من الراجح رجحاناً قوياً كما يفهم من الروايات أن الامام بقية الله (روحي فداه) يحضر الميت عند احتضاره .. خاصة إذا كان الميت من العلماء ، و من الشيعة الأتقياء.
و اذ إنه (عليه السلام) امام حي ، و ولي كل مؤمن و مؤمنة ..
فمن غير المستبعد أن الوجود المقدس للامام (عليه السلام) هو نفسه يصلي على هذا الميت حتى لو صلى عليه الآخرون .
و قد نقل عن الامام علي أبن ابي طالب (عليه السلام) أنه اخبر الحارث الهمداني بمفاد قوله : من يمت يرني
اذ يحتمل أن يكون هذا المعنى شاملاً لمعاصري الامام
امير المؤمنين (عليه السلام) . اما من مات بعد هذا الزمان فإنه يرى لدى إحتضاره امام وقته و زمانه . كما تشهد بذلك الروايات و الوقائع التي ليس لأيرادها متسع . و هذا أي رؤية كل ميت لامام زمانه لا يتنافى و قول الامام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) . فمن الممكن أن يعاين المحتضر ، في لحظة الموت : امام الزمان (عليه السلام) و الامام علي ابن ابي طالب (عليه السلام).
كما من الممكن أن يكون لقوله : من يمت يرني ، جنبة نوعية . أي أنهم جميعاً (عليهم السلام) نور واحد ، و كلهم واحد . و تنص الروايات عنهم (عليهم السلام) على جواز نسبة قول أحدهم إلى الآخر . و على هذا .. فلا غرابة في أن يكون المراد بكلام أمير المؤمنين (عليه السلام) أن الذي يموت في زمان امير المؤمنين يره (عليه السلام) . و من يمت في زمان غيره من الأئمة (عليهم السلام) فإنه يرى امام عصره و زمانه .
و لسوف تتجلى هذه الحقيقة يوم القيامة في ارتباط كل مأموم بامامه ..كما قال الله (جل جلاله) (يوم ندعو كل أناس بإمامهم) (1).
و حتى ماء الكوثر فإن كل فئة من المؤمنين يسقيهم منه امام زمانهم ، كما ورد في دعاء الندبة : (واسقنا من حوض جده (صلى الله عليه و آله ) بكاسه و بيده رياً روياً سائغاً لا ظمأ بعد .... يا أرحم الراحمين ).
كان المرحوم آية الله العظمى سيد محمد هادي الميلاني و هو من علماء الشيعة و مراجعهم قد أقام في مدينة مشهد . و قد قال لي أكثر من مرة : أنه اختار سُـكنى مشهد .. لما كان يرى في الحوزة العلمية هنا من ضعف تحتاج معه إلى إحياء و إنهاض ، و كذلك لحبه الامام الثامن علي أبن موسى الرضا (عليه السلام).
و كنت أعرف على نحو الإجمال أن لهذا العالم الجليل صلات بالامام بقية الله (روحي فداه) . و قد سمعت من بعض أولياء الله أنه قد فاز مرات بلقاء الامام ولي العصر (عليه السلام).
و في مشهد المقدسة .. توفى هذا الأستاذ الكبير و المرجع الجليل .. و ما أن سمعت بنبأ وفاته حتى قصدت داره . و قد كان أبناؤه إقتداء بوالدهم المعظم – يكنون لي مودة خاصة ..فأدخلوني في الغرفة التي وضعت فيها الجنازة ، حيث يـُدخلون خاصتهم . جلست دقائق إلى جوار جثمانه الطاهر ، و قرأت الفاتحة .
في هذه الأثناء .. دخل الغرفة رجل ، قائلاً : كبار علماء مشهد قد اجتمعوا ، و يقولون : فلتحملوا الجنازة .
و لكن كبير أبناء المرحوم آية الله الميلاني صاح بصوت عال : لن أسمح بحمل جنازة والدي ما لم يحضر الامام صاحب الزمان (عليه السلام).
قال عبارته هذه بحرارة و اهتياج .. إلى حد أن داخلني آمل كبير بل لعلي جزمت أن أحظى اليوم برؤية جمال الامام ولي العصر (عليه السلام).
بعدئذ .. دخل الغرفة عدد من الرجال ، كنت مطمئناً إلى أنهم من أبناء المرحوم آية الله الميلاني و من أحفاده . و في لحظة دخولهم ذاتها .. ملأ جو الغرفة عبير عطر عجيب ، إذ ربما كان أحدهم هكذا فكرت قد طيب ثيابه بشيئ من الطيب.
ثم عاد الرجل الذي كان قد تحدث أولاً عن حمل الجنازة ، و قال : لماذا لا تحملون الجنازة ؟! أما كبير أبناء المرحوم آية الله الميلاني .. فإنه لم يقل شيئاً هذه المرة .. و رفعوا الجنازة.
و عندما ذكرت هذه الحادثة لعالم كبير ذي بصيرة و قلب واع ، كان حاضراً لدى التشييع .. فإنه قال كما قال كذلك كبير أولاد المرحوم : و ما يدريك أن الامام (عليه السلام) لم يأت ؟! و قالا أيضاً أشياء أخرى لا تستوجب النقل . و لكني قد أيقنت من كلامهما أن الإمام صاحب الزمان (عليه السلام) قد حضر .. و لم تكن لي اللياقة لرؤيته رؤية مقرونة بمعرفته (صلوات الله عليه).منقول