهي واجب على جميع المسلمين".
المؤمن القوي
أداء هذه الفريضة تشكل أساساً في صنع شخصية الإنسان المسلم المؤمن القوي في طاعة الله تعالى, حيث يقول الإمام علي عليه السلام في وصيته للإمام الحسن عليه السلام: "وأمر بالمعروف تكن من أهله , وانكر المنكر بيدك ولسانك وباين من فعله بجهدك" فان أداء هذه الفريضة سيؤثر في تعميق الالتزام بالحكم الشرعي في نفس الإنسان الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر, وسيجعله واقفاً بقوة عند الحدود الشرعية, ثابتاً لا تهزه رياح الأهواء, وأما من ترك هذه الفريضة فسيكون كما أخبرت عنه الرواية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الله ليبغض المؤمن الضعيف الذي لا دين له. فقيل له: وما المؤمن الذي لا دين له ؟ قال: الذي لا ينهى عن المنكر".
إصلاح المجتمع
كل هذا الاهتمام بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ! لماذا ياترى؟
لعل كلمات سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام توضح ذلك عندما يقول: "إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً وإنما خرجت لطب الإصلاح في أمة جدي, أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي".
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سيلقي بظلاله على المجتمع كله, ولن تتوقف فوائده عند حدود الفرد, بل ستتعداه فهو شرط أساسي لتحقيق المجتمع الإسلامي السليم, وبه قوام الدين في المجتمع فعن أمير المؤمنين علي عليه السلام: "قوام الشريعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الحدود".
وعن الإمام الباقر عليه السلام: "إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الأنبياء ومنهاج الصلحاء, فريضة عظيمة بها تقام الفرائض وتأمن المذاهب وتحل المكاسب وترد المظالم وتعمر الأرض وينتصف من الأعداء ويستقيم الأمر".
بل إننا نجد الروايات تؤكد أن تسلط الفاسقين على بلاد المسلمين إنما كان بسبب ترك هذه الفريضة. فلو أن الناس التزموا بها لما وصل أمثال هؤلاء ليكونوا حكاماً على البلاد الإسلامية. فعن الإمام الكاظم عليه السلام: "لتأمرن بالمعروف وتنهون عن المنكر, أو ليستعلمن عليكم شراركم فيدعوا خياركم فلا يستجاب لهم".
على ضوء هذه الحقائق الشرعية انطلق الإمام الخميني قدس سره في العديد من كلماته ليوجه الناس ويؤكد عليهم الالتزام بهذه الفريضة ليتحقق إصلاح المجتمع الذي يطمح إليه كل مسلم رسالي يحمل في قلبه هم هذه الأمة, يقول قدس سره: "حاولوا أن تطبقوا أحكام الإسلام, وان تدفعوا الآخرين أيضا للعمل بها, فكما أن كل إنسان مكلف بإصلاح نفسه فانه مكلف بإصلاح الآخرين, وهذا هو الهدف من مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكي يتم إصلاح المجتمع.
الكتاب: إصلاج المجتمع في فكر الإمام الخميني