وبسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلّ على محمد وآله الطاهرين :
«وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ» وحجاج بيت الله ـ عزّ وجلّ ـ الإخبات مفهوم قرآني تحدث عنه القرآن في أكثر من موضع وبيّن انّ المخبتين هم أصحاب الجنَّة قال عزّ وجلّ
«إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُواْ إِلَى رَبِّهِمْ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الجَنَّةِ» هود: (23).
فما هو الإخبات وكيف نصبح مخبتين؟
الإخبات مشتق من الخَبْت، والخبت على ما جاء في مفردات الراغب الأصفهاني (ت425هـ) (هو المطمئن من الأرض .... ثم استعمل الإخبات استعمال اللين والتواضع، قال تعالى:
«وَأَخْبَتُواْ إِلَى رَبِّهِمْ»
وقال:
«وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ»
أي المتواضعين فهم لا يستكبرون عن عبادته وقوله : «فتخبت له قلوبهم»
أي تلين وتخشع ثم قال والإخبات هاهنا قريب من الهبوط في قوله تعالى:
«وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ» البقرة: 74.
وورد في المعجم الوسيط: (خبت المكان خبتاً: اطمأن، وخبت ذكره: خفي واخبت: قصد الخبت وخشع وتواضع).
إذن يمكن ان نستنتج ان المخبت هو الخاشع المتواضع المطمئن لغةً.
ثم ان القرآن الكريم يؤكد بان الاطمئنان يحصل بذكر الله، وان الإنسان الذي يعيش غافلاً عن ذكر الله تكون حياته ضيقة وضنكة كما في قوله تعالى: «وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى» طه: 124ـ126.
وقال عز وجل:
«الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ» الرعد: 28.
فالمخبت إذن هو الخاشع المتواضع المطمئن بذكر الله ـ عز وجل ـ الذي لم ينسى ربه، واتبع آياته ولم ينسها.
وحينما نعود إلى الآية القرآنية السابقة نجدها تقول:
«إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُواْ إِلَى رَبِّهِمْ» هود: 23،
ومن هنا نعرف تقدم الإيمان والعمل الصالح على الإخبات قال العلامة الطباطبائي (ره) في ميزانه ج10 ـ ص185:
(وتقييده تعالى الإيمان والعمل الصالح بالإخبات إليه يدل على إن المراد بهم طائفة خاصة من المؤمنين وهم المطمئنون منهم إلى الله ممن هم على بصيرة من ربهم)
وهو ما أشارت إليه الآيات السابقة لهذه الآية حيث قابلت بين فريقين خاصين من الناس وهم أهل البصيرة الإلهية ومن عميت بصيرته
«أفمن كان على بينة من ربه» كمن هو أعمى؟ كلا كيف وقوله تعالى يصرح:
«مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ» هود: 24.
ونحن إذا رجعنا إلى القرآن الكريم نجده يصف المخبتين كأنه وصف تعريف لهم وتمييز كما في آية (34)
من سورة الحج حيث جاء في سياق آيات تتحدث عن الحج
«ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ * لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ * وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ * الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ».
إذن هنالك أربع صفات أو حالات مهمة للمخبتين:
1ـ ان قلوبهم وجلة خائفة من ذكر الله.
2ـ انهم صابرون على ما أصابهم.
3ـ انهم يقيمون الصلاة.
4ـ انهم ينفقون أموالهم التي رزقهم الله.
يقول العلامة الطباطبائي (قدس سره) في ميزانه (انطباق الصفات المعدودة في الآية ـ وهي الوجل والصبر وإقامة الصلاة والإنفاق ـ على من حج البيت مسلما لربه معلوم).
إذن البشرى لحجاج بيت الله ـ عز وجل ـ لكن لا كل حاج وإنما من توفرت فيه هذه الصفات، ومن توفرت فيه هذه الصفات كان مسلما لربه وإلا سينطبق عليه القول المعروف للإمام زين العابدين«عليه السلام»:
ما أكثر الضجيج واقل الحجيج ومن هذه الآيات المباركة وسابقتها نستشف إن الله عز وجل قد حث الذين امنوا على التسليم لله ـ عز وجل ـ وعدم الاعتراض على أحكام الله ـ جل وعلا ـ، وان ثمرة التسليم لله والإيمان بآياته هي البشرى من الله عز وجل لهم،
« فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ»
فالمخبت على هذا هو المسلم لله في كل أمر تشريعي أو تكويني لا يعترض في شيء إذا وصل الأمر إلى الله ـ عز وجل ـ لأنه متى ما عرفنا بأنه حكيم فلا يصدر منه شيئا إلا وهو عين الحكمة والصواب وهو الحق المبين.
روى الكشي بسند صحيح عن أبي أسامة قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام):ان عندنا رجلا يسمى كليبا فلا يجيء عنكم شيء إلا قال: أنا أسلم فسميناه كليبا بتسليمه به قال:فترحم عليه أبو عبدالله (عليه السلام) وقال:أتدرون ما التسليم؟ فسكتنا فقال:
هو والله الإخبات قول الله عز وجل «الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُواْ إِلَى رَبِّهِمْ» معجم رجال الحديث: ج15 ـ ص125.
ويشهد لهذه الرواية الآية المباركة المتقدمة «فله اسلموا وبشر المخبتين»
فالتسليم هو الاخبات
قيل لأبي عبدالله (عليه السلام) أيحب الرجل الرجل ولم يره؟ قال:
(ها هو إنا ذا أحب كليبا الصيداوي ولم أره)المصدر السابق المعجم: ج15 ـ ص125.
فكليب سمي تسليما لأنه لا يجيء شيء عن أهل البيت(عليهم السلام) إلا قال: أنا أسلم.
ثمرة التسليم والإخبات ونتائجه
1ـ ان ترحم عليه الإمام أبو عبدالله (عليه السلام).
2ـ ان الإمام أحبه وان لم يره.
3ـ لقد تحقق بصفة الإخبات فأصبح من أهل الجنة بشهادة القرآن وهذه بشرى له من الإمام.
ويمكن إن نستشف طريقة أهل البيت(عليهم السلام) باعتبار إنهم خلفاء الله في أرضه وخلفاء رسوله وان خلقهم القرآن وهم القيمون عليه فلا يألون جهدا إلا وبشروا من بشرهم الله ـ عز وجل ـ.
ولهذا ورد عن أبي عبدالله الصادق(عليه السلام) في صحيح جميل بن دراج انه (عليه السلام) يقول:
(بشر المخبتين بالجنة: بريد بن معاوية العجلي، وأبا بصير ليث بن البختري المرادي، ومحمد بن مسلم، وزرارة، أربعة نجباء أمناء الله على حلاله وحرامه لولا هؤلاء انقطعت أثار النبوة واندرست).
وعنه (عليه السلام) أيضا في صحيح الافطح يقول:
(ما أجد أحدا أحيا ذكرنا وأحاديث أبي ألا زرارة وأبو بصير ليث المرادي، ومحمد بن مسلم، وبريد بن معاوية العجلي ولولا هؤلاء ما كان احد يستنبط هذا، هؤلاء حفاظ دين الله وأمناء أبي على حلال الله وحرامه، وهم السابقون إلينا في الدنيا والسابقون ألينا في الآخرة) معجم رجال الحديث: ج15 ـ ص146.
ومن هنا نعرف ان التسليم لله وسرعة الرجوع لأهل البيت(عليهم السلام) والتسليم لهم في دين الله ـ عز وجل ـ هو حقيقة الإخبات وهم المبشرون بالجنة والسابقون إليها، فمن كانت فيه هذه الصفات فهو منهم وستأتيه البشرى في الدنيا والآخرة، وهم أولياء الله وأحباؤه، قال (عز من قائل):
«أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ» يونس: 65.
نسال الله عز وجل لنا ولكم التسليم له ولأوليائه والطاعة له ولرسوله وأهل البيت(عليهم السلام) وحج بيته الحرام وزيارة قبر نبيه وآله (عليهم السلام).
«إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً» الأحزاب: 56.
«فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً» النساء: 65.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
للامانة\ منقول