بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة:
الحمد لله الناشر في الخلق فضله، والباسط فيهم بالجود يده، نحمده في جميع أموره، ونستعينه على رعاية حقوقه، ونشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وان محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه واله وسلم، شهادتين تصعدان القول وترفعان العمل، لا يخفُ ميزان توضعان فيه ولا يثقل ميزان ترفعان عنه.
أما بعد: فقد قال الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه المجيد مبيناً فضل العلماء:
(قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) الزمر،الآية 9.
(يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا) البقرة، الآية 269.
وورد عن خير خلقه(صلى الله عليه واله):" فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم"، كما أضاف صادق أهل البيت(عليهم السلام) لهذا الفضل العظيم عظمة بقوله:" إذا كان يوم القيامة جمع الله(عز وجل) الناس في صعيد واحد ووضعت الموازين، فتوزن دماء الشهداء مع مداد العلماء، فيرجح مداد العلماء على دماء الشهداء".
ومنذ خروج توقيع ثاني عشر الأئمة(عليهم السلام) الوارد فيه:"وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا، فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله"، بدأ شيعتهم بتقليد الفقهاء من أبناء مدرستهم والرجوع إليهم في أمور دينهم ودنياهم.
ومن هنا كانت رابطة المقلّد بالمرجع الديني رابطة حيّة متجددة باستمرار، ويزيدها قدسية ما يمثّل في المرجع من نيابة عامة عن الإمام عليه الصلاة والسلام.
لكن الشريعة لم تكتفي ببيان فضل العلماء والترغيب بشتى الأساليب في التقرب منهم، إنما شددت على ضرورة أن يكون سلوكهم عامراً بالتقوى والإيمان والنزاهة إلى جانب تحليهم بأعلى درجات الكمال العلمي، وذلك لقدسية مسؤولية النيابة العامة التي أناطتها بهم.
وألزمت أيضاً المكلفين بالفحص والبحث عن اعلم المجتهدين والتثبت من ورعه، ليضمنوا بذلك اكبر درجة ممكنة من الصواب في رأي مرجعهم.
فكان متابعة العلماء وتقصي أحوالهم أمرٌ يقوم به الواعون منهم، ومن هنا جاءت طلبات الكثير من الأخوة المؤمنين الراغبين بالتعرف على سيرة سماحة آية الله العظمى الشيخ الحاج محمد إبراهيم الأنصاري (دام ظله الوارف).
التعريف:
هو الشيخ محمد إبراهيم بن ثقة الإسلام الشيخ موسى بن ثقة الإسلام الشيخ علي اصغر بن العلامة الجليل الحاج الشيخ أخوند ملا علي اكبر الأنصاري.
ولد سماحته في(10/ فروردين /1315ش) الموافق (1936م)، في مدينة عراق عجم والتي سميت فيما بعد بأراك بأمر رضا خان بهلوي، الذي كان يعمل على إلغاء اللغة العربية من قاموس إيران طاعة لأسياده الغربيين، في وسط عائلة علمية كريمة حيث كان أبوه يعتبر عالم البلدة وخطيبها وهو نفس حال جده وجد أبيه صاحب المكانة العلمية الكبيرة.
أسرته:
لسماحته أربعة شقيقات انتقلن جميعهن إلى رحمة الله، ولا يوجد له أشقاء، في حين له من البنات ثلاث ومن الأولاد خمسة هم:
أولاً: حجة الإسلام والمسلمين الحاج الشيخ محمد حسن الأنصاري (حفظه الله)، ولد في النجف الأشرف.
ثانياً: حجة الإسلام والمسلمين الشيخ محمد حسين الأنصاري (حفظه الله)، وكانت ولادته في النجف الاشرف أيضاً.
ثالثاً: الشهيد محسن الأنصاري (رحمه الله)، وكانت ولادته في النجف الاشرف أيضاً.
رابعاً:الشهيد الشيخ محمد علي الأنصاري (رحمه الله)، ولد في النجف الاشرف أيضاً.
خامساً: ثقة الإسلام الحاج الشيخ محمد تقي الأنصاري (حفظه الله) وكانت ولادته في قم المقدسة.
حياته العلمية:
أ- في أراك: بالرغم من وفاة والده وهو بعمر العشر سنوات، لكن ذلك لم يمنع سماحته من تعلم القراءة والكتابة واللغة العربية في كتاتيب مدينته واعتلاء منبر جامعها للخطابة معتمداً على ما يطالعه من مكتبة آبائه وأجداده العامرة بالكتب النفيسة وخاصة التاريخية منها، ليبدأ بعدها وفي سن الرابعة عشر بتلقي العلوم الدينية بمدرسة الاقا ضياء الاراكي، فدرس فيها(جامع المقدمات) و(شرح ألفية ابن مالك للسيوطي) في اللغة، و(حاشية ملا عبد الله) في المنطق، و(معالم الأصول لابن الشهيد الثاني) عند اشهر مدرسيها أمثال الشيخ قنبر رفيعي(رحمه الله) أستاذ علوم اللغة العربية.
ب- في قم المقدسة: بعدما بلغ السابعة عشر من عمره الشريف ساقه حادي الشوق والتزود من العلم إلى منهله العذب مدينة قم المقدسة ليتلقى فيها:(شرح اللمعة الدمشقية) و(قوانين الأصول) و(الباب الحادي عشر) و(شرح تجريد الاعتقاد) عند أساتذتها المبرزين وأيضاً درس كتابي(الرسائل) و(المكاسب المحرمة) على يد آية الله الشيخ علي المشكيني(رحمه الله) و(شرح منظومة السبزواري) في المنطق على يد الشيخ المفتح(رحمه الله)، وحضر دروس التفسير التي كان يلقيها آية الله العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي(رحمه الله) - صاحب كتاب الميزان- لمدة عامين، كما وفقه الله لحضور دروس الأخلاق عند العالم الكامل آية الله الشيخ عباس الطهراني(وهو من تلامذة العارف ميرزا جواد اقا الملكي التبريزي رحهمهما الله).
ت- في النجف الاشرف: مع كل ذلك لم يقتنع سماحته بما اجتناه من ثمار العلم والمعرفة القمّية خلال سنواته الأربعة التي قضاها فيها، ليشد الرحال ثانية مهاجراً هذه المرة خارج الحدود حيث كعبة العلم والتقى ومنبع الفقاهة والحكمة مدينة النجف الاشرف على مشرفها أفضل الصلاة والسلام، ليصلها بحدود(1377ق) الموافق(1957م) ويدرس بمدارسها قسماً من كتاب(كفاية الأصول)على يد آية الله السيد مرتضى الفيروزابادي(رحمه الله)- صاحب كتاب عناية الأصول- ومتماً قسمه الأخر على يد آية الله الشيخ مجتبى اللنكراني(رحمه الله) و(شرح المنظومة) في الفلسفة على يد آية الله الشيخ عباس القوجاني(رحمه الله) ودرس(شرح الإشارات للخواجة الطوسي) و(شرح الملخص في الهيئة للجغميني) و(خلاصة الحساب للعاملي) كلها على يد العلامة السيد هاشم الطهراني(رحمه الله)، كما حضر دروس (فلسفتنا) و(الأسس المنطقية في الاستقراء) التي كان يلقيها آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر(قدس) على طلابه قبل طباعتها، وهو نفس الأستاذ الذي درسه(الأسفار) درساً خاصاً في منزله(قدس).
أما فيما يخص البحث الخارج فقد حضر(دام ظله) دروس:-
1- آية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي(قدس) وذلك في حدود(1379ق)، ملازماً إياه مدة أثنى عشر سنة تقريباً متماً على يديه أكثر من دورة أصولية وكتابي الطهارة والصلاة في الفقه، وهو بهذا يُعتبر أستاذه الرئيسي.
2- آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر(قدس) في الأصول وذلك في حدود سنة(1381ق)، واستمر بالحضور مدة سبع سنوات حيث كان معه في السراء والضراء ومقرباً منه(قدس)، كما حضر أبحاث شهر رمضان التي كان يلقيها (قدس) كإحياء الموات والخمس وغيرها.
3- آية الله العظمى السيد محسن الحكيم (قدس) الفقهية في شرح مستمسك العروة الوثقى (بحثي المضاربة والحوالة) لمدة سنة واحدة وذلك في حدود(1382ق).
4- آية الله العظمى السيد روح الله الخميني (قدس) في خارج المكاسب منذ وصوله للنجف الأشرف عام(1385ق)، ومستمراً في هذا الحضور لمدة سبع سنوات تقريباً، حيث كان لهذه السنوات التأثير الكبير في تكوين شخصيته(دام ظله) لأنه كان معجباً ومتأثراً جداً بأستاذه (قدس).
مضافاً إلى هذا حضر في هذه الفترة وفي شهري محرم وصفر عندما كان يذهب إلى طهران للتبليغ والإرشاد دروس آية الله العظمى السيد احمد الخونساري (قدس) في خارج الفقه ودروس آية الله العظمى السيد أبو الحسن القزويني(قدس) في خارج الفقه والأصول ولأكثر من ست سنوات.
ورغم الانشغال بتحصيل كل هذه الدروس لكن ذلك لم يمنع سماحته من تدريس الكثير من الكتب والمواد مثل(جامع المقدمات)،(اللمعة الدمشقية)،(أصول المظفر)،(شرح تجريد الاعتقاد)،(منظومة السبزواري في المنطق)،( شرح الملخص في الهيئة)،(المكاسب) و(الكفاية).
ث- العودة إلى قم المقدسة: بعد أن وصل إلى مرتبة عالية من الفقاهة والعلم عاد(دام ظله) إلى عش آل محمد(ص) قم المقدسة أواخر عام(1392ق)، ليشرع بتدريس السطوح العليا فيها وعلى متن كتابي (الكفاية) و(المكاسب) وبواقع عدة دورات، كما قام بتدريس العقائد على متن كتاب(شرح التجريد) ومواد أخرى.
ومع كون سماحته مجتهداً في ذلك الوقت إلا انه كان يحضر منذ أول وصوله قُم بحث آية الله العظمى السيد محمد رضا الكَلبيكَاني(قدس) ولمدة أربع سنوات تقريباً، وذلك تقديراً واحترماً منه (دام ظله) للمرجع الراحل(قدس).
وفي حدود عام(1401 ق) شرع سماحته بتدريس البحث الخارج (كتاب إحياء الموات)، لكن ظروف الحرب آنذاك وما رافقها من تكليفه ببعض المهام منعته (دام ظله) من أن يباحث خارجاً كتباً أخرى.
ج- الهجرة إلى لبنان: بسبب تلقي سماحته طلباتٍ من شيعة لبنان ممثلين برجال دينهم للحضور إلى بلدهم وتدريس الخارج فيه، هاجر (دام ظله) إلى مدينة بعلبك وذلك في حدود (1413ق) متخذاً من حوزة الإمام المنتظر(ع) مكاناً للإلقاء بحوثه في الفقه والأصول.
ولكن عدم استتباب الأوضاع هناك في تلك الفترة اضطر سماحته إلى التوجه نحو سوريا عام (1415ق).
ح- في سوريا: استقر (دام ظله) في الحوزة الزينبية، مكثفاً من نشاطه العلمي حيث كان يدرّس يومياً في داخل حرم السيدة زينب(ع) الفقه والأصول ومستغلا أيام رمضان المبارك بمباحثة الرجال والعقائد والأخلاق وما شابه، مع إقامة صلاة الجماعة في الحرم الطاهر.
خ- قصد كربلاء المقدسة: بعد وصول أنباء سقوط النظام الدموي الصدامي في العراق، قرر سماحته قصد كربلاء المقدسة بعد أن كان قد استخار الله في أمر الذهاب إلى النجف، فكانت النتيجة غير جيدة.
وفعلاً دخلها (دام ظله) بعد ثلاثة اشهر فقط من الاحتلال، وشرع بمباحثة خارج الفقه في رواق الإمام الحسين (ع) صباحاً والأصول عصراً في المسجد السلطاني.
كما اخذ يقيم صلاة الجماعة في حرم سيد الشهداء(ع) صباحاً وظهراً وعشاءاً.
واستمر الحال هكذا خمس سنوات إلى أن سبب الله الحكيم الخبير الأسباب ويسر الأمور لينتقل عندها سماحته إلى مدينة إمام المتقين أمير المؤمنين(ع).
د- الاستقرار في النجف الأشرف: وأخيراً حط رحاله (دام ظله) في النجف الأشرف، وهو الآن يزاول نشاطه العلمي والاجتماعي من إلقاء الدروس في مسجد الشيخ الطريحي(صاحب كتاب مجمع البحرين في لغات الكتاب والسنة) كل يوم صباحاً، واللقاء بالمؤمنين في بيته.
خصاله الروحية ومزاياه الأخلاقية:
عندما تقرأ احد الكتب الذي يذكر أخلاق وقصص العلماء الماضين، ستجد نفسك أمام سؤال يطرح نفسه: هل هذه القصص والصفات حقيقة أم أضافت لها يد المبالغة الكثير، ونحن أيضاً واجهنا هذا السؤال.
لكننا وبعد تعرفنا عن قرب على سماحة الشيخ الأنصاري (دام ظله الوارف) عرفنا إن كل ما يُذكر عن علماء مدرسة أهل البيت صحيح.
فسماحته تجسيد واقعي وحي لأغلب صفات الأنبياء كالورع والوقار والهيبة والرحمة والكرم والإنصاف مع صدق القول ودقة النظر ونكران الذات وعزة النفس، وسنتحدث هنا عن خمسة من خصاله الكريمة فقط.
1- حبه لأهل البيت: فقد عُرف سماحته بحُبه الشديد للمعصومين(عليهم السلام) وارتباطه الكبير بمراقدهم المقدسة، فنراه يقيم حيثما كانت مشاهدهم المطهرة(عليهم السلام) والتي لا يكتفي بزيارتها يومياً، بل يلقي الدروس ويقيم الجماعة بداخلها، وهكذا كان حاله في قم المقدسة والسيدة زينب(ع) وكربلاء المقدسة التي دأب (دام ظله) على زيارة الإمام الحسين(ع) يومياً أربع مرات طيلة مدة أقامته فيها وهو ما أراد أن يواظب عليه في النجف الأشرف حيث مرقد أمير المؤمنين(ع) لكن لأسباب قاهرة وخارجة عن إرادته، اُجبر على الاكتفاء بالتشرف بدخول حظرته(ع) مرة واحدة فقط كل يوم.
ولم يمنع سماحته من التزود من نور وفيوضات عتباتهم المعظمة برد الشتاء القارص في وقت الفجر ولا حرارة الصيف القائظ في ساعات الظهيرة، رغم تدهور صحته(دام ظله) وتأكيد الأطباء عليه بالتزام الحمية.
2- تواضعه: فهو (دام ظله) مثالاً عظيماً للتواضع، فكم من مرة رأينا سماحته وقد استوقفته أمرآة كبيرة بالسن في وسط الشارع للاستفسار من سماحته عن مسألة ما، وكم هو مقدار الدهشة التي تصيب طلابه عندما يرونه (دام ظله) على باب دارهم وهو يقول:"لقد جئتُ لكي أزورك في دارك، كما زرتني أنت في داري".
وكم هو حجم الاستغراب الذي يتملك الأخوة المؤمنين الذين يزورونه في بيته عندما يجدونه يحمل بيده الشريفة الحلوى أو أقداح الشاي ليقدمها لهم واحداً تلو الأخر.
هذا مضافاً إلى إن سماحته لا يجد باساً من زيارة العلماء والجلوس في مكاتبهم والصلاة في مساجدهم وحسينياتهم وتلبية الدعوات التي تصل إليه(دام ظله)، في حال كانت هذه الدعوات من مؤمنين يتمنون التبرك بسماحته أو من جهات تقيم مؤتمراً أو حفلاً أو مجلساً.
حتى إن بعض من التقى سماحته لم يصدق انه أمام آية الله العظمى الأنصاري، وهنا يستحضرني قول احد الأخوة ممن تعرف عليه(دام ظله) وجالسه أكثر من مرة، عندما قال، لقد ذكرني سماحته بوصف الصحابة للنبي (صلى الله عليه واله) "بأنه كان فينا كأحدنا".
3- زهده: كثير من الناس يكون عبداً للمال أو الولد أو الجاه أو المنصب، لكن من يتعرف على سماحته يجده زاهداً في كل مغريات الدنيا وزخرفها، ولا يسعى للحصول على شيء منها إلا على مرضاة الله سبحانه وتعالى، فبالرغم من ان جدارته العلمية وقدراته الشخصية تؤهلانه منذ زمن ليس بالقليل للتصدي للزعامة والقيادة والمرجعية، إلا انه(مد الله بعمره) اثر على نفسه عدم ولوج كل ذلك مكتفياً بإلقاء الدروس وإقامة صلاة الجماعة مبتعداً عن لعب أي دور أو القيام بأي فعل يجعله ضمن دائرة الأضواء.
ولم يَقدِم سماحته على طرح نفسه كمرجع للتقليد ألا بعد أن وجد (دام ظله) إن التكليف الشرعي يقتضي منه ذلك.
وإذا وجهنا أبصارنا باتجاه معاملاته المالية فإننا سنجده مصداقاً عظيما لتعريف الزاهد(الشخص الذي لا يملكه شيء) وهنا من المناسب أن نذكر هذه الحادثة التي رواها لنا احد شيوخ الحوزة ومن طلبة سماحته، يقول هذا الشيخ الفاضل: انه في يوم ما أتاني احد المؤمنين وقال لدي حقوق أريدك أن توصلها لحاكم الشرع، فأخبرته إني لم اعد أتدخل في هذه الأمور منذ فترة فاذهب إلى غيري، لكنه أصر متحججاً بأنه لا يثق إلا بيّ، فأخذت المبلغ وكان ذا قيمة معتداً بها وأعطيته إلى سماحة الشيخ الأنصاري(دام ظله) لأطمأناني الكبير له، والذي كان وقتها في بيته جالساً على الأرض، فرأيت سماحته قام بإخراج كيس صغير من تحت الفراش الذي يجلس عليه ووضع شيء بداخله، وأعطاني إياه، فقلت ما هذا، فقال هو لك، فقلت أنا غير محتاج ولدي ما يكفيني، فقال وان يكن، فلما خرجت من البيت فتحت الكيس فوجدت فيه كامل المبلغ الذي جلبته، مع العلم إن سماحته كان حينها في حاجة للمال.
4- شجاعته: من غير المستغرب أن يتحلى علماء الإسلام بالشجاعة والصلابة والتضحية والإقدام، وسماحته آية في ذلك كله، فهو شديد لا تهزه الرياح ولا تحنيه العواصف ولا تزيده المحن إلا قوةٍ.
فهو(دام ظله) لا يخشى قول كلمة الحق عندما يتطلب الموقف قولها ولا ينسحب من ساحة المواجهة إذا كانت المنازلة من اجل الدين أو المذهب العزيز.
فكلمة الرفض والنقد كانت تنطلق من لسانه الشريف ضد حكم الشاه المستبد علانية كما هو نفس الحال من نظام البعث العراقي، ومواقفه الداعمة والمساندة للمجاهدين المسلمين ضد المحتلين الكافرين في فلسطين ولبنان والعراق واضحة وشامخة.
ولا باس هنا من ذكر مثالٍ واحدٍ يبين حجم الثبات والاطمئنان الذين ينعم بهما (أطال الله بعمره) وهو في خضم أقسى واخطر الظروف.
ففي الأيام التي اندلعت فيها المواجهات بين القوات الأمريكية المحتلة وعناصر جيش المهدي(ع) في كربلاء المقدسة، كان الناس لا يستطيعون الاقتراب من وسط المدينة التي أفرغت من ساكنيها تقريباً حيث لا صوتاً يسمع سوى أزيز الرصاص وانفجار القنابل، كما أغلقت الروضتين الحسينية والعباسية المطهرتين ابوابهما.
وسط كل هذا كان سماحته يخرج بمفرده فجر كل يوم متوجهاً صوب ضريح سيد الشهداء(ع) ليفرش سجادته للصلاة أمام باب العتبة المشرفة المغلقة وكأنه (دام ظله) بمعزل عما يدور حوله من جحيم القتال.
5- وعيه: لأساتذة سماحته دور كبير في تحليه (متعنا الله ببقائه) بدرجة عالية من الإدراك والوعي والحكمة، ساعد على ذلك نقاء سريرته وذكائه المتقد وسعة افقه واهتمامه الكبير بكل ما يخص المسلمين عامة وأتباع أهل البيت(ع) خاصة.
فما أن تتجاذب أطراف الحديث مع سماحته أو تطرح عليه سؤالا في حقلِ إنسانيِ إلا وتجده (دام ظله) يمتلك رؤية واضحة يتحرك من خلالها لتحليل القضايا وإيجاد الحلول مستنداً على قاعدة معرفية متينة تمكنه من فهم الأمور بمنظار الإنسان البصير الخبير، العارف بخفايا القضايا، متنقلاً بك إلى محطات تضم مقدمات بعضها بديهية وأخرى غير بديهية، وصولاً إلى نتيجة باهرة يؤكد صحتها دليلاً محكماً.
وأنت في حيرة من أمرك، هل إن سماحته كان يعلم بأنك ستطرح هذا الموضوع أمامه، فاستعد بالتأمل والدراسة والاستغراق ليتوصل إلى هذا الرد الدقيق.
علاقته بأساتذته:
إن سماحته يكُن كل الحب والاحترام والوفاء والعرفان لأساتذته الكبار الذين ارتشف من مياه نبعهم الصافي وأبصر نور العلم في حوزاتهم، فهو (دام ظله) لا يكل ولا يمل من ذكرهم والثناء عليهم والحث على الإقتداء بهم (قدس الله أسرارهم).
وتبرز بوضوح هذه العلاقة الطاهرة الزكية الرائعة التي ربطته (أبقاه الله) بهم (رحمهم الله) من خلال رسائل احدهم ، وهو سماحة آية الله العظمى الشهيد السيد محمد باقر الصدر (قد) لسماحته ، التي ننقل مقاطع من بعضها:
" حضرة الرفيق المعظم والأخ العزيز حجة الإسلام العلامة الجليل اقاي اقا شيخ محمد إبراهيم الأنصاري دامت ألطافه
بعد سلام وشوق بقدر ما احمله لكم من حب وتقدير وإعجاب أخبركم عن وصول رسالتكم الكريمة التي كنت – علم الله – أترقبها وأتطلع إليها يوما بعد يوم لأطمئن على صحتكم الغالية وراحتكم التي هي شروط من شروط راحتي وتحقق الأهداف الشريفة في التبليغ والتوجيه والهداية وقد تلقيت الرسالة الكريمة في هذا اليوم عصراً وهي تبشر عن جميع ذلك فحمدت الله وشكرته على عظيم نعمه وآلائه وسرني جداً بقائكم في تهران وتهيأ المجال الكافي لكم هناك فأنه انسب وفوائده الدينية أكثر ولكي يعلم كل من ينبغي أن يعلم إن من كان مع الله كان الله معه وان العلم والإخلاص في العمل رأسمال لا يدانيه أي رأسمال أخر، اسأل الله أن يقر عيوننا برجوعكم واجتماع الشمل وانتم على أفضل ما تحب وتحبون،.............
14 محرم الحرام 1385 هجري"
" حضرة حجة الإسلام اقاي اقا شيخ محمد إبراهيم أنصاري دام لطفه وتوفيقه وجعله في أتم راحة واهدأ بال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعد فقد كنت شديد الترقب الى ورود رسالة منكم، وكثير التلهف على الإطلاع على صحتكم وأحوالكم واستراحتكم في سفركم، هذا وكان يقلقني تأخر الرسالة حتى إني قبل يومين عصرا تكلمت مع الرفقاء في هذا الموضوع وأظهرت لهم تشويشي ولكن الله تعالى تفضل فأوصل رسالتكم العزيزة في تلك الليلة ففرحت بها كثيرا لما بشرت به من سلامتكم الغالية وراحتكم العزيزة وانشغالكم بشؤون التبليغ فهنيئا لأهل أراك بكم وبوجودكم في ظهرانيهم وحقق على يدكم الله تعالى أعظم الإصلاحات في تلك المنطقة.......".
"حضرة الأخ المعظم والصديق الوفي الصفي اقاي أنصاري دام عزه وكلأه الله بعينه التي لا تنام".
مؤلفاته:
نادراً ما تصادف أنساناً يمتلك ذاكرة يستطيع عبرها تذكر كل ما جرى قبل 50 سنة وبدقة عجيبة وكأنه جرى في الشهر الماضي، فسماحته من هذا النوع لكنه وللأسف الشديد مع كثرة مطالعاته القيمة وجودة أرائه والتفاتاته إلا انه (دام ظله) مُقل في جانب الكتابة والتأليف، وقد تتحمل الظروف التي مرت على سماحته وكثرة الأسفار جزءً من ذلك.
1- جواهر الأصول، مبحث القطع ، وهو تقرير لدروس آية الله العظمى الشهيد السيد محمد باقر الصدر(قدس) في الأصول. (مطبوع)
2- إحياء الموات ، وهو تقرير لدروس آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر(قدس) في الفقه. (مطبوع)
3- زبدة أحكام العبادات والمعاملات.(مطبوع)
4- توضيح المسائل (بالفارسي). (مطبوع)
5- مناسك الحج .(مطبوع)
6- مناسك الحج (بالفارسي). (مطبوع)
7- منهاج الصالحين (جزئين). (تحت الطبع)
8- تقريرات درس الأصول لآية الله العظمى السيد أبي القاسم الخوئي(قدس).(مخطوط)
9- تقريرات درس الفقه لآية الله العظمى السيد أبي القاسم الخوئي(قدس). (مخطوط)
10-تقريرات درس الأصول لآية الله العظمى الشهيد السيد محمد باقر الصدر(قدس). (مخطوط)
إضافة إلى عدد كبير من محاضرات ودروس سماحته التي ألقاها في العقائد والتفسير والتاريخ والأخلاق وقد طبع بعضها على شكل كراريس وكتيبات.
طلابه:
في النجف الاشرف وقم المقدسة وبعلبك والسيدة زينب (ع) وكربلاء المقدسة كان منبر درسه (دام ظله) يشع نور العلم لعشاقه وطلابه ، فاستفاد الكثير وحظر أكثر نذكر منهم:
1- السيد الابطحي الاصفهاني.
2- الشيخ مسعود اللطيفي.
3- السيد مرتضى المهري.
4- الشيخ محمد رضا ناصري القوجاني.
5- الشيخ حسن ملك.
6- السيد محمد الجوهري .
7- السيد المرتضوي الاصفهاني.
8- الشيخ القائمي القوجاني.
9- السيد منير علم الهدى.
10- الشيخ علي رباني.
11- الشيخ جواد شريعتي.
12- الشيخ محمد حسن الأنصاري.
13- الشيخ محمود الاسدي الاراكي.
14- الشيخ لطفي مظفر علي الباكستاني.
15- الشيخ إبراهيم البدوي.
16- الشيخ حسن البدوي.
17- الشيخ حسن ياسين.
18- السيد أبو عاصم العراقي.
19- الشيخ أسامة آل بلال.
20- الشيخ حسين قصاص.
21- الشيخ حسام آل سميسم.
22- السيد حازم الاعرجي.
23- الشيخ رائد الكاظمي.
24- الشيخ مثال الحسناوي.
25- السيد حبيب الاعرجي.
26- السيد فاضل جمال الدين.
27- السيد نبيل الطالقاني.
28- السيد فاضل الشرع.
29- الشيخ شاكر العراقي.
30- الشيخ جاسم المطيري.
31- السيد محمد كريم الموسوي.
32- السيد علي الغرابي.
33- الشيخ رياض الاسدي.
34- السيد نزار المولى.
35- الشيخ إبراهيم مقامص.
36- السيد موفق الحطاب.
37-- السيد عادل الحسيني.
38- السيد حسين العذاري.
39- الشيخ صباح فهد الشمري.
40- الشيخ علي حسان.
41- الشيخ ثامر الحلفي.
42- السيد خضير علي خان المدني.
43- الشيخ حسن الاسدي.
44 - الشيخ زهير الاسدي.
45- الشيخ محمد الكعبي.
46- الشيخ مهدي نوري.
47- الشيخ طالب السهلاني.
48- الشيخ فراس الفرطوسي.
49- الشيخ صادق المعموري.
50- الشيخ احمد اللامي.
51- الشيخ حسين الدربندي.
52- السيد حسن العذاري.
53- السيد حسين المحمداوي.
54- السيد حسين الحسيني.
نسألكم الدعاء