في شخصيّة الإمام الحسين بن علي (عليه السّلام) تجلّتْ جميع المعاني الشريفة والقيمِ الرفيعة والصورِ الإنسانيّة النبيلة , فأصبح (سلام اللَّه عليه) مظهرَ الفضائل , وعنوانَ الخصال الطيّبة التي ترتاح لها النفوسُ السويّة , والفِطَرُ السليمة , والقلوبُ الُمحبّةُ للخير , والضمائر الحيّة , والعقول الباصرة .
ولقد وقف التاريخ للإمام الحسين (عليه السّلام) إجلالاً وإكباراً وإعظاماً , ونظر إليه ـ وما زال ـ نظراتِ الإعجابِ والتوقير والإكرام ؛ اِذْ شهد له أنّه كان الفريدَ بين الخلْق في سماته وفي ملَكاته , فهابه الأشراف , واحتارتِ الألسن أنْ تذكر ما عنده مِن كرائم الأوصاف .
إنّه الحسين (عليه السّلام) موضعُ عناية الباري , ليُصبح للعالم قُدوة تنجذب إليها كلُّ نفس تتوق إلى الفضيلة , ويتأسّى بها كلُّ مَنْ رامَ الحقَّ والعدلَ والشرف .
إنّه الحسين (عليه السّلام) الذي ملأَ الآفاقَ بالحسراتِ عليه والشوق إليه ؛ حيث هو محلُّ معرفةِ اللَّه , ومسكنُ بركة اللَّه , ظُلِم فعظُمتْ رزيّتهُ ؛ فخلّفَ عليه عبْرَ التاريخ وعلى امتداد الزمن آهاتٍ لا تنقطع , ودموعاً مِن عينِ كلِّ عارفٍ بشأنه متفجِّع .
ولكي نزداد معرفةً ونزداد بركةً بالإمام الحسين (صلوات اللَّه عليه) دعونا نقف عند النصوص التي ذكرتْه , نبتدئ بأشرفها وهي آياتُ الكتاب الحكيم .
1 ـ قال اللَّه الرحيم في محكم تنزيلهِ الكريم : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(1) .
والآية وثيقةٌ إلهيّةٌ , وشهادةٌ عُلْويّة تثبّتُ وسامَ المقامِ السامي الذي يحظى به أهلُ البيت (سلام اللَّهِ عليهم أجمعين) , ومنهم الإمام الحسين (عليه أفضلُ الصلاةِ والسلام) ؛ إذِ الآيةُ الكريمة ـ كما ذكر أهلُ الصحاح ـ في مقام دعاءِ النبيّ المصطفى (صلّى الله عليه وآله) بعد أنْ جلَّل عليّاً وفاطمةَ والحسن والحسين (عليهم السلام) بكسائه , ثمّ قال : (( اللّهمَّ هؤلاءِ أهل بيتي فأَذهِبْ عنهمُ الرجسَ وطهِّرهم تطهيراً )) .
يراجع في ذلك صحيح مسلم (فضائل الصحابة) , وصحيح الترمذي (الجزء الثاني) , ومسند أحمد بن حنبل , ومستدرك الصحيحين , ومجمع البيان , وغيرها مِن كتب التفسير والحديث والسيرة .
2 ـ وقال (تبارك وتعالى) : (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) .
وقد أجمعَ أهلُ التفسير , ومنهم : الزمخشريّ في (الكشّاف) , والفخرُ الرازي في (التفسير الكبير) , والسيوطي في (الدرّ المنثور) , وأهلُ الحديث , ومنهم : مسلم في (الصحيح) , وأحمد بن حنبل في (المُسند) , والترمذي في (السُّنن) , وغيرُهم , أجمعوا على أنَّ الآية الكريمة نزلتْ بعد اتّفاق لنصارى نجران مع رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله) أنْ يبتهلوا إلى اللَّه تعالى لِيُهلِكَ مَنْ كان في دعوته على الباطل .
وفي يوم الموعد خرج النبيّ (صلّى الله عليه وآله) للمباهلة محتضناً الحسين , آخذاً بيد الحسن , وابنتهُ فاطمة تسير خلْفَه , وعليٌّ
يمشي خلفَهم , وهو (صلّى الله عليه وآله) يقول : (( إذا دعوتُ فأَمِّنُوا )) .
فما أنْ رأى نصارى نجران تلكَ الوجوه البهيّة حتّى اعتذروا إلى رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله) عن المباهلة , وهي لعن الكاذب بعد أنْ دعاهُم النبيُّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله) إلى الشهادتين , وأنَّ عيسى (عليه السّلام) عبدٌ مخلوق يأكلُ ويشرب ويحدث , فأَبَوْ , فقال (صلّى اللَّه عليه وآله) : (( فلْيُحْضِرْ كلٌّ منّا ومنكم نفسَه وأعزّةَ أهله فندعوا على الكاذبِ من الفريقين )) .
وأخيراً زحف الخوفُ إلى نفوس النصارى وانسحبوا عن المباهلة راضين بالجزية , منصرفين بالخزي والخيبة , معتقدين أنَّ الخمسة المباهلين هم أولياءُ اللَّه .
3 ـ وقال (عزَّ مِن قائل) : (قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) .
جاء في مسند أحمد بن حنبل , وصحيح البخاري , وصحيح مسلم , وتفسير الثعالبي , وتفسير الطبرسي , عن ابن عباس (رحمه اللَّه) أنّه قال : لمّا نزل قوله تعالى : (قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) قالوا : يا رسول اللَّه , مَنْ قرابتُك الذين وجبتْ علينا مودّتُهم ؟
قال (صلوات اللَّه وسلامُه عليه وآله) : (( عليٌّ وفاطمة وابناهما )) .
وفي أسباب النزول , عن أبي عبد الله الصادق (عليه السّلام) قال في حديثٍ طويل : (( فلمّا رجع رسولُ اللَّه (صلى اللَّه عليه وآله) مِن حجّة الوداع , وقدِم المدينة , أتتْه الأنصارُ فقالوا : يا رسول الله , إنّ اللَّه (جَلّ ذِكْرُه) قد أحسنَ إلينا وشرّفنَا بك وبنزولك بين ظهرانين ؛ فقد فرّح اللَّهُ صديقَنا , وكبتَ عدوّنا (أي أذلّه وأخزاه) , وقد تأتيك وفودٌ فلا تجد ما تُعطيهم فيشمت بك العدوّ , فنُحبّ أنْ تأخذ ثُلُثَ أموالنا حتّى إذا قدِم عليك وفدُ مكةَ وجدتَ ما تُعطيهم .
فلم يردَّ رسولُ اللَّه (صلّى الله عليه وآله) عليهم شيئاً , وكان ينتظر ما يأتيه مِن ربّه , فنزل جبرئيلُ (عليه السّلام) وقال : (قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) , ولم يقبلْ أموالهم )) .
وأمّا أحاديثُ النبيّ الأعظم (صلّى الله عليه وآله) في شأن الإمام الحسين (عليه السّلام) فهي وافرة وفيرة لا يجمعها كتابٌ واحد , وقد اُفردتْ لها فصولٌ عديدة , بل كتبٌ مفصلّة . ونحن إذْ يفوتُنا الكثير لا نعذر أنفسَنا عن ذكْرِ اليسير , فما لا يُدرَكُ كلُّه لا يُترك كلُّه .
قال (صلّى الله عليه وآله) : (( حسينٌ منّي وأنا مِن حسين , أحَبَّ اللَّه مَنْ أحبَّ حسيناً , حسينٌ سبطٌ من الأسباط )) .
وقال (صلّى الله عليه وآله) : (( إنّ ابني هذا يُقتل بأرضٍ مِن أرض العراق , فمَنْ أدركه فلْينصرْه )) .
وعن أبي هريرة قال : نظر النبيّ (صلّى الله عليه وآله) إلى عليٍّ والحسن والحسين وفاطمة (عليهم السّلام) , فقال : (( أنا حربٌ لمَنْ حاربكم , وسلمٌ لمن سالمكم )) .
وعن أبي سعيد الخدريّ قال : قال رسولُ اللَّه (صلّى اللَّه عليه وآله) :
المستميت , والاستشهاد في سبيل المبدأ والعقيدة , وعدم الخضوع لجور السلطان وبغي الحاكمين .
* وقال الاُستاذ محمّد الباقر : إنّ سيرة البطل الشهيد الإمام الحسين بن عليّ جديرةٌ بأنْ ينقشَها العربُ جميعاً ـ على تنوّعِ ميولهم ومذاهبهم ـ في أمواق أفئدتهم ؛ ذلك لأنّ هذهِ السيرةَ إنما هي سيرة التضحية والعقيدة , سيرةُ العزّةِ والكرامة .
* وقال الاُستاذ أحمد حسن لطفي : إنّ الموتَ الذي كان ينشدهُ فيها كان يمثّلُ في نظرهِ مثلاً أروع من كل مُثلِ الحياة ؛ لأنَّه الطريق إلى اللَّهِ الذي منه المبتدأ وإليه المنتهى ؛ ولأنّه السبيلُ إلى الانتصار وإلى الخلود ؛ فأعظمُ بطل مَن ينتصر بالموت على الموت .
* وقال الاُستاذ علي الشرقيّ : ما أجدر بثورةٍ كثورةٍ الحسين (عليه السّلام) بأنْ تُوصفَ بالشموليّة ؛ فهي ثورةٌ لكلِّ انسانٍ فوق هذا الكوكب , مسلماً كان أو غير مسلم , وهذا بعضُ ما يجب أنْ يُقالَ بحقّ الثورةِ التي كانتْ وستبقى الثورةَ المثالية والرائدةَ بلا مُنازع .
* وقال الاُستاذ أنطون بارا (الكاتب المسيحيّ) : الثورة التي فجّرها الحسين بن عليّ (عليه وعلى أبيه أفضلُ السّلام) في أعماق الصدور المؤمنة والضمائر الحرّة , هي حكاية الحريّة الموءودة بسكّينِ الظلم في كلِّ زمانٍ ومكان وُجِد بهما حاكمٌ ظالم غشوم لا يُقيم وزناً لحريّة إنسان , ولا يصون عهداً لقضيّةٍ بشريّة .
وهي (أي ثورة الحسين) قضية الأحرار تحت أيِّ عنوانٍ انضوَوا , وخلفَ أيّةِ عقيدةٍ ساروا ...
ـ الحسين (عليه السّلام) ثار مِن أجل الحقّ , والحقُّ لكل الشعوب . والحسين (عليه السّلام) ثار مِن أجل مرضاةِ اللَّه , وما دام اللَّه خالقَ الجميع فكذلك ثورة الحسين لا تختصّ بأحدٍ معيّن , بل هي لكلِّ خلْقِ اللَّه .
وفي قولة النبيّ الكريم (صلّى الله عليه وآله) : (( إنّ لقتل الحسين حرارةً في قلوب المؤمنين لا تبرد أبداً )) دِلالةٌ على شموليّةِ ثورة الحسين (عليه السّلام) ؛ فقولةُ رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله) لم تقتصر على (المسلمين) , وإلاّ للَفظها لسانُه الكريم بهذا المعنى , لكنّه (صلّى الله عليه وآله) شمل كلَّ المؤمنين قاطبةً تحتَ أيّة عقيدةٍ انضوَوا , وفوقَ أيّةِ بقعةٍ فوق الأرض وُجدوا , وخصّهم بنصيبٍ من هذه الحرارة السَّنِيّة التي لا تبرد في قلوبهم لقتل الحسين (عليه السّلام) .
المظلومون والمضطهدون , والمقهورون والمروَّعون مِن كلّ المذاهب والبقاع يتّجهونَ في كلّ رغباتهم إلى جوهر ثورة الحسين (عليه السّلام) ؛ ففي اتجاههمُ الفطريّ ورودٌ إلى منبع الكرامةِ والإنصاف , والعدل والأمان .
* وقال المطران الدكتور برتلماوس عجمي : مَن أجدر من الحسين (عليه السّلام) لأنْ يكونَ تجسيداً للفداء في الإسلام ؟! ومَن أجدر من الفكر المسيحيّ لأنْ يفهم رموزَ ومعاني هذا الفداء ـ الركن الأول في المسيحيّة , وبالتالي يُحبّ من يتقدّم إليه راضياً مرضيّاً لوجه اللَّه والحقِّ الإلهيّ ؟! فالحسين من وجهةِ نظرٍ مسيحيّة هو شهيد للمسيحيّة كما للإسلام , وكما لغيرهما أيضاً ؛ لأنَّ فداءَه ذو أهدافٍ إنسانيّة شمولية لا تختصّ بفردٍ دونَ آخَر .
أجل واللَّه , فالحسين مفخرةُ الدهر , وغُرّة جبين التاريخ , ومشعل الحرية , وكمال الشرف الإنساني , وعنوانُ كلِّ فضيلة . يحقّ لكلّ مؤمنٍ وحرّ , بل ينبغي أنْ يرفع للحسين ـ مفتخِراً ـ بيرقاً أينما كان , وينصبَ له في كلّ قرية منبراً يصدعُ مِن عليه بياناتِ الثورة الحسينيّة ؛ اُسوةِ كلّ الثورات .
فالحسين القدوةُ الأجلّ , وثورتُه ثورةُ الحقِّ الذي تتوق إليه الاُمم , فيفتخر ـ ويحقُّ له ذلك ـ كلُّ من انتسب إلى الحسين (عليه السّلام) بالسبب وبالنسَب كما انتسب سلمان إلى البيت النبويّ الشريف بالسبب , حينما قال رسولُ الإنسانيّة (صلّى الله عليه وآله) : (( سلمانُ منّا أهلَ البيت )) .
لقد بلغ الإمام الحسينُ (عليه السّلام) شأواً وشأناً عظيمَينِ أخضع بهما رقابَ المعاندين فأقرّوا له بالكمالات والفضائل , وأجبر بهما القلوبَ على مولاته إلاّ ما رانَ عليها , واستدرّتا الألسنة بالمدحِ والإطراءِ عليه (سلام اللَّه عليه) , فقال مَن قال وهو في نشوةِ الحديث , وظنّ البعضُ أنّه وفى بوصفه , وأنّى له ذلك ! لأنّ مَنْ رأى لم يرَ إلاّ قبساً من النور الإلهيّ الأقدس الذي شدَّ إليه العيون والألباب , الأعداءَ منهم والأحباب .
يقول الشيخ التستريّ (طاب ثراه) : كُتب مدحُه عن يمين العرش أنّ الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة , وقد مدحه تعالى في الأحاديث القدسيّة بمدائح , منها ما في حديث وضع اليد , قال تعالى : (( بُوركَ مِن مولود عليه صلواتي , ورحمتي وبركاتي )) .
وقد وصفه بأنّه : (( نورُ أوليائي , وحُجّتي على خلْقي , والذخيرة للعصاة )) .
وقد مدحه رسولُ اللَّه (صلّى الله عليه وآله) بمدائح عجيبة , منها أنّه قال له يوماً : (( مرحباً بكَ يازينَ السماوات والأرض )) .
فقال اُبيُّ بنُ كعب للنبيّ (صلّى الله عليه وآله) : وهل غيرُك زينُ
السماواتِ والأرض ؟!
فقال : (( يا اُبي , والذي بعثني بالحقّ نبيّاً , إنّ الحسينَ بنَ عليّ في السماوات أعظمُ ممّا في الأرض , وقد كتب اللَّهُ في يمين العرش أنّ الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة )) . ثمّ أخذ (صلّى الله عليه وآله) بيد الحسين (عليه السّلام) وقال : (( أيُّها الناس , هذا الحسينُ بنُ عليّ فاعرفوه , وفضّلوه كما فضّله اللَّه )) . إلى غير ذلك .
وقد مدحه جميعُ الأنبياءِ والملائكة وعباد اللَّه الصالحين , لكنّ خصوصيّته (عليه السّلام) في الممدوحية أنه ممدوحُ الأولياءِ والأعداء ؛ فقدِ اختُصّ بمدحِ أعدائهِ له , مدحه معاويةُ في وصيّته ليزيد , ومدحه عُمر بنُ سعد في بعض أبياته , مدحه قتَلَتُه حين وقفوا لمبارزته , وأشهَدهم .
ومدحه شمر قاتلُه حين قال له : كفوٌ كريم , ليس القتلُ بيده عاراً . ومدحه سنان حين اشتغل بقتله , فقال :
اقتلُك اليومَ ونفسي تعلمْ علماً يقيناً ليس فيه مكتمْ
أنَّ أباكَ خيرُ مَن تكلّمْ
ومدَحَه رافعُ رأسه حين جاء به إلى ابن زياد , فقال :
املأْ ركابي فضّةً أو ذهب إنّي قتلتُ السيّدَ المحجَّبا
قتلتُ خيرَ الناسِ اُمّاً و أب وخيرَهم إذْ يُنسَبونَ نسبا
وقد مدحه يزيد في مجلسه حين دخلتْ عليه (هند) زوجتُه في مجلس عامٍّ حاسرةً فغطّاها , فقال : اذهبي وابكي وأعولي على الحسين صريخةِ قريش(1) .
نعم , فكلّ مَنْ رآه أو سمع به تاقتْ نفسُه إلى الثناء عليه , أو غفل عن لسانه حتّى سمعه يُثني عليه , ولكنْ كلُّ مَنْ قال مادحاً عاد إلى نفسه فوجد أَنّه عرف شيئاً وغابتْ عنه أشياء , ولسانُ حاله يقول :
ويا عجباً منّي اُحاول وصفَه وقد فُنيتْ فيه القراطيسُ والصُحْفُ
وذلك لأنَّ الحسين (عليه السّلام) أجلُّ مِن أنْ يُحاط به الوصف , يقول فيه أحدُ الشعراء :
تعاليتََ عن مدحٍ فأَبلغُ خاطبٍ بمدحِكَ بين الناسِ أقصرُ قاصرِ
إذا طاف قومٌ في المشاعرِ والصّف فقبرُك ركني طائفاً ومشاعري
وإنْ ذخرَ الأقوامُ نُسْكَ عبادةٍ فحبُّك أوفى عُدّتي وذخائري
أجل يا ربِّ , سنقْدم عليك وليس لنا ما نستحقّ به الرحمة إلاّ الولاء لأهل بيت الرحمة (عليهم السّلام) ؛ فقد قرأنا وسمعنا أنّ حبيبَكَ المصطفى (صلواتُك عليه وعلى آله) أخذ يوماً بيد الحسن والحسين (عليهما السّلام) فقال : (( مَن أحبّني وأحبَّ هذينِ وأباهما واُمَّهما كان معي في درجتي في الجنّة يوم القيامة )) .
فنظم هذا المعنى أبو الحسين ـ كما في نظم الأخبار ـ فقال :
أخذَ النبيُّ يدَ الحسين وصنوِهِ يوماً وقال و صحْبُه في مَجمعِ
مَنْ ودّني يا قومِ أو هذينِ أو أبوَيهِما فالخُلْدُ مسكنُه معي
اللهمَّ وفّقْنا لأنْ نُرضيَ رسولَك بحُبِّ آله أجراً للرسالة , وأنتَ الذي قلت له : (قلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى).
وقد قرأنا وسمعنا , ونَقَل لنا اُسامةُ بن زيد قائلاً : طرقتُ على النبي (صلّى الله عليه وآله) ذات ليلة في بعض الحاجة , فخرج إليّ وهو مشتمِلٌ على شيءٍ ما أدري ما هو , فلمّا فرغتُ مِن حاجتي قلتُ : ما هذا الذي أنتَ مشتملٌ عليه ؟
فكشفه فاذا هو الحسنُ والحسين على ورِكَيه , فقال : (( هذانِ ابنايَ وابنا ابنتي , اللهمَّ إنّي اُحبُّهما واُحبّ مَنْ يُحبُّهما )).
اسم الکتاب: الأخلاق الحسينية