اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم ياكريم
إن صفحات التاريخ سُطر بعضها على أوراق بيضاء بأحرف من نور
تحكي سيرة عُظماءٍ أبى التاريخ إلاّ تخليدهم
عُظماءٍ وفوا للرسول"ص" في حياته وبعد وفاته
ولم ينجرفوا مع المنقلبين ليتخلفوا عن المولى"ع"
وحقاً علينا أن نخلدهم
ونقرأ سيرتهم لنلتمس المزيد من الصمود والصبر
أمام محن الزمان وتقلبات الأيام
ومن هؤلاء الرجال" عدي بن حاتم الطائي رضوان الله تعالى عليه"
نسبه
عَدِيّ بن حاتِم الطائيّ بن عبدالله... بن يَعرُب بن قحطان. يُكنّى بـ « أبي طَريف » و « أبي وَهب »
وفي مختصر أخبار شعراء الشيعه، هو:عدي بن حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج بن امرئ القيس بن عدي بن أخزم بن ربيعة بن
جرول بن ثمل بن عمرو بن الغوث بن لمي بن أدد بن مالك بن زيد كهلان الطائي الأنصاري.
ولادته
بناءً على أنّ عمره حين وفاته 120 سنة، تكون ولادته ما بين سنة 51 ـ 54 قبل الهجرة النبويّة المباركة.
نشأته
نشأ عَدِيّ بن حاتِم منذ طفولته في الجاهليّة وسط بيت يشخص فيه والده المعروف بالكرم؛ فقد كان أحد الثلاثة الذين ضُرب بهم المثَل في الجود زمن الجاهليّة. تزوّج حاتم امرأة تُدعى النَّوار، كانت تلومه على كرمه، فتزوّج ماويّة بنت عفزر من بنات ملوك اليمن وكانت تحبّ الكرم وتوقّر الكرماء، فأنجبت له عَدِيّاً.
وقد ورث عَدِيٌّ تلك الخصال الحميدة عن أبيه.. الذي روى فيه الإمامُ الرضا عليه السّلام أن رسول الله صلّى الله عليه وآله قال لعديّ: (رُفع عن أبيك العذاب بسخاوة نفسِه).
ونشأ على تلك المكارم حتّى هذّبها له الإسلام، فانتهت إليه رئاسة طيّء بعد أبيه.. وفي ذلك يقول الشاعر:
شابَهَ حاتِماً عَدِيٌّ في الكَرَمْ ومَن يُشابِهْ أبَهُ فما ظلَمْ
ومن أخبار جُود عَدِيّ أنّه سمع رجلاً من الأعراب يقول: يا قوم، تصدّقوا على شيخٍ مُعيل، وعابرِ سبيل، شَهِد له ظاهرُه، وسمع شكواه خالقُه.. بدنُه مطلوب، وثوبُه مسلوب.
فقال له عديّ: مَن أنت ؟ قال: رجلٌ من بني سعد في ديةٍ لَزِمَتْني. قال: فكم هي ؟ قال: مائة بعير، قال عديّ: دوَنكَها في بطن الوادي.
وأرسل الأشعث بن قيس إلى عَديّ يستعير منه قُدورَ حاتم أبيه، فأمر بها عديّ فمُلِئت، وحملها الرجال إلى الأشعث، فأرسل الأشعث إليه: إنّما أردناها فارغة، فأرسل إليه عديّ: إنّا لا نُعيرها فارغة.
ماقيل عنه:
وصفه ابن عبد البَرّ بأنّه: كان سيّداً شريفاً في قومه، فاضلاً كريماً، خطيباً حاضر الجواب.
وقال فيه ابن كثير: كان حاتم جواداً مُمدَّحاً في الجاهليّة، وكذلك ابنُه في الإسلام.
وقال ابن حجر العسقلانيّ يعرّفه: وَلَد الجواد المشهور، أبو طَريف، وكان جواداً.
وقال ابن الأثير: وكان جواداً شريفاً في قومه، معظَّماً عندهم وعند غيرهم.
وقال الزركليّ يتابع: عديّ بن حاتم.. أمير صحابيّ من الأجواد العقلاء، كان رئيس طيّء في الجاهليّة والإسلام.
صفته
كان عديّ بن حاتم رجلاً جسيماً، أعور.. ولم يكن العَوَر خِلقةً فيه، بل طرأ عليه أثناء حروبه إلى جانب أمير المؤمنين عليه السّلام، فشهد واقعة الجمل وفيها ذهبت إحدى عينيه، وشهد وقعة صِفِّين فذهبت فيها الأُخرى.
ويبدو أنّ ذهاب العين لم يكن كاملاً، لأن عديّاً اشترك في معركة النهروان وعاصر ما بعدها من الأحداث، لكنّ العرب يعبّرون عن انقلاب الجفن وما شابهه من العيوب التي تُصيب العين ولا تذهب بالبصر كلّه بـ « العَوَر ».
قصّة إسلامه
كان عديّ قبل البعثة على دين النصرانيّة أو الركوسيّة ( وهو دين بين النصرانيّة والصابئيّة )، ولم يكن وثنيّاً، وكانت له زعامة قومه ورئاستهم.. وقد حاول أن يحتفظ بمنصبه في طيّء وبين قبائل العرب، لكنّ الخلُقّ النبويّ جعله يدخل الإسلام ويعتنقه ويعتقده اعتقاد قلبٍ وجَنان.
وكان من قصّة إسلامه أنّه أعدّ من إبله أجمالاً سِماناً أوصى بها غلامَه أن إذا سمع بجيش النبيّ صلّى الله عليه وآله قد وطئ البلاد أن يخبره. فلمّا قدم الجيش رأى أن يلتحق بأهل دينه من النصارى في الشام، فسلك الجَوْشيّة وخلّف بنتاً لحاتم هي ( سفّانة ) التي قَدمت في سبايا من طيّء.
وقد مرّ رسول الله صلّى الله عليه وآله بالسبايا فقامت إليه ـ وكان جَزلة ـ فقالت: يا رسول الله، هَلَك الوالد، وغابَ الوافد، فامنُنْ علَيَّ مَنّ الله عليك. قال: ومَن وافدُكِ ؟ قالت: عَدِيّ بن حاتِم. قال: الفارّ من الله ورسوله ؟!
قالت سفّانة: ثمّ مضى رسول الله وتركني، حتّى إذا كان من الغد مرّ بي، فقلت له مثل ذلك، وقال لي مثل ما قال بالأمس. حتّى إذا كان بعد الغد مرّ بي وقد يئستُ منه، فأشار إلَيّ رجُل من خلفه أن قومي فكلّميه. قالت: فقمت إليه فقلت: يا رسول الله، هلكَ الوالد وغاب الوافد، فامنن علَيّ مَنّ الله عليك. فقال صلّى الله عليه وآله: قد فعلتُ، فلا تَعجلي بخروج حتّى تجدي مِن قومك مَن يكون لك ثقةً حتّى يبلّغك إلى بلادك ثمّ آذنيني فسألتُ عن الرجل الذي أشار إلَيّ أن أُكلّمه، فقيل: عليّ بن أبي طالب.
فقالت: فجئتُ رسولَ الله صلّى الله عليه وآله فقلت: يا رسول الله، قد قَدِم رهط من قومي لي فيهم ثقة وبلاغ، قالت: فكساني رسول الله صلّى الله عليه وآله وحملني وأعطاني نفقة، فخرجتُ معهم حتّى قدمتُ الشام.
قال عديّ: فواللهِ إنّي لَقاعدٌ في أهلي إذ نَظَرتُ إلى ظَعينةٍ تصوب إلَيّ تؤمّنا، فقلت: ابنة حاتم، فإذا هي هي، فلمّا وقَفَت علَيّ انسحلت تقول: القاطع الظالم، احتملت بأهلك وولدك وتركتَ بقيّة والدك وعورتك! قلت: أي أُخيّة، لا تقولي إلاّ خيراً، فو اللهِ مالي من عُذر، لقد صنعتُ ما ذكرتِ.
قال: ثمّ نزلت فأقامت عندي، فقلت لها ـ وكانت امرأة حازمة ـ: ماذا تَرَين في أمر هذا الرجل ؟ قالت: أرى واللهِ أن تلحق به سريعاً، فإن يكن الرجل نبيّاً فللسابق إليه فضله، وإن يكن ملكاً فلن تذلّ في عزّ اليمن وأنت أنت. قلت: واللهِ إنّ هذا هو الرأي.
ويخرج عديّ حتّى يقدم على النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم، فيرى فيه تواضعاً ورحمة، ويراه يعلم ما يُجهَل.. فيعرف أنّه نبيّ مرسل، فيُسلِم .
وكان للمعاملة الطيّبة التي عامل بها الإمام عليٌّ عليه السّلام مَن سباهم، وللخُلق النبويّ الرفيع مع عوائل الشرف والكرم.. أكبر الأثر في دخول الناس في الإسلام، يقول عديّ نفسه بعد أن ألقى النبيّ له وسادة وأجلسه عليها وجلس هو صلّى الله عليه وآله على الأرض: فما رِمتُ حتّى هداني الله للإسلام، وسرّني من إكرام رسول الله صلّى الله عليه وآله .
وقبل ذلك قال لمّا قدم عليه: فقام رسول الله صلّى الله عليه وآله فانطلق بي إلى بيته، فو الله إنّه لَعامدٌ بي إليه إذ لَقيتْه امرأة ضعيفة كبيرة، فاستَوقَفتْه فوقف لها طويلاً تُكلّمه في حاجتها، فقلتُ في نفسي: واللهِ ما هذا بملِك
وفد عدي بن حاتم على النبي ( صلى الله عليه و آله ) مع عدة من قومه و كان في شهر شعبان سنة تسع و قيل عشر للهجرة النبوية الشريفة فأسلم و لم يرتد بعد وفاة النبي ( صلى الله عليه و آله ).
قال: «فلما قدمت المدينة استشرفني الناس فقالوا: عدي بن حاتم ! وقال لي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: يا عدي أسلم تسلم، قلت: ان لي ديناً، قال: أنا أعلم بدينك منك.. قد أظن أنه انما يمنعك غضاضة تراها ممن حولي، وأنك ترى الناس علينا الباً واحداً. قال: هل اتيت الحيرة ؟ قلت: لم آتها وقد علمت مكانها. قال: يوشك ان تخرج الظعينة منها بغير جوار حتى تطوف بالبيت، ولتفتحن علينا كنوز كسرى بن هرمز. فقلت: كسرى بن هرمز ؟ قال: نعم وليفيضن المال حتى يهم الرجل من يقبل صدقته». قال عدي: «فرأيت اثنتين: الظعينة، وكنت في أول خيل غارت على كنوز كسرى، وأحلف باللّه لتجيئن الثالثة».
و كان النبي ( صلى الله عليه و آله ) يكرمه و يجله حتى صارت له منزلة عالية في الإسلام . و كان ( رضوان الله عليه ) صحابياً فقيهاً مستقيماً جواداً ماجداً شريفاً عند العرب محترماً عند قومه ، روي الحديث عن النبي ( صلى الله عليه و آله ) و كان قليل الرواية
وقال: «أتيت عمر في أناس من قومي فجعل يفرض للرجل ويعرض عني، فاستقبلته فقلت: أتعرفني ؟. قال: نعم آمنت اذ كفروا، وعرفت اذ نكروا، ووفيت اذ غدروا، وأقبلت اذ أدبروا. ان أول صدقة بيضت وجوه أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم صدقة طيئ». وقال: «ما اقيمت الصلاة منذ أسلمت الا وأنا على وضوء»
إيمانه وولاؤه
كان عديّ بن حاتم على جانب عظيم من الوثاقة، ومن خُلَّص أصحاب أمير المؤمنين عليه السّلام، ومن بعده وَلدِه الإمام الحسن عليه السّلام. وكانت له مواقف مشرّفة وكلمات صادقة تحكي مدى إيمانه بالله تعالى ورسوله صلّى الله عليه وآله، وشدّة انشداده إلى أئمّة أهل البيت عليهم السّلام.
ويُعلم جلالته وثباته في نصرة الدين.. أنّه لمّا خطب الإمام الحسن عليه السّلام ودعا الناس إلى الخروج إلى الجهاد ضدّ معاوية، ما تكلّم أحد منهم ولا أجابه بحرف، فلمّا رأى عديّ ذلك قام فقال: أنا ابن حاتم، سبحان الله ما أقبح هذا المقام!... ثمّ خرج إلى « النُّخَيلة »، فكان أوّلَ الناس عسكراً. ثمّ قام: قيس بن سعد بن عُبادة الأنصاريّ، ومَعقِل بن قيس الرياحيّ، وزياد بن حفصة التميميّ، فأنَّبوا الناسَ ولاموهم وحَرّضوهم، وكلّموا الإمام الحسن عليه السّلام بمثل كلام عديٍّ، فقال لهم الإمام عليه السّلام: صَدَقتُم رحمكمُ الله، ما زلتُ أعرفكم بصدق النيّة والوفاء والقبول والمودّة الصحيحة، فجزاكمُ اللهُ خيرا.
وكان يومَ الجمل مع أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام، وفُقِئت عينُه وقُتل ولده محمّد. وشهد صِفّين مع أمير المؤمنين عليه السّلام أيضاً، وله فيها مواقف شكرها له مولاه سلام الله عليه، وكانت راية قُضاعة وطَيّء معه وهو الأمير عليهم. وصحِب بعده الإمامَ الحسن عليه السّلام وقام معه للحرب، ولازمه إلى زمان الصلح.
وكان عديّ بن حاتم الطائيّ ممن اعتقدوا ورَوَوا أنّ الأئمّة بعد النبيّ صلّى الله عليه وآله اثنا عشر إماماً، كلّهم من قريش. وفي مناشدة أمير المؤمنين عليه السّلام حين قال: أُنشد اللهَ مَن شَهِد يومَ غدير خُمّ إلاّ قام، ولا يقوم رجل يقول نُبّئتُ أو بلغني، إلاّ رجلٌ سمِعت أُذُناه ووعاه قلبه. فقام سبعة عشر رجلاً منهم: عَدِيّ بن حاتم.. فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: هاتوا ما سمعتم. فنقلوا واقعة الغدير حتّى انتهَوا إلى القول: ثمّ أخذ صلّى الله عليه وآله بيدك يا أمير المؤمنين، فرفعها وقال: مَن كنتُ مولاه فهذا عليّ مولاه، اللهمّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه. فقال عليٌّ عليه السّلام: صدقتُم، وأنا على ذلك من الشاهدين.
شجاعته
كان عدِيّ بن حاتم ذا إقدام قتاليّ وخبرة بشؤون الحرب وممارسة قديمة في المواجهات في عهد الجاهليّة.. لكنّ الأدوار المتميّزة والوقائع العظيمة كانت له أيّام حروب أمير المؤمنين عليه السّلام ضدّ المارقين والقاسطين والناكثين. فتولّى مناصبَ حسّاسةً ومواقع مهمّة في المعارك.
فحين رأى أميرُ المؤمنين عليه السّلام أنّ القتال حول الجمَل قد اشتدّ.. جمع إليه حُماةَ أصحابه وقال لهم: اعقُروا الجمَل. فخرج مالك الأشتر وعدِيّ بن حاتم وعمّار بن ياسر وعمرو بن الحَمِق.. في عدد من أصحابهم فشدّوا على الجمل، وقاتلَ عديّ حتّى فُقِئت إحدى عينيه.
وحين استشار أميرُ المؤمنين عليه السّلام الناسَ في المسير إلى معاوية.. أشاروا عليه بعدم المسير، سوى نفرٍ من خاصّته.. منهم عديّ بن حاتم الطائيّ.
ولمّا كانت واقعة صِفّين.. أقلقت بطولات عديٍّ وأمثاله معاويةَ بن أبي سفيان، فقال لأصحابه حين تعاظمت عليه الأُمور: إنّه قد غَمّني رجال من أصحاب عليّ، منهم: سعيد بن قيس في هَمْدان، والأشتر في قومه، والمِرقال وعَديّ بن حاتم وقيس بن سعد في الأنصار.
ولمّا استُشهد عمّار بن ياسر نادى أمير المؤمنين عليه السّلام: أيّها الناس، مَن يَشْرِ نفسَه لله يَربَح.. هذا يوم له ما بعده، إنّ عدوّكم قد مَسّه القَرح كما مسّكم. فانتدب له ما بين عشرة آلاف إلى اثني عشر ألفاً، قد وضعوا سيوفهم على عواتقهم وتقدّمهم الإمام عليّ عليه السّلام منقطعاً على بغلة رسول الله... وتبعه عديّ بن حاتم بلوائه... وتقدّم الأشتر... وحمل الناس حملةً واحدةً فلم يبق لأهل الشام صفٌّ إلاّ انتقض، وأهمدوا ما أتوا عليه حتّى أفضى الأمر إلى مضرب معاوية... فدعا معاوية بفرسه لينجوَ عليه.
وحين كُتب كتاب الصلح بين أمير المؤمنين عليه السّلام ومعاوية، وضُرب فيه أجل محدود ومدّة معلومة، قال أيمن بن خُريم مخوِّفاً أهلَ الشام بأنّ لعليٍّ عليه السّلام وأصحابه وثبةً لا ينجو منها معاوية ولا أصحابه، فهدّدهم بأبطال العراق: الأشتر وعديّ بن حاتم وأشباههما من حُماة أصحاب أمير المؤمنين عليه السّلام قائلاً:
أما والذي أرسى ثَبيراً مكانَهُ
وأنزلَ ذا الفُرقانَ في ليلةِ القَدْرِ
لَئن عَطَفت خيلُ العراق عليكمُ
وللهِ لا للناسِ عاقبةُ الأمرِ
تَقحّمها قُدْماً عَدِيُّ بن حاتِمٍ
والاشترُ يَهدي الخيلَ في وضَحِ الفجرِ
.. إلى آخر أبياته، فلما سمع القوم كَفّوا عن الحرب.
وقائع وأدوار
كان لعديّ بن حاتم أدوار مهمّة وركائز عديدة ساهمت في تغيير وجه الأحداث، منها:
ثباته هو وقومه وقبيلته طيّء على الإسلام ولم يرتدّوا بعد وفاة النبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم في بعض من ارتدّ.
شهوده فتحَ العراق ووقعة القادسيّة ووقعة مِهران، ويوم الجِسر.. وكان له فيه بلاءٌ حَسَن.
وثوبه على الوليد بن عُقْبة حين شرب الخمر وأساء السيرة، فشارك في عزله عن ولاية الكوفة.
كان من المعارضين للسياسة الخاطئة التي سَرَت أيام عثمان.
كان من المسارعين لبيعة أمير المؤمنين عليه السّلام والمناصرين له والمؤازرين، وكان له الباع الأطول في تحشيد القوات من طيّء وتسييرها لأمير المؤمنين عليه السّلام.
في معركة الجمَل.. أناط به أمير المؤمنين عليه السّلام مواقع مهمّة، فجعله ومحمّدَ بن أبي بكر على القلب، محمّداً على الخيل وعديّاً على رجّالتها. كما جعله في موقع آخر على خيل قُضاعة ورجّالتها ، ثمّ اشترك في عَقر الجمَل هو والحمُاة حتّى عَرقَبوه.
وفي صِفّين.. أمّره الإمام عليّ عليه السّلام على طيّء. حتّى إذا كان التوادع إلى أن ينسلخ المحرّم، أرسل أمير المؤمنين عليه السّلام عديّاً في جماعة ليدعوَ معاوية إلى الطاعة. فقام عديّ مقاماً مشكوراً أثنى فيه على أمير المؤمنين عليٍّ عليه السّلام، وهدّد معاويّةَ بأمرِّ القتال وأشدّه.
ثمّ قاد الجيش العلويّ وجحافلَه ضدّ الجيش الأُموي بقيادة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد يوم 8 صفر سنة 37 هجريّة، وقد حشّد معاوية أشدّاءَ رِجاله، فكان النصر حليف عديّ، وفرّ عبدالرحمن وتوارى في العَجاج وعاد إلى معاوية مقهوراً.
وكان من بلائه الحسَن أن أردى المُقاتلَ الشاميّ المشجّع بن بِشر الجُذاميّ، وكان يحاول قتلَ أمير المؤمنين عليه السّلام، فطعنه عديّ في لَبّته فجدّله قتيلاً. وضرب همّامَ بن قُبيصة النُّميريّ ـ وكان من أشتم الناس للإمام عليّ عليه السّلام ـ وكان معه لواء هَوازِن، فسلب لواءه.
ولمّا كان الصلح.. وبّخ عديٌّ الحكَمَين واتّهمهما لمّا أبطأ أمرهما، ولمّا فُرغ من الكتاب كان عديّ أحد شهوده؛ امتثالاً لأمر إمامه.
ولمّا عزم الإمام عليّ عليه السّلام المعاودة إلى صفّين وقتال الشاميّين.. دعا الناسَ لذلك، فكان عديّ في أوائل مَن أجابوه، حيث رفعوا له أربعين ألف مقاتل وسبعة عشر ألفاً من الأبناء وثمانية آلاف من عبيدهم ومَواليهم.
ونازعه الراية يوم صفين عائذ بن قيس الحزمري الطائي، وكانت بنو حزمر أكثر من «عدي» رهط حاتم، فوثب عليهم «عبد اللّه بن خليفة الطائي» البولاني عند علي عليه السلام فقال: «يا بني حزمر أعلى عدي تتوثبون ؟ وهل فيكم مثل عدي ؟. أو في آبائكم مثل أبي عدي ؟ أليس بحامي القربة ؟. ومانع الماء يوم (رويّة) ؟ أليس بابن ذي المرباع وابن جواد العرب ؟. أليس بابن المنهب ماله ومانع جاره ؟ أليس من لم يغدر، ولم يفجر، ولم يجهل، ولم يبخل، ولم يمنن ولم يجبن ؟. هاتوا في آبائكم مثل أبيه !، أو هاتوا فيكم مثله !. أَوَليس أفضلكم في الاسلام ؟. أَوَليس وافدكم الى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ؟. أليس برأسكم - يوم النخيلة - ويوم القادسية - ويوم المدائن - ويوم جلولاء الوقيعة - ويوم نهاوند - ويوم تستر ؟. فما لكم وله !. واللّه ما من قومكم أحد يطلب مثل الذي تطلبون».
فقال له علي عليه السلام: «حسبك يا ابن خليفة. هلم أيها القوم اليّ، وعلي بجماعة طي». فأتوه جميعاً. فقال علي عليه السلام: «من كان رأسكم في هذه المواطن ؟»، قالت له طيئ: «عدي». فقال له ابن خليفة: «فسلهم يا أمير المؤمنين: أليسوا راضين مسلمين لعدي الرياسة»، ففعل. فقالوا: «نعم». فقال لهم: «عديّ أحقكم بالراية. فسلموها له.
وعندما بايع الناسُ الإمام الحسن عليه السّلام.. خطب الناسَ ودعاهم إلى قتال معاوية فتخاذلوا، فقام عديّ بن حاتم فخطبهم ووبّخهم، ثمّ كان أوّل من سمح بطاعته وأبدى استعداده، حيث مضى إلى النُّخيلة فكان أوّل الناس عسكراً، ينتظر تتابع الجيوش لمحاربة معاوية .
كان عديّ من المؤيّدين لثورة حُجْر بن عَديّ الكنديّ وأصحابه، فتوسّط ودافع عنه عند زياد بن أبيه دون جدوى.
وبعث اليه زياد سنة (51) وكان في مسجده الذي يعرف (بمسجد عدي) في الكوفة فأخرجه منه، وحبسه. فلم يبق رجل من أهل المصر من اليمن وربيعة ومضر الا فزع لعدي بن حاتم. فأتوا زياداً وكلموه فيه، وقالوا: «تفعل هذا بعدي بن حاتم صاحب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ؟».
وطلب زياد من عدي أن يجيئه بعبد اللّه بن خليفة الطائي، وكان من أصحاب حجر بن عدي أشدائهم على شرطة زياد «الحمراء»، فأبى ثم رضي زياد من عدي أن يغيب ابن خليفة عن الكوفة
قال له معاويه يوماً صف لي علياً ( عليه السلام ) :
فقال : ( كان والله بعيد المدى ، شديد القوى ، يقول عدلاً و يحكم فصلاً ، تتفجر الحكمة من جوانبه و العلم من نواحيه ، يستوحش من الدنيا و زهرتها و يستأنس بالليل و وحشته ، كان والله غزير الدمعة ، طويل الفكرة ، يحاسب نفسه إذا خلا و كان فينا كاحدنا يجيبنا إذا سئلناه ، و يدنينا إذا اتيناه و نحن مع تقريبه لنا و قربه منا لا نكلمه لهيبته ، و لانرفع اعيننا إليه لعظمته ، فان تبسم فعن اللؤلؤ المنظوم ، يعظم اهل الدين ، و يتحبب إلى المساكين لايخاف القوي ظلمه - و لا ييأس الضعيف من عدله فبكى معاوية و قال يرحم الله اباالحسن كان كذلك) .
وقيل: لما دخل عدي على معاوية وعنده ابن الزبير فقال: يا أبا طريفمتى ذهبت عينك؟ قال: يوم فر أبوك منهزما فقتل وضربت على قفاك وأنت
هارب وأنا مع الحق وأنت مع الباطل، فقال معاوية: ما فعل الطرفان - يعني
طريفا وطرافا وطرفة أبناءه -؟ قال: قتلوا مع أمير المؤمنين (عليه السلام) فقالله: ما أنصفك علي إذ قدم أبناءك وأخر أبناءه قال: بل أنا ما أنصفته قتل
وبقيت بعده فقال له معاوية: أما إنه قد بقيت قطرة من دم عثمان ما لها إلا
كذا وأومى بيده إليه، فقال له عدي: إن السيوف التي أغمدت على حسك
في الصدور ولعلك تسل سيفا تسل به سيوف، فالتفت معاوية إلى ابن العاص
فقال: كلمة شدها في قرنك، ثم خرج عدي وهو يقول:
يحاولني معاوية بن صخر * وليس إلى التي يبغي سبيل
يذكرني أبا حسن عليا * وخطبي في أبي حسن جليل
يكاشرني ويعلم أن طرفي * على تلك التي أخفى دليل
ويزعم أننا قوم طغام * حراريون ليس لنا عقول
وقال ابن الوليد وقال عمرو * عدي بعد صفين ذليل
فقلت: صدقتما قد هد ركني * وفارقني الذين بهم أصول
ولكني على ما كان مني * أخبر صاحبي بما أقول
وإن أخاكما في كل يوم * من الأيام محملة ثقيل
ملَكاته
عُرف عن عَدِيّ بن حاتِم الطائيّ كونه خطيباً بارعاً، ومِقوالاً لامعاً، ومُحاجِجاً بالتي هي أحسن، لا ينقطع عن الجواب بل هو حاضره. وخُطبه ومحاوراته ومناظراته شاهدة على ذلك.
وأمّا شاعريّته.. فهو في طليعة شعراء أمير المؤمنين عليه السّلام، وكان أبوه حاتم من شعراء الجاهليّة وله ديوان، وكأنّ عديّاً وَرِث هذه الملَكة عن أبيه مُضيفاً إليها القيم الإسلاميّة ومواقفها المبدئيّة والولاءات الصادقة للنبيّ وآله صلوات الله عليه وعليهم.
وكان من شعر عديّ بن حاتم قوله:
ألا إنّ هذا الدينَ أصبح أهلُهُ
على مِثْل حدِّ السيف بعدَ محمّدِ
ولا ذاك عن ذُلٍّ ولا عن مَخافةٍ
على الدينِ والدنيا لإنجاز مَوعدِ
ولكنْ أُصِبنا بالنبيّ فلَيلُنا
طويلٌ.. كليلِ الأرمَدِ المُتلَدِّدِ
وقال في الرَّجَز:
أقولُ لمّا أن رأيتُ المَعمَعه
واجتمع الجُندانِ وَسْطَ البلقعهْ
هذا عليٌّ والهدى حقّاً مَعَهْ
يا ربِّ فاحفظْه ولا تُضيِّعَهْ
فإنّه يخشاكَ ربّي فارفعَهْ
ومَن أراد عيبَهُ فضَعضِعَهْ
أو كادَهُ بالبغيِ منك فاقمَعَهْ
وقال في الولاية والبراءة:
نسيرُ إذا ما كاعَ قومٌ وبَلّدوا براياتِ صدقٍ كالنُّسورِ الخَوافِقِ
إلى شَرِّ قومٍ مِن شُراةٍ تَحزَّبوا وعادَوا إلهَ الناسِ ربَّ المَشارقِ
طُغاةٍ عُماةٍ مارقينَ عن الهدى وكلِّ لعينٍ قولُه غيرُ صادقِ
وفِينا عليٌّ ذو المعالي يَقودُنا إليهم جَهاراً بالسُّيوفِ البَوارقِ
وقال معبِّراً عن ولايته لأمير المؤمنين عليه السّلام بعد أن سلب راية العدوّ:
يا صاحبَ الصوتِ الرفيعِ العالي
إن كنتَ تبغي في الوغى قتالي
فادْنُ فإنّي كاشفٌ عن حالي
تَفدي عليّاً مهجتي ومالي
وأُسرتي يَتبعُها عيالي
وعلى نحو الدعاء.. قال عديّ بن حاتم في الرَّجَز:
يا ربَّنا سَلِّمْ لنا عَلِيّا سلَّمْ لنا المباركَ التقيّا
المؤمنَ المسترشَدَ الرضيّا واجعَلْه هادي أُمّةٍ مَهْديّا
لا خَطِلَ الرأي ولا غَوِيّا واحفَظْه ربّي واحفَظِ النبيّا
فيهِ فقد كان لنا وليّا ثمّ ارتضاه بعدَهُ وصيّا
وقال: هذا لكمُ وَليّا مِن بعدُ إذْ كان بكم حَفِيّا
وفاته
تراوح المؤرّخون في تحديد وفاة عديّ بن حاتم بين أربع سنين: من 66 ـ 69 هجريّة، وبعضهم لم يحدّد السنة وإنّما اكتفى بأنّه تُوفّي في أيّام المختار الثقفيّ، علماً أنّ المختار كانت حكومته على الكوفة ثمانية عشر شهراً: من ربيع الأوّل سنة 66 إلى النصف من شهر رمضان سنة 67 هجرية، قبره في ظهر الكوفة بمنطقة الثوية.
نسألكم الدعاء