ثقت الصور لهفة سيد العلماء المجاهدين آية الله العظمى السيد محمد سعيد الحبوبي (قدس سره) (1) إلى مسجد السهلة المقدس وتواصله في زيارته , حتى أنه , ومع ثلة من العلماء الأعلام(قدس سرهم) آثر زيارة المسجد المعظم عام 1914م. قبل توجهه إلى الشعيبة لمقارعة المحتل البريطاني عام 1914م
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
(1) هو السيّد محمد سعيد بن السيّد محمود الحسني الشهير بحبوبي، من أشهر مشاهير عصره، فقيه كبير، وأديب فطحل، وشاعر مبدع. ولد في النجف الأشرف في الرابع من جمادى الآخرة عام 1266هـ ونشأ مطبوعاً على الخير، مثالاً للخلق الرفيع والنفسية العالية، فانطبع على حب العلم والأدب انطباعة كانت تشير إلى ذكاء ونبوغ. اتجه صوب المجتمع فكان ولوعاً بتكوين الحلقات الأدبية التي تصقل المواهب وتثيرها. والتحق ببعض رجال أسرته الذين عرفوا باشتغالهم بالتجارة بين نجد والنجف. كان يغرد بألوان من الشعر لم يعهد النجف لها مثيلاً، ويحف المحافل والأندية بقطع من قلبه الرقيق وروحه الكبيرة. واستطاع أن يتملك زمام إمارة الشعر، ويترأس الأندية التي ضمت النوابغ والفحول من أرباب الأدب، فانضوى تحت رايته أكابر الشعراء، وانتسب إلى حضيرته معظم الأدباء.
تربى على يد أعلام لهم مكانتهم في عالم العلم والأدب، فقد أخذ الأخلاق والرياضيات على الأخلاقي الكبير ميرزا حسين قلي وأكثر من صحبته والحضور عنده مدة حياته، فاكتسب منه طريقته الأخلاقية التي جعلته وحيداً بفضيلتها بين كبار النجفيين، ودرس الفقه والأصول ردحاً من الزمن عند الأستاذ الكبير الشيخ محمد حسين الكاظمي ـ المتوفى 1308هـ ـ إذ كان هو المدرس العربي الوحيد في زمانه، وبعد وفاته اختص بالحضور والتلمذة عند فاضل عصره الشيخ محمد طه نجف فكان من أساطين من حضروا عنده، وقد أيده الشيخ بكلمات كثيرة رَقَت منزلته بين الفضلاء وجعلته في الطبقة الأولى منهم، وبعد وفاته ـ سنة 1323هـ ـ لم يحضر عند أحد من كبار العلماء، بل انقطع للتدريس والتأليف حتى أصبح يُعدّ في صدور العلماء المجتهدين، يُرجَع إليه في المسائل العويصة.الحبوبي شخصية ذات تأريخ واسع وحياة مليئة بالصور والخواطر والبطولات، فقد كان ـ قدس سره ـ إنساناً لم يفهم غير الحق هدفاً أسمى، ولا غير الدين ناموساً أعلى، ولا غير الفضيلة نهجاً صحيحاً، فشب على ذلك واستمر حتّى شاب وحتى ارتحل إلى الفردوس الأعلى. ان تاريخ الحرب العالمية الأولى خصص صفحة مشرقة لجهاد السيّد الحبوبي، وأفرد فصلاً لبطولته وعزمه الملتهب في حفظ كيان الإسلام والمسلمين.. وكانت الليلة التي أعلن فيها جهاده ضد الإستعمار الإنكليزي هي السادسة عشر من المحرم من عام 1333هـ، وما أن انتشر خروجه حتّى لحقت به الجموع المحتشدة من الذين نذروا أنفسهم لصون كرامتهم ودينهم، يتبعونه، وقد قصد الناصرية فاطمأن بها حتّى تكامل العدد، والتحق به معظم عشائر الجنوب العراقي وسار بهم إلى الشعيبة المنطقة التي رسخت فيها أول قدم إنكليزية، ولكن روح الأطماع والخذلان عصفت بتلك الجموع فتشتتوا ورجع السيّد مع فريق من المخلصين إلى الناصرية وقد غمرته موجة من الألم على تطور نفوذ العدو، وما أن لبث أياماً حتّى فارقته الحياة بها. كان خلال سيره بالجموع ينفق عليهم من ماله الخاص، وقد قدمت له الحكومة العثمانية خمسة آلاف ليرة ذهباً كمساعدة له على مواصلة جهاده ولكنه أبى قائلاً: ( ما زلت أملك المال فلا حاجة لي به، وإذا ما نفذ فشأني شأن الناس آكل مما يأكلون وأشرب مما يشربون ). هكذا كان الحبوبي الإنسانَ الذي علّم النفوس كيف تصل إلى الحق والإخلاص عن طريق التورع والزهد في حطام الدنيا، وأنّ الخلود لا يصاب إلاّ عن طريق الإيمان بالله وبالدين وبالدفاع عن وطن المسلمين. فارق الدنيا وهو لا يأسف على شيء كأسفه أنه سمع ورأى كافراً يدوس أرض وطنه بصورة فاتح، وهو الذي يأنف من السماع فضلاً عن الرؤيا. مات وهو مرتاح من ضميره بكونه خرج من الدنيا وقد أدى ما عليه فلاقى الجزاء الأوفى والجنات الواسعة، وكان ذلك عشية الأربعاء ثاني شعبان من عام 1333هـ الموافق 1915م في الناصرية. وحُمل جثمانه الطاهر إلى النجف الأشرف، فكان موته كالصاعقة ذُهِل منها كل مخلص ومتدين واستقبلته النجف وهي تبكي عنواناً لها ضاع منها، ودُفن في مقبرة خاصة له في الايوان الكبير في مقام أمير المؤمنين علي عليه السّلام عن يسار الداخل من الباب القبلي. ورثاه الشعراء، وأرخ وفاته فريق من أعلام المؤرخين ذكره جمع من الأعلام منهم الشيخ جعفر كاشف الغطاء في هامشه على ديوان سحر بابل للسيّد جعفر الحلي عند تخميسه لقصيدة الحبوبي الشهيرة التي مطلعها:
لُحْ كوكباً وامشِ غُصناً والتفتْ ريما فإن عداك آسمُها لـم تَعْدُك السِّيمـا
فقال: هذا هو العلم الطائر الصيت، السائر الذكر، الذائع الفخر، الحري بكل تجلّة وكرامة، الذي ان أسمت سرح لحظك في حمائل نظمه، ومروج شعره، قلتَ: متخصص في الشعر ما عُرِف غيره، ولا وُقف دونه، ولا عُرج على سواه، وان متعت نفسك من مذاكراته، وأخذت حظك من علمه ومباحثته، قلتَ: عالم نقّاب، ولاّج كل باب، قد قطع في العلم ظهره، وأفنى فيه دهره، ما أصغى إلى سواه، ولا استمع غيره، فهو كله شعر وأريحية تارة، وعلم وفضل كله اخرى، ولكنه أعطى لكل دور من حياته حظه، ولكل ربيع من عمره شكله. لازم العلاّمة الشهير الذي هو أحد نوابغ الدهر الشيخ موسى شرارة العاملي الذي كان لأنفاسه أثر عظيم في حسن التربية والتعليم، فجعل السيّد ينمو نمواً بديعاً؛ شعر وعلم، أريحية وتقى، انبساط وعفة. ثم صار ينظم في مثل هذه الآونة الشعر، ولكن أي شعر! ذاك الذي يسكبه من سلافة أخلاقه وينظمه من دماثة طبعه، ويستخفك به من خفّة روحه، ثم ما أغب بعد ذلك ان طلّق الشعر ثلاثاً، وانقطع بأجمعه لحصيل العلم وفقاهة شريعة جده سلام الله عليه وآله، فلازم الشيخ محمد طه نجف طاب ثراه ولم يبرح عنه إلى حين وفاته، وكان الشيخ يشير إليه ويدل على فضله وعلمه. فالسيّد السعيد مجموعة كمال وفضيلة وشرف وسعادة قلّ ما يجود الزمان بمثلها، أو يأتي بنسخة لها. (ويكيبديا الموسعة الحرة – د. محمد سعيد الطريحي)
نسألكم الدعاء