ألشيخ هيثم النصيراوي
(يَعلَمُ ما في نفسي ولا أَعلَمُ ما في نفسِهِ)
أعطاني السيد الشهيد (قُدِّسَ سِرُّه) أموالاً لشراء بعض المصادر من دون أن أطلب منه ذلك وأنا في وقتها كنت محتاجاً لذلك . ففي أحد الأيام جئت إلى شهيدِنا الصدر (قُدِّسَ سِرُّه), وكنت طالباً منه الأذن بالتصرف في كتاب مجهول المالك، وعندما جلست بالقرب منه , وجاءني الدور بالسؤال قلت له: سيدنا هذا كتاب مجهول المالك ومضت عليه فترة طويلة عندي ,ولم اعرف صاحبه وأريد من جنابكم الإذن بالتصرف فيه ثم ناولته الكتاب , وعندها اخذ (قُدِّسَ سِرُّه) يتصفح فيه بشكل سريع ، وكأنه قد قرأه بتمامه, ثم قال لي:( المؤلف جيد ولكن المعلومات( ململمةٌ ) بصريح عبارته (قُدِّسَ سِرُّه) ومعنى ذلك أن الطابع العام للكتاب هو تجميع المعلومات فقط ,ثم تبسم (قُدِّسَ سِرُّه) وقال لي أنت مجاز فيه.ومن الملاحظ أن السيد الشهيد (قُدِّسَ سِرُّه) حينما قيَّم الكتاب فهذا معناه أنه قد قرأَهُ وعرف مضمونه من حيث :أن تقييم الشيء فرع معرفته - كما يقولون - وتفسير ذلك هو سرعة الانتقال الذهني التي يمتلكها شهيدنا الصدر (قُدِّسَ سِرُّه) لمعرفة المعلومات بمجرد النظر إليها, وبعد ذلك التفت إليَّ وقال لي: بصريح هذه العبارة ( أتبيعه ) بمعنى أنه(قُدِّسَ سِرُّه) طلب مني أن أبيعه الكتاب, وعندها تفاجأت بذلك, وقلت له:سيدنا أنا بخدمتكم الكتاب لك مِن دون مقابل, قال: لا أنت محتاج إلى بعض المصادر, ثم تناول بيده المباركة القلم وقصاصةَ ورق صغيرة, وكتب عليها (خمسة عشر ألف دينار) ثم طوى الورقة كعادته (قُدِّسَ سِرُّه) وسلمها لي وكان المبلغ كبيراً جداً آنذاك وهو أضعاف سعر الكتاب, وعندها تفاجأت بذلك لأني في تلك اللحظة - أقسم بالله - كنت أحدث نفسي أن اطلبَ من السيد, مساعدةً ماليةً لكوني محتاجاً إلى بعض المصادر, ولكن الخجلَ وهيبةَ السيد منعاني أن اطلب منه ذلك, وكأنه (قُدِّسَ سِرُّه) قد عرف مني ذلك فأراد أن يعطيني المبلغ عوضاً عن الكتاب حتى لا يحرجني , بدليل أن الكتاب لا يتناسب مع المبلغ الذي صرفه لي (رضوان الله عليه ).هذا الموقف كان لي مع شهيدنا الصدر, وقد نقلته بما هو .
((وهذا إن دَلَّ على شيء إنما يدلُّ على الارتقاء الروحي الذي لم يتحقق إلا بالطاعة لله سبحانَهُ وتعالى فعلم السيد الشهيد(قُدِّسَ سِرُّه) بما في نفس المتحدث إنما يدل على الاستبصار أو (الخارقية) بحسب التعبير الخاص بالدكتور علي الوردي وهذه الخارقية قد سمعنا بها في الحديث القدسي المعرو ف (بما معناه)(لا يزال العبد يطيع الرَّبَّ حتى يكونَ اللهُ عينَه التي يُبصِرُ بها وأذنَهُ التي يسمَعُ بها ويَدَهُ التي يَبطِشُ بها).))
هبة الله