بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ثمّة العديد من المفاهيم التي يتداولها الناس بمختلف مشاربهم واتِّجاهاتهم وأفكارهم ومعتقداتهم. وهذه المفاهيم المشتركة لا تضمن وحدة النتيجة ووحدة المسار ووحدة المصير، بل إنَّ الاختلاف يقع في تطبيق هذه المفاهيم وفي تحديد النماذج الصحيحة لها، ومن هذه المفاهيم مفهوم الحياة الطيِّبة.
الوجود الإنسانيّ سواء أعلى مستوى الأفراد أم المجتمعات يَسعى جاهداً للوصول إلى الحياة الطيِّبة، ويجعلها الأنشودة التي يستحضرها في كلِّ خطواته ومساراته. ولكنَّ الوجودَ الإنسانيَّ يختلف في تحديد النموذج الصحيح للحياة الطيِّبة التي ينبغي أن ينصبَّ الجهد للوصول إليها، فالاتِّجاه المادِّي والإلحاديّ يرى أنَّ الحياة الطيِّبة تتمثَّل بالعيش الذي يتمكَّن فيه الإنسان من الوصول إلى كلِّ رغبةٍ مادّية وإشباع كلِّ حاجة، ويرى في كلِّ عائقٍ يمنع من وصول الإنسان إلى رغباته سدّاً منيعاً من الوصول إلى الحياة الطيِّبة، ويسعى لإزالته من طريقه سعياً منه للوصول إلى مبتغاه. وأمَّا العنصر المعنويّ والحياة المعنويّة فهما خارجان عن نطاق تفكير هذا الاتِّجاه، لا يرى فيهما حاجة ولا يسعى للوصول إليهما؛ لأنَّهما من وجهة نظره لا يشكِّلان حاجةً لهذا الوجود الإنسانيّ.
ولكنَّ هذا البُعد المعنويَّ يشكِّل عنصراً أساساً في الرؤية الإسلاميَّة لنموذج الحياة الطيِّبة، فبفقده تفتقد الحياة الطيِّبة معناها، ولا تكون الحياة المنشودة لهذا الوجود الإنسانيّ. وليس الوجود الإنسانيّ بمنحصرٍ بالرغبات والحاجات المادّية، بل تشكِّل الحاجات المعنويّة عنصراً مقوِّماً لهذا الوجود.
وهذا ما أوجزته الآية الكريمة في قوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}(النحل: 97).
فليس العمل هو المطلوب فقط، بل المطلوب أن يكون عن إيمان، وهو العنصر المعنويّ الذي ينبغي أن يتحلّى به الإنسان المؤمن.
وعنصر الإيمان هذا إذا امتلكه الإنسان أثَّر على حياته في الدنيا وفي الآخرة، ففي الآخرة وعدٌ من الله عزّ وجل بالنعيم الدائم والذي لا يصل إليه تصوّر الإنسان في هذه الدنيا.
وأمَّا في الدنيا فعنصر الإيمان هذا له تأثيره على خيارات هذا الإنسان. فالذي يمتلك الإيمان يمتاز بالقناعة بما يجري عليه في هذه الدنيا؛ لأنّه يرى أنَّ كلَّ ذلك خاضع لإرادة الله عزّ وجل.
والذي يمتلك الإيمان يمتاز بالرضا أيضاً بما قسمه الله عز وجل له في هذه الدنيا، فتظهر آثار الرضا في حياته سلوكاً وعملاً.
والذي يمتلك الإيمان يمتاز بالعمل بهذا الإيمان، فلا نفع من الإيمان بلا عمل، بل هو إيمان كاذب يرتحل سريعاً إذا لم يتّبعه العمل. والذي يمتلك الإيمان يمتاز بالعزّة، هذه العزّة التي تجعله أبيّاً لا يرضى العيش إلا بكرامة، ولا تتساوى عنده كلُّ النعم المادّية التي يراها المادّيون قوام الحياة وأساسها مع الحياة بعزّةٍ وكرامة. هذه العزّة تشكّل أساساً لقناعة الإنسان بكلِّ فقرٍ ما دام في عزّةٍ وكرامة، وتشكِّل أساساً لرضى الإنسان بكلِّ حرمان ما دام في عزّةٍ وكرامة، وتشكِّل أساساً لعمل الإنسان، فلا يؤدِّي عملاً لا يكون فيه عزَّته وكرامته.
والذي يمتلك الإيمانَ يمتاز بالعزّة التي تجعله يرفض كلَّ أنواع التسلّط والظلم والتعدّي على كلِّ إنسان في هذه الدنيا.
وإيمانه هذا هو الذي يدفعه إلى نصرة كلِّ إنسان مظلوم في هذه الدنيا، بل ويدفعه إلى التضحية بالكثير ممَّا يملكه لأجل نصرة غيره. وهذا هو معنى الإنسانيّة الحقيقيّة التي يعيشها المجتمع المؤمن، وليست إنسانيَّة الشعار الذي يُطلَق للوصول إلى مآرب وأغراض خاصة.
إنَّ ما تشهده مجتمعاتنا الإسلاميّة هو نهضة للكرامة في نفوسها، فهي تثأر بعد أن تحمَّلت الكثير من المهانة، وهي لم تثأر للقمة عيش وكسرةِ خبزٍ قد يتصدَّق بها حاكم مستبدٌّ ظالمٌ، بل تثأر من حاكم أراد التسلُّط عليها وإذلالها.
بسم رب الزهراء عليها السلام
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام على بديعة الوصف والمنظرالسلام على من نرتجيها ليوم الفزع الأكبر
الصديقة الحبيبة فطومتي ...آحسنتم ورحم الله والديكم
دمتم بحب ورعاية الزهراء
اللهم أدخلني في كل خير أدخلت فيه محمدا وآل محمد
وأخرجني من كل سوء أخرجت منه محمدا وآل محمد