اللهمّ عرّفني نفسك، فإنّك إنْ لم تعرّفني نفسَك لمْ أعرف نبيّك، اللهمّ عرّفني رسولك، فإنّك إنْ لم تعرّفني رسولك لم أعرفْ حجّتك، اللهمّ عرّفني حجّتك، فإنّك إنْ لم تعرّفني حجّتك ضلَلتُ عن ديني
اليماني --- أهدى الرايات
المشرفون: الفردوس المحمدي،تسبيحة الزهراء
-
- الـمـديـر التـنـفـيـذي
- مشاركات: 1247
- اشترك في: الخميس أغسطس 14, 2008 5:07 am
اليماني --- أهدى الرايات
[align=center]السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صلّ على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين وعجل فرجهم وفرجنا معهم وبهم ياكريم يارب
موضوع مهم جدا ومرتبط بالموالين قرأته وأحببته أن أنقله لكم أيها الكرام وهو بحث قيم فعلا للشيخ جلال الدين الصغير وعلى حلقات ونظرا لأهميته الكبرى نقلته لكم لتعم الفائدة .
الحلقة الأولى
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم السلام على سيد الأنام حبيب إله العالمين محمد وعلى الهداة الميامين من أهل بيته الطيبين الطاهرين.
منذ باكورة وعيي للقضية المهدوية أسرتني شخصية العبد الصالح ((اليماني))، وتحديدا فقد بهرتني قضية أن يطلق أئمة أهل البيت ع على رايته وصف ((أهدى الرايات)) بمعية حضور رايات أساسية وحاسمة في معركة الهدى كراية ((الخراساني)) وراية ((الحسني)).
إن هذا التمييز بين رايته والرايات الهادية الأخرى فيه دلالة بالغة الخطورة لا يمكن للمرء المؤمن أن يستغني عن التمعن فيها، لاسيما وأن زمنه يوصف من قبل رواياتهم (ع) بأنه زمن الفتن الشديدة والتي سيطاح معها بدين الكثيرين وبإيمان العديدين، وستتجاذبهم تيارات سوء العاقبة وأمواجها يميناً ويساراً لتطيح ليلاً بمن كنا في الصباح نحسبه مؤمناً، وستتقاذفهم لججها لتذهب صباحاً بمن كان يعدّ ليلاً من المؤمنين، ولذلك فإن مثل هذا الوصف الذي وصف فيه هذا العبد الصالح يغدو مغرياً ومثيراً بشكل كبير لمن يهمه أين سيكون موقعه يوم غد!!
وسط هذا الإغراء الكبير وجدت نفسي متشبثة بقصة هذا العبد الصالح، فطفقت مع الأيام أبحث عن مواصفاته، وقلبت لذلك عشرات المجلدات وأنا أحاول أن أتقفى أثر هذه الشخصية العظيمة، فعاد بحثي المضني بعدد هو الأقل من نوعه من الروايات، بشكل لا ينسجم مع ضخامة هذه الشخصية وفق ما ذكرته روايات أهل البيت ع، وبأفكار متناقضة طرحتها العديد من الكتب التي تناولت هذه الشخصية الحاسمة، في الوقت الذي لم يخل الكثير من هذه الكتب بأفكار جاءت مختلة مع طبيعة ما طرحه أهل البيت (صلوات الله عليهم) عنه.
ومن الواضح جداً إن هذا العدد القليل من الروايات التي وردت بحقه رغم سمو وصفه فيها، يتعمد إبقاء هذه الشخصية بمحيط من الغموض المتعمد لأسباب عدة سنفصل الحديث عنها لاحقا، ولكن هذا الغموض الذي لا نلحظه مسلطاً على بقية الشخصيات الهادية، ربما يبين في نفس الوقت القدر الكبير من الأهمية الذي أولته نفس هذه الروايات لمنهج هذه الشخصية، فلولا خطورة هذا المنهج والذي بموجبه تحول إلى أهدى الرايات، لما تم إحاطة مهندس هذا المنهج وراعيه بكل هذا الغموض!
إلا إن ما يجعل المرء يتأسف إن هذا الاهتمام الذي سنلحظه في روايات أهل البيت ع بهذه الشخصية الأساسية من شخصيات عصري التمهيد والظهور، لم يقابل من قبل الكثير من الكتّاب والمحللين إلا بإجحاف وظلم كبيرين، فما بين كذّاب مفتر أدعى لنفسه هذا المقام، وراح يروّج عن نفسه إنه هو اليماني كما نلحظ ذلك في عدة من الدجّالين المعاصرين كدجال البصرة الذي حاول أن يوهم الغرّ والجهلة بأنه هو اليماني، وبين من حاول أن يسقط تحليلاته الذاتية على أهوائه ومشاعره تجاه فلان أو فلان فراح يصفهم بأن هذا أو ذاك هو اليماني!!
إن هذا المنهج فيه من الخطورة ما يفزع أهل التحقيق، فاليماني من الشرائط الحتمية التي سيتزامن خروجها مع أشهر قليلة من ظهور الإمام المهدي (روحي وأرواح العالمين له الفدا) وبالتالي فالتشخيص بأن فلانا أو فلانا هو اليماني يستدعي الاستعداد لما يترتب عليه من بعد ذلك، ولو لم يحصل فإن الأمر سيشكل خطراً كبيراً على إيمان الناس ومعتقداتهم، فهب أن زيدا قلنا بأنه هو اليماني فإن المترتب عليه هو الانتظار لأشهر قليلة لكي يظهر الإمام (عجل الله تعالى فرجه) وهذا ما يعني؛ إما وضع الناس أمام ظلال كبير في إمكانية اعتقادهم بمهدي دجال كما حصل في قضية الدجال ((قاضي السماء))، وإما أن نضعهم أمام وصف أهدى الرايات واستحقاقاته الإيمانية، فالطاعة هنا واجبة، أو ما يشبه الواجب في كون الراية هي الأهدى، عندئذ كيف سيكون الأمر لو أطاع الناس من لا حق لهم بطاعته؟ ومن سيتحمل مسؤولية ذلك؟ هذا ناهيك عن إن تشجيع العوام على مثل هذا المنهج فيه من المفاسد ما لا يخفى على ذي لب، ولو قدّر لأهل البيت ع أن أحاطوا هذه الشخصية بكل هذا الغموض، فهل يا ترى يحق لأحد ـ أي كان ـ أن يكشف النقاب عنها حتى لو علم علماً يقينياً بهويتها!! أن هذه الشخصية هي فعلا اليماني الذي تحدثت عنه روايات أهل البيت ع. فتأمل.
وكنت ولسنوات مصراً على عدم الكتابة عن شخصيات الظهور رغم إلحاح العديد من طلبتي الأعزاء والعديد من الأصدقاء، إلا إن كتاباً وقع في يدي لأحد الأفاضل دفعني ـ بعد تردد ـ لكي أمسك القلم لأخط هذه السطور لما وجدت فيه من منهج للتعامل مع هذه القضية الحيوية بطريقة قد تؤسس لوعي لا يخدم قضية الإمام المهدي (روحي وأرواح العالمين له الفدا) خصوصاً وإن الكتاب صدر عن جهة يعوّل عليها ـ إن شاء الله ـ بالإسهام بتوعية أصيلة لقضية شائكة وخطرة كقضية الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف).
ولا أدعي لنفسي العصمة فيما كتبت، ولكنها محاولة للتقيد بما تحدّث عنه أهل البيت (صلوات الله عليهم)، ومحاولة وضع هذه الأحاديث في إطارها المنسجم مع ما أراده صاحب النص (عليه السلام)، فإن وفقت في ذلك فالفضل والمنّة لهم (بأبي وأمي)، وإن شططت والعياذ بالله فمن نفسي، وأملي أن يغفر لي القارئ الكريم أي سهو أو زلل فحسبي أني أردت الإصلاح والاستقامة وفق ما أُمرت، وآخر دعوانا أن الحمد لله أولا وآخرا، وصلواته وسلامه على رسوله وآله الطاهرين أبداً.
انتظروا الحلقة الثانيه يرحمكم الله جميعا [/align]
اللهم صلّ على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين وعجل فرجهم وفرجنا معهم وبهم ياكريم يارب
موضوع مهم جدا ومرتبط بالموالين قرأته وأحببته أن أنقله لكم أيها الكرام وهو بحث قيم فعلا للشيخ جلال الدين الصغير وعلى حلقات ونظرا لأهميته الكبرى نقلته لكم لتعم الفائدة .
الحلقة الأولى
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم السلام على سيد الأنام حبيب إله العالمين محمد وعلى الهداة الميامين من أهل بيته الطيبين الطاهرين.
منذ باكورة وعيي للقضية المهدوية أسرتني شخصية العبد الصالح ((اليماني))، وتحديدا فقد بهرتني قضية أن يطلق أئمة أهل البيت ع على رايته وصف ((أهدى الرايات)) بمعية حضور رايات أساسية وحاسمة في معركة الهدى كراية ((الخراساني)) وراية ((الحسني)).
إن هذا التمييز بين رايته والرايات الهادية الأخرى فيه دلالة بالغة الخطورة لا يمكن للمرء المؤمن أن يستغني عن التمعن فيها، لاسيما وأن زمنه يوصف من قبل رواياتهم (ع) بأنه زمن الفتن الشديدة والتي سيطاح معها بدين الكثيرين وبإيمان العديدين، وستتجاذبهم تيارات سوء العاقبة وأمواجها يميناً ويساراً لتطيح ليلاً بمن كنا في الصباح نحسبه مؤمناً، وستتقاذفهم لججها لتذهب صباحاً بمن كان يعدّ ليلاً من المؤمنين، ولذلك فإن مثل هذا الوصف الذي وصف فيه هذا العبد الصالح يغدو مغرياً ومثيراً بشكل كبير لمن يهمه أين سيكون موقعه يوم غد!!
وسط هذا الإغراء الكبير وجدت نفسي متشبثة بقصة هذا العبد الصالح، فطفقت مع الأيام أبحث عن مواصفاته، وقلبت لذلك عشرات المجلدات وأنا أحاول أن أتقفى أثر هذه الشخصية العظيمة، فعاد بحثي المضني بعدد هو الأقل من نوعه من الروايات، بشكل لا ينسجم مع ضخامة هذه الشخصية وفق ما ذكرته روايات أهل البيت ع، وبأفكار متناقضة طرحتها العديد من الكتب التي تناولت هذه الشخصية الحاسمة، في الوقت الذي لم يخل الكثير من هذه الكتب بأفكار جاءت مختلة مع طبيعة ما طرحه أهل البيت (صلوات الله عليهم) عنه.
ومن الواضح جداً إن هذا العدد القليل من الروايات التي وردت بحقه رغم سمو وصفه فيها، يتعمد إبقاء هذه الشخصية بمحيط من الغموض المتعمد لأسباب عدة سنفصل الحديث عنها لاحقا، ولكن هذا الغموض الذي لا نلحظه مسلطاً على بقية الشخصيات الهادية، ربما يبين في نفس الوقت القدر الكبير من الأهمية الذي أولته نفس هذه الروايات لمنهج هذه الشخصية، فلولا خطورة هذا المنهج والذي بموجبه تحول إلى أهدى الرايات، لما تم إحاطة مهندس هذا المنهج وراعيه بكل هذا الغموض!
إلا إن ما يجعل المرء يتأسف إن هذا الاهتمام الذي سنلحظه في روايات أهل البيت ع بهذه الشخصية الأساسية من شخصيات عصري التمهيد والظهور، لم يقابل من قبل الكثير من الكتّاب والمحللين إلا بإجحاف وظلم كبيرين، فما بين كذّاب مفتر أدعى لنفسه هذا المقام، وراح يروّج عن نفسه إنه هو اليماني كما نلحظ ذلك في عدة من الدجّالين المعاصرين كدجال البصرة الذي حاول أن يوهم الغرّ والجهلة بأنه هو اليماني، وبين من حاول أن يسقط تحليلاته الذاتية على أهوائه ومشاعره تجاه فلان أو فلان فراح يصفهم بأن هذا أو ذاك هو اليماني!!
إن هذا المنهج فيه من الخطورة ما يفزع أهل التحقيق، فاليماني من الشرائط الحتمية التي سيتزامن خروجها مع أشهر قليلة من ظهور الإمام المهدي (روحي وأرواح العالمين له الفدا) وبالتالي فالتشخيص بأن فلانا أو فلانا هو اليماني يستدعي الاستعداد لما يترتب عليه من بعد ذلك، ولو لم يحصل فإن الأمر سيشكل خطراً كبيراً على إيمان الناس ومعتقداتهم، فهب أن زيدا قلنا بأنه هو اليماني فإن المترتب عليه هو الانتظار لأشهر قليلة لكي يظهر الإمام (عجل الله تعالى فرجه) وهذا ما يعني؛ إما وضع الناس أمام ظلال كبير في إمكانية اعتقادهم بمهدي دجال كما حصل في قضية الدجال ((قاضي السماء))، وإما أن نضعهم أمام وصف أهدى الرايات واستحقاقاته الإيمانية، فالطاعة هنا واجبة، أو ما يشبه الواجب في كون الراية هي الأهدى، عندئذ كيف سيكون الأمر لو أطاع الناس من لا حق لهم بطاعته؟ ومن سيتحمل مسؤولية ذلك؟ هذا ناهيك عن إن تشجيع العوام على مثل هذا المنهج فيه من المفاسد ما لا يخفى على ذي لب، ولو قدّر لأهل البيت ع أن أحاطوا هذه الشخصية بكل هذا الغموض، فهل يا ترى يحق لأحد ـ أي كان ـ أن يكشف النقاب عنها حتى لو علم علماً يقينياً بهويتها!! أن هذه الشخصية هي فعلا اليماني الذي تحدثت عنه روايات أهل البيت ع. فتأمل.
وكنت ولسنوات مصراً على عدم الكتابة عن شخصيات الظهور رغم إلحاح العديد من طلبتي الأعزاء والعديد من الأصدقاء، إلا إن كتاباً وقع في يدي لأحد الأفاضل دفعني ـ بعد تردد ـ لكي أمسك القلم لأخط هذه السطور لما وجدت فيه من منهج للتعامل مع هذه القضية الحيوية بطريقة قد تؤسس لوعي لا يخدم قضية الإمام المهدي (روحي وأرواح العالمين له الفدا) خصوصاً وإن الكتاب صدر عن جهة يعوّل عليها ـ إن شاء الله ـ بالإسهام بتوعية أصيلة لقضية شائكة وخطرة كقضية الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف).
ولا أدعي لنفسي العصمة فيما كتبت، ولكنها محاولة للتقيد بما تحدّث عنه أهل البيت (صلوات الله عليهم)، ومحاولة وضع هذه الأحاديث في إطارها المنسجم مع ما أراده صاحب النص (عليه السلام)، فإن وفقت في ذلك فالفضل والمنّة لهم (بأبي وأمي)، وإن شططت والعياذ بالله فمن نفسي، وأملي أن يغفر لي القارئ الكريم أي سهو أو زلل فحسبي أني أردت الإصلاح والاستقامة وفق ما أُمرت، وآخر دعوانا أن الحمد لله أولا وآخرا، وصلواته وسلامه على رسوله وآله الطاهرين أبداً.
انتظروا الحلقة الثانيه يرحمكم الله جميعا [/align]
-
- الـمـديـر التـنـفـيـذي
- مشاركات: 1247
- اشترك في: الخميس أغسطس 14, 2008 5:07 am
Re: اليماني --- أهدى الرايات
[align=center]الحلقة الثانية
بين يدي البحث
كنت قد تحدثت في كتابنا ((ظهور الإمام المهدي وعلاماته.. بحث في منهج التعامل وآلية التعرف)) عن كيفية التعامل مع الروايات المتعلقة بعلامات ظهور الإمام (روحي فداه) ومنها الروايات المتعلقة باليماني، فهذه الروايات لم تطلق لمجرد الرواية، ولا بهدف سرد القصص لاستشراف المستقبل، وإنما تتمتع هذه الروايات بهدفية خاصة خطط لها صاحب الرواية، وهذه الهدفية ترتبط بمنهاج أكبر من خصوصيات الرواية، وعليه فإن التعامل الحذر معها هو السبيل الوحيد لإدراك كنهها وطبيعة ما ترمي إليه، فهي تحتل موضعاً محدداً ضمن خارطة زمانية أو مكانية أو الأمرين معاً، وأي استخفاف في التعامل معها يؤدي إلى بعثرة معطياتها ويمنع من الاستفادة التي أرادها صاحب نص الرواية، وهي تمثل معلماً من معالم منهج محدد تم التخطيط له بعناية بالغة، مما يجعل الإسفاف في التعامل مع هذه الروايات سببا في عدم فهم هذا المنهج، وقد يؤدي التمادي إلى الخروج عنه.
وحينما تغدو القضية حساسة كحساسية قضية اليماني في معركة الهدى والضلال لا بد للباحث أن يتوخى الحذر الكامل في التعامل مع هذه الروايات، فهناك أكثر من إغراء يسمح للدجالين وأصحاب الأهواء أن يستغلوه في هذه القضية، وأحسب أن الكثير من المحققين كان بإمكانهم ملاحظة أن هذه الإغراءات تدخلت في صياغة بعض الأخبار والروايات الموضوعة بطريقة وأخرى، فضلاً عن طبيعة التفسير لهذه الأخبار والروايات، وبعيداً عن هذا وذاك فإن أمورا أساسية يجب مراعاتها بشكل كامل فيما يتعلق باليماني، ومنها:
الأمر الأول: يتعلق بكونه ((أهدى الرايات)) وهذه الصفة تعطي المجال لأصحاب الأهواء أن يطوّعوها بأي طريقة كي يضفوا هذه الصفة وهذا الامتياز لمن يرون أنه يحقق لهم هذه الأهواء، ومن ثم ليفتحوا بوابات الخطر بكل الاتجاهات سواء كانت تتعلق بالوجاهة الاجتماعية الزائفة التي تصنع لمن يخدع البعض بأن فلاناً له هذه الشأنية، أو استغلالها في المآرب السياسية التي تمكّن من ينصّب نفسه في مثل هذا الموضع لغرض جمع الحاشية والأنصار وتوظيف ذلك في السعي لتلك المآرب، أو استعمالها لغرض الاختراق العقائدي، فمن يملك هذا المقام يتمكن من الضرب بأكثر من اتجاه لتحقيق هذا الاختراق، تارة من خلال ما يفترض له من وجاهة تمكنه من خداع الأنفس الغر والعقول التافهة، وأخرى من خلال خلط المقدس في نفوس الناس، مع السيئ في سلوكيات أمثال هؤلاء الدجالون، مما يسقط المقدس ويهينه، أو ما شاكل.
وبطبيعة الحال فقد استغلت هذه الصفة لكي يمتدح الزيديون أنفسهم ويشيروا لأنفسهم بأن اليماني الذي وصف بأنه أهدى الرايات سيخرج من بيئتهم، وبالتالي فإن هذا الأمر ينسحب عليهم بشكل طبيعي فهذه الراية ستخرج من بين أظهرهم وهم سيكونون القاعدة التي ستعتمد عليها، مما يعطي لمذهبهم الحق في مقابل بقية المذاهب.
الأمر الثاني: تتعلق بكون اسمه يمكن أن يستغل على نطاق واسع في معركة المناطق والشعوب التي تحتل قسطاً مهماً في عالم الروايات المنحولة وتأويل غيرها، فلطالما عبث السلاطين ووعاظهم وأصحاب العمائم الزائفة والمصالح المريبة، فوضعوا الروايات وجعلوا وعاظهم يفسرون لهم وفق مشتهياتهم، ففي أيام سلطة بني أمية بلغت الروايات التي تمدح الشام وأهلها حداً يخال فيه المرء أنها هي من نزل فيها الوحي!!، وحينما اشتدت المعركة بين أهل الرأي من الأحناف والمعتزلة في بغداد والبصرة، وبين أهل الحديث والحشوية في مكة والمدينة بالغ كل طرف في مدح هذه المناطق بما لا شائبة في غلوهما وافترائهما على الحديث وصاحب نصه، ولهذا فكون لقب اليماني يوحي أنه من اليمن أو انه من الشعب الفلاني، فإنه يدخل سلفا في معارك اليمنيين مع أقرانهم من الشعوب والقبائل الأخرى كالشاميين والعراقيين والمصريين والفرس وغيرهم، ومن الواضح إن هذه المعارك كلفت الحديث وتفسيراته أعباء باهضة من التزوير والتصحيف والتحريف والتطويع لكي يكون الشعب الفلاني حاضرا في قضية معينة، فما بالك في قضية كقضية الإمام المهدي (عليه السلام)؟ فكل شعب يريد أن يثبت لنفسه موضعاً في هذه القضية التي يتسالم على أهميتها أهل الشيعة والسنة رغم اختلافهم في التفاصيل، واليمنيون لهم حظ ليس بقليل في عملية وضع الحديث والتمحّل في تفسيره كما يعرف ذلك أهل الاختصاص. فلا تغفل.
الأمر الثالث: يتعلق بالظرف الزماني لقضية اليماني، فهذا العبد الصالح وقّت له بشكل محدد، وهذا التوقيت مرتبط مباشرة بعملية التمهيد المباشر للظهور الشريف، وبالتالي فإن أي خلل في التعامل مع الأحاديث المتعلقة به، يمكن أن يخلق مشاكل جمّة على أكثر من صعيد، فهو قريب من الناحية الزمانية ـ كما سنرى ـ من الإمام (عليه السلام) ومن الخراساني والسفياني والحسني، كما إنه قريب أيضاً من جملة من الحوادث الحاسمة المعلنة عن ظهور الإمام كقتل النفس الزكية والصيحة في ليلة القدر، وبالتالي فإن أي إخفاق في هذا الصدد سيعود بضرر بالغ على منظومة روائية جمعت منهج أهل البيت ع في شأن الظهور، فما نتحدث عنه إنما هو حديث عن العلائم الحتمية، وهذه العلامات قريبة جداً من الظهور، وقد أشير إليها لكي تدلّ مباشرة للإمام (روحي فداه) ولكي يحتجّ بها أيضاً على ظهوره (صلوات الله عليه) في زمن ستكثّر فيها الكذّابة من أدعياء المهدوية، مما يجعل التساهل في التعامل مع قضيته ينطوي على مخاطر فائقة جداً[/align].
بين يدي البحث
كنت قد تحدثت في كتابنا ((ظهور الإمام المهدي وعلاماته.. بحث في منهج التعامل وآلية التعرف)) عن كيفية التعامل مع الروايات المتعلقة بعلامات ظهور الإمام (روحي فداه) ومنها الروايات المتعلقة باليماني، فهذه الروايات لم تطلق لمجرد الرواية، ولا بهدف سرد القصص لاستشراف المستقبل، وإنما تتمتع هذه الروايات بهدفية خاصة خطط لها صاحب الرواية، وهذه الهدفية ترتبط بمنهاج أكبر من خصوصيات الرواية، وعليه فإن التعامل الحذر معها هو السبيل الوحيد لإدراك كنهها وطبيعة ما ترمي إليه، فهي تحتل موضعاً محدداً ضمن خارطة زمانية أو مكانية أو الأمرين معاً، وأي استخفاف في التعامل معها يؤدي إلى بعثرة معطياتها ويمنع من الاستفادة التي أرادها صاحب نص الرواية، وهي تمثل معلماً من معالم منهج محدد تم التخطيط له بعناية بالغة، مما يجعل الإسفاف في التعامل مع هذه الروايات سببا في عدم فهم هذا المنهج، وقد يؤدي التمادي إلى الخروج عنه.
وحينما تغدو القضية حساسة كحساسية قضية اليماني في معركة الهدى والضلال لا بد للباحث أن يتوخى الحذر الكامل في التعامل مع هذه الروايات، فهناك أكثر من إغراء يسمح للدجالين وأصحاب الأهواء أن يستغلوه في هذه القضية، وأحسب أن الكثير من المحققين كان بإمكانهم ملاحظة أن هذه الإغراءات تدخلت في صياغة بعض الأخبار والروايات الموضوعة بطريقة وأخرى، فضلاً عن طبيعة التفسير لهذه الأخبار والروايات، وبعيداً عن هذا وذاك فإن أمورا أساسية يجب مراعاتها بشكل كامل فيما يتعلق باليماني، ومنها:
الأمر الأول: يتعلق بكونه ((أهدى الرايات)) وهذه الصفة تعطي المجال لأصحاب الأهواء أن يطوّعوها بأي طريقة كي يضفوا هذه الصفة وهذا الامتياز لمن يرون أنه يحقق لهم هذه الأهواء، ومن ثم ليفتحوا بوابات الخطر بكل الاتجاهات سواء كانت تتعلق بالوجاهة الاجتماعية الزائفة التي تصنع لمن يخدع البعض بأن فلاناً له هذه الشأنية، أو استغلالها في المآرب السياسية التي تمكّن من ينصّب نفسه في مثل هذا الموضع لغرض جمع الحاشية والأنصار وتوظيف ذلك في السعي لتلك المآرب، أو استعمالها لغرض الاختراق العقائدي، فمن يملك هذا المقام يتمكن من الضرب بأكثر من اتجاه لتحقيق هذا الاختراق، تارة من خلال ما يفترض له من وجاهة تمكنه من خداع الأنفس الغر والعقول التافهة، وأخرى من خلال خلط المقدس في نفوس الناس، مع السيئ في سلوكيات أمثال هؤلاء الدجالون، مما يسقط المقدس ويهينه، أو ما شاكل.
وبطبيعة الحال فقد استغلت هذه الصفة لكي يمتدح الزيديون أنفسهم ويشيروا لأنفسهم بأن اليماني الذي وصف بأنه أهدى الرايات سيخرج من بيئتهم، وبالتالي فإن هذا الأمر ينسحب عليهم بشكل طبيعي فهذه الراية ستخرج من بين أظهرهم وهم سيكونون القاعدة التي ستعتمد عليها، مما يعطي لمذهبهم الحق في مقابل بقية المذاهب.
الأمر الثاني: تتعلق بكون اسمه يمكن أن يستغل على نطاق واسع في معركة المناطق والشعوب التي تحتل قسطاً مهماً في عالم الروايات المنحولة وتأويل غيرها، فلطالما عبث السلاطين ووعاظهم وأصحاب العمائم الزائفة والمصالح المريبة، فوضعوا الروايات وجعلوا وعاظهم يفسرون لهم وفق مشتهياتهم، ففي أيام سلطة بني أمية بلغت الروايات التي تمدح الشام وأهلها حداً يخال فيه المرء أنها هي من نزل فيها الوحي!!، وحينما اشتدت المعركة بين أهل الرأي من الأحناف والمعتزلة في بغداد والبصرة، وبين أهل الحديث والحشوية في مكة والمدينة بالغ كل طرف في مدح هذه المناطق بما لا شائبة في غلوهما وافترائهما على الحديث وصاحب نصه، ولهذا فكون لقب اليماني يوحي أنه من اليمن أو انه من الشعب الفلاني، فإنه يدخل سلفا في معارك اليمنيين مع أقرانهم من الشعوب والقبائل الأخرى كالشاميين والعراقيين والمصريين والفرس وغيرهم، ومن الواضح إن هذه المعارك كلفت الحديث وتفسيراته أعباء باهضة من التزوير والتصحيف والتحريف والتطويع لكي يكون الشعب الفلاني حاضرا في قضية معينة، فما بالك في قضية كقضية الإمام المهدي (عليه السلام)؟ فكل شعب يريد أن يثبت لنفسه موضعاً في هذه القضية التي يتسالم على أهميتها أهل الشيعة والسنة رغم اختلافهم في التفاصيل، واليمنيون لهم حظ ليس بقليل في عملية وضع الحديث والتمحّل في تفسيره كما يعرف ذلك أهل الاختصاص. فلا تغفل.
الأمر الثالث: يتعلق بالظرف الزماني لقضية اليماني، فهذا العبد الصالح وقّت له بشكل محدد، وهذا التوقيت مرتبط مباشرة بعملية التمهيد المباشر للظهور الشريف، وبالتالي فإن أي خلل في التعامل مع الأحاديث المتعلقة به، يمكن أن يخلق مشاكل جمّة على أكثر من صعيد، فهو قريب من الناحية الزمانية ـ كما سنرى ـ من الإمام (عليه السلام) ومن الخراساني والسفياني والحسني، كما إنه قريب أيضاً من جملة من الحوادث الحاسمة المعلنة عن ظهور الإمام كقتل النفس الزكية والصيحة في ليلة القدر، وبالتالي فإن أي إخفاق في هذا الصدد سيعود بضرر بالغ على منظومة روائية جمعت منهج أهل البيت ع في شأن الظهور، فما نتحدث عنه إنما هو حديث عن العلائم الحتمية، وهذه العلامات قريبة جداً من الظهور، وقد أشير إليها لكي تدلّ مباشرة للإمام (روحي فداه) ولكي يحتجّ بها أيضاً على ظهوره (صلوات الله عليه) في زمن ستكثّر فيها الكذّابة من أدعياء المهدوية، مما يجعل التساهل في التعامل مع قضيته ينطوي على مخاطر فائقة جداً[/align].
-
- مـشـرفـة
- مشاركات: 6215
- اشترك في: الخميس يوليو 31, 2008 2:53 pm
Re: اليماني --- أهدى الرايات
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على محمد و ال محمد
اللهم ارنا الحق قح فنتبعه و الباطل باطلا فنجتنبه
عند قرائتي لموضوعكم خادم للحسين ورد في ذهني اسأله
س1: هل اليماني عند خروجه يعلم بأنه هو اليماني المذكور في الروايات ؟
س2: و هل بخروجه يقول للناس انا اليماني فتبعوني ؟
س3. وهل خروجه يكون بأمر من الله و كل الامور بيده عز وجل ام بدافع ذاتي منه ليدافع عن المهدي ؟
أثابكم المولى على هذا الطرح المبارك و جعلكم من انصار الحجه عليه السلام
اللهم صلي على محمد و ال محمد
اللهم ارنا الحق قح فنتبعه و الباطل باطلا فنجتنبه
عند قرائتي لموضوعكم خادم للحسين ورد في ذهني اسأله
س1: هل اليماني عند خروجه يعلم بأنه هو اليماني المذكور في الروايات ؟
س2: و هل بخروجه يقول للناس انا اليماني فتبعوني ؟
س3. وهل خروجه يكون بأمر من الله و كل الامور بيده عز وجل ام بدافع ذاتي منه ليدافع عن المهدي ؟
أثابكم المولى على هذا الطرح المبارك و جعلكم من انصار الحجه عليه السلام
-
- الـمـديـر التـنـفـيـذي
- مشاركات: 1247
- اشترك في: الخميس أغسطس 14, 2008 5:07 am
Re: اليماني --- أهدى الرايات
اللهم عجل فرج وليك القائم صلواتك عليه وعلى آبائه الكرام الطيبين الطاهرين وعلى أصحابهم المنتجبين الذين ثبتوا على الولاية .
شكرا لكم على المتابعه والرد وسيأتي خلال البحث ماورد من سوآلكم ... انتظروا الحلقة القادمة بإذن الله عز وجل
اللهم صل ّ على محمد وآل محمد
شكرا لكم على المتابعه والرد وسيأتي خلال البحث ماورد من سوآلكم ... انتظروا الحلقة القادمة بإذن الله عز وجل
اللهم صل ّ على محمد وآل محمد
-
- الـمـديـر التـنـفـيـذي
- مشاركات: 1247
- اشترك في: الخميس أغسطس 14, 2008 5:07 am
Re: اليماني --- أهدى الرايات
[align=center]الحلقة الثالثة
اليماني في حديث أهل البيت عليهم السلام
كما أشرت آنفاً فإن حديث أهل البيت (صلوات الله عليهم) عن اليماني اتسم بقلّته، ولكن هذه القلّة في الحديث لم تمنع من كشف جانب من منهج اليماني وطبيعة خطه، وسنحاول هنا أن نستوضح جانباً من ذلك، حيث سنجد إن الحديث عن اليماني في حديثهم (عليهم السلام) يمكن تقسيمه إلى أقسام ثلاثة، وهذه الأقسام هي:
القسم الأول: الأحاديث الزمانية
ركّز هذا القسم على تشخيص زمن محدد لليماني، وتم رد كل زمن آخر غير هذا الزمن، وأن خروجه يكون قبل الإمام (روحي فداه)، وهذا القسم من الحديث استخدم لرد مدّعي المهدوية من جهة، فلابد أن يتقدم اليماني قبل الظهور بحيث يكون دالاًّ عليه، لاسيما وأن اليماني هو من الشرائط الحتمية لظهور الإمام حسب وصف الروايات،(1) ومن جهة لرد مدّعي اليمانية ـ إن صح التعبير ـ، إذ إن اليماني يخرج في وقت محدد قدر له أن يكون في شهر ربيع الثاني، قبل ظهور الإمام بتسعة أشهر كما سيأتي بناء على الروايات التي تؤرخ الظهور بالعاشر من المحرم، ففي حديث للإمام الرضا (عليه السلام) وهو يرد إدعاء احدهم بأنه هو القائم(2) قال كما يروي النعماني عن محمد بن همام، عن جعفر بن محمد بن مالك، عن علي بن عاصم، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: قبل هذا الأمر السفياني واليماني والمرواني(3) وشعيب بن صالح، فكيف يقول هذا، هذا؟(4)
وفي حديث ابن عقدة، عن أحمد بن يوسف بن يعقوب الجعفي، عن إسماعيل بن مهران، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه؛ ووهيب بن حفص، عن أبي بصير، عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: خروج السفياني واليماني والخراساني في سنة واحدة، في شهر واحد، في يوم واحد، نظام كنظام الخرز يتبع بعضه بعضاً.(5)
وفي رواية صحيحة أوردها الشيخ الطوسي عن الفضل بن شاذان، عن [محمد بن أبي عمير]، عن سيف بن عميرة، عن بكر بن محمد الأزدي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: خروج الثلاثة؛ السفياني والخراساني واليماني في سنة واحدة، في شهر واحد، في يوم واحد..أهـ.(6)
وكذا ما أورده النعماني، عن علي بن أحمد، عن عبيد الله بن موسى، عن إبراهيم بن هاشم، عن محمد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: اليماني والسفياني كفرسي رهان.(7)
يشير الحديث هنا إلى أن زمن اليماني سيكون متزامناً تحديداً مع زمن الخراساني والسفياني بشكل دقيق، وباعتبار إن السفياني الملعون والإمام المهدي (روحي فداه) في سنة واحدة كما هو صريح حديث محمد بن مسلم عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: السفياني والقائم في سنة واحدة،(8) فيكون اليماني والإمام المهدي (صلوات الله عليه) في سنة واحدة أيضاً.
ونرى هنا أيضاً إن الأحاديث أشارت بشكل عام إلى خروج اليماني في هذا الزمن، مما يعني أن خروجه براية الحرب محددة في هذا الزمن، ولكن هذا لا يمنع من وجوده في الزمن الأسبق لذلك على مستوى الشهرة أو الوجاهة أو الشأنية في عالم السياسة أو في عالم المنتظرين، وإن كان الراجح أن يكون الرجل من أصحاب الشأنية السياسية والأمنية الطاغية في محيطه، بحيث يقرن بالأسماء المتبقية، وسيأتي الحديث عن ذلك لاحقاً.
القسم الثاني: الأحاديث المكانية
وفي هذا القسم من الأحاديث أشارت الروايات إلى مكان عمل اليماني والساحة التي يخرج لأجلها، وما يجب الإشارة إليه هنا هو أني لم أجد في هذه الأحاديث أية إشارة من قريب أو من بعيد يمكن أن تفيد في تشخيص مكان لساحة عمل اليماني قبل ظهور الإمام المهدي (روحي فداه) غير العراق، مع تأكيدنا على ما توصلنا إليه في فصل (هوية اليماني) من أن الروايات الخاصة بأهل البيت (عليهم السلام) لم تتطرق أبداً إلى كونه يخرج من اليمن، أو أن له علاقة بالساحة الحضارية والاجتماعية في اليمن، وكل ما موجود في هذا الصدد إنما هو روايات أهل العامة وكتبهم.
وهذا القسم كسالفه يحاول أن يقلّص الخيارات على الأدعياء، فكما رأينا في القسم الأول كيف يتم تحديد زمن اليماني؛ لكي يقطع الطريق أمام أدعياء المهدوية واليمانية على حد سواء، هنا أيضاً يتم التحدث عن مكان محدد توخياً لنفس الأسباب السالفة.
وفي هذه الروايات سنلاحظ أن بعضها يتحدث عن حركة أو إقبال أو سير لليماني باتجاه ساحة معارك السفياني تحديداً دون أن تحدد للوهلة الأولى مكان هذه الساحة ففي رواية علي بن أحمد البنديجي، عن عبيد الله بن موسى العلوي، عن محمد بن موسى، عن أحمد بن أبي أحمد الوراق، عن يعقوب بن السراج قال: قلت لأبي عبد الله: متى فرج الشيعة؟ قال: إذا اختلف بنو العباس... إلى أن قال: وظهر السفياني، وأقبل اليماني، وتحرك الحسني خرج صاحب هذا الأمر.(9)
وفي رواية طويلة يرويها العلامة المجلسي عن كتاب سرور أهل الإيمان عن السيد علي بن عبد الحميد بإسناد يرفعه إلى الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) فبعد أن يتحدث عن مذابح السفياني في الزوراء (وهي بغداد) والكوفة قال: فبينما هم على ذلك إذ أقبلت خيل اليماني والخراساني يستبقان كأنهما فرسي رهان، شعث غبر جرد..الخ.(10)
وروى الكليني عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن يعقوب السراج قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): متى فرج شيعتكم؟ قال: فقال: إذا اختلف... إلى أن قال: وخلعت العرب أعنتها،(11) ورفع كل ذي صيصية صيصيته،(12) وظهر الشامي(13) وأقبل اليماني، وتحرك الحسني، وخرج صاحب هذا الأمر.. (14)
وفي دلائل الإمامة روى الشيخ الطبري باسناده إلى علي بن إبراهيم بن مهزيار، عن الإمام الحجة (عجل الله تعالى فرجه الشريف) أنه قال في حديث طويل: يا ابن مهزيار ـ ومد يده ـ: ألا أنبئك الخبر؛ إنه إذا قعد الصبي، وتحرك المغربي، وسار العماني،(15) وبويع السفياني يأذن لولي الله.(16)
وفي رواية عامية للشيخ الطوسي(17) في كتاب الغيبة بإسناده إلى عمار بن ياسر(18) وهي تشير إلى معركة قرقيسيا ونتائجها قال: ويسبق عبد الله، عبد الله، حتى يلتقي جنودهما بقرقيسياء على النهر، ويكون قتال عظيم، ويسير صاحب المغرب فيقتل الرجال ويسبي النساء، ثم يرجع في قيس حتى ينزل الجزيرة [إلى] السفياني، فيسبق [فيتبع] اليماني فيقتل [قيساً بأريحا] ويحوز السفياني ما جمعوا، ثم يسير إلى الكوفة فيقتل أعوان آل محمد (صلى الله عليه وآله)... الخ.(19)
وهنا نلحظ أن الأحاديث الشريفة استخدمت كلمة السير والإقبال لليماني، وهذه مرتبطة بالمكان، وفي بعضها تصريح بأن الإقبال يكون للكوفة، وفي بعضها لا يتكلم الخبر إلا عن حركة اليماني دون أن يشير إلى المكان، والرواية الوحيدة التي تشير إلى مكان لليماني خارج الكوفة ـ على ما يبدو ـ هو الرواية الأخيرة والتي تشير ـ على فرض صحتها ـ ولكن من الواضح إن موقعية اليماني فيها هو داخل العراق.
ومن الملاحظ أن الروايات الشريفة أشارت في مجموعة القسم الأول السابقة إلى أن اليماني والسفياني والخراساني يستبقان كفرسي رهان، وهذا السباق إنما يكون مختصاً بالساحة العراقية دون غيرها، فحركة الثلاثة حينما تقترن بوقت واحد كما في الروايات السابقة، إنما تكون مكانياً متلازمة مع حركة السفياني، فاليماني والخراساني إنما يخرجان لرد كيد السفياني، والسفياني في الحدود الزمانية والمكانية لهذا التلازم إنما يقصد العراق تحديداً بعد انتصاره في قرقيسيا، ولهذا فإن حديث الروايات ضمن هذا المقطع إنما تحدد العراق كساحة لحركة اليماني بعد ظهور السفياني وقبل ظهور الإمام (صلوات الله عليه)، وهي فترة تحدد بتسعة أشهر كما هو صريح العديد من الروايات(20) ، ومن الواضح إن معركة الخراساني واليماني ضد السفياني في العراق لا تنتهي إلا بعد دخول الإمام المنتظر (روحي فداه) إلى العراق، إذن فالحديث هنا سينحصر في العراق.
أما من أين يقبل؟
ومن أين ينطلق سيره؟
فالروايات تسكت عن ذلك، ولا تتحدث عنه، وسنحاول أن نكتشف ذلك في حديث لاحق.
يبقى أن نشير إلى رواية مضطربة وغريبة عن سياقات أحداث روايات اهل البيت (عليهم السلام) ذكرت في مخطوطة تنسب للفضل بن شاذان تحت اسم مختصر إثبات الرجعة(21) وقد ذكرت جملة من التحركات لليماني خارج العراق وفي اليمن تحديداً، وسنناقشها بالتفصيل إن شاء الله في الأسطر القادمة، وسنعرف بأن الرواية لا يمكن الاستناد إليها لأنها مضطربة جدا في متنها، وغريبة بشكل يمكن معه الاطمئنان إلى عدم صحة نسبتها إلى أئمة أهل البيت (عليهم السلام)
يتبع
الهوامش:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 غيبة النعماني: 262 ب14 ح11.
2 لعله محمد بن إبراهيم المعروف بابن طباطبا أو غيره.
3 لعله تصحيف كلمة الخراساني.
4 غيبة النعماني: 262 ب14 ح12.
5 غيبة النعماني: 255ـ256.
6 غيبة الشيخ الطوسي: 446ـ447 ح443، والشيخ المفيد في الإرشاد 2: 375.
7 غيبة النعماني: 305 ب18 ح15.
8 غيبة النعماني: 267 ح36.
9 غيبة النعماني: 270 ح42.
10 بحار الأنوار 52: 274 ح167.
11 أعنة الخيل: لجامها الذي يمسك بها.
12 صياصي البقر: قرونها، والصياصي: الحصون.
13 الشامي وفقا لبقية الرواية هو السفياني.
14 الكافي 8: 225 ح285.
15 هنا تصحيف ظاهر، والصحيح: اليماني كما في المحجة فيما نزل في القائم الحجة (ع). انظر مكيال المكارم فيما نزل في الإمام القائم 1: 271.
16 دلائل الإمامة: 542 ح522.
17 الرواية ليست من حديث أهل البيت (عليهم السلام) وإسنادها عامي، ولكن ورودها في كتاب غيبة الشيخ الطوسي جعلني أتوقف عندها.
18 وهي نفس رواية نعيم بن حماد في كتاب لفتن، ولعل لفظها في الفتن أصح مما في غيبة الطوسي انظر كتاب الفتن 183، وما بين المعقوفتين منه.
19 غيبة الطوسي: 464 ح479 وكتاب الفتن: 183 وما بين المعقوفتين منه.
20 غيبة الشيخ الطوسي: 462 ح477، وغيبة النعماني: 316 ب18 ح14
21 ناقشنا مصداقية الرواية في بحث: هوية اليماني وستأتيك في الأسطر القادمة إن شاء الله.
وإلى حلقة قادمة إذا شاء الله عز وجل [/align]
اليماني في حديث أهل البيت عليهم السلام
كما أشرت آنفاً فإن حديث أهل البيت (صلوات الله عليهم) عن اليماني اتسم بقلّته، ولكن هذه القلّة في الحديث لم تمنع من كشف جانب من منهج اليماني وطبيعة خطه، وسنحاول هنا أن نستوضح جانباً من ذلك، حيث سنجد إن الحديث عن اليماني في حديثهم (عليهم السلام) يمكن تقسيمه إلى أقسام ثلاثة، وهذه الأقسام هي:
القسم الأول: الأحاديث الزمانية
ركّز هذا القسم على تشخيص زمن محدد لليماني، وتم رد كل زمن آخر غير هذا الزمن، وأن خروجه يكون قبل الإمام (روحي فداه)، وهذا القسم من الحديث استخدم لرد مدّعي المهدوية من جهة، فلابد أن يتقدم اليماني قبل الظهور بحيث يكون دالاًّ عليه، لاسيما وأن اليماني هو من الشرائط الحتمية لظهور الإمام حسب وصف الروايات،(1) ومن جهة لرد مدّعي اليمانية ـ إن صح التعبير ـ، إذ إن اليماني يخرج في وقت محدد قدر له أن يكون في شهر ربيع الثاني، قبل ظهور الإمام بتسعة أشهر كما سيأتي بناء على الروايات التي تؤرخ الظهور بالعاشر من المحرم، ففي حديث للإمام الرضا (عليه السلام) وهو يرد إدعاء احدهم بأنه هو القائم(2) قال كما يروي النعماني عن محمد بن همام، عن جعفر بن محمد بن مالك، عن علي بن عاصم، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: قبل هذا الأمر السفياني واليماني والمرواني(3) وشعيب بن صالح، فكيف يقول هذا، هذا؟(4)
وفي حديث ابن عقدة، عن أحمد بن يوسف بن يعقوب الجعفي، عن إسماعيل بن مهران، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه؛ ووهيب بن حفص، عن أبي بصير، عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: خروج السفياني واليماني والخراساني في سنة واحدة، في شهر واحد، في يوم واحد، نظام كنظام الخرز يتبع بعضه بعضاً.(5)
وفي رواية صحيحة أوردها الشيخ الطوسي عن الفضل بن شاذان، عن [محمد بن أبي عمير]، عن سيف بن عميرة، عن بكر بن محمد الأزدي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: خروج الثلاثة؛ السفياني والخراساني واليماني في سنة واحدة، في شهر واحد، في يوم واحد..أهـ.(6)
وكذا ما أورده النعماني، عن علي بن أحمد، عن عبيد الله بن موسى، عن إبراهيم بن هاشم، عن محمد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: اليماني والسفياني كفرسي رهان.(7)
يشير الحديث هنا إلى أن زمن اليماني سيكون متزامناً تحديداً مع زمن الخراساني والسفياني بشكل دقيق، وباعتبار إن السفياني الملعون والإمام المهدي (روحي فداه) في سنة واحدة كما هو صريح حديث محمد بن مسلم عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: السفياني والقائم في سنة واحدة،(8) فيكون اليماني والإمام المهدي (صلوات الله عليه) في سنة واحدة أيضاً.
ونرى هنا أيضاً إن الأحاديث أشارت بشكل عام إلى خروج اليماني في هذا الزمن، مما يعني أن خروجه براية الحرب محددة في هذا الزمن، ولكن هذا لا يمنع من وجوده في الزمن الأسبق لذلك على مستوى الشهرة أو الوجاهة أو الشأنية في عالم السياسة أو في عالم المنتظرين، وإن كان الراجح أن يكون الرجل من أصحاب الشأنية السياسية والأمنية الطاغية في محيطه، بحيث يقرن بالأسماء المتبقية، وسيأتي الحديث عن ذلك لاحقاً.
القسم الثاني: الأحاديث المكانية
وفي هذا القسم من الأحاديث أشارت الروايات إلى مكان عمل اليماني والساحة التي يخرج لأجلها، وما يجب الإشارة إليه هنا هو أني لم أجد في هذه الأحاديث أية إشارة من قريب أو من بعيد يمكن أن تفيد في تشخيص مكان لساحة عمل اليماني قبل ظهور الإمام المهدي (روحي فداه) غير العراق، مع تأكيدنا على ما توصلنا إليه في فصل (هوية اليماني) من أن الروايات الخاصة بأهل البيت (عليهم السلام) لم تتطرق أبداً إلى كونه يخرج من اليمن، أو أن له علاقة بالساحة الحضارية والاجتماعية في اليمن، وكل ما موجود في هذا الصدد إنما هو روايات أهل العامة وكتبهم.
وهذا القسم كسالفه يحاول أن يقلّص الخيارات على الأدعياء، فكما رأينا في القسم الأول كيف يتم تحديد زمن اليماني؛ لكي يقطع الطريق أمام أدعياء المهدوية واليمانية على حد سواء، هنا أيضاً يتم التحدث عن مكان محدد توخياً لنفس الأسباب السالفة.
وفي هذه الروايات سنلاحظ أن بعضها يتحدث عن حركة أو إقبال أو سير لليماني باتجاه ساحة معارك السفياني تحديداً دون أن تحدد للوهلة الأولى مكان هذه الساحة ففي رواية علي بن أحمد البنديجي، عن عبيد الله بن موسى العلوي، عن محمد بن موسى، عن أحمد بن أبي أحمد الوراق، عن يعقوب بن السراج قال: قلت لأبي عبد الله: متى فرج الشيعة؟ قال: إذا اختلف بنو العباس... إلى أن قال: وظهر السفياني، وأقبل اليماني، وتحرك الحسني خرج صاحب هذا الأمر.(9)
وفي رواية طويلة يرويها العلامة المجلسي عن كتاب سرور أهل الإيمان عن السيد علي بن عبد الحميد بإسناد يرفعه إلى الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) فبعد أن يتحدث عن مذابح السفياني في الزوراء (وهي بغداد) والكوفة قال: فبينما هم على ذلك إذ أقبلت خيل اليماني والخراساني يستبقان كأنهما فرسي رهان، شعث غبر جرد..الخ.(10)
وروى الكليني عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن يعقوب السراج قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): متى فرج شيعتكم؟ قال: فقال: إذا اختلف... إلى أن قال: وخلعت العرب أعنتها،(11) ورفع كل ذي صيصية صيصيته،(12) وظهر الشامي(13) وأقبل اليماني، وتحرك الحسني، وخرج صاحب هذا الأمر.. (14)
وفي دلائل الإمامة روى الشيخ الطبري باسناده إلى علي بن إبراهيم بن مهزيار، عن الإمام الحجة (عجل الله تعالى فرجه الشريف) أنه قال في حديث طويل: يا ابن مهزيار ـ ومد يده ـ: ألا أنبئك الخبر؛ إنه إذا قعد الصبي، وتحرك المغربي، وسار العماني،(15) وبويع السفياني يأذن لولي الله.(16)
وفي رواية عامية للشيخ الطوسي(17) في كتاب الغيبة بإسناده إلى عمار بن ياسر(18) وهي تشير إلى معركة قرقيسيا ونتائجها قال: ويسبق عبد الله، عبد الله، حتى يلتقي جنودهما بقرقيسياء على النهر، ويكون قتال عظيم، ويسير صاحب المغرب فيقتل الرجال ويسبي النساء، ثم يرجع في قيس حتى ينزل الجزيرة [إلى] السفياني، فيسبق [فيتبع] اليماني فيقتل [قيساً بأريحا] ويحوز السفياني ما جمعوا، ثم يسير إلى الكوفة فيقتل أعوان آل محمد (صلى الله عليه وآله)... الخ.(19)
وهنا نلحظ أن الأحاديث الشريفة استخدمت كلمة السير والإقبال لليماني، وهذه مرتبطة بالمكان، وفي بعضها تصريح بأن الإقبال يكون للكوفة، وفي بعضها لا يتكلم الخبر إلا عن حركة اليماني دون أن يشير إلى المكان، والرواية الوحيدة التي تشير إلى مكان لليماني خارج الكوفة ـ على ما يبدو ـ هو الرواية الأخيرة والتي تشير ـ على فرض صحتها ـ ولكن من الواضح إن موقعية اليماني فيها هو داخل العراق.
ومن الملاحظ أن الروايات الشريفة أشارت في مجموعة القسم الأول السابقة إلى أن اليماني والسفياني والخراساني يستبقان كفرسي رهان، وهذا السباق إنما يكون مختصاً بالساحة العراقية دون غيرها، فحركة الثلاثة حينما تقترن بوقت واحد كما في الروايات السابقة، إنما تكون مكانياً متلازمة مع حركة السفياني، فاليماني والخراساني إنما يخرجان لرد كيد السفياني، والسفياني في الحدود الزمانية والمكانية لهذا التلازم إنما يقصد العراق تحديداً بعد انتصاره في قرقيسيا، ولهذا فإن حديث الروايات ضمن هذا المقطع إنما تحدد العراق كساحة لحركة اليماني بعد ظهور السفياني وقبل ظهور الإمام (صلوات الله عليه)، وهي فترة تحدد بتسعة أشهر كما هو صريح العديد من الروايات(20) ، ومن الواضح إن معركة الخراساني واليماني ضد السفياني في العراق لا تنتهي إلا بعد دخول الإمام المنتظر (روحي فداه) إلى العراق، إذن فالحديث هنا سينحصر في العراق.
أما من أين يقبل؟
ومن أين ينطلق سيره؟
فالروايات تسكت عن ذلك، ولا تتحدث عنه، وسنحاول أن نكتشف ذلك في حديث لاحق.
يبقى أن نشير إلى رواية مضطربة وغريبة عن سياقات أحداث روايات اهل البيت (عليهم السلام) ذكرت في مخطوطة تنسب للفضل بن شاذان تحت اسم مختصر إثبات الرجعة(21) وقد ذكرت جملة من التحركات لليماني خارج العراق وفي اليمن تحديداً، وسنناقشها بالتفصيل إن شاء الله في الأسطر القادمة، وسنعرف بأن الرواية لا يمكن الاستناد إليها لأنها مضطربة جدا في متنها، وغريبة بشكل يمكن معه الاطمئنان إلى عدم صحة نسبتها إلى أئمة أهل البيت (عليهم السلام)
يتبع
الهوامش:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 غيبة النعماني: 262 ب14 ح11.
2 لعله محمد بن إبراهيم المعروف بابن طباطبا أو غيره.
3 لعله تصحيف كلمة الخراساني.
4 غيبة النعماني: 262 ب14 ح12.
5 غيبة النعماني: 255ـ256.
6 غيبة الشيخ الطوسي: 446ـ447 ح443، والشيخ المفيد في الإرشاد 2: 375.
7 غيبة النعماني: 305 ب18 ح15.
8 غيبة النعماني: 267 ح36.
9 غيبة النعماني: 270 ح42.
10 بحار الأنوار 52: 274 ح167.
11 أعنة الخيل: لجامها الذي يمسك بها.
12 صياصي البقر: قرونها، والصياصي: الحصون.
13 الشامي وفقا لبقية الرواية هو السفياني.
14 الكافي 8: 225 ح285.
15 هنا تصحيف ظاهر، والصحيح: اليماني كما في المحجة فيما نزل في القائم الحجة (ع). انظر مكيال المكارم فيما نزل في الإمام القائم 1: 271.
16 دلائل الإمامة: 542 ح522.
17 الرواية ليست من حديث أهل البيت (عليهم السلام) وإسنادها عامي، ولكن ورودها في كتاب غيبة الشيخ الطوسي جعلني أتوقف عندها.
18 وهي نفس رواية نعيم بن حماد في كتاب لفتن، ولعل لفظها في الفتن أصح مما في غيبة الطوسي انظر كتاب الفتن 183، وما بين المعقوفتين منه.
19 غيبة الطوسي: 464 ح479 وكتاب الفتن: 183 وما بين المعقوفتين منه.
20 غيبة الشيخ الطوسي: 462 ح477، وغيبة النعماني: 316 ب18 ح14
21 ناقشنا مصداقية الرواية في بحث: هوية اليماني وستأتيك في الأسطر القادمة إن شاء الله.
وإلى حلقة قادمة إذا شاء الله عز وجل [/align]
-
- عضو موقوف
- مشاركات: 279
- اشترك في: السبت أغسطس 02, 2008 7:53 pm
Re: اليماني --- أهدى الرايات
[align=center]شكرا لكِ
نسأل الله التوفيق بحق محمد وال محمد[/align]
نسأل الله التوفيق بحق محمد وال محمد[/align]
ها أنا يا اماه
لقد إرتديت كفني وحملت سلاحي على كتفي
لقد إرتديت كفني وحملت سلاحي على كتفي
-
- مـشـرفـة
- مشاركات: 6215
- اشترك في: الخميس يوليو 31, 2008 2:53 pm
Re: اليماني --- أهدى الرايات
[font=Traditional Arabic]بسم الله الرحمن الرحيم
كم أنا متشوقه إلى الحلقه القادمه
أسأل الله لكم السداد[/font]
كم أنا متشوقه إلى الحلقه القادمه
أسأل الله لكم السداد[/font]
Re: اليماني --- أهدى الرايات
[align=center]
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
بحثٌ قيم جداً..
وفقك الله وسدّد خطاك دوماً / مظلومة يا زهراء[/align]
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
بحثٌ قيم جداً..
وفقك الله وسدّد خطاك دوماً / مظلومة يا زهراء[/align]
-
- الـمـديـر التـنـفـيـذي
- مشاركات: 1247
- اشترك في: الخميس أغسطس 14, 2008 5:07 am
Re: اليماني --- أهدى الرايات
[align=center]
الحلقة الرابعة
القسم الثالث: الأحاديث الشخصية.
وفي هذا القسم سنلمس إن الروايات الشريفة ركّزت الحديث عن الهوية الشخصية لليماني، ولا نقصد بالشخصية هنا مواصفات هويته الذاتية ومن أي عشيرة هو، وإنما تحدثت الروايات عن اليماني كنهج وخط، وهذا القسم هو الأهم من بين الأقسام الأخرى للكشف عن هوية اليماني، لأنه يركّز على الجانب القيمي والموضوعي لليماني، فبينما عمل القسمين الأول والثاني على تقليص خيارات أدعياء السوء، نجد إن هذا القسم وإن كان سيتصدى لنفس المهمة إلا إنه سيتجاوز ذلك ليركّز على تبيان الخط العقائدي والعلاقة المتبادلة بين اليماني وبين الإمام (روحي فداه) من جهة، وبين اليماني وشيعة الإمام (صلوات الله عليه) من جهة أخرى، ورغم قلّة الحديث هنا إلا إننا ـ ولحسن الحظ ـ نظفر بحصيلة غنية عن ذلك.
فقد روى الشيخ الطوسي في أماليه بسنده لابن أبي عمير عن هشام بن سالم، عن الإمام الصادق (ع) قال: لما خرج طالب الحق،(2) قيل لأبي عبد الله (عليه السلام): ترجو أن يكون هذا اليماني؟ قال: لا، اليماني يتوالى علياً، وهذا يبرأ منه.(3)
وهنا يبرز الإمام الصادق (عليه السلام) الهوية العقائدية لليماني، فهو يتوالى علياً (صلوات الله عليه).
وفي رواية طويلة للإمام الباقر (صلوات الله عليه) تقدم سندها قال: خروج السفياني واليماني والخراساني في سنة واحدة، في شهر واحد، في يوم واحد، نظام كنظام الخرز يتّبع بعضه بعضاً، فيكون البأس من كل وجه، ويل لمن ناواهم، وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني، هي راية هدى لأنه يدعو إلى صاحبكم، فإذا خرج اليماني فانهض إليه، فإن رايته راية هدى، ولا يحلّ لمسلم أن يلتوي عليه، فمن فعل ذلك فهو من أهل النار، لأنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم. (4)
وهذه من أهم الروايات التي أفصحت عن محتوى منهج اليماني، وحددت طبيعة المسؤولية تجاهه بما لم تحدده مع أية راية هادية أخرى.
وفي رواية صحيحة ذكرها الشيخين الطوسي والمفيد عن سيف بن عميرة، عن بكر بن محمد، عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: خروج الثلاثة: السفياني والخراساني واليماني، في سنة واحدة، في شهر واحد، في يوم واحد، وليس فيها راية أهدى من راية اليماني، لأنه يدعو إلى الحق.(5)
وفي خاتمة الرواية التي نقلناها عن الشيخ المجلسي في ما نقله عن كتاب سرور أهل الإيمان عن أمير المؤمنين (ع) في الحديث الذي يظهر فيه إقبال خيل اليماني والخراساني إلى الكوفة بعد المذبحة التي يرتكبها السفياني الملعون فيها يقول: إذ أقبلت خيل اليماني والخراساني يستبقان كأنهما فرسي رهان شعث غبر جرد، أصلاب نواطي وأقداح، إذا نظرت أحدهم برجله باطنه فيقول: لا خير في مجلسنا بعد يومنا هذا، اللهم فإنا التائبون، وهم الأبدال الذين وصفهم الله في كتابه العزيز: إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين. (6)
وفي مجموع هذه الروايات نلاحظ التالي في مشخصات اليماني:
أولاً: هويته العقائدية منصبة على ولاية أمير المؤمنين (صلوات الله عليه).
ثانياً: من بين كل الرايات التي ترفع باسم الهدى كراية الحسني والخراساني وشعيب بن صالح قبل الالتحاق بالإمام (روحي فداه) فإن راية اليماني هي الأهدى.
ثالثاً: إن سر أهدى الرايات لأنه لا يملك دعوة خاصة دنيوية به، وإنما يسعى باتجاه الدعوة للإمام (صلوات الله عليه)، ويبدو أن الدعوة للإمام (عليه السلام) هي همه الأوحد.
رابعاً: وجوب نصرته وعدم حلية الالتواء عليه ومعاندته، لأنه يدعو إلى الحق، ومن فعل خلاف ذلك فهو من أهل النار.
خامساً: لديه خزين ضخم من الغضب لحق شيعة أهل البيت (عليهم السلام)، ولهذا لا يرى خيراً في القعود بمجلس ما لم يأخذ بثأر المظلومين من أهل الكوفة.
سادساً: لديه تحالف عسكري كامل مع الخراساني على ما يبدو، والدليل ما في وصف الرواية الأخيرة.
سابعاً: شجاعته الكبيرة واستعداده الكامل لمجابهة طغيان السفياني ومواجهته ومقاتلته، وحرصه على الدفاع عن شيعة أهل البيت (عليهم السلام) في العراق، ولهذا تراه يوقّت خروجه بإقبال السفياني باتجاه العراق.
ثامناً: لديه من المشهورية والشأنية الأمنية والعسكرية بحيث يجعله أحد الأقطاب العسكرية الثلاثة التي تبرز في الساحة العراقية القادرة على تشكيل منظومة دفاعية، بعد انهيار القوة العسكرية في قرقيسيا على الحدود العراقية السورية.
ومن الواضح إن هذه الخطوط بعضها يرتبط بجوهر منهاج اليماني في التحرك، وبعضها يرتبط بمعطيات هذا التحرك ونتائجه، وسنعود للحديث المفصل عن كل ذلك في الأسطر القادمة إن شاء الله.
يتبع ان شاء الله
الهوامش:ــــــــــــــــــ
1) ناقشنا مصداقية الرواية في بحث: هوية اليماني وستأتيك في الأسطر القادمة إن شاء الله.
2) من رؤوس الخوارج
3) أمالي الطوسي: 661 ح1375.
4) غيبة النعماني: 264 ب14 ح13.
5) غيبة الطوسي: 446ـ447 ح443، والإرشاد 2: 375.
6) بحار الأنوار 52: 274. ولا تخلو بعض العبارات من تصحيف.[/align]
الحلقة الرابعة
القسم الثالث: الأحاديث الشخصية.
وفي هذا القسم سنلمس إن الروايات الشريفة ركّزت الحديث عن الهوية الشخصية لليماني، ولا نقصد بالشخصية هنا مواصفات هويته الذاتية ومن أي عشيرة هو، وإنما تحدثت الروايات عن اليماني كنهج وخط، وهذا القسم هو الأهم من بين الأقسام الأخرى للكشف عن هوية اليماني، لأنه يركّز على الجانب القيمي والموضوعي لليماني، فبينما عمل القسمين الأول والثاني على تقليص خيارات أدعياء السوء، نجد إن هذا القسم وإن كان سيتصدى لنفس المهمة إلا إنه سيتجاوز ذلك ليركّز على تبيان الخط العقائدي والعلاقة المتبادلة بين اليماني وبين الإمام (روحي فداه) من جهة، وبين اليماني وشيعة الإمام (صلوات الله عليه) من جهة أخرى، ورغم قلّة الحديث هنا إلا إننا ـ ولحسن الحظ ـ نظفر بحصيلة غنية عن ذلك.
فقد روى الشيخ الطوسي في أماليه بسنده لابن أبي عمير عن هشام بن سالم، عن الإمام الصادق (ع) قال: لما خرج طالب الحق،(2) قيل لأبي عبد الله (عليه السلام): ترجو أن يكون هذا اليماني؟ قال: لا، اليماني يتوالى علياً، وهذا يبرأ منه.(3)
وهنا يبرز الإمام الصادق (عليه السلام) الهوية العقائدية لليماني، فهو يتوالى علياً (صلوات الله عليه).
وفي رواية طويلة للإمام الباقر (صلوات الله عليه) تقدم سندها قال: خروج السفياني واليماني والخراساني في سنة واحدة، في شهر واحد، في يوم واحد، نظام كنظام الخرز يتّبع بعضه بعضاً، فيكون البأس من كل وجه، ويل لمن ناواهم، وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني، هي راية هدى لأنه يدعو إلى صاحبكم، فإذا خرج اليماني فانهض إليه، فإن رايته راية هدى، ولا يحلّ لمسلم أن يلتوي عليه، فمن فعل ذلك فهو من أهل النار، لأنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم. (4)
وهذه من أهم الروايات التي أفصحت عن محتوى منهج اليماني، وحددت طبيعة المسؤولية تجاهه بما لم تحدده مع أية راية هادية أخرى.
وفي رواية صحيحة ذكرها الشيخين الطوسي والمفيد عن سيف بن عميرة، عن بكر بن محمد، عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: خروج الثلاثة: السفياني والخراساني واليماني، في سنة واحدة، في شهر واحد، في يوم واحد، وليس فيها راية أهدى من راية اليماني، لأنه يدعو إلى الحق.(5)
وفي خاتمة الرواية التي نقلناها عن الشيخ المجلسي في ما نقله عن كتاب سرور أهل الإيمان عن أمير المؤمنين (ع) في الحديث الذي يظهر فيه إقبال خيل اليماني والخراساني إلى الكوفة بعد المذبحة التي يرتكبها السفياني الملعون فيها يقول: إذ أقبلت خيل اليماني والخراساني يستبقان كأنهما فرسي رهان شعث غبر جرد، أصلاب نواطي وأقداح، إذا نظرت أحدهم برجله باطنه فيقول: لا خير في مجلسنا بعد يومنا هذا، اللهم فإنا التائبون، وهم الأبدال الذين وصفهم الله في كتابه العزيز: إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين. (6)
وفي مجموع هذه الروايات نلاحظ التالي في مشخصات اليماني:
أولاً: هويته العقائدية منصبة على ولاية أمير المؤمنين (صلوات الله عليه).
ثانياً: من بين كل الرايات التي ترفع باسم الهدى كراية الحسني والخراساني وشعيب بن صالح قبل الالتحاق بالإمام (روحي فداه) فإن راية اليماني هي الأهدى.
ثالثاً: إن سر أهدى الرايات لأنه لا يملك دعوة خاصة دنيوية به، وإنما يسعى باتجاه الدعوة للإمام (صلوات الله عليه)، ويبدو أن الدعوة للإمام (عليه السلام) هي همه الأوحد.
رابعاً: وجوب نصرته وعدم حلية الالتواء عليه ومعاندته، لأنه يدعو إلى الحق، ومن فعل خلاف ذلك فهو من أهل النار.
خامساً: لديه خزين ضخم من الغضب لحق شيعة أهل البيت (عليهم السلام)، ولهذا لا يرى خيراً في القعود بمجلس ما لم يأخذ بثأر المظلومين من أهل الكوفة.
سادساً: لديه تحالف عسكري كامل مع الخراساني على ما يبدو، والدليل ما في وصف الرواية الأخيرة.
سابعاً: شجاعته الكبيرة واستعداده الكامل لمجابهة طغيان السفياني ومواجهته ومقاتلته، وحرصه على الدفاع عن شيعة أهل البيت (عليهم السلام) في العراق، ولهذا تراه يوقّت خروجه بإقبال السفياني باتجاه العراق.
ثامناً: لديه من المشهورية والشأنية الأمنية والعسكرية بحيث يجعله أحد الأقطاب العسكرية الثلاثة التي تبرز في الساحة العراقية القادرة على تشكيل منظومة دفاعية، بعد انهيار القوة العسكرية في قرقيسيا على الحدود العراقية السورية.
ومن الواضح إن هذه الخطوط بعضها يرتبط بجوهر منهاج اليماني في التحرك، وبعضها يرتبط بمعطيات هذا التحرك ونتائجه، وسنعود للحديث المفصل عن كل ذلك في الأسطر القادمة إن شاء الله.
يتبع ان شاء الله
الهوامش:ــــــــــــــــــ
1) ناقشنا مصداقية الرواية في بحث: هوية اليماني وستأتيك في الأسطر القادمة إن شاء الله.
2) من رؤوس الخوارج
3) أمالي الطوسي: 661 ح1375.
4) غيبة النعماني: 264 ب14 ح13.
5) غيبة الطوسي: 446ـ447 ح443، والإرشاد 2: 375.
6) بحار الأنوار 52: 274. ولا تخلو بعض العبارات من تصحيف.[/align]
-
- الـمـديـر التـنـفـيـذي
- مشاركات: 1247
- اشترك في: الخميس أغسطس 14, 2008 5:07 am
Re: اليماني --- أهدى الرايات
[align=center]السلام عليكم ورحمة وبركاته هذه الحلقة مهمة جدا وسدد الله خطى الشيخ جلال الدين الصغير على بحثه القيم هذا .
الحلقة الخامسة
هوية اليماني
هل اليماني من اليمن؟
قد يبدو السؤال غريباً بعض الشيء على القارئ الكريم، ولكنه سؤال حيوي ترتبط به أمور عدة، ومن الواجب الإجابة عليه بدقة لاسيما وان عددا من الباحثين تناولوه بتسليم كبير دون تدقيق فوقعوا وأوقعوا قراءهم بأوهام عديدة، بل تسببت تلك الأوهام بتمرير روايات دخيلة دون تمحيص ودونما تدقيق.
وأحد مناشئ هذا الواجب طبيعة البيئة العقائدية التي تحكم الساحة اليمنية والتي تمكن من إيجاد جيش له هذه القوة والمنعة بالشكل الذي يتمكن من مقارعة جيش السفياني الذي وصف بأوصاف متعددة تشير إلى القوة والضخامة، مما يجعل هذا الجيش مستندا لبيئة اجتماعية ضخمة تمكن من إنتاج مثل هذا الجيش، لاسيما وان وصف هذا الجيش لم يوصف بأوصاف عادية على المستوى العقائدي.
وأيضا فإن هذا السؤال يرتبط بموضوع ما إذا كانت الساحة اليمنية تصلح لكي تكون ساحة ممهدة لظهور الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف)؟ وأي تمهيد أعلى وأكثر حساسية من أن تكون فيها أهدى الرايات؟!
لذلك لابد من التروي كثيراً في الإجابة على هذا السؤال، خصوصاً أن من أجاب عليه اعتمد غالباً على ما يوحي اسم اليماني من اقترانه باليمن كموطن جغرافي وكحاضن عقائدي، ولذلك لم يتوقف عند الروايات توقف المحقق والمدقق، ونحن إذ نحاول أن نفتش عن إجابة دقيقة لابد من أن ننتبه أولاً إلى أن اليمن ظلت ومنذ عهد بعيد ولا زالت حاضنة للعقيدة الزيدية، وهذه العقيدة اتجهت مع مرور الزمن لتقترب أكثر من العقيدة السلفية أو لتبتعد بشكل عام عن العقيدة الإمامية، مما يجعلنا أمام تناقض كبير ـ وفق ما أشرنا إليه سابقاً من احتياجات جيش اليماني إلى الحاضن العقائدي والاجتماعي ـ بين أن تكون راية أهل البيت ع هي راية الإمامية (أعلى الله شأنهم)، وبين أن لا تخرج أهدى الرايات من الساحة الاجتماعية الأساسية للإمامية وإنما تخرج من ساحة اجتماعية في عمومها الغالب تهيمن عقيدة أخرى لا تخفي حنقها من الإمامية بل ولا تخفي عملها الدؤوب للوقوف أمامها والتصدي لها.
وفي تصوري إن الأمر كان ليكون سهلاً لو تم التعامل مع الأمر وفق مقتضيات روايات أهل البيت (عليهم السلام)، لكن قبول بعض الباحثين والرواة لإيحاءات لقب هذا العبد الصالح أوقعهم في هذا المطب.
يمنية اليماني في الروايات
وفي العموم فإن الروايات الصحيحة والموثوقة والمعتبرة(1) لا تشير لا من قريب ولا من بعيد إلى كون الرجل من اليمن، بل إن منشأ الوهم الذي جعل البعض ينسب الرجل إلى اليمن هو إما روايات عامية أو روايات ضعيفة سندا ومضطربة متنا، أو روايات لا نستطيع الاعتماد عليها لمجهولية مصدرها، وسنناقش كل ما ورد في كتبنا من روايات وأخبار حتى نصل إلى ما يقربنا من اليقين في هذا المجال.
أولا: واحدة من الروايات التي تعرضت لهذا الموضوع هي ما رواه علي بن محمد الليثي الواسطي وهو من علماء القرن السادس في كتابه عيون الحكم والمواعظ فقد روى بإرسال قال: خمسة من علامات القائم ع: اليماني من اليمن والسفياني والمنادي ينادي بالسماء وخسف بالبيداء وقتل النفس الزكية.(2)
والرجل نقل الرواية عن الشيخ الصدوق (رضوان الله عليه) على ما يبدو، وتحديداً من كتابه الخصال وكمال الدين،(3) وما رواه الشيخ الصدوق وأبوه (قدس سره) من قبله(4) ومن نقل عنهما(5) لم يذكروا قوله (من اليمن) إطلاقا، مما يجعل ما في كتاب عيون الحكم والمواعظ شارحا ولا دخل له برواية أهل البيت (ع)، وقد يكون الشرح من المؤلف أو من الناسخ، وعلى أي حال فإن الإشارة إلى اليمن لا دخل لها بحديث أهل البيت (ع)، وكلام العلماء يرد إليهم حتى يقدّموا بينة من العلم، فلا تغفل!
ثانياً وثالثاً: ما كتبه الشيخ الصدوق في هامش رواية رواها عن محمد بن محمد بن عصام،(6) عن الشيخ الكليني(7) ، عن القاسم بن العلاء، عن إسماعيل بن علي القزويني، عن علي بن إسماعيل، عن عاصم بن حميد الحناط، عن محمد بن مسلم الثقفي قال: دخلت على أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليهما السلام) وأنا أريد أن أسأله عن القائم من آل محمد (صلى الله عليه وعليهم)، فقال لي مبتدئاً: يا محمد بن مسلم إن في القائم إلى أن قال: وإن من علامات خروجه: خروج السفياني من الشام وخروج اليماني (من اليمن) ومنادياً ينادي من السماء.. إلخ. (8)
وبنفس السند في رواية أخرى قال الإمام الباقر (صلوات الله عليه): القائم منا منصور بالرعب، مؤيد بالنصر إلى أن قال: واستخف الناس بالدماء وارتكاب الزنا وأكل الربا وأُتقي الأشرار مخافة ألسنتهم، وخروج السفياني من الشام، واليماني من اليمن، وخسف بالبيداء، وقتل غلام من آل محمد (صلى الله عليه وآله) بين الركن والمقام.. الخ. (9)
والنقاش في الرواية يدور تارة على أصل السند، ونلاحظ هنا أولا إن الروايتين في سندهما بهيئته هذه يشيران إلى إنهما من روايات الكافي، إلا إن الملاحظ أن لا وجود لهما أصلا في نسخة الكافي بصيغتيهما،(10) وهذا ليس بقادح فيهما من حيث الأصل، لاحتمال أمرين: أحدهما إن الشيخ الصدوق نقل من كتاب للكليني غير كتاب الكافي هذه الرواية، وهذا محتمل باعتبار ضياع بعض كتب الشيخ الكليني، واحتمال أن يكون الشيخ الصدوق قد اطلع على هذا الكتاب قبل ضياعه، ولكن من يلحظ كتاب الكافي وطريقة الشيخ في الحديث وطبيعة ما قدّمه للكتاب، يعرف إن الكافي كتبه الشيخ الكليني بهدف الإفتاء وعلى طريقة زمانه، وبالتالي فقد كتب فيه ما اعتقد انه صحيح يجوز العمل بمقتضاه، وهذا ما أشار رضوان الله تعالى عليه إليه في مقدمة كتابه(11) ، وقد يعني ذلك إن ما أودعه في غير الكافي ربما لم يرق في وثاقته لما رقى إليه الكافي في نظر الشيخ الكليني، ولهذا أهمل ذكر هذه الرواية في كتابه الكافي لعدم ثقته بها أو اطمئنانه بها، ويقوي ذلك إن اسناد الرواية فيه أكثر من مجهول, فانتبه!.
والثاني: أن يكون الشيخ الصدوق (قدس سره) قد توهم عمن نقل روايتيه هاتين، وهذا ممكن بحد ذاته وإن كان مستبعداً عن مثل الشيخ الصدوق (رضوان الله تعالى عليه)، إلا إن ما يثير الشك إن أي أحد غير الشيخ الصدوق سواء من عاصره أو مشايخه أو ممن نقل عنهم من كتب الأصحاب لم ينقل هاتين الروايتين، سواء بهذا السند أو بغيره، ولهذا فهو متفرد بهما، وعلى أي حال فإن صح هذا الأمر فإنه نقل الخبر من مصدر مجهول وإن كان للشيخ الكليني أو غيره.
وثانياً: نلاحظ إن السند مشكوك فيهما بسبب عدم وضوح من نقل عنه الشيخ الصدوق أساساً، فكما علمت مما تقدم فإن السند هو من أسانيد كتاب الكافي، ولا وجود لهما في الكافي أساساً، وفوق ذلك ففي الرواية أكثر من مجهول، ولا أقل من جهة إسماعيل بن علي القزويني، أما علي بن إسماعيل فإن كان الميثمي فحاله معروف؛ وإلا فهو مجهول أيضاً، والطريق إلى عاصم بن حميد بهذه الشاكلة غير معروف، ولهذا لا يمكن التعويل على الخبر بهذه الهيئة.
وتارة نلحظ ما في متن الرواية الأولى وخلاصته إن ما كتبه الشيخ الصدوق في هامش الرواية لا علاقة له بأصل الرواية، فمن الواضح إن الحديث فيما سبقه لا علاقة له بهذه القطعة،(12) ولهذا فإن الهامش؛ إما أن يكون قد حصل قطع في الرواية بحيث أن ما في المقدمة بعيد عن الهامش، ولكن من دون أن يشير إلى ذلك الراوي أو الشيخ الصدوق أثناء نقله للرواية،(13) إما أن يكون من خبر ثاني لم يبلغنا سنده، وبالتالي فهو ضعيف بالإرسال، وإما هو شرح من عنده أو استطراد منه وقد وقع في هذا الموضع لسبب أو آخر وبالنتيجة لا تعويل عليه، ومن الملاحظ أن هذا الاستطراد مشابه للسرد الذي عمد إليه الشيخ المفيد (رضوان الله عليه) في كتاب الإرشاد. (14)
نعم الرواية بحذف كلمة (من اليمن) وردت بعدة طرق وبألفاظ عدة متقاربة في العموم، وقد وردت بعضها بأسانيد صحيحة أو موثوقة، ولهذا ما يمكننا تأكيده أن هذه الكلمة الموجودة بالأساس في نسخة من نسخ كمال الدين وليس في جميعها وهي من إضافة النسّاخ أو من عملوا على تحقيق الكتاب، ولهذا نلاحظ إن جميع من نقلوا الخبر عن كتاب الشيخ الصدوق (رحمه الله)لم ينقلوا هذه الكلمة بتاتاً،(15) مما يجعل الإضافة حديثة عن عهد الشيخ الصدوق (رحمه الله)، مما يجعلها بالنتيجة خارج إطار الاعتماد والقبول.
رابعاً: ما رواه الشيخ النعماني في غيبته قال: علي بن الحسين، عن محمد بن يحيى العطار، عن محمد بن حسان الرازي، عن محمد بن علي الكوفي، عن محمد بن سنان، عن عبيد بن زرارة قال: ذكر عند أبي عبد اله (عليه السلام) السفياني فقال: أني يخرج ذلك ولما يخرج كاسر عينيه بصنعاء.(16)
وهذه الرواية التي تفرد بها الشيخ النعماني (رحمة الله عليه)، وبالرغم من انه يرويها عن الشيخ الصدوق، إلا إن الشيخ الصدوق لم يروها في كتبه إطلاقاً، وبالرغم من احتمال بعضهم بأنها صحيحة السند،(17) إلا إن واقع الحال يشير إلى أنها ضعيفة جدا من حيث التدقيق السندي فمحمد بن حسان الرازي لم تثبت وثاقته بل يشمّ من كلام الشيخ النجاشي (رضوان الله عليه) ضعفه إذ يقول: محمد بن حسان الرازي: يعرف وينكر، بين بين، يروي عن الضعفاء كثيراً(18) .
ولكن الضعف بين جداً في محمد بن علي الكوفي وهو أبو سمينة وفيه قال النجاشي: ضعيف جداً، فاسد الاعتقاد، لا يعتمد في شيء، وكان ورد قم ـ وقد اشتهر بالكذب بالكوفة ـ ونزل على أحمد بن محمد بن عيسى مدة، ثم تشهر بالغلو، فجفي ، وأخرجه أحمد بن محمد بن عيسى عن قم.(19)
والرواية في واقعها لا تشير إلى اليماني لو صحت، غاية ما تشير إليه أن ثمة رجل سيظهر قبل خروج السفياني يتسبب بكسر عين السفياني، وقد حمل بعض الباحثين هذا الكلام على إن هذا الرجل هو اليماني، وهو تحميل للرواية لما لا تحتمل، خاصة وإنها تتحدث عن خروج كاسر العين قبل خروج السفياني، بينما تتفق الروايات الصحيحة على إن خروجهما متزامن كما سيمر بنا في روايات اليماني،
وبالنتيجة لا دلالة فيها على إنه اليماني، وإنما تشير لرجل سيتسبب بكسر عين السفياني قبل خروج السفياني، وكسر العين إما أن يكون حقيقياً أو معنوياً، والروايات تشخص وجود خلل في عين السفياني قبل خروجه، وبمعزل إن كان هذا الخلل مادياً أو معنوياً، فإن هذا الرجل ربما هو من سيتسبب بهذا الخلل في شخصية السفياني، وبالنتيجة لا يدل على إنه اليماني، كما لا دلالة فيه على هوية هذا الرجل العقائدية، فقد يكون هذا الحدث منفك عن الوضع العقائدي الذي سيتولى السفياني مسؤوليته، ولهذا فلا مجال لعد الرواية في هذا الإطار.
خامساً: ما نسب للفضل بن شاذان (رحمه الله) في مخطوطة: مختصر إثبات الرجعة بروايته عن محمد بن أبي عمير (رض)، قال: حدثنا جميل بن دراج، قال: حدثنا زرارة بن أعين، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال: استعيذوا بالله من شر السفياني.. إلى أن قال: أول من يخرج منهم رجل يقال له: أصهب بن قيس يخرج من بلاد الجزيرة له نكاية شديدة في الناس وجور عظيم، ثم يخرج الجرهمي من بلاد الشام، ويخرج القحطاني من بلاد اليمن، ولكل واحد من هؤلاء شوكة عظيمة في ولايتهم، ويغلب على أهلها الظلم والفتنة منهم، فبينما هم كذلك يخرج السمرقندي من خراسان مع الرايات السود، والسفياني من الوادي اليابس من أودية الشام، وهو من ولد عتبة بن أبي سفيان.. إلى أن يقول: وقد يكون خروجه وخروج اليماني من اليمن مع الرايات البيض في يوم واحد وشهر واحد وسنة واحدة.
فأول من يقاتل السفياني القحطاني فينهزم ويرجع إلى اليمن ويقتله اليماني، ثم يفر الأصهب والجرهمي بعد محاربات كثيرة من السفياني فيتبعهما ويقهرهما، ويقهر كل من ينازعه ويحاربه إلا اليماني.
ثم يبعث السفياني جيوشاً... إلى أن يقول: ثم يقصد اليماني، فينهض اليماني لدفع شره، فينهزم السفياني بعد محاربات عديدة ومقاتلات شديدة، فيتبع اليماني فتكثر الحروب وهزيمة السفياني، فيجده اليماني في نهر اللو مع ابنه في الأسارى فيقطعهما إرباً إرباً، ثم يعيش في سلطنته فارغاً من الأعداء ثلاثين سنة، ثم يفوض الملك بابنه السعيد، ويأوي مكة وينتظر ظهور قائمنا (عليه السلام) حتى يتوفى! فيبقى ابنه بعد وفاة أبيه في ملكه وسلطانه قريباً من أربعين سنة، وهما يرجعان إلى الدنيا بدعاء قائمنا.(20)
ونلاحظ إن هذا الخبر يتحدث عن يمنية اليماني ولا يكتفي بذلك وإنما يحدد ملكاً له هناك، ويتحدث عن ابنه، والغريب أنه مساق بسند صحيح، ولن نناقش في سنده فهو كما هو واضح من الأسانيد الجيدة، رغم وجود النقاش حول صحة نسبة هذه النسخة للفضل بن شاذان، والمحققة منشورة عن نسخة للحر العاملي (عليه رحمة الله) كتبت بخط يده على ما أشار إليه المحقق، ولكن يلحظ أن الشيخ المجلسي الذي اجتهد كثيراً في جمع المصادر الشيعية في كتابه بحار الأنوار، لم يعثر على الكتاب ولم يشر لأحاديثه مع شدة جهده من أجل أن يحوي كتابه على كل أخبار أهل البيت ع، ولكن رغم التقارب الزمني والاجتماعي ما بين العلمين إلا أننا لا نجد أن الأمر كان طبيعياً، فكليهما متقاربين وضمن بيئة واحدة، وقد أتعب الشيخ المجلسي نفسه من أجل تحصيل المصادر الشيعية، فلماذا لم يأت على ذكر هذا الكتاب، وبالرغم من أن هذا ممكنا من الناحية النظرية، ولكن من الناحية العملية تحتاج إلى تدقيق كبير.
كما ونلاحظ إن هذا الحديث قد تفرد به الفضل بن شاذان، ولم يذكر في أي مصدر بهذا الإسناد، وهذا مستغرب بشدة أيضاً، لأن العلماء لا يمكن أن يفوتهم حديث لمثل زرارة أو جميل بن دراج أو ابن أبي عمير (رضوان الله تعالى عليهم) وهم من أعلام الرواة وموثوقيهم، ولعل الإشكال ستعلوه الكثير من علامات الاستفهام حينما نجد بعضاً من الخبر في مصادر أهل السنة دون غيرهم تنقله عن كعب الأحبار (أحد مبتدعي الأحاديث اليمانية والمتهم بها)، (21)
ولكن مهما يكن حال السند، فإن ملاحظات كثيرة تدور حول محتواه ومتنه، فالمتن متناقض أولا مع روايات أهل البيت ع في أكثر من موضع، وثانياً: فيه اضطراب وتهافت كبيرين، فالخبر يشير أولاً إلى أن اليماني هو الذي يقتل السفياني، وهو مخالف لصريح الروايات بأن قتل السفياني سيكون على يد الإمام (روحي وأرواح العالمين له الفدا)، وقد يكون سفياني آخر غير السفياني الموعود، وهو محتمل في نفسه، ولكن سياق الخبر لا يوحي بأن المقصود غير السفياني الموعود.
والثاني إن الخبر يشير إلى أن اليماني لا يدرك الإمام (عليه السلام)، بل وابنه أيضاً، وهذا خلاف الروايات أيضاً، لأنه يخرج قبل فترة وجيزة جدا من ظهور الإمام (عليه السلام) كما هو صريح الروايات.
والثالث: يتحدث عن ملك اليماني في اليمن وخلافة ابنه بعده قبل ظهور الإمام (عليه السلام) ومع إن الروايات لا تتحدث عن ملك اليماني، ولكنه تشير إلى إن ساحة تمهيده المباشر تكون في العراق تحديداً.
ولهذا لا يمكن التعويل على هذا الخبر.
سادساً: ما ذكره الشيخ المجلسي في البحار عن الحافظ البرسي في كتابه مشارق أنوار اليقين في رواية عن كعب بن الحارث قال: ثم يخرج ملك من صنعاء اليمن ابيض كالقطن، حسين أو حسن، فيذهب بخروجه غمر الفتن، فهناك يظهر مباركاً زكياً وهادياً مهدياً وسيداً علوياً.(22)
ونظير ذلك ما رواه ابن المنادي في الملاحم عن كاهن سماه بسطيح قال: ثم يظهر رجل من اليمن أبيض كالشطن،(23) يخرج من صنعاء وعدن، يسمى حسينا أو حسن، يذهب الله على رأسه الفتن.(24)
ومن الواضح إن الخبر لا علاقة له بأهل البيت (عليهم السلام) بل هو حديث الكهنة كما عرفه صاحب المشارق وكما عرفه صاحب الملاحم، ولعل المقصود بكعب بن الحارث هو كعب الأحبار رغم إن اسم كعب الأحبار هو كعب بن ماتع الحميري، وعموما لا تعويل عليه مطلقاً فإن كان كعب بن الحارث شخصاً آخر غير كعب الأحبار فهو حديث كاهن مجهول، وإن كان المتحدث هو كعب الأحبار فهو كذاب معروف، والحال نفسه في الراوي الآخر، فهو في أحسن الحال كاهن سجّاع لا تعويل على قوله، هذا على الرغم من إن محتوى الخبر لا يشير إلى أن من يتم الحديث عنه هو نفس اليماني، إذ يحتمل أن يكون الحديث عن شخص آخر.
سابعاً: وفي روايات العامة المنتشرة في كتب الشيعة ما رواه نعيم بن حماد المروزي في كتاب الفتن ما رواه عن سعيد أبو عثمان، عن جابر، عن أبي جعفر قال: إذا ظهر الأبقع مع قوم ذوي أجسام فتكون بينهم ملحمة عظيمة ثم يظهر الأخوص السفياني الملعون فيقاتلهما جميعا فيظهر عليهما جميعا ثم يسير إليهم منصور اليماني من صنعاء بجنوده وله فورة شديدة يستقتل الناس قتل الجاهلية فيلتقي هو والأخوص وراياتهم صفر وثيابهم ملونة فيكون بينهما قتال شديد، ثم يظهر الأخوص السفياني عليه.(25)
والخبر رغم انه ينتهي لأهل البيت (ع) إلا إن الطريق لا يوثق به، كما إنه يتناقض ظاهراً مع رواياتهم (صلوات الله عليهم) لا أقل في طبيعة معركة السفياني مع اليماني، ويتفرد في تلقيب أو تسمية اليماني بالمنصور، وكذا في القول بأنه يأتي من صنعاء، ناهيك عن وصف عين السفياني.
فالسفياني يتخلص من الأبقع وجنده في حركته الأولى قبل أن يسير إلى العراق ضمن صراعه في معركة الرايات الثلاثة (الأبقع والأصهب) في الشام ـ كما هو إجماع الروايات ـ وهي المعركة التي تحسم أوضاع بلاد الشام لصالح السفياني، وخروجه المقترن بخروج اليماني بمعية الخراساني ـ كما تؤكد الروايات ـ إنما يكون بعد انتهاء معركته الثانية في قرقيسيا، وظاهر بعض الروايات يشير إلى أن اليماني يقاتل الجيش السفياني بشكل مباشر بعد مذبحة الكوفة التي يتسبب بها السفياني الملعون.
ولا تشير أية رواية لليماني بأن اسمه منصور أو لقبه أو صفته اللهم إلا هذه الرواية، وهي مما يتفرد به ابن حماد.
كما إن السفياني هنا الذي يوصف بالأخوص ـ أي صاحب العين الغائرة والصغيرة الضيقة ـ(26) يختلف عن الوصف الذي تشير إليه روايات أهل البيت ع.
تذييل: ومما يثير العجب في هذا المقام ما اتجه إليه أحد الأفاضل الأعزة حينما حاول أن يتخلص من رواية مخالفة لما تواتر عليه حديث أهل البيت ع في شأن خروج الإمام المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) من مكة المكرمة، وتصريح هذه الرواية بأن الإمام المهدي (صلوات الله عليه) يخرج من قرية في اليمن يقال لها: كرعة!! فقال: وجاء في بعض الروايات عن المهدي (ع) أنه يخرج من اليمن من قرية يقال لها: كرعة، ولا يبعد أن يكون المقصود به اليماني الذي يبدأ أمره من هذه القرية.(27)
واستقرب في موضع آخر ذلك فقال معقباً على الرواية: فالأقرب فيه عندنا أن وزيره اليماني الذي يظهر قبله ببضعة أشهر يخرج من قرية يقال لها كرعة أو كريمة ثم من صنعاء كما تذكر بعض الروايات.(28)
والحقيقة خلاف ذلك، فالرواية التي رواها الشيخ أبو القاسم الخزاز في كتابه كفاية الأثر في النص على الأئمة الإثني عشر (ع)(29) ضمن حديث طويل، أو ما رواه الشيخ الإربلي في كشف الغمة عن عبد الله بن عمر،(30) وأخذها من بعدهما من أخذه من مؤلفينا تنطوي على ثلاثة مفارقات، فهي أولاً عامية، وهذا المقطع مشار إليه في عدة من مصادر العامة،(31) وسندها على الأقل مجهول إن لم نقل بقدحه، والثالثة: إنها تتحدث بشكل محدد عن الإمام المهدي (عج) دون أي إشارة لأي شخصية أخرى، فتحميلها على اليماني غير وارد أصلاً، هذا كله ناهيك عن مخالفتها الصريحة لما جاء بروايات صحيحة ومتواترة لدى الطرفين من أن الإمام (صلوات الله عليه) إنما يخرج من مكة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ على خلاف تصنيف هذه الروايات في علم الحديث.
2ـ عيون الحكم والمواعظ: 244 علي بن محمد الليثي الواسطي.؛ دار الحديث قم.
3ـ الخصال: 303 ب5 ح82، وكمال الدين وتمام النعمة: 649 ب57 ح1 بفارق طفيف في بعض نسخه.
4ـ الإمامة والتبصرة من الحيرة: 129 ح131 وفيه: خروج اليماني.
5ـ انظر ما نقله عنهما الطبرسي في كتابه إعلام الورى بأعلام الهدى 2: 279. وكذا الشيخ المجلسي في البحار في مواضع عدة منها ج52: 203 وفيهما ما في سابقهما: خروج اليماني.
6ـ وهو الصحيح وفي الأصل ابن عاصم، وهو شيخ الصدوق وهو طريقه لكتاب الكليني، وقد ترضى عليه في مشيخة من لا يحضره الفقيه.4: 534
7ـ لم نجد الرواية في الكافي الشريف.
8ـ كمال الدين وتمام النعمة: 327ـ328 ب32 ح7.
9ـ كمال الدين وتمام النعمة: 331 ب32 ح16.
10ـ فالحديث يرويه الشيخ الصدوق عن تلميذ الشيخ الكليني وراوي كتابه الكافي، وعن الشيخ الكليني من بعده، ومن الواضح إن الرواية بهذا الطريق هي طريق الشيخ الصدوق للشيخ الكليني، كما نص عليه في مشيخة من لا يحضره الفقيه 4: 534.
11ـ الكافي 1: 8ـ9.
12ـ وجميع من نقل الخبر الأول لم يتعرض لهذه الحاشية ابدا
13ـ ويقويه إن النص موجود بنفس السند ولكن برواية مختلفة عن مقدمة هذه الرواية، وهو ما سنشير إليه في محله.
14ـ الإرشاد 2: 368.
15ـ انظر: الشيخ الإربلي في كشف الغمة في معرفة الأئمة 3: 33، والشيخ الطبرسي في إعلام الورى بأعلام الهدى 2: 233، والشيخ المجلسي في البحار 51:: 218، والشيخ بهاء الدين النجفي في منتخب الأنوار المضيئة: 308، بل حتى ممن هو قريب العهد كالشيخ علي اليزدي الحائري في كتاب إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب 1: 196 والميرزا محمد تقي الأصفهاني في مكيال المكارم 1: 71..
16ـ غيبة النعماني: 277 ب14 ح60.
17ـ عصر الظهور: 148 للشيخ علي الكوراني.
18ـ رجال النجاشي: 338 رقم903.
19ـ رجال النجاشي: 332 رقم894.
20ـ مختصر اثبات الرجعة وهو منسوب للفضل بن شاذان، وهو منشور عن نسخة للحر العاملي في مجلة تراثنا العدد 15 ص215 ح16 وبتحقيق السيد باسم الموسوي.
21ـ نقله في عقد الدرر عن محمد بن عبيد الكسائي في قصص الأنبياء، انظر عقد الدرر في أخبار المنتظر: 115 ليوسف بن يحيى المقدسي الشافعي السلمي.
22ـ بحار الأنوار 51: 163 عن مشارق أنوار اليقين للحافظ البرسي.
23ـ الشطن: الحبل، ولعله أراد انه طويل ضعيف.
24ـ الملاحم: 53 ح10ـ1 للحافظ أحمد بن جعفر المعروف بابن المنادي البغدادي (ت 336هـ)؛ تحقيق: عبد الكريم العقيلي.
25ـ كتاب الفتن: 174 لنعيم بن حماد المروزي؛ دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ـ بيروت 1993. تحقيق الدكتور سهيل زكار.
26ـ تاج العروس 9: 277 للزبيدي؛ تحقيق علي شيري؛ دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ـ لبنان.
27ـ عصر الظهور: 244.
28ـ معجم أحاديث الإمام المهدي (عج) 1: 296.
29ـ كفاية الأثر في النص على الأئمة الإثني عشر: 150.
30ـ كشف الغمة في معرفة الأئمة 3: 269.
31ـ الكامل في ضعفاء الرجال 5: 295 لابن عدي، في ترجمة عبد الوهاب بن الضحاك، وميزان الاعتدال في نقد الرجال للذهبي 2: 680 رقم 5316 في ترجمة عبد الوهاب بن همام الصنعاني.[/align]
الحلقة الخامسة
هوية اليماني
هل اليماني من اليمن؟
قد يبدو السؤال غريباً بعض الشيء على القارئ الكريم، ولكنه سؤال حيوي ترتبط به أمور عدة، ومن الواجب الإجابة عليه بدقة لاسيما وان عددا من الباحثين تناولوه بتسليم كبير دون تدقيق فوقعوا وأوقعوا قراءهم بأوهام عديدة، بل تسببت تلك الأوهام بتمرير روايات دخيلة دون تمحيص ودونما تدقيق.
وأحد مناشئ هذا الواجب طبيعة البيئة العقائدية التي تحكم الساحة اليمنية والتي تمكن من إيجاد جيش له هذه القوة والمنعة بالشكل الذي يتمكن من مقارعة جيش السفياني الذي وصف بأوصاف متعددة تشير إلى القوة والضخامة، مما يجعل هذا الجيش مستندا لبيئة اجتماعية ضخمة تمكن من إنتاج مثل هذا الجيش، لاسيما وان وصف هذا الجيش لم يوصف بأوصاف عادية على المستوى العقائدي.
وأيضا فإن هذا السؤال يرتبط بموضوع ما إذا كانت الساحة اليمنية تصلح لكي تكون ساحة ممهدة لظهور الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف)؟ وأي تمهيد أعلى وأكثر حساسية من أن تكون فيها أهدى الرايات؟!
لذلك لابد من التروي كثيراً في الإجابة على هذا السؤال، خصوصاً أن من أجاب عليه اعتمد غالباً على ما يوحي اسم اليماني من اقترانه باليمن كموطن جغرافي وكحاضن عقائدي، ولذلك لم يتوقف عند الروايات توقف المحقق والمدقق، ونحن إذ نحاول أن نفتش عن إجابة دقيقة لابد من أن ننتبه أولاً إلى أن اليمن ظلت ومنذ عهد بعيد ولا زالت حاضنة للعقيدة الزيدية، وهذه العقيدة اتجهت مع مرور الزمن لتقترب أكثر من العقيدة السلفية أو لتبتعد بشكل عام عن العقيدة الإمامية، مما يجعلنا أمام تناقض كبير ـ وفق ما أشرنا إليه سابقاً من احتياجات جيش اليماني إلى الحاضن العقائدي والاجتماعي ـ بين أن تكون راية أهل البيت ع هي راية الإمامية (أعلى الله شأنهم)، وبين أن لا تخرج أهدى الرايات من الساحة الاجتماعية الأساسية للإمامية وإنما تخرج من ساحة اجتماعية في عمومها الغالب تهيمن عقيدة أخرى لا تخفي حنقها من الإمامية بل ولا تخفي عملها الدؤوب للوقوف أمامها والتصدي لها.
وفي تصوري إن الأمر كان ليكون سهلاً لو تم التعامل مع الأمر وفق مقتضيات روايات أهل البيت (عليهم السلام)، لكن قبول بعض الباحثين والرواة لإيحاءات لقب هذا العبد الصالح أوقعهم في هذا المطب.
يمنية اليماني في الروايات
وفي العموم فإن الروايات الصحيحة والموثوقة والمعتبرة(1) لا تشير لا من قريب ولا من بعيد إلى كون الرجل من اليمن، بل إن منشأ الوهم الذي جعل البعض ينسب الرجل إلى اليمن هو إما روايات عامية أو روايات ضعيفة سندا ومضطربة متنا، أو روايات لا نستطيع الاعتماد عليها لمجهولية مصدرها، وسنناقش كل ما ورد في كتبنا من روايات وأخبار حتى نصل إلى ما يقربنا من اليقين في هذا المجال.
أولا: واحدة من الروايات التي تعرضت لهذا الموضوع هي ما رواه علي بن محمد الليثي الواسطي وهو من علماء القرن السادس في كتابه عيون الحكم والمواعظ فقد روى بإرسال قال: خمسة من علامات القائم ع: اليماني من اليمن والسفياني والمنادي ينادي بالسماء وخسف بالبيداء وقتل النفس الزكية.(2)
والرجل نقل الرواية عن الشيخ الصدوق (رضوان الله عليه) على ما يبدو، وتحديداً من كتابه الخصال وكمال الدين،(3) وما رواه الشيخ الصدوق وأبوه (قدس سره) من قبله(4) ومن نقل عنهما(5) لم يذكروا قوله (من اليمن) إطلاقا، مما يجعل ما في كتاب عيون الحكم والمواعظ شارحا ولا دخل له برواية أهل البيت (ع)، وقد يكون الشرح من المؤلف أو من الناسخ، وعلى أي حال فإن الإشارة إلى اليمن لا دخل لها بحديث أهل البيت (ع)، وكلام العلماء يرد إليهم حتى يقدّموا بينة من العلم، فلا تغفل!
ثانياً وثالثاً: ما كتبه الشيخ الصدوق في هامش رواية رواها عن محمد بن محمد بن عصام،(6) عن الشيخ الكليني(7) ، عن القاسم بن العلاء، عن إسماعيل بن علي القزويني، عن علي بن إسماعيل، عن عاصم بن حميد الحناط، عن محمد بن مسلم الثقفي قال: دخلت على أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليهما السلام) وأنا أريد أن أسأله عن القائم من آل محمد (صلى الله عليه وعليهم)، فقال لي مبتدئاً: يا محمد بن مسلم إن في القائم إلى أن قال: وإن من علامات خروجه: خروج السفياني من الشام وخروج اليماني (من اليمن) ومنادياً ينادي من السماء.. إلخ. (8)
وبنفس السند في رواية أخرى قال الإمام الباقر (صلوات الله عليه): القائم منا منصور بالرعب، مؤيد بالنصر إلى أن قال: واستخف الناس بالدماء وارتكاب الزنا وأكل الربا وأُتقي الأشرار مخافة ألسنتهم، وخروج السفياني من الشام، واليماني من اليمن، وخسف بالبيداء، وقتل غلام من آل محمد (صلى الله عليه وآله) بين الركن والمقام.. الخ. (9)
والنقاش في الرواية يدور تارة على أصل السند، ونلاحظ هنا أولا إن الروايتين في سندهما بهيئته هذه يشيران إلى إنهما من روايات الكافي، إلا إن الملاحظ أن لا وجود لهما أصلا في نسخة الكافي بصيغتيهما،(10) وهذا ليس بقادح فيهما من حيث الأصل، لاحتمال أمرين: أحدهما إن الشيخ الصدوق نقل من كتاب للكليني غير كتاب الكافي هذه الرواية، وهذا محتمل باعتبار ضياع بعض كتب الشيخ الكليني، واحتمال أن يكون الشيخ الصدوق قد اطلع على هذا الكتاب قبل ضياعه، ولكن من يلحظ كتاب الكافي وطريقة الشيخ في الحديث وطبيعة ما قدّمه للكتاب، يعرف إن الكافي كتبه الشيخ الكليني بهدف الإفتاء وعلى طريقة زمانه، وبالتالي فقد كتب فيه ما اعتقد انه صحيح يجوز العمل بمقتضاه، وهذا ما أشار رضوان الله تعالى عليه إليه في مقدمة كتابه(11) ، وقد يعني ذلك إن ما أودعه في غير الكافي ربما لم يرق في وثاقته لما رقى إليه الكافي في نظر الشيخ الكليني، ولهذا أهمل ذكر هذه الرواية في كتابه الكافي لعدم ثقته بها أو اطمئنانه بها، ويقوي ذلك إن اسناد الرواية فيه أكثر من مجهول, فانتبه!.
والثاني: أن يكون الشيخ الصدوق (قدس سره) قد توهم عمن نقل روايتيه هاتين، وهذا ممكن بحد ذاته وإن كان مستبعداً عن مثل الشيخ الصدوق (رضوان الله تعالى عليه)، إلا إن ما يثير الشك إن أي أحد غير الشيخ الصدوق سواء من عاصره أو مشايخه أو ممن نقل عنهم من كتب الأصحاب لم ينقل هاتين الروايتين، سواء بهذا السند أو بغيره، ولهذا فهو متفرد بهما، وعلى أي حال فإن صح هذا الأمر فإنه نقل الخبر من مصدر مجهول وإن كان للشيخ الكليني أو غيره.
وثانياً: نلاحظ إن السند مشكوك فيهما بسبب عدم وضوح من نقل عنه الشيخ الصدوق أساساً، فكما علمت مما تقدم فإن السند هو من أسانيد كتاب الكافي، ولا وجود لهما في الكافي أساساً، وفوق ذلك ففي الرواية أكثر من مجهول، ولا أقل من جهة إسماعيل بن علي القزويني، أما علي بن إسماعيل فإن كان الميثمي فحاله معروف؛ وإلا فهو مجهول أيضاً، والطريق إلى عاصم بن حميد بهذه الشاكلة غير معروف، ولهذا لا يمكن التعويل على الخبر بهذه الهيئة.
وتارة نلحظ ما في متن الرواية الأولى وخلاصته إن ما كتبه الشيخ الصدوق في هامش الرواية لا علاقة له بأصل الرواية، فمن الواضح إن الحديث فيما سبقه لا علاقة له بهذه القطعة،(12) ولهذا فإن الهامش؛ إما أن يكون قد حصل قطع في الرواية بحيث أن ما في المقدمة بعيد عن الهامش، ولكن من دون أن يشير إلى ذلك الراوي أو الشيخ الصدوق أثناء نقله للرواية،(13) إما أن يكون من خبر ثاني لم يبلغنا سنده، وبالتالي فهو ضعيف بالإرسال، وإما هو شرح من عنده أو استطراد منه وقد وقع في هذا الموضع لسبب أو آخر وبالنتيجة لا تعويل عليه، ومن الملاحظ أن هذا الاستطراد مشابه للسرد الذي عمد إليه الشيخ المفيد (رضوان الله عليه) في كتاب الإرشاد. (14)
نعم الرواية بحذف كلمة (من اليمن) وردت بعدة طرق وبألفاظ عدة متقاربة في العموم، وقد وردت بعضها بأسانيد صحيحة أو موثوقة، ولهذا ما يمكننا تأكيده أن هذه الكلمة الموجودة بالأساس في نسخة من نسخ كمال الدين وليس في جميعها وهي من إضافة النسّاخ أو من عملوا على تحقيق الكتاب، ولهذا نلاحظ إن جميع من نقلوا الخبر عن كتاب الشيخ الصدوق (رحمه الله)لم ينقلوا هذه الكلمة بتاتاً،(15) مما يجعل الإضافة حديثة عن عهد الشيخ الصدوق (رحمه الله)، مما يجعلها بالنتيجة خارج إطار الاعتماد والقبول.
رابعاً: ما رواه الشيخ النعماني في غيبته قال: علي بن الحسين، عن محمد بن يحيى العطار، عن محمد بن حسان الرازي، عن محمد بن علي الكوفي، عن محمد بن سنان، عن عبيد بن زرارة قال: ذكر عند أبي عبد اله (عليه السلام) السفياني فقال: أني يخرج ذلك ولما يخرج كاسر عينيه بصنعاء.(16)
وهذه الرواية التي تفرد بها الشيخ النعماني (رحمة الله عليه)، وبالرغم من انه يرويها عن الشيخ الصدوق، إلا إن الشيخ الصدوق لم يروها في كتبه إطلاقاً، وبالرغم من احتمال بعضهم بأنها صحيحة السند،(17) إلا إن واقع الحال يشير إلى أنها ضعيفة جدا من حيث التدقيق السندي فمحمد بن حسان الرازي لم تثبت وثاقته بل يشمّ من كلام الشيخ النجاشي (رضوان الله عليه) ضعفه إذ يقول: محمد بن حسان الرازي: يعرف وينكر، بين بين، يروي عن الضعفاء كثيراً(18) .
ولكن الضعف بين جداً في محمد بن علي الكوفي وهو أبو سمينة وفيه قال النجاشي: ضعيف جداً، فاسد الاعتقاد، لا يعتمد في شيء، وكان ورد قم ـ وقد اشتهر بالكذب بالكوفة ـ ونزل على أحمد بن محمد بن عيسى مدة، ثم تشهر بالغلو، فجفي ، وأخرجه أحمد بن محمد بن عيسى عن قم.(19)
والرواية في واقعها لا تشير إلى اليماني لو صحت، غاية ما تشير إليه أن ثمة رجل سيظهر قبل خروج السفياني يتسبب بكسر عين السفياني، وقد حمل بعض الباحثين هذا الكلام على إن هذا الرجل هو اليماني، وهو تحميل للرواية لما لا تحتمل، خاصة وإنها تتحدث عن خروج كاسر العين قبل خروج السفياني، بينما تتفق الروايات الصحيحة على إن خروجهما متزامن كما سيمر بنا في روايات اليماني،
وبالنتيجة لا دلالة فيها على إنه اليماني، وإنما تشير لرجل سيتسبب بكسر عين السفياني قبل خروج السفياني، وكسر العين إما أن يكون حقيقياً أو معنوياً، والروايات تشخص وجود خلل في عين السفياني قبل خروجه، وبمعزل إن كان هذا الخلل مادياً أو معنوياً، فإن هذا الرجل ربما هو من سيتسبب بهذا الخلل في شخصية السفياني، وبالنتيجة لا يدل على إنه اليماني، كما لا دلالة فيه على هوية هذا الرجل العقائدية، فقد يكون هذا الحدث منفك عن الوضع العقائدي الذي سيتولى السفياني مسؤوليته، ولهذا فلا مجال لعد الرواية في هذا الإطار.
خامساً: ما نسب للفضل بن شاذان (رحمه الله) في مخطوطة: مختصر إثبات الرجعة بروايته عن محمد بن أبي عمير (رض)، قال: حدثنا جميل بن دراج، قال: حدثنا زرارة بن أعين، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال: استعيذوا بالله من شر السفياني.. إلى أن قال: أول من يخرج منهم رجل يقال له: أصهب بن قيس يخرج من بلاد الجزيرة له نكاية شديدة في الناس وجور عظيم، ثم يخرج الجرهمي من بلاد الشام، ويخرج القحطاني من بلاد اليمن، ولكل واحد من هؤلاء شوكة عظيمة في ولايتهم، ويغلب على أهلها الظلم والفتنة منهم، فبينما هم كذلك يخرج السمرقندي من خراسان مع الرايات السود، والسفياني من الوادي اليابس من أودية الشام، وهو من ولد عتبة بن أبي سفيان.. إلى أن يقول: وقد يكون خروجه وخروج اليماني من اليمن مع الرايات البيض في يوم واحد وشهر واحد وسنة واحدة.
فأول من يقاتل السفياني القحطاني فينهزم ويرجع إلى اليمن ويقتله اليماني، ثم يفر الأصهب والجرهمي بعد محاربات كثيرة من السفياني فيتبعهما ويقهرهما، ويقهر كل من ينازعه ويحاربه إلا اليماني.
ثم يبعث السفياني جيوشاً... إلى أن يقول: ثم يقصد اليماني، فينهض اليماني لدفع شره، فينهزم السفياني بعد محاربات عديدة ومقاتلات شديدة، فيتبع اليماني فتكثر الحروب وهزيمة السفياني، فيجده اليماني في نهر اللو مع ابنه في الأسارى فيقطعهما إرباً إرباً، ثم يعيش في سلطنته فارغاً من الأعداء ثلاثين سنة، ثم يفوض الملك بابنه السعيد، ويأوي مكة وينتظر ظهور قائمنا (عليه السلام) حتى يتوفى! فيبقى ابنه بعد وفاة أبيه في ملكه وسلطانه قريباً من أربعين سنة، وهما يرجعان إلى الدنيا بدعاء قائمنا.(20)
ونلاحظ إن هذا الخبر يتحدث عن يمنية اليماني ولا يكتفي بذلك وإنما يحدد ملكاً له هناك، ويتحدث عن ابنه، والغريب أنه مساق بسند صحيح، ولن نناقش في سنده فهو كما هو واضح من الأسانيد الجيدة، رغم وجود النقاش حول صحة نسبة هذه النسخة للفضل بن شاذان، والمحققة منشورة عن نسخة للحر العاملي (عليه رحمة الله) كتبت بخط يده على ما أشار إليه المحقق، ولكن يلحظ أن الشيخ المجلسي الذي اجتهد كثيراً في جمع المصادر الشيعية في كتابه بحار الأنوار، لم يعثر على الكتاب ولم يشر لأحاديثه مع شدة جهده من أجل أن يحوي كتابه على كل أخبار أهل البيت ع، ولكن رغم التقارب الزمني والاجتماعي ما بين العلمين إلا أننا لا نجد أن الأمر كان طبيعياً، فكليهما متقاربين وضمن بيئة واحدة، وقد أتعب الشيخ المجلسي نفسه من أجل تحصيل المصادر الشيعية، فلماذا لم يأت على ذكر هذا الكتاب، وبالرغم من أن هذا ممكنا من الناحية النظرية، ولكن من الناحية العملية تحتاج إلى تدقيق كبير.
كما ونلاحظ إن هذا الحديث قد تفرد به الفضل بن شاذان، ولم يذكر في أي مصدر بهذا الإسناد، وهذا مستغرب بشدة أيضاً، لأن العلماء لا يمكن أن يفوتهم حديث لمثل زرارة أو جميل بن دراج أو ابن أبي عمير (رضوان الله تعالى عليهم) وهم من أعلام الرواة وموثوقيهم، ولعل الإشكال ستعلوه الكثير من علامات الاستفهام حينما نجد بعضاً من الخبر في مصادر أهل السنة دون غيرهم تنقله عن كعب الأحبار (أحد مبتدعي الأحاديث اليمانية والمتهم بها)، (21)
ولكن مهما يكن حال السند، فإن ملاحظات كثيرة تدور حول محتواه ومتنه، فالمتن متناقض أولا مع روايات أهل البيت ع في أكثر من موضع، وثانياً: فيه اضطراب وتهافت كبيرين، فالخبر يشير أولاً إلى أن اليماني هو الذي يقتل السفياني، وهو مخالف لصريح الروايات بأن قتل السفياني سيكون على يد الإمام (روحي وأرواح العالمين له الفدا)، وقد يكون سفياني آخر غير السفياني الموعود، وهو محتمل في نفسه، ولكن سياق الخبر لا يوحي بأن المقصود غير السفياني الموعود.
والثاني إن الخبر يشير إلى أن اليماني لا يدرك الإمام (عليه السلام)، بل وابنه أيضاً، وهذا خلاف الروايات أيضاً، لأنه يخرج قبل فترة وجيزة جدا من ظهور الإمام (عليه السلام) كما هو صريح الروايات.
والثالث: يتحدث عن ملك اليماني في اليمن وخلافة ابنه بعده قبل ظهور الإمام (عليه السلام) ومع إن الروايات لا تتحدث عن ملك اليماني، ولكنه تشير إلى إن ساحة تمهيده المباشر تكون في العراق تحديداً.
ولهذا لا يمكن التعويل على هذا الخبر.
سادساً: ما ذكره الشيخ المجلسي في البحار عن الحافظ البرسي في كتابه مشارق أنوار اليقين في رواية عن كعب بن الحارث قال: ثم يخرج ملك من صنعاء اليمن ابيض كالقطن، حسين أو حسن، فيذهب بخروجه غمر الفتن، فهناك يظهر مباركاً زكياً وهادياً مهدياً وسيداً علوياً.(22)
ونظير ذلك ما رواه ابن المنادي في الملاحم عن كاهن سماه بسطيح قال: ثم يظهر رجل من اليمن أبيض كالشطن،(23) يخرج من صنعاء وعدن، يسمى حسينا أو حسن، يذهب الله على رأسه الفتن.(24)
ومن الواضح إن الخبر لا علاقة له بأهل البيت (عليهم السلام) بل هو حديث الكهنة كما عرفه صاحب المشارق وكما عرفه صاحب الملاحم، ولعل المقصود بكعب بن الحارث هو كعب الأحبار رغم إن اسم كعب الأحبار هو كعب بن ماتع الحميري، وعموما لا تعويل عليه مطلقاً فإن كان كعب بن الحارث شخصاً آخر غير كعب الأحبار فهو حديث كاهن مجهول، وإن كان المتحدث هو كعب الأحبار فهو كذاب معروف، والحال نفسه في الراوي الآخر، فهو في أحسن الحال كاهن سجّاع لا تعويل على قوله، هذا على الرغم من إن محتوى الخبر لا يشير إلى أن من يتم الحديث عنه هو نفس اليماني، إذ يحتمل أن يكون الحديث عن شخص آخر.
سابعاً: وفي روايات العامة المنتشرة في كتب الشيعة ما رواه نعيم بن حماد المروزي في كتاب الفتن ما رواه عن سعيد أبو عثمان، عن جابر، عن أبي جعفر قال: إذا ظهر الأبقع مع قوم ذوي أجسام فتكون بينهم ملحمة عظيمة ثم يظهر الأخوص السفياني الملعون فيقاتلهما جميعا فيظهر عليهما جميعا ثم يسير إليهم منصور اليماني من صنعاء بجنوده وله فورة شديدة يستقتل الناس قتل الجاهلية فيلتقي هو والأخوص وراياتهم صفر وثيابهم ملونة فيكون بينهما قتال شديد، ثم يظهر الأخوص السفياني عليه.(25)
والخبر رغم انه ينتهي لأهل البيت (ع) إلا إن الطريق لا يوثق به، كما إنه يتناقض ظاهراً مع رواياتهم (صلوات الله عليهم) لا أقل في طبيعة معركة السفياني مع اليماني، ويتفرد في تلقيب أو تسمية اليماني بالمنصور، وكذا في القول بأنه يأتي من صنعاء، ناهيك عن وصف عين السفياني.
فالسفياني يتخلص من الأبقع وجنده في حركته الأولى قبل أن يسير إلى العراق ضمن صراعه في معركة الرايات الثلاثة (الأبقع والأصهب) في الشام ـ كما هو إجماع الروايات ـ وهي المعركة التي تحسم أوضاع بلاد الشام لصالح السفياني، وخروجه المقترن بخروج اليماني بمعية الخراساني ـ كما تؤكد الروايات ـ إنما يكون بعد انتهاء معركته الثانية في قرقيسيا، وظاهر بعض الروايات يشير إلى أن اليماني يقاتل الجيش السفياني بشكل مباشر بعد مذبحة الكوفة التي يتسبب بها السفياني الملعون.
ولا تشير أية رواية لليماني بأن اسمه منصور أو لقبه أو صفته اللهم إلا هذه الرواية، وهي مما يتفرد به ابن حماد.
كما إن السفياني هنا الذي يوصف بالأخوص ـ أي صاحب العين الغائرة والصغيرة الضيقة ـ(26) يختلف عن الوصف الذي تشير إليه روايات أهل البيت ع.
تذييل: ومما يثير العجب في هذا المقام ما اتجه إليه أحد الأفاضل الأعزة حينما حاول أن يتخلص من رواية مخالفة لما تواتر عليه حديث أهل البيت ع في شأن خروج الإمام المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) من مكة المكرمة، وتصريح هذه الرواية بأن الإمام المهدي (صلوات الله عليه) يخرج من قرية في اليمن يقال لها: كرعة!! فقال: وجاء في بعض الروايات عن المهدي (ع) أنه يخرج من اليمن من قرية يقال لها: كرعة، ولا يبعد أن يكون المقصود به اليماني الذي يبدأ أمره من هذه القرية.(27)
واستقرب في موضع آخر ذلك فقال معقباً على الرواية: فالأقرب فيه عندنا أن وزيره اليماني الذي يظهر قبله ببضعة أشهر يخرج من قرية يقال لها كرعة أو كريمة ثم من صنعاء كما تذكر بعض الروايات.(28)
والحقيقة خلاف ذلك، فالرواية التي رواها الشيخ أبو القاسم الخزاز في كتابه كفاية الأثر في النص على الأئمة الإثني عشر (ع)(29) ضمن حديث طويل، أو ما رواه الشيخ الإربلي في كشف الغمة عن عبد الله بن عمر،(30) وأخذها من بعدهما من أخذه من مؤلفينا تنطوي على ثلاثة مفارقات، فهي أولاً عامية، وهذا المقطع مشار إليه في عدة من مصادر العامة،(31) وسندها على الأقل مجهول إن لم نقل بقدحه، والثالثة: إنها تتحدث بشكل محدد عن الإمام المهدي (عج) دون أي إشارة لأي شخصية أخرى، فتحميلها على اليماني غير وارد أصلاً، هذا كله ناهيك عن مخالفتها الصريحة لما جاء بروايات صحيحة ومتواترة لدى الطرفين من أن الإمام (صلوات الله عليه) إنما يخرج من مكة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ على خلاف تصنيف هذه الروايات في علم الحديث.
2ـ عيون الحكم والمواعظ: 244 علي بن محمد الليثي الواسطي.؛ دار الحديث قم.
3ـ الخصال: 303 ب5 ح82، وكمال الدين وتمام النعمة: 649 ب57 ح1 بفارق طفيف في بعض نسخه.
4ـ الإمامة والتبصرة من الحيرة: 129 ح131 وفيه: خروج اليماني.
5ـ انظر ما نقله عنهما الطبرسي في كتابه إعلام الورى بأعلام الهدى 2: 279. وكذا الشيخ المجلسي في البحار في مواضع عدة منها ج52: 203 وفيهما ما في سابقهما: خروج اليماني.
6ـ وهو الصحيح وفي الأصل ابن عاصم، وهو شيخ الصدوق وهو طريقه لكتاب الكليني، وقد ترضى عليه في مشيخة من لا يحضره الفقيه.4: 534
7ـ لم نجد الرواية في الكافي الشريف.
8ـ كمال الدين وتمام النعمة: 327ـ328 ب32 ح7.
9ـ كمال الدين وتمام النعمة: 331 ب32 ح16.
10ـ فالحديث يرويه الشيخ الصدوق عن تلميذ الشيخ الكليني وراوي كتابه الكافي، وعن الشيخ الكليني من بعده، ومن الواضح إن الرواية بهذا الطريق هي طريق الشيخ الصدوق للشيخ الكليني، كما نص عليه في مشيخة من لا يحضره الفقيه 4: 534.
11ـ الكافي 1: 8ـ9.
12ـ وجميع من نقل الخبر الأول لم يتعرض لهذه الحاشية ابدا
13ـ ويقويه إن النص موجود بنفس السند ولكن برواية مختلفة عن مقدمة هذه الرواية، وهو ما سنشير إليه في محله.
14ـ الإرشاد 2: 368.
15ـ انظر: الشيخ الإربلي في كشف الغمة في معرفة الأئمة 3: 33، والشيخ الطبرسي في إعلام الورى بأعلام الهدى 2: 233، والشيخ المجلسي في البحار 51:: 218، والشيخ بهاء الدين النجفي في منتخب الأنوار المضيئة: 308، بل حتى ممن هو قريب العهد كالشيخ علي اليزدي الحائري في كتاب إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب 1: 196 والميرزا محمد تقي الأصفهاني في مكيال المكارم 1: 71..
16ـ غيبة النعماني: 277 ب14 ح60.
17ـ عصر الظهور: 148 للشيخ علي الكوراني.
18ـ رجال النجاشي: 338 رقم903.
19ـ رجال النجاشي: 332 رقم894.
20ـ مختصر اثبات الرجعة وهو منسوب للفضل بن شاذان، وهو منشور عن نسخة للحر العاملي في مجلة تراثنا العدد 15 ص215 ح16 وبتحقيق السيد باسم الموسوي.
21ـ نقله في عقد الدرر عن محمد بن عبيد الكسائي في قصص الأنبياء، انظر عقد الدرر في أخبار المنتظر: 115 ليوسف بن يحيى المقدسي الشافعي السلمي.
22ـ بحار الأنوار 51: 163 عن مشارق أنوار اليقين للحافظ البرسي.
23ـ الشطن: الحبل، ولعله أراد انه طويل ضعيف.
24ـ الملاحم: 53 ح10ـ1 للحافظ أحمد بن جعفر المعروف بابن المنادي البغدادي (ت 336هـ)؛ تحقيق: عبد الكريم العقيلي.
25ـ كتاب الفتن: 174 لنعيم بن حماد المروزي؛ دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ـ بيروت 1993. تحقيق الدكتور سهيل زكار.
26ـ تاج العروس 9: 277 للزبيدي؛ تحقيق علي شيري؛ دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ـ لبنان.
27ـ عصر الظهور: 244.
28ـ معجم أحاديث الإمام المهدي (عج) 1: 296.
29ـ كفاية الأثر في النص على الأئمة الإثني عشر: 150.
30ـ كشف الغمة في معرفة الأئمة 3: 269.
31ـ الكامل في ضعفاء الرجال 5: 295 لابن عدي، في ترجمة عبد الوهاب بن الضحاك، وميزان الاعتدال في نقد الرجال للذهبي 2: 680 رقم 5316 في ترجمة عبد الوهاب بن همام الصنعاني.[/align]
-
- الـمـديـر التـنـفـيـذي
- مشاركات: 1247
- اشترك في: الخميس أغسطس 14, 2008 5:07 am
Re: اليماني --- أهدى الرايات
[align=center]السلام عليكم ورحمة وبركاته هذه الحلقة مهمة جدا وسدد الله خطى الشيخ جلال الدين الصغير على بحثه القيم هذا .
الحلقة الخامسة
هوية اليماني
هل اليماني من اليمن؟
قد يبدو السؤال غريباً بعض الشيء على القارئ الكريم، ولكنه سؤال حيوي ترتبط به أمور عدة، ومن الواجب الإجابة عليه بدقة لاسيما وان عددا من الباحثين تناولوه بتسليم كبير دون تدقيق فوقعوا وأوقعوا قراءهم بأوهام عديدة، بل تسببت تلك الأوهام بتمرير روايات دخيلة دون تمحيص ودونما تدقيق.
وأحد مناشئ هذا الواجب طبيعة البيئة العقائدية التي تحكم الساحة اليمنية والتي تمكن من إيجاد جيش له هذه القوة والمنعة بالشكل الذي يتمكن من مقارعة جيش السفياني الذي وصف بأوصاف متعددة تشير إلى القوة والضخامة، مما يجعل هذا الجيش مستندا لبيئة اجتماعية ضخمة تمكن من إنتاج مثل هذا الجيش، لاسيما وان وصف هذا الجيش لم يوصف بأوصاف عادية على المستوى العقائدي.
وأيضا فإن هذا السؤال يرتبط بموضوع ما إذا كانت الساحة اليمنية تصلح لكي تكون ساحة ممهدة لظهور الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف)؟ وأي تمهيد أعلى وأكثر حساسية من أن تكون فيها أهدى الرايات؟!
لذلك لابد من التروي كثيراً في الإجابة على هذا السؤال، خصوصاً أن من أجاب عليه اعتمد غالباً على ما يوحي اسم اليماني من اقترانه باليمن كموطن جغرافي وكحاضن عقائدي، ولذلك لم يتوقف عند الروايات توقف المحقق والمدقق، ونحن إذ نحاول أن نفتش عن إجابة دقيقة لابد من أن ننتبه أولاً إلى أن اليمن ظلت ومنذ عهد بعيد ولا زالت حاضنة للعقيدة الزيدية، وهذه العقيدة اتجهت مع مرور الزمن لتقترب أكثر من العقيدة السلفية أو لتبتعد بشكل عام عن العقيدة الإمامية، مما يجعلنا أمام تناقض كبير ـ وفق ما أشرنا إليه سابقاً من احتياجات جيش اليماني إلى الحاضن العقائدي والاجتماعي ـ بين أن تكون راية أهل البيت ع هي راية الإمامية (أعلى الله شأنهم)، وبين أن لا تخرج أهدى الرايات من الساحة الاجتماعية الأساسية للإمامية وإنما تخرج من ساحة اجتماعية في عمومها الغالب تهيمن عقيدة أخرى لا تخفي حنقها من الإمامية بل ولا تخفي عملها الدؤوب للوقوف أمامها والتصدي لها.
وفي تصوري إن الأمر كان ليكون سهلاً لو تم التعامل مع الأمر وفق مقتضيات روايات أهل البيت (عليهم السلام)، لكن قبول بعض الباحثين والرواة لإيحاءات لقب هذا العبد الصالح أوقعهم في هذا المطب.
يمنية اليماني في الروايات
وفي العموم فإن الروايات الصحيحة والموثوقة والمعتبرة(1) لا تشير لا من قريب ولا من بعيد إلى كون الرجل من اليمن، بل إن منشأ الوهم الذي جعل البعض ينسب الرجل إلى اليمن هو إما روايات عامية أو روايات ضعيفة سندا ومضطربة متنا، أو روايات لا نستطيع الاعتماد عليها لمجهولية مصدرها، وسنناقش كل ما ورد في كتبنا من روايات وأخبار حتى نصل إلى ما يقربنا من اليقين في هذا المجال.
أولا: واحدة من الروايات التي تعرضت لهذا الموضوع هي ما رواه علي بن محمد الليثي الواسطي وهو من علماء القرن السادس في كتابه عيون الحكم والمواعظ فقد روى بإرسال قال: خمسة من علامات القائم ع: اليماني من اليمن والسفياني والمنادي ينادي بالسماء وخسف بالبيداء وقتل النفس الزكية.(2)
والرجل نقل الرواية عن الشيخ الصدوق (رضوان الله عليه) على ما يبدو، وتحديداً من كتابه الخصال وكمال الدين،(3) وما رواه الشيخ الصدوق وأبوه (قدس سره) من قبله(4) ومن نقل عنهما(5) لم يذكروا قوله (من اليمن) إطلاقا، مما يجعل ما في كتاب عيون الحكم والمواعظ شارحا ولا دخل له برواية أهل البيت (ع)، وقد يكون الشرح من المؤلف أو من الناسخ، وعلى أي حال فإن الإشارة إلى اليمن لا دخل لها بحديث أهل البيت (ع)، وكلام العلماء يرد إليهم حتى يقدّموا بينة من العلم، فلا تغفل!
ثانياً وثالثاً: ما كتبه الشيخ الصدوق في هامش رواية رواها عن محمد بن محمد بن عصام،(6) عن الشيخ الكليني(7) ، عن القاسم بن العلاء، عن إسماعيل بن علي القزويني، عن علي بن إسماعيل، عن عاصم بن حميد الحناط، عن محمد بن مسلم الثقفي قال: دخلت على أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليهما السلام) وأنا أريد أن أسأله عن القائم من آل محمد (صلى الله عليه وعليهم)، فقال لي مبتدئاً: يا محمد بن مسلم إن في القائم إلى أن قال: وإن من علامات خروجه: خروج السفياني من الشام وخروج اليماني (من اليمن) ومنادياً ينادي من السماء.. إلخ. (8)
وبنفس السند في رواية أخرى قال الإمام الباقر (صلوات الله عليه): القائم منا منصور بالرعب، مؤيد بالنصر إلى أن قال: واستخف الناس بالدماء وارتكاب الزنا وأكل الربا وأُتقي الأشرار مخافة ألسنتهم، وخروج السفياني من الشام، واليماني من اليمن، وخسف بالبيداء، وقتل غلام من آل محمد (صلى الله عليه وآله) بين الركن والمقام.. الخ. (9)
والنقاش في الرواية يدور تارة على أصل السند، ونلاحظ هنا أولا إن الروايتين في سندهما بهيئته هذه يشيران إلى إنهما من روايات الكافي، إلا إن الملاحظ أن لا وجود لهما أصلا في نسخة الكافي بصيغتيهما،(10) وهذا ليس بقادح فيهما من حيث الأصل، لاحتمال أمرين: أحدهما إن الشيخ الصدوق نقل من كتاب للكليني غير كتاب الكافي هذه الرواية، وهذا محتمل باعتبار ضياع بعض كتب الشيخ الكليني، واحتمال أن يكون الشيخ الصدوق قد اطلع على هذا الكتاب قبل ضياعه، ولكن من يلحظ كتاب الكافي وطريقة الشيخ في الحديث وطبيعة ما قدّمه للكتاب، يعرف إن الكافي كتبه الشيخ الكليني بهدف الإفتاء وعلى طريقة زمانه، وبالتالي فقد كتب فيه ما اعتقد انه صحيح يجوز العمل بمقتضاه، وهذا ما أشار رضوان الله تعالى عليه إليه في مقدمة كتابه(11) ، وقد يعني ذلك إن ما أودعه في غير الكافي ربما لم يرق في وثاقته لما رقى إليه الكافي في نظر الشيخ الكليني، ولهذا أهمل ذكر هذه الرواية في كتابه الكافي لعدم ثقته بها أو اطمئنانه بها، ويقوي ذلك إن اسناد الرواية فيه أكثر من مجهول, فانتبه!.
والثاني: أن يكون الشيخ الصدوق (قدس سره) قد توهم عمن نقل روايتيه هاتين، وهذا ممكن بحد ذاته وإن كان مستبعداً عن مثل الشيخ الصدوق (رضوان الله تعالى عليه)، إلا إن ما يثير الشك إن أي أحد غير الشيخ الصدوق سواء من عاصره أو مشايخه أو ممن نقل عنهم من كتب الأصحاب لم ينقل هاتين الروايتين، سواء بهذا السند أو بغيره، ولهذا فهو متفرد بهما، وعلى أي حال فإن صح هذا الأمر فإنه نقل الخبر من مصدر مجهول وإن كان للشيخ الكليني أو غيره.
وثانياً: نلاحظ إن السند مشكوك فيهما بسبب عدم وضوح من نقل عنه الشيخ الصدوق أساساً، فكما علمت مما تقدم فإن السند هو من أسانيد كتاب الكافي، ولا وجود لهما في الكافي أساساً، وفوق ذلك ففي الرواية أكثر من مجهول، ولا أقل من جهة إسماعيل بن علي القزويني، أما علي بن إسماعيل فإن كان الميثمي فحاله معروف؛ وإلا فهو مجهول أيضاً، والطريق إلى عاصم بن حميد بهذه الشاكلة غير معروف، ولهذا لا يمكن التعويل على الخبر بهذه الهيئة.
وتارة نلحظ ما في متن الرواية الأولى وخلاصته إن ما كتبه الشيخ الصدوق في هامش الرواية لا علاقة له بأصل الرواية، فمن الواضح إن الحديث فيما سبقه لا علاقة له بهذه القطعة،(12) ولهذا فإن الهامش؛ إما أن يكون قد حصل قطع في الرواية بحيث أن ما في المقدمة بعيد عن الهامش، ولكن من دون أن يشير إلى ذلك الراوي أو الشيخ الصدوق أثناء نقله للرواية،(13) إما أن يكون من خبر ثاني لم يبلغنا سنده، وبالتالي فهو ضعيف بالإرسال، وإما هو شرح من عنده أو استطراد منه وقد وقع في هذا الموضع لسبب أو آخر وبالنتيجة لا تعويل عليه، ومن الملاحظ أن هذا الاستطراد مشابه للسرد الذي عمد إليه الشيخ المفيد (رضوان الله عليه) في كتاب الإرشاد. (14)
نعم الرواية بحذف كلمة (من اليمن) وردت بعدة طرق وبألفاظ عدة متقاربة في العموم، وقد وردت بعضها بأسانيد صحيحة أو موثوقة، ولهذا ما يمكننا تأكيده أن هذه الكلمة الموجودة بالأساس في نسخة من نسخ كمال الدين وليس في جميعها وهي من إضافة النسّاخ أو من عملوا على تحقيق الكتاب، ولهذا نلاحظ إن جميع من نقلوا الخبر عن كتاب الشيخ الصدوق (رحمه الله)لم ينقلوا هذه الكلمة بتاتاً،(15) مما يجعل الإضافة حديثة عن عهد الشيخ الصدوق (رحمه الله)، مما يجعلها بالنتيجة خارج إطار الاعتماد والقبول.
رابعاً: ما رواه الشيخ النعماني في غيبته قال: علي بن الحسين، عن محمد بن يحيى العطار، عن محمد بن حسان الرازي، عن محمد بن علي الكوفي، عن محمد بن سنان، عن عبيد بن زرارة قال: ذكر عند أبي عبد اله (عليه السلام) السفياني فقال: أني يخرج ذلك ولما يخرج كاسر عينيه بصنعاء.(16)
وهذه الرواية التي تفرد بها الشيخ النعماني (رحمة الله عليه)، وبالرغم من انه يرويها عن الشيخ الصدوق، إلا إن الشيخ الصدوق لم يروها في كتبه إطلاقاً، وبالرغم من احتمال بعضهم بأنها صحيحة السند،(17) إلا إن واقع الحال يشير إلى أنها ضعيفة جدا من حيث التدقيق السندي فمحمد بن حسان الرازي لم تثبت وثاقته بل يشمّ من كلام الشيخ النجاشي (رضوان الله عليه) ضعفه إذ يقول: محمد بن حسان الرازي: يعرف وينكر، بين بين، يروي عن الضعفاء كثيراً(18) .
ولكن الضعف بين جداً في محمد بن علي الكوفي وهو أبو سمينة وفيه قال النجاشي: ضعيف جداً، فاسد الاعتقاد، لا يعتمد في شيء، وكان ورد قم ـ وقد اشتهر بالكذب بالكوفة ـ ونزل على أحمد بن محمد بن عيسى مدة، ثم تشهر بالغلو، فجفي ، وأخرجه أحمد بن محمد بن عيسى عن قم.(19)
والرواية في واقعها لا تشير إلى اليماني لو صحت، غاية ما تشير إليه أن ثمة رجل سيظهر قبل خروج السفياني يتسبب بكسر عين السفياني، وقد حمل بعض الباحثين هذا الكلام على إن هذا الرجل هو اليماني، وهو تحميل للرواية لما لا تحتمل، خاصة وإنها تتحدث عن خروج كاسر العين قبل خروج السفياني، بينما تتفق الروايات الصحيحة على إن خروجهما متزامن كما سيمر بنا في روايات اليماني،
وبالنتيجة لا دلالة فيها على إنه اليماني، وإنما تشير لرجل سيتسبب بكسر عين السفياني قبل خروج السفياني، وكسر العين إما أن يكون حقيقياً أو معنوياً، والروايات تشخص وجود خلل في عين السفياني قبل خروجه، وبمعزل إن كان هذا الخلل مادياً أو معنوياً، فإن هذا الرجل ربما هو من سيتسبب بهذا الخلل في شخصية السفياني، وبالنتيجة لا يدل على إنه اليماني، كما لا دلالة فيه على هوية هذا الرجل العقائدية، فقد يكون هذا الحدث منفك عن الوضع العقائدي الذي سيتولى السفياني مسؤوليته، ولهذا فلا مجال لعد الرواية في هذا الإطار.
خامساً: ما نسب للفضل بن شاذان (رحمه الله) في مخطوطة: مختصر إثبات الرجعة بروايته عن محمد بن أبي عمير (رض)، قال: حدثنا جميل بن دراج، قال: حدثنا زرارة بن أعين، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال: استعيذوا بالله من شر السفياني.. إلى أن قال: أول من يخرج منهم رجل يقال له: أصهب بن قيس يخرج من بلاد الجزيرة له نكاية شديدة في الناس وجور عظيم، ثم يخرج الجرهمي من بلاد الشام، ويخرج القحطاني من بلاد اليمن، ولكل واحد من هؤلاء شوكة عظيمة في ولايتهم، ويغلب على أهلها الظلم والفتنة منهم، فبينما هم كذلك يخرج السمرقندي من خراسان مع الرايات السود، والسفياني من الوادي اليابس من أودية الشام، وهو من ولد عتبة بن أبي سفيان.. إلى أن يقول: وقد يكون خروجه وخروج اليماني من اليمن مع الرايات البيض في يوم واحد وشهر واحد وسنة واحدة.
فأول من يقاتل السفياني القحطاني فينهزم ويرجع إلى اليمن ويقتله اليماني، ثم يفر الأصهب والجرهمي بعد محاربات كثيرة من السفياني فيتبعهما ويقهرهما، ويقهر كل من ينازعه ويحاربه إلا اليماني.
ثم يبعث السفياني جيوشاً... إلى أن يقول: ثم يقصد اليماني، فينهض اليماني لدفع شره، فينهزم السفياني بعد محاربات عديدة ومقاتلات شديدة، فيتبع اليماني فتكثر الحروب وهزيمة السفياني، فيجده اليماني في نهر اللو مع ابنه في الأسارى فيقطعهما إرباً إرباً، ثم يعيش في سلطنته فارغاً من الأعداء ثلاثين سنة، ثم يفوض الملك بابنه السعيد، ويأوي مكة وينتظر ظهور قائمنا (عليه السلام) حتى يتوفى! فيبقى ابنه بعد وفاة أبيه في ملكه وسلطانه قريباً من أربعين سنة، وهما يرجعان إلى الدنيا بدعاء قائمنا.(20)
ونلاحظ إن هذا الخبر يتحدث عن يمنية اليماني ولا يكتفي بذلك وإنما يحدد ملكاً له هناك، ويتحدث عن ابنه، والغريب أنه مساق بسند صحيح، ولن نناقش في سنده فهو كما هو واضح من الأسانيد الجيدة، رغم وجود النقاش حول صحة نسبة هذه النسخة للفضل بن شاذان، والمحققة منشورة عن نسخة للحر العاملي (عليه رحمة الله) كتبت بخط يده على ما أشار إليه المحقق، ولكن يلحظ أن الشيخ المجلسي الذي اجتهد كثيراً في جمع المصادر الشيعية في كتابه بحار الأنوار، لم يعثر على الكتاب ولم يشر لأحاديثه مع شدة جهده من أجل أن يحوي كتابه على كل أخبار أهل البيت ع، ولكن رغم التقارب الزمني والاجتماعي ما بين العلمين إلا أننا لا نجد أن الأمر كان طبيعياً، فكليهما متقاربين وضمن بيئة واحدة، وقد أتعب الشيخ المجلسي نفسه من أجل تحصيل المصادر الشيعية، فلماذا لم يأت على ذكر هذا الكتاب، وبالرغم من أن هذا ممكنا من الناحية النظرية، ولكن من الناحية العملية تحتاج إلى تدقيق كبير.
كما ونلاحظ إن هذا الحديث قد تفرد به الفضل بن شاذان، ولم يذكر في أي مصدر بهذا الإسناد، وهذا مستغرب بشدة أيضاً، لأن العلماء لا يمكن أن يفوتهم حديث لمثل زرارة أو جميل بن دراج أو ابن أبي عمير (رضوان الله تعالى عليهم) وهم من أعلام الرواة وموثوقيهم، ولعل الإشكال ستعلوه الكثير من علامات الاستفهام حينما نجد بعضاً من الخبر في مصادر أهل السنة دون غيرهم تنقله عن كعب الأحبار (أحد مبتدعي الأحاديث اليمانية والمتهم بها)، (21)
ولكن مهما يكن حال السند، فإن ملاحظات كثيرة تدور حول محتواه ومتنه، فالمتن متناقض أولا مع روايات أهل البيت ع في أكثر من موضع، وثانياً: فيه اضطراب وتهافت كبيرين، فالخبر يشير أولاً إلى أن اليماني هو الذي يقتل السفياني، وهو مخالف لصريح الروايات بأن قتل السفياني سيكون على يد الإمام (روحي وأرواح العالمين له الفدا)، وقد يكون سفياني آخر غير السفياني الموعود، وهو محتمل في نفسه، ولكن سياق الخبر لا يوحي بأن المقصود غير السفياني الموعود.
والثاني إن الخبر يشير إلى أن اليماني لا يدرك الإمام (عليه السلام)، بل وابنه أيضاً، وهذا خلاف الروايات أيضاً، لأنه يخرج قبل فترة وجيزة جدا من ظهور الإمام (عليه السلام) كما هو صريح الروايات.
والثالث: يتحدث عن ملك اليماني في اليمن وخلافة ابنه بعده قبل ظهور الإمام (عليه السلام) ومع إن الروايات لا تتحدث عن ملك اليماني، ولكنه تشير إلى إن ساحة تمهيده المباشر تكون في العراق تحديداً.
ولهذا لا يمكن التعويل على هذا الخبر.
سادساً: ما ذكره الشيخ المجلسي في البحار عن الحافظ البرسي في كتابه مشارق أنوار اليقين في رواية عن كعب بن الحارث قال: ثم يخرج ملك من صنعاء اليمن ابيض كالقطن، حسين أو حسن، فيذهب بخروجه غمر الفتن، فهناك يظهر مباركاً زكياً وهادياً مهدياً وسيداً علوياً.(22)
ونظير ذلك ما رواه ابن المنادي في الملاحم عن كاهن سماه بسطيح قال: ثم يظهر رجل من اليمن أبيض كالشطن،(23) يخرج من صنعاء وعدن، يسمى حسينا أو حسن، يذهب الله على رأسه الفتن.(24)
ومن الواضح إن الخبر لا علاقة له بأهل البيت (عليهم السلام) بل هو حديث الكهنة كما عرفه صاحب المشارق وكما عرفه صاحب الملاحم، ولعل المقصود بكعب بن الحارث هو كعب الأحبار رغم إن اسم كعب الأحبار هو كعب بن ماتع الحميري، وعموما لا تعويل عليه مطلقاً فإن كان كعب بن الحارث شخصاً آخر غير كعب الأحبار فهو حديث كاهن مجهول، وإن كان المتحدث هو كعب الأحبار فهو كذاب معروف، والحال نفسه في الراوي الآخر، فهو في أحسن الحال كاهن سجّاع لا تعويل على قوله، هذا على الرغم من إن محتوى الخبر لا يشير إلى أن من يتم الحديث عنه هو نفس اليماني، إذ يحتمل أن يكون الحديث عن شخص آخر.
سابعاً: وفي روايات العامة المنتشرة في كتب الشيعة ما رواه نعيم بن حماد المروزي في كتاب الفتن ما رواه عن سعيد أبو عثمان، عن جابر، عن أبي جعفر قال: إذا ظهر الأبقع مع قوم ذوي أجسام فتكون بينهم ملحمة عظيمة ثم يظهر الأخوص السفياني الملعون فيقاتلهما جميعا فيظهر عليهما جميعا ثم يسير إليهم منصور اليماني من صنعاء بجنوده وله فورة شديدة يستقتل الناس قتل الجاهلية فيلتقي هو والأخوص وراياتهم صفر وثيابهم ملونة فيكون بينهما قتال شديد، ثم يظهر الأخوص السفياني عليه.(25)
والخبر رغم انه ينتهي لأهل البيت (ع) إلا إن الطريق لا يوثق به، كما إنه يتناقض ظاهراً مع رواياتهم (صلوات الله عليهم) لا أقل في طبيعة معركة السفياني مع اليماني، ويتفرد في تلقيب أو تسمية اليماني بالمنصور، وكذا في القول بأنه يأتي من صنعاء، ناهيك عن وصف عين السفياني.
فالسفياني يتخلص من الأبقع وجنده في حركته الأولى قبل أن يسير إلى العراق ضمن صراعه في معركة الرايات الثلاثة (الأبقع والأصهب) في الشام ـ كما هو إجماع الروايات ـ وهي المعركة التي تحسم أوضاع بلاد الشام لصالح السفياني، وخروجه المقترن بخروج اليماني بمعية الخراساني ـ كما تؤكد الروايات ـ إنما يكون بعد انتهاء معركته الثانية في قرقيسيا، وظاهر بعض الروايات يشير إلى أن اليماني يقاتل الجيش السفياني بشكل مباشر بعد مذبحة الكوفة التي يتسبب بها السفياني الملعون.
ولا تشير أية رواية لليماني بأن اسمه منصور أو لقبه أو صفته اللهم إلا هذه الرواية، وهي مما يتفرد به ابن حماد.
كما إن السفياني هنا الذي يوصف بالأخوص ـ أي صاحب العين الغائرة والصغيرة الضيقة ـ(26) يختلف عن الوصف الذي تشير إليه روايات أهل البيت ع.
تذييل: ومما يثير العجب في هذا المقام ما اتجه إليه أحد الأفاضل الأعزة حينما حاول أن يتخلص من رواية مخالفة لما تواتر عليه حديث أهل البيت ع في شأن خروج الإمام المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) من مكة المكرمة، وتصريح هذه الرواية بأن الإمام المهدي (صلوات الله عليه) يخرج من قرية في اليمن يقال لها: كرعة!! فقال: وجاء في بعض الروايات عن المهدي (ع) أنه يخرج من اليمن من قرية يقال لها: كرعة، ولا يبعد أن يكون المقصود به اليماني الذي يبدأ أمره من هذه القرية.(27)
واستقرب في موضع آخر ذلك فقال معقباً على الرواية: فالأقرب فيه عندنا أن وزيره اليماني الذي يظهر قبله ببضعة أشهر يخرج من قرية يقال لها كرعة أو كريمة ثم من صنعاء كما تذكر بعض الروايات.(28)
والحقيقة خلاف ذلك، فالرواية التي رواها الشيخ أبو القاسم الخزاز في كتابه كفاية الأثر في النص على الأئمة الإثني عشر (ع)(29) ضمن حديث طويل، أو ما رواه الشيخ الإربلي في كشف الغمة عن عبد الله بن عمر،(30) وأخذها من بعدهما من أخذه من مؤلفينا تنطوي على ثلاثة مفارقات، فهي أولاً عامية، وهذا المقطع مشار إليه في عدة من مصادر العامة،(31) وسندها على الأقل مجهول إن لم نقل بقدحه، والثالثة: إنها تتحدث بشكل محدد عن الإمام المهدي (عج) دون أي إشارة لأي شخصية أخرى، فتحميلها على اليماني غير وارد أصلاً، هذا كله ناهيك عن مخالفتها الصريحة لما جاء بروايات صحيحة ومتواترة لدى الطرفين من أن الإمام (صلوات الله عليه) إنما يخرج من مكة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ على خلاف تصنيف هذه الروايات في علم الحديث.
2ـ عيون الحكم والمواعظ: 244 علي بن محمد الليثي الواسطي.؛ دار الحديث قم.
3ـ الخصال: 303 ب5 ح82، وكمال الدين وتمام النعمة: 649 ب57 ح1 بفارق طفيف في بعض نسخه.
4ـ الإمامة والتبصرة من الحيرة: 129 ح131 وفيه: خروج اليماني.
5ـ انظر ما نقله عنهما الطبرسي في كتابه إعلام الورى بأعلام الهدى 2: 279. وكذا الشيخ المجلسي في البحار في مواضع عدة منها ج52: 203 وفيهما ما في سابقهما: خروج اليماني.
6ـ وهو الصحيح وفي الأصل ابن عاصم، وهو شيخ الصدوق وهو طريقه لكتاب الكليني، وقد ترضى عليه في مشيخة من لا يحضره الفقيه.4: 534
7ـ لم نجد الرواية في الكافي الشريف.
8ـ كمال الدين وتمام النعمة: 327ـ328 ب32 ح7.
9ـ كمال الدين وتمام النعمة: 331 ب32 ح16.
10ـ فالحديث يرويه الشيخ الصدوق عن تلميذ الشيخ الكليني وراوي كتابه الكافي، وعن الشيخ الكليني من بعده، ومن الواضح إن الرواية بهذا الطريق هي طريق الشيخ الصدوق للشيخ الكليني، كما نص عليه في مشيخة من لا يحضره الفقيه 4: 534.
11ـ الكافي 1: 8ـ9.
12ـ وجميع من نقل الخبر الأول لم يتعرض لهذه الحاشية ابدا
13ـ ويقويه إن النص موجود بنفس السند ولكن برواية مختلفة عن مقدمة هذه الرواية، وهو ما سنشير إليه في محله.
14ـ الإرشاد 2: 368.
15ـ انظر: الشيخ الإربلي في كشف الغمة في معرفة الأئمة 3: 33، والشيخ الطبرسي في إعلام الورى بأعلام الهدى 2: 233، والشيخ المجلسي في البحار 51:: 218، والشيخ بهاء الدين النجفي في منتخب الأنوار المضيئة: 308، بل حتى ممن هو قريب العهد كالشيخ علي اليزدي الحائري في كتاب إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب 1: 196 والميرزا محمد تقي الأصفهاني في مكيال المكارم 1: 71..
16ـ غيبة النعماني: 277 ب14 ح60.
17ـ عصر الظهور: 148 للشيخ علي الكوراني.
18ـ رجال النجاشي: 338 رقم903.
19ـ رجال النجاشي: 332 رقم894.
20ـ مختصر اثبات الرجعة وهو منسوب للفضل بن شاذان، وهو منشور عن نسخة للحر العاملي في مجلة تراثنا العدد 15 ص215 ح16 وبتحقيق السيد باسم الموسوي.
21ـ نقله في عقد الدرر عن محمد بن عبيد الكسائي في قصص الأنبياء، انظر عقد الدرر في أخبار المنتظر: 115 ليوسف بن يحيى المقدسي الشافعي السلمي.
22ـ بحار الأنوار 51: 163 عن مشارق أنوار اليقين للحافظ البرسي.
23ـ الشطن: الحبل، ولعله أراد انه طويل ضعيف.
24ـ الملاحم: 53 ح10ـ1 للحافظ أحمد بن جعفر المعروف بابن المنادي البغدادي (ت 336هـ)؛ تحقيق: عبد الكريم العقيلي.
25ـ كتاب الفتن: 174 لنعيم بن حماد المروزي؛ دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ـ بيروت 1993. تحقيق الدكتور سهيل زكار.
26ـ تاج العروس 9: 277 للزبيدي؛ تحقيق علي شيري؛ دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ـ لبنان.
27ـ عصر الظهور: 244.
28ـ معجم أحاديث الإمام المهدي (عج) 1: 296.
29ـ كفاية الأثر في النص على الأئمة الإثني عشر: 150.
30ـ كشف الغمة في معرفة الأئمة 3: 269.
31ـ الكامل في ضعفاء الرجال 5: 295 لابن عدي، في ترجمة عبد الوهاب بن الضحاك، وميزان الاعتدال في نقد الرجال للذهبي 2: 680 رقم 5316 في ترجمة عبد الوهاب بن همام الصنعاني.[/align]
الحلقة الخامسة
هوية اليماني
هل اليماني من اليمن؟
قد يبدو السؤال غريباً بعض الشيء على القارئ الكريم، ولكنه سؤال حيوي ترتبط به أمور عدة، ومن الواجب الإجابة عليه بدقة لاسيما وان عددا من الباحثين تناولوه بتسليم كبير دون تدقيق فوقعوا وأوقعوا قراءهم بأوهام عديدة، بل تسببت تلك الأوهام بتمرير روايات دخيلة دون تمحيص ودونما تدقيق.
وأحد مناشئ هذا الواجب طبيعة البيئة العقائدية التي تحكم الساحة اليمنية والتي تمكن من إيجاد جيش له هذه القوة والمنعة بالشكل الذي يتمكن من مقارعة جيش السفياني الذي وصف بأوصاف متعددة تشير إلى القوة والضخامة، مما يجعل هذا الجيش مستندا لبيئة اجتماعية ضخمة تمكن من إنتاج مثل هذا الجيش، لاسيما وان وصف هذا الجيش لم يوصف بأوصاف عادية على المستوى العقائدي.
وأيضا فإن هذا السؤال يرتبط بموضوع ما إذا كانت الساحة اليمنية تصلح لكي تكون ساحة ممهدة لظهور الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف)؟ وأي تمهيد أعلى وأكثر حساسية من أن تكون فيها أهدى الرايات؟!
لذلك لابد من التروي كثيراً في الإجابة على هذا السؤال، خصوصاً أن من أجاب عليه اعتمد غالباً على ما يوحي اسم اليماني من اقترانه باليمن كموطن جغرافي وكحاضن عقائدي، ولذلك لم يتوقف عند الروايات توقف المحقق والمدقق، ونحن إذ نحاول أن نفتش عن إجابة دقيقة لابد من أن ننتبه أولاً إلى أن اليمن ظلت ومنذ عهد بعيد ولا زالت حاضنة للعقيدة الزيدية، وهذه العقيدة اتجهت مع مرور الزمن لتقترب أكثر من العقيدة السلفية أو لتبتعد بشكل عام عن العقيدة الإمامية، مما يجعلنا أمام تناقض كبير ـ وفق ما أشرنا إليه سابقاً من احتياجات جيش اليماني إلى الحاضن العقائدي والاجتماعي ـ بين أن تكون راية أهل البيت ع هي راية الإمامية (أعلى الله شأنهم)، وبين أن لا تخرج أهدى الرايات من الساحة الاجتماعية الأساسية للإمامية وإنما تخرج من ساحة اجتماعية في عمومها الغالب تهيمن عقيدة أخرى لا تخفي حنقها من الإمامية بل ولا تخفي عملها الدؤوب للوقوف أمامها والتصدي لها.
وفي تصوري إن الأمر كان ليكون سهلاً لو تم التعامل مع الأمر وفق مقتضيات روايات أهل البيت (عليهم السلام)، لكن قبول بعض الباحثين والرواة لإيحاءات لقب هذا العبد الصالح أوقعهم في هذا المطب.
يمنية اليماني في الروايات
وفي العموم فإن الروايات الصحيحة والموثوقة والمعتبرة(1) لا تشير لا من قريب ولا من بعيد إلى كون الرجل من اليمن، بل إن منشأ الوهم الذي جعل البعض ينسب الرجل إلى اليمن هو إما روايات عامية أو روايات ضعيفة سندا ومضطربة متنا، أو روايات لا نستطيع الاعتماد عليها لمجهولية مصدرها، وسنناقش كل ما ورد في كتبنا من روايات وأخبار حتى نصل إلى ما يقربنا من اليقين في هذا المجال.
أولا: واحدة من الروايات التي تعرضت لهذا الموضوع هي ما رواه علي بن محمد الليثي الواسطي وهو من علماء القرن السادس في كتابه عيون الحكم والمواعظ فقد روى بإرسال قال: خمسة من علامات القائم ع: اليماني من اليمن والسفياني والمنادي ينادي بالسماء وخسف بالبيداء وقتل النفس الزكية.(2)
والرجل نقل الرواية عن الشيخ الصدوق (رضوان الله عليه) على ما يبدو، وتحديداً من كتابه الخصال وكمال الدين،(3) وما رواه الشيخ الصدوق وأبوه (قدس سره) من قبله(4) ومن نقل عنهما(5) لم يذكروا قوله (من اليمن) إطلاقا، مما يجعل ما في كتاب عيون الحكم والمواعظ شارحا ولا دخل له برواية أهل البيت (ع)، وقد يكون الشرح من المؤلف أو من الناسخ، وعلى أي حال فإن الإشارة إلى اليمن لا دخل لها بحديث أهل البيت (ع)، وكلام العلماء يرد إليهم حتى يقدّموا بينة من العلم، فلا تغفل!
ثانياً وثالثاً: ما كتبه الشيخ الصدوق في هامش رواية رواها عن محمد بن محمد بن عصام،(6) عن الشيخ الكليني(7) ، عن القاسم بن العلاء، عن إسماعيل بن علي القزويني، عن علي بن إسماعيل، عن عاصم بن حميد الحناط، عن محمد بن مسلم الثقفي قال: دخلت على أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليهما السلام) وأنا أريد أن أسأله عن القائم من آل محمد (صلى الله عليه وعليهم)، فقال لي مبتدئاً: يا محمد بن مسلم إن في القائم إلى أن قال: وإن من علامات خروجه: خروج السفياني من الشام وخروج اليماني (من اليمن) ومنادياً ينادي من السماء.. إلخ. (8)
وبنفس السند في رواية أخرى قال الإمام الباقر (صلوات الله عليه): القائم منا منصور بالرعب، مؤيد بالنصر إلى أن قال: واستخف الناس بالدماء وارتكاب الزنا وأكل الربا وأُتقي الأشرار مخافة ألسنتهم، وخروج السفياني من الشام، واليماني من اليمن، وخسف بالبيداء، وقتل غلام من آل محمد (صلى الله عليه وآله) بين الركن والمقام.. الخ. (9)
والنقاش في الرواية يدور تارة على أصل السند، ونلاحظ هنا أولا إن الروايتين في سندهما بهيئته هذه يشيران إلى إنهما من روايات الكافي، إلا إن الملاحظ أن لا وجود لهما أصلا في نسخة الكافي بصيغتيهما،(10) وهذا ليس بقادح فيهما من حيث الأصل، لاحتمال أمرين: أحدهما إن الشيخ الصدوق نقل من كتاب للكليني غير كتاب الكافي هذه الرواية، وهذا محتمل باعتبار ضياع بعض كتب الشيخ الكليني، واحتمال أن يكون الشيخ الصدوق قد اطلع على هذا الكتاب قبل ضياعه، ولكن من يلحظ كتاب الكافي وطريقة الشيخ في الحديث وطبيعة ما قدّمه للكتاب، يعرف إن الكافي كتبه الشيخ الكليني بهدف الإفتاء وعلى طريقة زمانه، وبالتالي فقد كتب فيه ما اعتقد انه صحيح يجوز العمل بمقتضاه، وهذا ما أشار رضوان الله تعالى عليه إليه في مقدمة كتابه(11) ، وقد يعني ذلك إن ما أودعه في غير الكافي ربما لم يرق في وثاقته لما رقى إليه الكافي في نظر الشيخ الكليني، ولهذا أهمل ذكر هذه الرواية في كتابه الكافي لعدم ثقته بها أو اطمئنانه بها، ويقوي ذلك إن اسناد الرواية فيه أكثر من مجهول, فانتبه!.
والثاني: أن يكون الشيخ الصدوق (قدس سره) قد توهم عمن نقل روايتيه هاتين، وهذا ممكن بحد ذاته وإن كان مستبعداً عن مثل الشيخ الصدوق (رضوان الله تعالى عليه)، إلا إن ما يثير الشك إن أي أحد غير الشيخ الصدوق سواء من عاصره أو مشايخه أو ممن نقل عنهم من كتب الأصحاب لم ينقل هاتين الروايتين، سواء بهذا السند أو بغيره، ولهذا فهو متفرد بهما، وعلى أي حال فإن صح هذا الأمر فإنه نقل الخبر من مصدر مجهول وإن كان للشيخ الكليني أو غيره.
وثانياً: نلاحظ إن السند مشكوك فيهما بسبب عدم وضوح من نقل عنه الشيخ الصدوق أساساً، فكما علمت مما تقدم فإن السند هو من أسانيد كتاب الكافي، ولا وجود لهما في الكافي أساساً، وفوق ذلك ففي الرواية أكثر من مجهول، ولا أقل من جهة إسماعيل بن علي القزويني، أما علي بن إسماعيل فإن كان الميثمي فحاله معروف؛ وإلا فهو مجهول أيضاً، والطريق إلى عاصم بن حميد بهذه الشاكلة غير معروف، ولهذا لا يمكن التعويل على الخبر بهذه الهيئة.
وتارة نلحظ ما في متن الرواية الأولى وخلاصته إن ما كتبه الشيخ الصدوق في هامش الرواية لا علاقة له بأصل الرواية، فمن الواضح إن الحديث فيما سبقه لا علاقة له بهذه القطعة،(12) ولهذا فإن الهامش؛ إما أن يكون قد حصل قطع في الرواية بحيث أن ما في المقدمة بعيد عن الهامش، ولكن من دون أن يشير إلى ذلك الراوي أو الشيخ الصدوق أثناء نقله للرواية،(13) إما أن يكون من خبر ثاني لم يبلغنا سنده، وبالتالي فهو ضعيف بالإرسال، وإما هو شرح من عنده أو استطراد منه وقد وقع في هذا الموضع لسبب أو آخر وبالنتيجة لا تعويل عليه، ومن الملاحظ أن هذا الاستطراد مشابه للسرد الذي عمد إليه الشيخ المفيد (رضوان الله عليه) في كتاب الإرشاد. (14)
نعم الرواية بحذف كلمة (من اليمن) وردت بعدة طرق وبألفاظ عدة متقاربة في العموم، وقد وردت بعضها بأسانيد صحيحة أو موثوقة، ولهذا ما يمكننا تأكيده أن هذه الكلمة الموجودة بالأساس في نسخة من نسخ كمال الدين وليس في جميعها وهي من إضافة النسّاخ أو من عملوا على تحقيق الكتاب، ولهذا نلاحظ إن جميع من نقلوا الخبر عن كتاب الشيخ الصدوق (رحمه الله)لم ينقلوا هذه الكلمة بتاتاً،(15) مما يجعل الإضافة حديثة عن عهد الشيخ الصدوق (رحمه الله)، مما يجعلها بالنتيجة خارج إطار الاعتماد والقبول.
رابعاً: ما رواه الشيخ النعماني في غيبته قال: علي بن الحسين، عن محمد بن يحيى العطار، عن محمد بن حسان الرازي، عن محمد بن علي الكوفي، عن محمد بن سنان، عن عبيد بن زرارة قال: ذكر عند أبي عبد اله (عليه السلام) السفياني فقال: أني يخرج ذلك ولما يخرج كاسر عينيه بصنعاء.(16)
وهذه الرواية التي تفرد بها الشيخ النعماني (رحمة الله عليه)، وبالرغم من انه يرويها عن الشيخ الصدوق، إلا إن الشيخ الصدوق لم يروها في كتبه إطلاقاً، وبالرغم من احتمال بعضهم بأنها صحيحة السند،(17) إلا إن واقع الحال يشير إلى أنها ضعيفة جدا من حيث التدقيق السندي فمحمد بن حسان الرازي لم تثبت وثاقته بل يشمّ من كلام الشيخ النجاشي (رضوان الله عليه) ضعفه إذ يقول: محمد بن حسان الرازي: يعرف وينكر، بين بين، يروي عن الضعفاء كثيراً(18) .
ولكن الضعف بين جداً في محمد بن علي الكوفي وهو أبو سمينة وفيه قال النجاشي: ضعيف جداً، فاسد الاعتقاد، لا يعتمد في شيء، وكان ورد قم ـ وقد اشتهر بالكذب بالكوفة ـ ونزل على أحمد بن محمد بن عيسى مدة، ثم تشهر بالغلو، فجفي ، وأخرجه أحمد بن محمد بن عيسى عن قم.(19)
والرواية في واقعها لا تشير إلى اليماني لو صحت، غاية ما تشير إليه أن ثمة رجل سيظهر قبل خروج السفياني يتسبب بكسر عين السفياني، وقد حمل بعض الباحثين هذا الكلام على إن هذا الرجل هو اليماني، وهو تحميل للرواية لما لا تحتمل، خاصة وإنها تتحدث عن خروج كاسر العين قبل خروج السفياني، بينما تتفق الروايات الصحيحة على إن خروجهما متزامن كما سيمر بنا في روايات اليماني،
وبالنتيجة لا دلالة فيها على إنه اليماني، وإنما تشير لرجل سيتسبب بكسر عين السفياني قبل خروج السفياني، وكسر العين إما أن يكون حقيقياً أو معنوياً، والروايات تشخص وجود خلل في عين السفياني قبل خروجه، وبمعزل إن كان هذا الخلل مادياً أو معنوياً، فإن هذا الرجل ربما هو من سيتسبب بهذا الخلل في شخصية السفياني، وبالنتيجة لا يدل على إنه اليماني، كما لا دلالة فيه على هوية هذا الرجل العقائدية، فقد يكون هذا الحدث منفك عن الوضع العقائدي الذي سيتولى السفياني مسؤوليته، ولهذا فلا مجال لعد الرواية في هذا الإطار.
خامساً: ما نسب للفضل بن شاذان (رحمه الله) في مخطوطة: مختصر إثبات الرجعة بروايته عن محمد بن أبي عمير (رض)، قال: حدثنا جميل بن دراج، قال: حدثنا زرارة بن أعين، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال: استعيذوا بالله من شر السفياني.. إلى أن قال: أول من يخرج منهم رجل يقال له: أصهب بن قيس يخرج من بلاد الجزيرة له نكاية شديدة في الناس وجور عظيم، ثم يخرج الجرهمي من بلاد الشام، ويخرج القحطاني من بلاد اليمن، ولكل واحد من هؤلاء شوكة عظيمة في ولايتهم، ويغلب على أهلها الظلم والفتنة منهم، فبينما هم كذلك يخرج السمرقندي من خراسان مع الرايات السود، والسفياني من الوادي اليابس من أودية الشام، وهو من ولد عتبة بن أبي سفيان.. إلى أن يقول: وقد يكون خروجه وخروج اليماني من اليمن مع الرايات البيض في يوم واحد وشهر واحد وسنة واحدة.
فأول من يقاتل السفياني القحطاني فينهزم ويرجع إلى اليمن ويقتله اليماني، ثم يفر الأصهب والجرهمي بعد محاربات كثيرة من السفياني فيتبعهما ويقهرهما، ويقهر كل من ينازعه ويحاربه إلا اليماني.
ثم يبعث السفياني جيوشاً... إلى أن يقول: ثم يقصد اليماني، فينهض اليماني لدفع شره، فينهزم السفياني بعد محاربات عديدة ومقاتلات شديدة، فيتبع اليماني فتكثر الحروب وهزيمة السفياني، فيجده اليماني في نهر اللو مع ابنه في الأسارى فيقطعهما إرباً إرباً، ثم يعيش في سلطنته فارغاً من الأعداء ثلاثين سنة، ثم يفوض الملك بابنه السعيد، ويأوي مكة وينتظر ظهور قائمنا (عليه السلام) حتى يتوفى! فيبقى ابنه بعد وفاة أبيه في ملكه وسلطانه قريباً من أربعين سنة، وهما يرجعان إلى الدنيا بدعاء قائمنا.(20)
ونلاحظ إن هذا الخبر يتحدث عن يمنية اليماني ولا يكتفي بذلك وإنما يحدد ملكاً له هناك، ويتحدث عن ابنه، والغريب أنه مساق بسند صحيح، ولن نناقش في سنده فهو كما هو واضح من الأسانيد الجيدة، رغم وجود النقاش حول صحة نسبة هذه النسخة للفضل بن شاذان، والمحققة منشورة عن نسخة للحر العاملي (عليه رحمة الله) كتبت بخط يده على ما أشار إليه المحقق، ولكن يلحظ أن الشيخ المجلسي الذي اجتهد كثيراً في جمع المصادر الشيعية في كتابه بحار الأنوار، لم يعثر على الكتاب ولم يشر لأحاديثه مع شدة جهده من أجل أن يحوي كتابه على كل أخبار أهل البيت ع، ولكن رغم التقارب الزمني والاجتماعي ما بين العلمين إلا أننا لا نجد أن الأمر كان طبيعياً، فكليهما متقاربين وضمن بيئة واحدة، وقد أتعب الشيخ المجلسي نفسه من أجل تحصيل المصادر الشيعية، فلماذا لم يأت على ذكر هذا الكتاب، وبالرغم من أن هذا ممكنا من الناحية النظرية، ولكن من الناحية العملية تحتاج إلى تدقيق كبير.
كما ونلاحظ إن هذا الحديث قد تفرد به الفضل بن شاذان، ولم يذكر في أي مصدر بهذا الإسناد، وهذا مستغرب بشدة أيضاً، لأن العلماء لا يمكن أن يفوتهم حديث لمثل زرارة أو جميل بن دراج أو ابن أبي عمير (رضوان الله تعالى عليهم) وهم من أعلام الرواة وموثوقيهم، ولعل الإشكال ستعلوه الكثير من علامات الاستفهام حينما نجد بعضاً من الخبر في مصادر أهل السنة دون غيرهم تنقله عن كعب الأحبار (أحد مبتدعي الأحاديث اليمانية والمتهم بها)، (21)
ولكن مهما يكن حال السند، فإن ملاحظات كثيرة تدور حول محتواه ومتنه، فالمتن متناقض أولا مع روايات أهل البيت ع في أكثر من موضع، وثانياً: فيه اضطراب وتهافت كبيرين، فالخبر يشير أولاً إلى أن اليماني هو الذي يقتل السفياني، وهو مخالف لصريح الروايات بأن قتل السفياني سيكون على يد الإمام (روحي وأرواح العالمين له الفدا)، وقد يكون سفياني آخر غير السفياني الموعود، وهو محتمل في نفسه، ولكن سياق الخبر لا يوحي بأن المقصود غير السفياني الموعود.
والثاني إن الخبر يشير إلى أن اليماني لا يدرك الإمام (عليه السلام)، بل وابنه أيضاً، وهذا خلاف الروايات أيضاً، لأنه يخرج قبل فترة وجيزة جدا من ظهور الإمام (عليه السلام) كما هو صريح الروايات.
والثالث: يتحدث عن ملك اليماني في اليمن وخلافة ابنه بعده قبل ظهور الإمام (عليه السلام) ومع إن الروايات لا تتحدث عن ملك اليماني، ولكنه تشير إلى إن ساحة تمهيده المباشر تكون في العراق تحديداً.
ولهذا لا يمكن التعويل على هذا الخبر.
سادساً: ما ذكره الشيخ المجلسي في البحار عن الحافظ البرسي في كتابه مشارق أنوار اليقين في رواية عن كعب بن الحارث قال: ثم يخرج ملك من صنعاء اليمن ابيض كالقطن، حسين أو حسن، فيذهب بخروجه غمر الفتن، فهناك يظهر مباركاً زكياً وهادياً مهدياً وسيداً علوياً.(22)
ونظير ذلك ما رواه ابن المنادي في الملاحم عن كاهن سماه بسطيح قال: ثم يظهر رجل من اليمن أبيض كالشطن،(23) يخرج من صنعاء وعدن، يسمى حسينا أو حسن، يذهب الله على رأسه الفتن.(24)
ومن الواضح إن الخبر لا علاقة له بأهل البيت (عليهم السلام) بل هو حديث الكهنة كما عرفه صاحب المشارق وكما عرفه صاحب الملاحم، ولعل المقصود بكعب بن الحارث هو كعب الأحبار رغم إن اسم كعب الأحبار هو كعب بن ماتع الحميري، وعموما لا تعويل عليه مطلقاً فإن كان كعب بن الحارث شخصاً آخر غير كعب الأحبار فهو حديث كاهن مجهول، وإن كان المتحدث هو كعب الأحبار فهو كذاب معروف، والحال نفسه في الراوي الآخر، فهو في أحسن الحال كاهن سجّاع لا تعويل على قوله، هذا على الرغم من إن محتوى الخبر لا يشير إلى أن من يتم الحديث عنه هو نفس اليماني، إذ يحتمل أن يكون الحديث عن شخص آخر.
سابعاً: وفي روايات العامة المنتشرة في كتب الشيعة ما رواه نعيم بن حماد المروزي في كتاب الفتن ما رواه عن سعيد أبو عثمان، عن جابر، عن أبي جعفر قال: إذا ظهر الأبقع مع قوم ذوي أجسام فتكون بينهم ملحمة عظيمة ثم يظهر الأخوص السفياني الملعون فيقاتلهما جميعا فيظهر عليهما جميعا ثم يسير إليهم منصور اليماني من صنعاء بجنوده وله فورة شديدة يستقتل الناس قتل الجاهلية فيلتقي هو والأخوص وراياتهم صفر وثيابهم ملونة فيكون بينهما قتال شديد، ثم يظهر الأخوص السفياني عليه.(25)
والخبر رغم انه ينتهي لأهل البيت (ع) إلا إن الطريق لا يوثق به، كما إنه يتناقض ظاهراً مع رواياتهم (صلوات الله عليهم) لا أقل في طبيعة معركة السفياني مع اليماني، ويتفرد في تلقيب أو تسمية اليماني بالمنصور، وكذا في القول بأنه يأتي من صنعاء، ناهيك عن وصف عين السفياني.
فالسفياني يتخلص من الأبقع وجنده في حركته الأولى قبل أن يسير إلى العراق ضمن صراعه في معركة الرايات الثلاثة (الأبقع والأصهب) في الشام ـ كما هو إجماع الروايات ـ وهي المعركة التي تحسم أوضاع بلاد الشام لصالح السفياني، وخروجه المقترن بخروج اليماني بمعية الخراساني ـ كما تؤكد الروايات ـ إنما يكون بعد انتهاء معركته الثانية في قرقيسيا، وظاهر بعض الروايات يشير إلى أن اليماني يقاتل الجيش السفياني بشكل مباشر بعد مذبحة الكوفة التي يتسبب بها السفياني الملعون.
ولا تشير أية رواية لليماني بأن اسمه منصور أو لقبه أو صفته اللهم إلا هذه الرواية، وهي مما يتفرد به ابن حماد.
كما إن السفياني هنا الذي يوصف بالأخوص ـ أي صاحب العين الغائرة والصغيرة الضيقة ـ(26) يختلف عن الوصف الذي تشير إليه روايات أهل البيت ع.
تذييل: ومما يثير العجب في هذا المقام ما اتجه إليه أحد الأفاضل الأعزة حينما حاول أن يتخلص من رواية مخالفة لما تواتر عليه حديث أهل البيت ع في شأن خروج الإمام المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) من مكة المكرمة، وتصريح هذه الرواية بأن الإمام المهدي (صلوات الله عليه) يخرج من قرية في اليمن يقال لها: كرعة!! فقال: وجاء في بعض الروايات عن المهدي (ع) أنه يخرج من اليمن من قرية يقال لها: كرعة، ولا يبعد أن يكون المقصود به اليماني الذي يبدأ أمره من هذه القرية.(27)
واستقرب في موضع آخر ذلك فقال معقباً على الرواية: فالأقرب فيه عندنا أن وزيره اليماني الذي يظهر قبله ببضعة أشهر يخرج من قرية يقال لها كرعة أو كريمة ثم من صنعاء كما تذكر بعض الروايات.(28)
والحقيقة خلاف ذلك، فالرواية التي رواها الشيخ أبو القاسم الخزاز في كتابه كفاية الأثر في النص على الأئمة الإثني عشر (ع)(29) ضمن حديث طويل، أو ما رواه الشيخ الإربلي في كشف الغمة عن عبد الله بن عمر،(30) وأخذها من بعدهما من أخذه من مؤلفينا تنطوي على ثلاثة مفارقات، فهي أولاً عامية، وهذا المقطع مشار إليه في عدة من مصادر العامة،(31) وسندها على الأقل مجهول إن لم نقل بقدحه، والثالثة: إنها تتحدث بشكل محدد عن الإمام المهدي (عج) دون أي إشارة لأي شخصية أخرى، فتحميلها على اليماني غير وارد أصلاً، هذا كله ناهيك عن مخالفتها الصريحة لما جاء بروايات صحيحة ومتواترة لدى الطرفين من أن الإمام (صلوات الله عليه) إنما يخرج من مكة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ على خلاف تصنيف هذه الروايات في علم الحديث.
2ـ عيون الحكم والمواعظ: 244 علي بن محمد الليثي الواسطي.؛ دار الحديث قم.
3ـ الخصال: 303 ب5 ح82، وكمال الدين وتمام النعمة: 649 ب57 ح1 بفارق طفيف في بعض نسخه.
4ـ الإمامة والتبصرة من الحيرة: 129 ح131 وفيه: خروج اليماني.
5ـ انظر ما نقله عنهما الطبرسي في كتابه إعلام الورى بأعلام الهدى 2: 279. وكذا الشيخ المجلسي في البحار في مواضع عدة منها ج52: 203 وفيهما ما في سابقهما: خروج اليماني.
6ـ وهو الصحيح وفي الأصل ابن عاصم، وهو شيخ الصدوق وهو طريقه لكتاب الكليني، وقد ترضى عليه في مشيخة من لا يحضره الفقيه.4: 534
7ـ لم نجد الرواية في الكافي الشريف.
8ـ كمال الدين وتمام النعمة: 327ـ328 ب32 ح7.
9ـ كمال الدين وتمام النعمة: 331 ب32 ح16.
10ـ فالحديث يرويه الشيخ الصدوق عن تلميذ الشيخ الكليني وراوي كتابه الكافي، وعن الشيخ الكليني من بعده، ومن الواضح إن الرواية بهذا الطريق هي طريق الشيخ الصدوق للشيخ الكليني، كما نص عليه في مشيخة من لا يحضره الفقيه 4: 534.
11ـ الكافي 1: 8ـ9.
12ـ وجميع من نقل الخبر الأول لم يتعرض لهذه الحاشية ابدا
13ـ ويقويه إن النص موجود بنفس السند ولكن برواية مختلفة عن مقدمة هذه الرواية، وهو ما سنشير إليه في محله.
14ـ الإرشاد 2: 368.
15ـ انظر: الشيخ الإربلي في كشف الغمة في معرفة الأئمة 3: 33، والشيخ الطبرسي في إعلام الورى بأعلام الهدى 2: 233، والشيخ المجلسي في البحار 51:: 218، والشيخ بهاء الدين النجفي في منتخب الأنوار المضيئة: 308، بل حتى ممن هو قريب العهد كالشيخ علي اليزدي الحائري في كتاب إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب 1: 196 والميرزا محمد تقي الأصفهاني في مكيال المكارم 1: 71..
16ـ غيبة النعماني: 277 ب14 ح60.
17ـ عصر الظهور: 148 للشيخ علي الكوراني.
18ـ رجال النجاشي: 338 رقم903.
19ـ رجال النجاشي: 332 رقم894.
20ـ مختصر اثبات الرجعة وهو منسوب للفضل بن شاذان، وهو منشور عن نسخة للحر العاملي في مجلة تراثنا العدد 15 ص215 ح16 وبتحقيق السيد باسم الموسوي.
21ـ نقله في عقد الدرر عن محمد بن عبيد الكسائي في قصص الأنبياء، انظر عقد الدرر في أخبار المنتظر: 115 ليوسف بن يحيى المقدسي الشافعي السلمي.
22ـ بحار الأنوار 51: 163 عن مشارق أنوار اليقين للحافظ البرسي.
23ـ الشطن: الحبل، ولعله أراد انه طويل ضعيف.
24ـ الملاحم: 53 ح10ـ1 للحافظ أحمد بن جعفر المعروف بابن المنادي البغدادي (ت 336هـ)؛ تحقيق: عبد الكريم العقيلي.
25ـ كتاب الفتن: 174 لنعيم بن حماد المروزي؛ دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ـ بيروت 1993. تحقيق الدكتور سهيل زكار.
26ـ تاج العروس 9: 277 للزبيدي؛ تحقيق علي شيري؛ دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ـ لبنان.
27ـ عصر الظهور: 244.
28ـ معجم أحاديث الإمام المهدي (عج) 1: 296.
29ـ كفاية الأثر في النص على الأئمة الإثني عشر: 150.
30ـ كشف الغمة في معرفة الأئمة 3: 269.
31ـ الكامل في ضعفاء الرجال 5: 295 لابن عدي، في ترجمة عبد الوهاب بن الضحاك، وميزان الاعتدال في نقد الرجال للذهبي 2: 680 رقم 5316 في ترجمة عبد الوهاب بن همام الصنعاني.[/align]
-
- الـمـديـر التـنـفـيـذي
- مشاركات: 1247
- اشترك في: الخميس أغسطس 14, 2008 5:07 am
Re: اليماني --- أهدى الرايات
[align=center]
الحلقة السادسة
نسبة اليماني من الناحية الموضوعية
من خلال ملاحظة المعطيات التي بين أيدينا عن الظرف الموضوعي الذي سيعيشه اليماني، نستطيع أن نعضّد ما ذهبنا إليه في الأسطر السابقة من أن اليماني لا علاقة له بساحة اليمن، فلو لاحظنا وضع الواقع السياسي الذي يعيشه اليماني في عشية خروجه سترتسم أمامنا الصورة التالية:
أـ وجود معركة طاحنة في قرقيسيا(1) ما بين الجيش السفياني والجيش العراقي وجيش غربي عن العراق في روايات وصف بأنه من الترك وفي أخرى وصف بأنه ابن عم للترك، وأياً ما يكن فالروايات كثيرة لتشير إلى وجود الروم في العراق وفي هذه المعركة تحديداً.
ب ـ وجود دولة عراقية ضعيفة يؤدي انكسار جيشها إلى اجتياح جيوش السفياني والخراساني لها.
ج ـ وجود دولة في الحجاز وبلاد الحرمين تشكو من الضعف الشديد بحيث يكون فيها الحكم مضطرباً، مع صراعات عديدة في داخل مؤسسات الحكم، ولكن مع وجود قاعدة كبيرة من النواصب فيها بالشكل الذي سيؤدي إلى قتل النفس الزكية قبل ظهور الإمام (عجل الله فرجه) بخمسة عشر يوم، ثم تستعين بالسفياني للقضاء على الإمام (روحي فداه) حال خروجه فيحصل عندها الخسف، ثم تعمل على قتل وكلاء الإمام لثلاثة مرات، بعد أن يتركها الإمام (عجل الله فرجه) ويتجه للعراق.
د ـ اجتياح لجيش الخراساني من جهة البصرة وجيش الحسني (وهو غير صاحب النفس الزكية الذي يقتل بين الركن والمقام) من جهة خانقين كما تشير إلى ذلك بعض الروايات.
هـ ـ لا توجد أية إشارة إلى وجود حراك أمني أو سياسي ذو دلالة في اليمن. (2)
عندئذ يمكن القول بأن نظام الدولة في المنطقة بصورتها المعاصرة ذات الحدود والسيادة يعمل به آنذاك، مما يجعل إمكانية أن يكون جيش اليماني مقبلاً لكي يكون منطبقاً عليه وصف: كفرسي رهان مع السفياني كما أفادت الروايات التي سلف الإشارة إليها من حدود اليمن أمراً مستغرباً جداً، فنحن نتحدث عن حركة خروج ثلاثية للسفياني والخراساني واليماني باتجاه الكوفة وما تمثله، في يوم واحد، وكأن هذه الحركة بمثابة ساعة صفر واحدة كما يبرز من حديث الخروج الثلاثي لهذه الرايات في سنة واحدة في شهر واحد في يوم واحد، ومثل هذا الظرف لا بد وأن يستبطن أموراً ثلاثة أساسية بالنسبة لليماني:
أولها: إن موضوع العراق حيوي وساخن جداً لدى اليماني، وهو ما يعني المعايشة اليومية لما يجري في العراق.
ثانيها: إن طريق الوصول بجيشه إلى العراق يتم بسرعة كبيرة حتى يمكن أن ينطبق عليه مصطلح (فرس الرهان المقابل للخراساني والسفياني).
ثالثها: إنه يعرف بتفصيل الشأن العراقي بحيث يتنادى بجيشه للاشتراك الحيوي والجوهري في موضوع العراق.
وهذه كلها تستدعي واحداً من احتمالين:
الأول: إما أن يكون إقبال اليماني من خارج العراق بجيشه وما يحتاجه من وسائل وآليات الدعم اللوجستي التي تجعل الجيش بحاجة إلى خلفية جغرافية واسعة النطاق مرتبطة بأماكن الدعم اللوجستي، لاسيما وإن القتال الموصوف في معارك ذلك الزمن يحتاج بطبيعته إلى وسائل إمداد وإدامة للعملية القتالية بصورة قد تفوق ما يحتاجه الآن، فعندئذ سنتساءل من أي حدود سيرد إلى العراق؟ وكيف سيؤمن خطوط الوصل المطلوبة للدعم اللوجستي والتي تعني حكماً وجود قواعد إمداد وإدامة؟ طالما وأن الحدود السعودية مع العراق لن تكون صالحة بدليل وجود دولة مناهضة له حكماً، والحدود مع الأردن وسوريا ستكون تحت وصاية السفياني، ومن الواضح إن هذا الاحتمال لا وجود لإمكانية تصوره، وهنا أؤكد على ما أشرنا إليه في إن حديثنا هنا لا ينظر إلى الأمور بمنظار اليوم، وإنما بمنظار ما أشارت إليه روايات الظهور وما قبله لمعطيات الواقع السياسي.
على إننا لا بد من أن نشير إلى إن الروايات الشريفة بالرغم من تحدثها عن مكان إقبال السفياني وإقبال الخراساني على الكوفة، ولكنها سكتت بشكل تام عن المكان الذي يتحرك منه اليماني.
الثاني: أن يكون إقبال خيل اليماني من داخل العراق، ولكنها لم تتجمع قبل تلك الساعة بالصورة التي تكون قابلة لإطلاق وصف الجيش عليها، مع وجود شأنية خاصة لليماني في وسط شيعة العراق على المستوى السياسي والأمني والديني تؤهله لتجميع القوة والعدة والعدد في حال التأزم السياسي والأمني، ثم تتجمع خيله في أجواء التسخين الذي تشهده جبهة قرقيسيا والتهديدات المنطلقة من مجيئ السفياني الملعون للعراق، وتنطلق لمجابهة السفياني ولكنه يسبقها إلى الكوفة نتيجة لانشغالها ربما في معارك عديدة مع جيوبه وأعوانه في بغداد وغيرها.
والمعطيات هنا بأجمعها تؤكد ذلك، إذ لا يعقل كل هذا الدور المصيري الذي سيلعبه العراق في حركة الإمام المنتظر (روحي فداه) كما تشير الروايات، ولا يكون في شيعة العراق من يمهّد للإمام (بأبي وأمي) في وسط هذه المعركة المصيرية، أو من يتصدى لأعداء الإمام (صلوات الله عليه) كالسفياني اللعين، بحيث إن الشعب العراقي ـ مع كل حيويته وعشقه للإمام (روحي فداه) وحماسه لذلك، يبقى يتكّل على جيوش خارجية لتغيثه!! مع العلم إن الكثير من أصحاب الإمام (روحي فداه) هم من شيعة العراق، إن لم تكن الغالبية منهم، وبالرغم من إن راية الحسني هي راية عراقية على ما يبدو ولها الجاه السياسي الأساسي، إلا إن الروايات تشير إلى إنها تعمل ضمن إطار راية الخراساني أو قريبا منها، ولهذا لم يشر لها بأنها راية محتومة واكتفى الناص المقدّس بالإشارة إليها ضمن إشارته لحركة الخراساني.
الدلالات اللغوية للقب اليماني
اعتاد المتابعين لقضية اليماني أن يحملوا اللقب على بلاد اليمن، ومن هنا نشأت شبهة إن اليماني من اليمن، وقد يكون ذلك صحيحاً، وقد لا يكون لاحتمال أن يكون المراد بلفظ اليماني معنى آخر غير المعنى المكاني، مما يجعل الحمل على المعنى المكاني هو من الأخطاء الشائعة.
وبعد أن عرفنا إن الحديث عن يمنية اليماني بمعنى أن اليماني من اليمن هو أمر لم يرد في روايات أهل البيت (عليهم السلام) على الأظهر، وإنما هو من مرويات العامة، ولا يمكن التعويل عليه، لهذا فإن إغلاق الباب على محامل اللفظ المتعددة الأخرى، يكون من تعسّف التحقيق، والدقّة تقتضي متابعة كل الاحتمالات الواردة في هذا المجال، خاصة وإن الانصراف الذهني المعاصر للكلمة، لا يقتضي بالضرورة نفس الانصراف في زمن وضع اللقب أي في زمن النص، بل لربما نلحظ إن الانصراف الذهني آنذاك لا يتشابه مع ما تنصرف الأذهان إليه اليوم، فلا تغفل.
والمرادفات اللغوية للفظ عديدة، على إننا سنلحظ إن إثبات أحدها لا ينفي الآخر، فقد ينطبق اللفظ بمرادفات عدة على شخص واحد، هذا وقد ورد في كتب اللغة العديد من التعريفات، وأولها بطبيعة الحال هو النسبة لليمن، ولربما تساعد رواية (طالب الحق) على إن الانصراف إلى هذا المعنى في زمن تلك الرواية يشير إلى المكان فقد سأل هشام بن سالم الجواليقي (رضوان الله تعالى عليه) الإمام الصادق (عليه السلام) عن أحوال طالب الحق حينما خرج في اليمن، وقال له: أترجو أن يكون هذا اليماني؟.. الخ.(3)
وهنا نشير وفقاً للحمل على إن دلالة اللقب مأخوذة من المكان وتعود إليه إلى الأمور التالية:
أولاً: إن كونه من اليمن لا يستلزم أن يكون الخروج من اليمن، ولا يستلزم أن تكون ساحته الممهدة هي اليمن، فقد يكون من اليمن، ولكن لسبب أو لآخر يعمل خارجها نتيجة لظروف القسوة الأمنية أو المعيشية أو العقائدية أو ما شاكل فينصهر في موقع آخر ويحمل راية الخروج في ذلك الموقع، وهذا ما تقوّيه الروايات (اللهم إلا روايات العامة) التي لا تشير إلى جهود غير طبيعية للساحة اليمنية في الحركة الممهدة للإمام (روحي وأرواح العالمين له الفدا)، بل ربما تنعدم الإشارات لهذه الساحة في زمن التمهيد المباشر.
ثانياً: إن كونه من اليمن لا يقتضي الانحصار الزماني، بل قد يكون ممن هاجر قبل مدة كبيرة من اليمن، أو دعونا نقول: بأنه قد يكون أصله من اليمن، دون أن يكون له أي ارتباط بالساحة اليمنية في زمن الخروج، وهذا ربما تقويه كثرة العشائر اليمنية التي هاجرت للعراق والشام والخليج وجنوب إيران الغربية، فالكثير من عشائر جنوب العراق ولبنان وإيران على سبيل المثال يمنية الأصل، وقد هاجرت ضمن موجات هجرة العشائر اليمنية في سالف التاريخ، وبالنتيجة يمكن لأحد أبنائها أن يكون هو المعني، ولربما هذا هو أقوى الاحتمالات، وهو ينسجم مع كون اهتمام الرجل منصبّاً على العراق كما تظهر الروايات الشريفة.
وثانيها: يحمل اللفظ على كل من له صفة اليمن والبركة، وبالنتيجة يحمل اللقب على صفة أعمال الرجل، لا على انتمائه الجغرافي، وبالنتيجة فإن لقبه قد يكون بعيداً عن هذا اللقب، ولكن لكثرة اليمن والموفقية في عمله يشار إليه باليماني في الروايات، وهذه الإشارة قد تكون خاصة بواضع النص، هو من يطلقها على صفة أعماله ولا علاقة لها بإطلاق الناس له مثل هذا الوصف، وقد يكون له من المحبوبية في قلوب الناس نتيجة لجهوده في نصرة قضاياهم وحمله لمسؤولية الدفاع عنهم، مما يجعله ميموناً في أنظارهم، من دون أن يطلق عليه هذا اللقب من قبلهم، وإنما حينما يتكلمون عن شخصيته أو أعماله يصفونها بأنها ميمونة.
وهذا بطبيعة الحال لا يتناقض مع ما ورد في أول الاحتمالات، ويمكن الجمع بينهما، لأن مثل هذه الصفات يمكن أن يجمعها أيضاً رجل يماني الأصل.
وثالثها: يطلق اللفظ أيضاً على كل من كان له أثر في اليمين المقابل لليسار والشمال، كأن يكون يمانياً في يده في مقابل الأعسر الذي يستخدم شماله، أو يمانياً في قدمه أو يده لأثر فيهما لأي سبب، وهذا هو الآخر لا يتناقض مع أول الاحتمالات ويمكن الجمع فيما بينهما.
ورابعها: قد يطلق اللقب على أصحاب الأيادي البيضاء الكريمة في تعاملهم مع الناس، وهو ليس ببعيد عن المعنى الثاني.
وخامسها: يمكن إطلاق هذا اللقب لأي سبب يحصل في حينه، أو قبل ذلك، كأن يكون لقبه اليماني لسبب أو لآخر من أسباب الدنيا المعتادة، من دون وجود أية صلة له باليمن، وبعد ذلك يعمم اللقب عليه، وهذا الأمر وارد، فالناس تتلقب بحادثة أو بكتاب(4) أو بواقعة معينة(5) .
وسادسها: يمكن أن يكون التلقيب متأخر على خروج الرجل، فقد يكون لقبه مختلف تماماً، وقد لا يعرف هو أنه هو المعني بهذا اللقب، ولكن الناس حينما ترى فعله، أو يرى هو فعله، فيلقب بذلك.
على أي حال يمكن لهذه الاحتمالات كلاً أو جزءاً أن تكون هي سبب التلقيب، مع تأكيدنا على إن هذا التلقيب، قد لا يكون له وجود في العالم الخارجي، وإنما هو لفظ أطلقه صاحب النص لواحد من الأسباب المذكورة، من دون ضرورة أن يتلقّب به الرجل قبل ظهور الإمام (روحي فداه)، على إنه يمكن القول بأن الإمام (صلوات الله عليه) قد يكشف عن هوية الرجل بعد ظهوره.
ولهذا فإن التعويل على سبب واحد وإلغاء بقية الأمور قد ينطوي على إجحاف كبير للحقيقة، فتأمّل.
وقد يشكل البعض على إن عدم وجود اللقب في حين الحدث ربما لا يكشف عن إن الحدث المطلوب لكي يدلّ على الإمام (بأبي وأمي) هو هذا، وبالتالي تنتفي أحد أسباب جعله أحد العلامات الحتمية، وهذا الإشكال مع وجاهته إلا إن التدليل على هذا الحدث لا يقتصر على هذا اللقب، فمعركة كمعركة قرقيسيا مع ما سيتصاحب معها من إشارات كثيرة كانحسار الفرات وجفافه في فترة معينة، واضطراب الشام، ومعركة الرايات الثلاثة، وإقبال الجيش السفياني إلى العراق، وإقبال الجيش الخراساني إليه، ونزول الترك أو أبناء عمهم في الجزيرة (وهي المنطقة الجنوبية والغربية للموصل) فضلاً عن علامات وشرائط كثيرة وصفت بأنها كنظام الخرز يتبع بعضه بعضاً كلها ستكون حاضرة لتدلّ على اليماني، بالشكل الذي لا يجعل عدم التلقيب بهذا اللقب مانعاً من هذه الدلالة.
على أي حال هذا ما بلغ إليه جهدنا من العلم، وقد بذلنا ما استطعنا من أجل أن نكوّن صورة تتسم بالدقة العلمية في التعامل مع هذه القضية, ولا ادّعي لنفسي العصمة، ولكن نسأل الله أن يعيننا على السداد والصواب.
يتبع إن شاء الله تعالى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) منطقة سورية تقع على الفرات وتبعد عن دير الزور المعاصرة بما يقرب من 42 كيلومتر، وهي قريبة من الحدود العراقية مع سوريا.
(2) وما أشار إليه بعض الأفاضل بأن هذا الحراك ـ وإن لم تشر الروايات إلى وجوده ـ إلا إن ذلك لا ينفيه، لأن من الطبيعي أن يكون لهم التأثير الأساس ليس في اليمن فحسب وإنما في الحجاز والخليج، وقد قال ذلك بعد أن اعتبر أن ما وصفه بثورة اليمانيين الإسلامية قد وردت في روايات متعددة عن أهل البيت (عليهم السلام) وبعضها بوصفه صحيحة السند، وقد خلط بين روايات اليماني، وبين اليمانيين أو اليمنيين مما أوقعه في هذا الوهم، لأنه وكما رأيت لا توجد رواية واحدة عن أهل البيت (عليهم السلام) تتحدث عن اليمنيين لا صحيحة ولا غيرها، ومن الطبيعي إن هذا الأمر مبني على التفريق بين اليماني واليمنيين، وبالتالي فإن كل كلامه مردود، لكونه سالب بانتفاء الموضوع.
(3) أمالي الطوسي (مصدر سابق): 661 ح1375.
(4) لقبت عائلة الجواهري وكاشف الغطاء في النجف الأشرف على سبيل المثال نسبة لصاحب كتاب الجواهر أو كتاب كشف الغطاء لجدهم الأعلى، والكثير من العوائل على هذا المنوال.
(5) كمثال فإن لقب صاحب الكتاب يعود لحادثة علمية وقعت في مضيف الشيخ صيهود شيخ عشيرة ألبو محمد في العمارة، مع الجد الثاني للمؤلف وهو المقدس الشيخ علي الصغير (قدس سره) ملخصها انه أجاب على قضية علمية بحضور أحد كبار العلماء الذي لم يستحضر الجواب فأجاب عنها معترضاً على الشيخ صيهود بأن مثل هذه الأسئلة البسيطة يسأل عنها طالب صغير مثله، فالتفت إلى مغزى كلامه الشيخ صيهود فلقب من تلك الحادثة بلقب الصغير، وإلا فعشيرة الكاتب هي آل جويبر وهم من أفخاذ عشائر بني خاقان المستوطنة في سوق الشيوخ في الناصرية.[/align]
الحلقة السادسة
نسبة اليماني من الناحية الموضوعية
من خلال ملاحظة المعطيات التي بين أيدينا عن الظرف الموضوعي الذي سيعيشه اليماني، نستطيع أن نعضّد ما ذهبنا إليه في الأسطر السابقة من أن اليماني لا علاقة له بساحة اليمن، فلو لاحظنا وضع الواقع السياسي الذي يعيشه اليماني في عشية خروجه سترتسم أمامنا الصورة التالية:
أـ وجود معركة طاحنة في قرقيسيا(1) ما بين الجيش السفياني والجيش العراقي وجيش غربي عن العراق في روايات وصف بأنه من الترك وفي أخرى وصف بأنه ابن عم للترك، وأياً ما يكن فالروايات كثيرة لتشير إلى وجود الروم في العراق وفي هذه المعركة تحديداً.
ب ـ وجود دولة عراقية ضعيفة يؤدي انكسار جيشها إلى اجتياح جيوش السفياني والخراساني لها.
ج ـ وجود دولة في الحجاز وبلاد الحرمين تشكو من الضعف الشديد بحيث يكون فيها الحكم مضطرباً، مع صراعات عديدة في داخل مؤسسات الحكم، ولكن مع وجود قاعدة كبيرة من النواصب فيها بالشكل الذي سيؤدي إلى قتل النفس الزكية قبل ظهور الإمام (عجل الله فرجه) بخمسة عشر يوم، ثم تستعين بالسفياني للقضاء على الإمام (روحي فداه) حال خروجه فيحصل عندها الخسف، ثم تعمل على قتل وكلاء الإمام لثلاثة مرات، بعد أن يتركها الإمام (عجل الله فرجه) ويتجه للعراق.
د ـ اجتياح لجيش الخراساني من جهة البصرة وجيش الحسني (وهو غير صاحب النفس الزكية الذي يقتل بين الركن والمقام) من جهة خانقين كما تشير إلى ذلك بعض الروايات.
هـ ـ لا توجد أية إشارة إلى وجود حراك أمني أو سياسي ذو دلالة في اليمن. (2)
عندئذ يمكن القول بأن نظام الدولة في المنطقة بصورتها المعاصرة ذات الحدود والسيادة يعمل به آنذاك، مما يجعل إمكانية أن يكون جيش اليماني مقبلاً لكي يكون منطبقاً عليه وصف: كفرسي رهان مع السفياني كما أفادت الروايات التي سلف الإشارة إليها من حدود اليمن أمراً مستغرباً جداً، فنحن نتحدث عن حركة خروج ثلاثية للسفياني والخراساني واليماني باتجاه الكوفة وما تمثله، في يوم واحد، وكأن هذه الحركة بمثابة ساعة صفر واحدة كما يبرز من حديث الخروج الثلاثي لهذه الرايات في سنة واحدة في شهر واحد في يوم واحد، ومثل هذا الظرف لا بد وأن يستبطن أموراً ثلاثة أساسية بالنسبة لليماني:
أولها: إن موضوع العراق حيوي وساخن جداً لدى اليماني، وهو ما يعني المعايشة اليومية لما يجري في العراق.
ثانيها: إن طريق الوصول بجيشه إلى العراق يتم بسرعة كبيرة حتى يمكن أن ينطبق عليه مصطلح (فرس الرهان المقابل للخراساني والسفياني).
ثالثها: إنه يعرف بتفصيل الشأن العراقي بحيث يتنادى بجيشه للاشتراك الحيوي والجوهري في موضوع العراق.
وهذه كلها تستدعي واحداً من احتمالين:
الأول: إما أن يكون إقبال اليماني من خارج العراق بجيشه وما يحتاجه من وسائل وآليات الدعم اللوجستي التي تجعل الجيش بحاجة إلى خلفية جغرافية واسعة النطاق مرتبطة بأماكن الدعم اللوجستي، لاسيما وإن القتال الموصوف في معارك ذلك الزمن يحتاج بطبيعته إلى وسائل إمداد وإدامة للعملية القتالية بصورة قد تفوق ما يحتاجه الآن، فعندئذ سنتساءل من أي حدود سيرد إلى العراق؟ وكيف سيؤمن خطوط الوصل المطلوبة للدعم اللوجستي والتي تعني حكماً وجود قواعد إمداد وإدامة؟ طالما وأن الحدود السعودية مع العراق لن تكون صالحة بدليل وجود دولة مناهضة له حكماً، والحدود مع الأردن وسوريا ستكون تحت وصاية السفياني، ومن الواضح إن هذا الاحتمال لا وجود لإمكانية تصوره، وهنا أؤكد على ما أشرنا إليه في إن حديثنا هنا لا ينظر إلى الأمور بمنظار اليوم، وإنما بمنظار ما أشارت إليه روايات الظهور وما قبله لمعطيات الواقع السياسي.
على إننا لا بد من أن نشير إلى إن الروايات الشريفة بالرغم من تحدثها عن مكان إقبال السفياني وإقبال الخراساني على الكوفة، ولكنها سكتت بشكل تام عن المكان الذي يتحرك منه اليماني.
الثاني: أن يكون إقبال خيل اليماني من داخل العراق، ولكنها لم تتجمع قبل تلك الساعة بالصورة التي تكون قابلة لإطلاق وصف الجيش عليها، مع وجود شأنية خاصة لليماني في وسط شيعة العراق على المستوى السياسي والأمني والديني تؤهله لتجميع القوة والعدة والعدد في حال التأزم السياسي والأمني، ثم تتجمع خيله في أجواء التسخين الذي تشهده جبهة قرقيسيا والتهديدات المنطلقة من مجيئ السفياني الملعون للعراق، وتنطلق لمجابهة السفياني ولكنه يسبقها إلى الكوفة نتيجة لانشغالها ربما في معارك عديدة مع جيوبه وأعوانه في بغداد وغيرها.
والمعطيات هنا بأجمعها تؤكد ذلك، إذ لا يعقل كل هذا الدور المصيري الذي سيلعبه العراق في حركة الإمام المنتظر (روحي فداه) كما تشير الروايات، ولا يكون في شيعة العراق من يمهّد للإمام (بأبي وأمي) في وسط هذه المعركة المصيرية، أو من يتصدى لأعداء الإمام (صلوات الله عليه) كالسفياني اللعين، بحيث إن الشعب العراقي ـ مع كل حيويته وعشقه للإمام (روحي فداه) وحماسه لذلك، يبقى يتكّل على جيوش خارجية لتغيثه!! مع العلم إن الكثير من أصحاب الإمام (روحي فداه) هم من شيعة العراق، إن لم تكن الغالبية منهم، وبالرغم من إن راية الحسني هي راية عراقية على ما يبدو ولها الجاه السياسي الأساسي، إلا إن الروايات تشير إلى إنها تعمل ضمن إطار راية الخراساني أو قريبا منها، ولهذا لم يشر لها بأنها راية محتومة واكتفى الناص المقدّس بالإشارة إليها ضمن إشارته لحركة الخراساني.
الدلالات اللغوية للقب اليماني
اعتاد المتابعين لقضية اليماني أن يحملوا اللقب على بلاد اليمن، ومن هنا نشأت شبهة إن اليماني من اليمن، وقد يكون ذلك صحيحاً، وقد لا يكون لاحتمال أن يكون المراد بلفظ اليماني معنى آخر غير المعنى المكاني، مما يجعل الحمل على المعنى المكاني هو من الأخطاء الشائعة.
وبعد أن عرفنا إن الحديث عن يمنية اليماني بمعنى أن اليماني من اليمن هو أمر لم يرد في روايات أهل البيت (عليهم السلام) على الأظهر، وإنما هو من مرويات العامة، ولا يمكن التعويل عليه، لهذا فإن إغلاق الباب على محامل اللفظ المتعددة الأخرى، يكون من تعسّف التحقيق، والدقّة تقتضي متابعة كل الاحتمالات الواردة في هذا المجال، خاصة وإن الانصراف الذهني المعاصر للكلمة، لا يقتضي بالضرورة نفس الانصراف في زمن وضع اللقب أي في زمن النص، بل لربما نلحظ إن الانصراف الذهني آنذاك لا يتشابه مع ما تنصرف الأذهان إليه اليوم، فلا تغفل.
والمرادفات اللغوية للفظ عديدة، على إننا سنلحظ إن إثبات أحدها لا ينفي الآخر، فقد ينطبق اللفظ بمرادفات عدة على شخص واحد، هذا وقد ورد في كتب اللغة العديد من التعريفات، وأولها بطبيعة الحال هو النسبة لليمن، ولربما تساعد رواية (طالب الحق) على إن الانصراف إلى هذا المعنى في زمن تلك الرواية يشير إلى المكان فقد سأل هشام بن سالم الجواليقي (رضوان الله تعالى عليه) الإمام الصادق (عليه السلام) عن أحوال طالب الحق حينما خرج في اليمن، وقال له: أترجو أن يكون هذا اليماني؟.. الخ.(3)
وهنا نشير وفقاً للحمل على إن دلالة اللقب مأخوذة من المكان وتعود إليه إلى الأمور التالية:
أولاً: إن كونه من اليمن لا يستلزم أن يكون الخروج من اليمن، ولا يستلزم أن تكون ساحته الممهدة هي اليمن، فقد يكون من اليمن، ولكن لسبب أو لآخر يعمل خارجها نتيجة لظروف القسوة الأمنية أو المعيشية أو العقائدية أو ما شاكل فينصهر في موقع آخر ويحمل راية الخروج في ذلك الموقع، وهذا ما تقوّيه الروايات (اللهم إلا روايات العامة) التي لا تشير إلى جهود غير طبيعية للساحة اليمنية في الحركة الممهدة للإمام (روحي وأرواح العالمين له الفدا)، بل ربما تنعدم الإشارات لهذه الساحة في زمن التمهيد المباشر.
ثانياً: إن كونه من اليمن لا يقتضي الانحصار الزماني، بل قد يكون ممن هاجر قبل مدة كبيرة من اليمن، أو دعونا نقول: بأنه قد يكون أصله من اليمن، دون أن يكون له أي ارتباط بالساحة اليمنية في زمن الخروج، وهذا ربما تقويه كثرة العشائر اليمنية التي هاجرت للعراق والشام والخليج وجنوب إيران الغربية، فالكثير من عشائر جنوب العراق ولبنان وإيران على سبيل المثال يمنية الأصل، وقد هاجرت ضمن موجات هجرة العشائر اليمنية في سالف التاريخ، وبالنتيجة يمكن لأحد أبنائها أن يكون هو المعني، ولربما هذا هو أقوى الاحتمالات، وهو ينسجم مع كون اهتمام الرجل منصبّاً على العراق كما تظهر الروايات الشريفة.
وثانيها: يحمل اللفظ على كل من له صفة اليمن والبركة، وبالنتيجة يحمل اللقب على صفة أعمال الرجل، لا على انتمائه الجغرافي، وبالنتيجة فإن لقبه قد يكون بعيداً عن هذا اللقب، ولكن لكثرة اليمن والموفقية في عمله يشار إليه باليماني في الروايات، وهذه الإشارة قد تكون خاصة بواضع النص، هو من يطلقها على صفة أعماله ولا علاقة لها بإطلاق الناس له مثل هذا الوصف، وقد يكون له من المحبوبية في قلوب الناس نتيجة لجهوده في نصرة قضاياهم وحمله لمسؤولية الدفاع عنهم، مما يجعله ميموناً في أنظارهم، من دون أن يطلق عليه هذا اللقب من قبلهم، وإنما حينما يتكلمون عن شخصيته أو أعماله يصفونها بأنها ميمونة.
وهذا بطبيعة الحال لا يتناقض مع ما ورد في أول الاحتمالات، ويمكن الجمع بينهما، لأن مثل هذه الصفات يمكن أن يجمعها أيضاً رجل يماني الأصل.
وثالثها: يطلق اللفظ أيضاً على كل من كان له أثر في اليمين المقابل لليسار والشمال، كأن يكون يمانياً في يده في مقابل الأعسر الذي يستخدم شماله، أو يمانياً في قدمه أو يده لأثر فيهما لأي سبب، وهذا هو الآخر لا يتناقض مع أول الاحتمالات ويمكن الجمع فيما بينهما.
ورابعها: قد يطلق اللقب على أصحاب الأيادي البيضاء الكريمة في تعاملهم مع الناس، وهو ليس ببعيد عن المعنى الثاني.
وخامسها: يمكن إطلاق هذا اللقب لأي سبب يحصل في حينه، أو قبل ذلك، كأن يكون لقبه اليماني لسبب أو لآخر من أسباب الدنيا المعتادة، من دون وجود أية صلة له باليمن، وبعد ذلك يعمم اللقب عليه، وهذا الأمر وارد، فالناس تتلقب بحادثة أو بكتاب(4) أو بواقعة معينة(5) .
وسادسها: يمكن أن يكون التلقيب متأخر على خروج الرجل، فقد يكون لقبه مختلف تماماً، وقد لا يعرف هو أنه هو المعني بهذا اللقب، ولكن الناس حينما ترى فعله، أو يرى هو فعله، فيلقب بذلك.
على أي حال يمكن لهذه الاحتمالات كلاً أو جزءاً أن تكون هي سبب التلقيب، مع تأكيدنا على إن هذا التلقيب، قد لا يكون له وجود في العالم الخارجي، وإنما هو لفظ أطلقه صاحب النص لواحد من الأسباب المذكورة، من دون ضرورة أن يتلقّب به الرجل قبل ظهور الإمام (روحي فداه)، على إنه يمكن القول بأن الإمام (صلوات الله عليه) قد يكشف عن هوية الرجل بعد ظهوره.
ولهذا فإن التعويل على سبب واحد وإلغاء بقية الأمور قد ينطوي على إجحاف كبير للحقيقة، فتأمّل.
وقد يشكل البعض على إن عدم وجود اللقب في حين الحدث ربما لا يكشف عن إن الحدث المطلوب لكي يدلّ على الإمام (بأبي وأمي) هو هذا، وبالتالي تنتفي أحد أسباب جعله أحد العلامات الحتمية، وهذا الإشكال مع وجاهته إلا إن التدليل على هذا الحدث لا يقتصر على هذا اللقب، فمعركة كمعركة قرقيسيا مع ما سيتصاحب معها من إشارات كثيرة كانحسار الفرات وجفافه في فترة معينة، واضطراب الشام، ومعركة الرايات الثلاثة، وإقبال الجيش السفياني إلى العراق، وإقبال الجيش الخراساني إليه، ونزول الترك أو أبناء عمهم في الجزيرة (وهي المنطقة الجنوبية والغربية للموصل) فضلاً عن علامات وشرائط كثيرة وصفت بأنها كنظام الخرز يتبع بعضه بعضاً كلها ستكون حاضرة لتدلّ على اليماني، بالشكل الذي لا يجعل عدم التلقيب بهذا اللقب مانعاً من هذه الدلالة.
على أي حال هذا ما بلغ إليه جهدنا من العلم، وقد بذلنا ما استطعنا من أجل أن نكوّن صورة تتسم بالدقة العلمية في التعامل مع هذه القضية, ولا ادّعي لنفسي العصمة، ولكن نسأل الله أن يعيننا على السداد والصواب.
يتبع إن شاء الله تعالى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) منطقة سورية تقع على الفرات وتبعد عن دير الزور المعاصرة بما يقرب من 42 كيلومتر، وهي قريبة من الحدود العراقية مع سوريا.
(2) وما أشار إليه بعض الأفاضل بأن هذا الحراك ـ وإن لم تشر الروايات إلى وجوده ـ إلا إن ذلك لا ينفيه، لأن من الطبيعي أن يكون لهم التأثير الأساس ليس في اليمن فحسب وإنما في الحجاز والخليج، وقد قال ذلك بعد أن اعتبر أن ما وصفه بثورة اليمانيين الإسلامية قد وردت في روايات متعددة عن أهل البيت (عليهم السلام) وبعضها بوصفه صحيحة السند، وقد خلط بين روايات اليماني، وبين اليمانيين أو اليمنيين مما أوقعه في هذا الوهم، لأنه وكما رأيت لا توجد رواية واحدة عن أهل البيت (عليهم السلام) تتحدث عن اليمنيين لا صحيحة ولا غيرها، ومن الطبيعي إن هذا الأمر مبني على التفريق بين اليماني واليمنيين، وبالتالي فإن كل كلامه مردود، لكونه سالب بانتفاء الموضوع.
(3) أمالي الطوسي (مصدر سابق): 661 ح1375.
(4) لقبت عائلة الجواهري وكاشف الغطاء في النجف الأشرف على سبيل المثال نسبة لصاحب كتاب الجواهر أو كتاب كشف الغطاء لجدهم الأعلى، والكثير من العوائل على هذا المنوال.
(5) كمثال فإن لقب صاحب الكتاب يعود لحادثة علمية وقعت في مضيف الشيخ صيهود شيخ عشيرة ألبو محمد في العمارة، مع الجد الثاني للمؤلف وهو المقدس الشيخ علي الصغير (قدس سره) ملخصها انه أجاب على قضية علمية بحضور أحد كبار العلماء الذي لم يستحضر الجواب فأجاب عنها معترضاً على الشيخ صيهود بأن مثل هذه الأسئلة البسيطة يسأل عنها طالب صغير مثله، فالتفت إلى مغزى كلامه الشيخ صيهود فلقب من تلك الحادثة بلقب الصغير، وإلا فعشيرة الكاتب هي آل جويبر وهم من أفخاذ عشائر بني خاقان المستوطنة في سوق الشيوخ في الناصرية.[/align]
-
- الـمـديـر التـنـفـيـذي
- مشاركات: 1247
- اشترك في: الخميس أغسطس 14, 2008 5:07 am
Re: اليماني --- أهدى الرايات
[align=center]منهاج التحرك لدى اليماني
الحلقة السابعة
أوضحت الروايات الشريفة التي أسلفنا ذكرها عن اليماني معالم المنهج الذي سيعتمده اليماني في تحركه للتمهيد للإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه)، وقد لاحظنا من قبل إن الروايات لم تتحدث عن شخص اليماني، وإنما تركّز الحديث فيه على منهجه، في الوقت الذي لاحظنا العكس حين تحدثت عن بقية الرايات فلقد تحدثت عن الاسم، وتحدثت أيضاً عن مواصفات شخصية،(1) ولكنها لم تول المسمّى شيئاً كثيراً، ولعل كونه (أهدى الرايات) هو السرّ في هذا الأمر، فالمهم هو هدى الراية، وحتى يكون المرء في موضع أهدى الرايات؛ عليه أن يتفحص محتوى الراية لا رجالها فقط، فالحق لا يعرف بالرجال، بل الرجال يعرفون بمحتواهم وبما تقترب فيه شخصياتهم من مواقف الحق.
والحديث عن منهج اليماني في التحرك للتمهيد للإمام (روحي فداه) على جانب كبير من الأهمية، فليس المهم بالنسبة للمنتظر (بكسر الظاء) أن يلتقي أو يتعرف باليماني، فهذا ليس من تكليفه، فقد يلتقيه وقد لا يلتقيه، ولكن المهم الذي يجب أن يلتفت إليه هو منهج اليماني في التعامل مع القضايا في ساحة الانتظار، لأن هذا المنهج يمثل (أهدى الرايات) وبالنتيجة فإن البحث عن التكليف العام في قضية التمهيد للإمام (صلوات الله عليه) يتمحور في اكتشاف هذا المنهج، لاسيما بالنسبة لمن يعيش في الساحة المرتقبة لليماني، فلا تغفل!
وبإمكاننا أن نتلمس من خلال الروايات معالم منهج اليماني والتي يمكن تأطيرها ضمن ما يلي:
أولاً: المحور العقائدي
مرت بنا روايتان واحدة تتحدث عن أن اليماني يتوالى علياً (صلوات الله عليه) والأخرى كونه يدعو إلى الإمام المنتظر (عجل الله فرجه)، ومع وضوح الأولى في المجال العقائدي، فإن الرواية الثانية تبرز عمق البعد العقائدي لدى اليماني، لأنه هنا يدمج ما بين الإطار الفكري للعقيدة، وما بين تجلياتها العملية في زمن الانتظار والمتمثلة بالدعوة للإمام (روحي فداه)، وإذ يتم تشخيص راية اليماني بأنها أهدى الرايات، فإن من المناسب أن نحاول أن نتلمس المحتوى العقائدي الذي يريده أئمة أهل البيت (عليهم صلوات الله وسلامه) لشيعتهم المنتظرين أن يحملوه من أفكار وما يتبنونه من قضايا المعتقد، والتي نعتقد إن اليماني سيركّز عليها طالما وإن تركيزه العقائدي منصب على الدعوة للإمام المهدي (صلوات الله عليه).
علاوة على الذخيرة العقائدية التي انطوت عليها أحاديث أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، فإن الإمام المنتظر (عليه السلام) ـ وكما هو دأب بقية الأئمة (عليهم السلام) ـ أكّد للثقافة الشعبية عبر عدد من التوصيات(2) جملة من المضامين العقائدية، والتي قد تطرح في صورتها المبسّطة للناس التي تسهل عليهم التقاط معينها، ولكن هذه البساطة حينما تطرح مضامينها في الأبحاث المعمّقة للعلماء فإنها قد تحتاج لمشقة خاصة لكي يستطيع العالم أن يسبر أغوارها، وهذا هو منهج أهل البيت (عليهم السلام) الذين يتكلمون بلغة مبسطة دونما تعقيد وبقدر ما يمكن لمستمعهم وساءلهم ومن يخاطبونه أن يستفيده منهم، ولكنها تفتح آفاقاً ضخمة لمن يريد الغوص في هذه المعاني وهو ما يوضحه قول الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): إنا معاشر الأنبياء أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم.(3)
وأستطيع أن أؤكد من خلال الروايات الخاصة بالإمام (روحي فداه) جملة من الأمور التي أراد الإمام بأبي وأمي التركيز عليها، ناهيك عن البنية العقائدية العامة للتشيع، ومن هذه الأمور:
أ ـ الاعتماد المطلق على الله سبحانه وتعالى، وحسن الاتكال عليه، وحسن الظن به، والإيمان المسؤول بالقضاء والقدر، بالشكل الذي يطلق الإرادة الإنسانية ويحررها من كل الأوثان والأصنام الفكرية والاجتماعية والسياسية التي يمكن أن تستفيد منها السياسة الطاغوتية بشكليها الإرهابي والإغرائي لتكبيل الإرادة الإنسانية أو توجيهها بالوجهة الضالة بعيداً عن الهداف الربانية التي أعدت للإنسان.
وهذا ما يتجلى في مساحة عريضة من دعاء الافتتاح المنسوب للإمام (روحي فداه)، ففي ثلث الدعاء الأول نلاحظ ضمن الأسلوب الرائع الذي يستخدمه الإمام المهدي (صلوات الله عليه) في تعرية الواقع الإنساني المفتقر في كل شيء إلى الله تعالى، والمتجرئ الصلف على الله تعالى، واللئيم في التعامل معه، بالرغم من كل أفضال الله عليه، ليضع هذه التعرية الموحشة أمام حقائق حسن الظن بالله والاتكال عليه والاعتماد عليه، ضمن صورة يبرز فيها جمال الله تعالى وجلاله وكماله وإحسانه للإنسان، ومنه قوله (صلوات الله عليه):
اللهم إن عفوك عن ذنبي، وتجاوزك عن خطيئتي، وصفحك عن ظلمي، وسترك على قبيح عملي، وحلمك عن كثير جرمي ـ عندما كان من خطئي وعمدي ـ أطمعني في أن أسألك ما لا استوجبه منك الذي رزقتني من رحمتك، وأريتني من قدرتك، وعرفتني من إجابتك، فصرت ادعوك آمنا، وأسألك مستأنساً، لا خائفاً ولا وجلاً، مدلاًّ عليك فيما قصدت فيه إليك، فإن أبطأ عني عتبت بجهلي عليك، ولعل الذي أبطأ عني هو خير لي لعلمك بعاقبة الأمور، فلم أر مولىً كريماً أصبر على عبد لئيم منك عليّ!! يا رب إنك تدعوني فأولّي عنك، وتتحبّب إلي فأتبغّض إليك، وتتودد إليّ فلا أقبل منك، كأن لي التطوّل عليك، فلم يمنعك ذلك من الرحمة لي والإحسان إلي والتفضّل عليّ بجودك وكرمك..(4) إلخ.
وهذا المحور إنما يتوخى تحرير الإرادة الإنسانية من إسار العبودية لغير الله، لان من شأن ذلك أن يحرر الإنسان من الخوف من كل ما يمكن للطاغوت أن يثيره أمامه، كما ويمنع الإنسان من أن يطغى في تعامله مع الآخرين، ويعطيه الكثير من القوة والزخم في الساحة التي تنتظره فيها استحقاقات غاية في الخطورة والألم والذي تشير إليه العشرات من الروايات التي تحدثت عما سيجري في أيام التمهيد وما قبله، ونفترض أن اليماني سيركّز على هذا المحور في بناء المجموعة التي يريدها أن تتخطى حواجز الإرهاب الذي سيسلّط على منتظري الإمام (بأبي وأمي) لكي تمهّد للإمام (عجل الله تعالى فرجه).
ب ـ الإيمان المطلق بإمامة أهل البيت (عليهم السلام)، ويبرز لنا حرص الإمام على تسمية معصومي أهل بيت العصمة والطهارة (عليهم السلام) واحداً واحداً من جهة في دعاء الافتتاح، والحث على البراءة من أعدائهم بالصورة التي يبرزها تأكيده على زيارة عاشوراء الشديد،(5) والسعي لتوضيح حقائق هذا الإيمان وتفاصيله الدقيقة بالصورة التي تبرز في الزيارة الجامعة، (6) والتحدّث عن إن الإمام (صلوات الله عليه) حينما سيقدم على العراق سيقتل أعداداً كبيرة من البترية(7) الذين ينقصون حق أهل البيت (صلوات الله عليهم) ويبترونه، كما ورد في الحديث: ويسير إلى الكوفة، فيخرج منها ستة عشر ألفاً من البترية، شاكّين في السلاح، قراء القرآن، فقهاء في الدين، قد قرّحوا جباههم، وشمّروا ثيابهم، وعمّهم النفاق وكلهم يقولون: يابن فاطمة ارجع لا حاجة لنا فيك، فيضع السيف فيهم.(8)
أقول: مثل هذا الحرص والتركيز من قبل الإمام (روحي فداه) لابد وإنه يبرز نمطاً واضحاً من البناء العقائدي المطلوب من قبل الإمام (عليه السلام)، ولهذا فإن من الطبيعي جداً أن يتبنى اليماني مثل هذه الخطوط بحذافيرها دون الاكتفاء بالعموميات، ويلتزم بها ويلزم خيله بها، لأن العموميات العقائدية لن تكون مميزة للخلّص من أصحاب الإمام المنتظر (روحي فداه) عمّن سواهم، بدليل أن الإمام سيتخذ من كثير ممن ينتسب للشيعة موقفاً متشدداً كما تتحدث عن ذلك الروايات الشريفة.
ج ـ من خلال ما يتواتر في الحديث الشريف بأن الإمام (صلوات الله عليه) سوف يبادر حال ظهوره لفتح ملف الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (صلوات الله عليها) ضمن تفاصيل عدة، ككشف حقيقة ما جرى للزهراء (صلوات الله عليها) وموضع قبرها إلى بقية التفاصيل المتعلقة بكل ما جرى عليها (بأبي وأمي)، وهنا لابد من أن يلتفت المهدويون إلى حقيقة إن أولويات الإمام المهدي (عليه السلام) يجب أن تمثل بالنسبة لهم محاور أساسية في أي منهج يتخذونه للتمهيد للإمام (صلوات الله عليه).
وحينما تكون قضية الزهراء (صلوات الله عليها) تمثل له أولوية خاصة بالشكل الذي نراه يثيرها في باكورة أعماله بعد الظهور رغم قدم القضية الزماني، بل بعض الروايات ربما أشارت إلى إن أول ما يبدأ به (صلوات الله عليه) هو فتح ملف الصديقة الزهراء (بأبي وأمي) وإثارته أمام العالم،(9) فإنها تثير في النفوس تساؤلات جمّة حول موضع هذه القضية تحديداً في المحور العقائدي للمنتظرين، فمن الطبيعي أن يلحظ المنتظر إن إعطاء هذه المسالة جانبها الحيوي في الأولويات الأولى لإمام غاب كل هذه الفترة، وجاء لكي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، لابد وأن يبرز حقيقة أهميتها في بناء الأسس العقائدية التي ستقوم عليها الأمة المنقذة للعالم والتي ستضطلع بمهمة إتباعه في معركة إسقاط الظلم والجور والقضاء عليه.
وعليه فمما لا شك فيه إن اليماني في حركته العقائدية سيجعل قضية الزهراء (صلوات الله عليها) وقضاياها الأساسية محوراً أساسياً في بناء تحركه العقائدي، يتميّز به عن عامة الناس، ويميّز خيله بذلك.
د ـ يبرز الإمام (صلوات الله عليه) اهتماماً بالغاً بقضية الإمام الحسين (عليه السلام) وفجيعته، ولعل ما سطّره الإمام المهدي في الزيارة المعروفة بالناحية هو أحد سمات ما يريده الإمام (أرواحنا فداه) من خاصة شيعته لكي يتبنونه عقائدياً ووجدانياً، وهو ما ينفعنا في تلمس ما يمكن القطع به بأن اليماني لا يمكن له أن يغفل مثل هذا التبني، لاسيما وأن الإمام المنتظر (روحي فداه) قد حرص على عكس عميق فجيعته بالإمام الحسين (عليه السلام) عبر زيارة الناحية المقدسة، وهذا الحرص علاوة على حقيقة فجيعة الإمام المهدي (بأبي وأمي) بجده الإمام الحسين (صلوات الله عليه) إلا إنه في نفس الوقت أراد له أن يصل إلى شيعته ومتبعيه، ليؤكد رغبة الإمام (عليه السلام) بالتزام شيعته بهذا المنهج في التعامل مع القضية الحسينية، ويبرز هنا موقفه بشكل جلي في العديد من نصوص الزيارة:
فلأندبنك صباحاً ومساءاً، ولأبكين عليك بدل الدموع دماً، حسرة عليك وتأسفاً على ما دهاك وتلهفاً، حتى أموت بلوعة المصاب وغصة الاكتئاب.(10)
وقال (عليه السلام): حتى نكسوك عن جوادك فهويت إلى الأرض جريحاً، تطأك الخيول بحوافرها، وتعلوك الطغاة ببواترها، قد رشح للموت جبينك، واختلفت بالانقباض والانبساط شمالك ويمينك، تدير طرفاً خفياً إلى رحلك وبيتك، وقد شغلت بنفسك عن ولدك وأهاليك، وأسرع فرسك شارداً إلى خيامك قاصداً محمحماً باكيا، فلما رأين النساء جوادك مخزياً، ونظرن سرجك عليه ملوياً، برزن من الخدور ناشرات الشعور على الخدود لاطمات الوجوه سافرات،(11) وبالعويل داعيات وبعد العز مذللات، وإلى مصرعك مبادرات، والشمر جالس على صدرك مولع بسيفه على نحرك، قابض على شيبتك بيده، ذابح لك بمهنده، قد سكنت حواسك وخفيت أنفاسك، ورفع على القنا رأسك، وسبي أهلك كالعبيد، وصفّدوا في الحديد، فوق أقتاب المطيات، تلفح وجوههم حر الهاجرات، يساقون في البراري والفلوات، أيديهم مغلولة إلى الأعناق، يطاف بهم في الأسواق، فالويل للعصاة الفسّاق، لقد قتلوا بقتلك الإسلام، وعطّلوا الصلاة والصيام، ونقضوا السنن والحكام... إلى أن يقول: فقام ناعيك عند قبر جدك الرسول (صلى الله عليه وآله) فنعاك إليه بالدمع الهطول قائلاً: يا رسول الله قتل سبطك وفتاك، واستبيح أهلك وحماك، وسبيت بعدك ذراريك، ووقع المحذور بعترتك وذويك، فانزعج الرسول وبكى قلبه المهول، وعزّاه بك الملائكة والأنبياء، وفجعت بك أمك الزهراء، واختلفت جنود الملائكة المقربين، تعزي أباك أمير المؤمنين، وأقيمت لك المآتم في أعلى عليين، ولطمت عليك الحور العين، وبكت السماء وسكانها والجنان وخزانها(12).
إن هذا النهج سيفرض سطوته على البنية العقائدية والوجدانية لجيش اليماني، وبموجبه سيتعامل مع كل أنماط إثارة الفجيعة على الإمام الحسين (عليه السلام) وسيأتي المزيد من ذلك في حديثنا عن المحور الوجداني والمعنوي.
هـ ـ لو لاحظنا جملة من أحاديث أئمة أهل البيت (عليهم السلام) بما فيهم حديث الإمام المهدي (صلوات الله عليه) عن نفس الإمام نجد ما هو أكثر من التعظيم والتمجيد، والحرص على إقامة رابطة خاصة وعلقة متميزة بين متبع نهجهم وبين الإمام (روحي فداه)، ولعل حديث الإمام الصادق (صلوات الله عليه) والذي يحدّث به سدير الصيرفي قال: دخلت أنا والمفضل بن عمر وداود بن كثير الرقي وأبو بصير وأبان بن تغلب على مولانا الصادق (عليه السلام) فرأيناه جالساً على التراب، وعليه مسح(13) خيبري مطرف بلا جيب مقصر الكمين، وهو يبكي بكاء الوالهة الثكلى ذات الكبد الحرى، قد نال الحزن من وجنتيه، وشاع التغيّر في عارضيه، وأبلى الدمع محجريه، وهو يقول: سيدي غيبتك نفت رقادي، وضيّقت عليّ مهادي، وابتزّت مني راحة فؤادي، سيدي غيبتك أوصلت مصائبي بفجائع الأبد، وفقد الواحد بعد الواحد بفناء الجمع والعدد، فما أحس بدمعة ترقأ من عيني وأنين يفشأ(14) من صدري.
قال سدير: فاستطارت عقولنا ولها, وتصدعت قلوبنا جزعا من ذلك الخطب الهائل والحادث الغائل,(15) فظننا أنه سمت لمكروهة قارعة,(16) أو حلت به من الدهر بائقة,(17) فقلنا: لا أبكى الله عينيك يابن خير الورى من أية حادثة تستذرف دمعتك, وتستمطر عبرتك؟ وأية حالة حتمت عليك هذا المأتم؟.
قال: فزفر الصادق (عليه السلام) زفرة انتفخ منها جوفه, واشتد منها خوفه فقال: ويكم(18) إني نظرت صبيحة هذا اليوم في كتاب الجفر المشتمل على علم البلايا والمنايا، وعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة، الذي خصّ الله تقدّس اسمه به محمداً والأئمة من بعده (عليهم السلام), وتأملت فيه مولد قائمنا (عليه السلام) وغيبته وإبطاءه وطول عمره وبلوى المؤمنين [من] بعده في ذلك الزمان, وتولد الشكوك في قلوب الشيعة من طول غيبته, وارتداد أكثرهم عن دينه, وخلعهم ربقة الإسلام من أعناقهم التي قال الله عزّ وجلّ: {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه}(19) يعني الولاية, فأخذتني الرقّة, واستولت عليّ الأحزان.(20)
وبنفس السياق نجد هذه العاطفة الملتهبة والمتأججة في دعاء الندبة كما في قوله (عليه السلام):
ليت شعري أين استقرّت بك النّوى، بل ايّ ارض تقلّك أو ثرى، أبرضوى أو غيرها أم ذي طوى، عزيزٌ عليّ أن أرى الخلق ولا ترى ولا اسمع لك حسيساً ولا نجوى، عزيزٌ عليّ أن (لا تحيط بي دونك) تحيط بك دوني البلوى ولا ينالك منّي ضجيجٌ ولا شكوى، بنفسي أنت من مغيّبٍ لم يخل منّا، بنفسي أنت من نازحٍ ما نزح عنّا، بنفسي أنت أمنيّة شائقٍ يتمنّى، من مؤمن ومؤمنةٍ ذكرا فحنّا، بنفسي أنت من عقيد عزٍّ لا يسامى، بنفسي أنت من أثيل مجدٍ لا يجارى، بنفسي أنت من تلاد نعمٍ لا تضاهى، بنفسي أنت من نصيف شرف لا يساوى، إلى متى أحار فيك يا مولاي والى متى، وأيّ خطابٍ أصف فيك وأيّ نجوى، عزيزٌ عليّ أن أجاب دونك وأناغى، عزيزٌ عليّ أن أبكيك ويخذلك الورى، عزيزٌ عليّ أن يجري عليك دونهم ما جرى، هل من معينٍ فأطيل معه العويل والبكاء، هل من جزوعٍ فأساعد جزعه إذا خلا، هل قذيت عينٌ فساعدتها عيني على القذى، هل إليك يا بن احمد سبيلٌ فتلقى، هل يتّصل يومنا منك بعدةٍ فنحظى، متى نرد مناهلك الرّويّة فنروى، متى ننتقع من عذب مائك فقد طال الصّدى، متى نغاديك ونراوحك فنقرّ عيناً (فتقر عيوننا)، متى ترانا ونراك وقد نشرت لواء النّصر ترى، أترانا نحفّ بك وأنت تامّ الملا وقد ملأت الأرض عدلاً وأذقت أعداءك هواناً وعقاباً، وأبرت العتاة وجحدة الحقّ، وقطعت دابر المتكبّرين، واجتثثت أصول الظّالمين، ونحن نقول الحمد لله ربّ العالمين.
ونظير هذه المواقف كثير، وهي وإن أخذت منحى الدعاء والموقف العاطفي، إلا إن وجهها الآخر مرتبط بجانب عقائدي يراد تركيز آثاره العملية في المحتوى الداخلي للمنتظرين، ومنه يراد إنشاء علقة خاصة بالإمام (عجل الله تعالى فرجه) بحيث يكون هو القيمة الأعظم في الوجود بالنسبة لمريديه، وهذا ما يمكن لنا أن نتأمل من خلاله طبيعة التثقيف الذي سيعمد إليه اليماني الموعود لجنده وخيله.
و ـ لن يفوت اليماني ما طرحه الإمام المنتظر (روحي فداه) في شأن المرجعية الشرعية في غيبة الإمام (صلوات الله عليه)، ولهذا فإنه حتماً سيضع الحديث الشريف الوارد في توقيع الإمام المنتظر (بأبي وأمي) الذي يرويه الشيخ محمد بن عثمان العمري (رضوان الله تعالى عليه): وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم.(21)
وهذا الحديث الذي لا يمكن لكل مهدوي أن يغفله أو يتهاون في شأنه، سيكون حجر الزاوية في طبيعة المنهج العقائدي والفكري الذي سيلتزم به اليماني ويلزم به جيشه وجنده، ولهذا لابد وأن نجد اليماني لصيقاً في بنية المرجعية الدينية، ولهذا فهو إما من أهل الشأنية العلمية العالية بحيث توصله إلى مقام المرجعية، وهو مما لا نجد دليلاً قوياً عليه في الروايات، لأن الرجل لا يشار إلى علمه في الروايات، رغم إن حديث الإمام (صلوات الله عليه) عن مواصفاته تبرز أن العلم الذي لديه علماً صافياً يمكن الركون إليه، بحيث أشار إلى أنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم،
وإما أن يكون تابعاً وفياً للمرجعية الدينية التي تتمثل الخط الهادي لمدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، ليكون حديث الإمام المتقدم عن وجوب نصرته وعدم الالتواء عليه مستمد من تبعيته وطاعته للمرجعية، وان تصرفاته لا تخرج من طوع المرجعية الدينية.
يتبع بإذن الله
ــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش:
ــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ كما هو الحال في حديث الروايات الشريفة عن شعيب بن صالح أو الخراساني مثلاً، فالخراساني على سبيل المثال يوصف بأنه شاب من بني هاشمي في يده اليمنى خال، وأمثال هذه الأمور التي تركّز على شخصه، لا على منهجه، وهذا يعود لأسباب لا تقلل من قيمة الخراساني بالتأكيد، وإنما قسم منه يعود بالتأكيد على طريقة التعامل مع الجانب الأمني لكلا الشخصيتين، ففيما أريد للأول أن يكون بمنأى عن الخطر بسبب ظروف برنامجه ومحيطه الأمني، لم نلحظ هذا القلق في الثاني لاعتبارات تعود فيما يبدو لقلة الخطر عليه قياسا للأول، ولكن نفس التركيز على المنهج يعطي للمنهج أهميته الخاصة بالنسبة لكونه أهدى الرايات، لأن هذا المنهج سيكون هو أحسن السبل لعشّاق المهدي في ساحة اليماني المكانية والزمانية لكي يسلكوه.
2ـ يمكن لنا أن ننظر إليها في دعاء الافتتاح أو الزيارة الجامعة أو زيارة عاشوراء أو ما شاكل من الأمور التي ركّز الإمام المنتظر في الطلب من الشيعة أن يهتموا بها في زمن الغيبة.
3ـ الكافي 1: 23 ح15.
4ـ للتفصيل يمكن الرجوع إلى أحاديثنا في شرح دعاء الافتتاح في جامع براثا، وهي موجود صوتياً في موقع الجامع على الأنترنيت، ولعلنا نوفق لطبعها عما قريب.
5ـ من الواضح لمن يقرأ زيارة عاشوراء الواردة عن الإمام الصادق (عليه السلام) حجم التركيز فيها على البراءة من أعداء أهل البيت (عليهم السلام) وطبيعة الوضوح فيه.
6ـ في الرؤيا المشهورة للحاج علي البغدادي والتي يذكرها الشيخ عباس القمي في المفاتيح يبرز لنا تأكيد الإمام المنتظر (روحي فداه) على أهمية الزيارة الجامعة وزيارة عاشوراء.
7ـ البترية: فرقة من الزيدية كانت ترى الحق في علي (عليه السلام)، ولكنها كانت تتجه لتصحيح ما عمد إليه غامطي حقه نتيجة لغض نظره عنهم، وما في الرواية لا يشير إلى هؤلاء قطعاً، لعدم وجودهم في العراق، ولكن يبدو إن المقصود أن هؤلاء ممن يعتقد بالتشيع العام، ولكنه يخالف في خصوصيات المذهب، وما أكثرهم.
8ـ دلائل الإمامة: 456 ح435.
9ـ بحار الأنوار 52: 386 ح200.
10ـ المزار: 501 للشيخ محمد بن المشهدي (ت610) مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم 1419هـ.
11ـ حاول أحد أدعياء الضلال أن يستغل هذه العبارة لكي يطعن بكل الزيارة ويجردها من النسبة للإمام (بأبي وأمي) ومن ثم يسقطها في نظر الناس بالقول بأن خروج النساء ناشرات الشعور لا يعقل، لمحل الحرمة هنا، وكأن المشهد لا يفسر إلا بهذه الطريقة، في الوقت الذي كان بالإمكان وبسهولة القول بأن هذا الخروج إن أريد به أنهن تخلين عن الحجاب فيمكن أن يكون في محل لا يراهن راء من الأجانب كما في خيمة الإمام الحسين (بأبي وأمي) أو خيمة الصديقة الحوراء زينب (عليه السلام)، أو موضع الليل حيث كان العسكر قد ابتعد من مخيم النساء، أو يمكن تفسير الكلام على ظاهره، فيكون نشر الشعر على الخد دون إبرازه إلى العلن، ففي العادة لا تنشر النساء شعورهن على الخد، وإنما يوضع بطريقة وأخرى خلف الرأس أعلى الرقبة أو يظفر على شكل ظفائر، وحل الظفائر يؤدي إلى نشر الشعر.
12ـ المزار: 506.
13ـ المسح كساء من الشعر.
14ـ يفشأ: ينتشر.
15ـ الغائل والغائلة: الداهية.
16ـ سمت لمكروهة: أشار إليها.
17ـ البائقة: الداهية.
18ـ ويكم وويحكم بمعنى واحد إلا إن الأولى مصغرة للثانية.
19ـ الإسراء: 13.
20ـ غيبة الطوسي: 167ـ169 ح129، وكمال الدين وتمام انلعمة: 352ـ353 ب33 ح50 بفارق طفيف.
21ـ كمال الدين وتمام النعمة: 484 ب45 ح4، وغيبة الطوسي: 291 ح247..[/align]
الحلقة السابعة
أوضحت الروايات الشريفة التي أسلفنا ذكرها عن اليماني معالم المنهج الذي سيعتمده اليماني في تحركه للتمهيد للإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه)، وقد لاحظنا من قبل إن الروايات لم تتحدث عن شخص اليماني، وإنما تركّز الحديث فيه على منهجه، في الوقت الذي لاحظنا العكس حين تحدثت عن بقية الرايات فلقد تحدثت عن الاسم، وتحدثت أيضاً عن مواصفات شخصية،(1) ولكنها لم تول المسمّى شيئاً كثيراً، ولعل كونه (أهدى الرايات) هو السرّ في هذا الأمر، فالمهم هو هدى الراية، وحتى يكون المرء في موضع أهدى الرايات؛ عليه أن يتفحص محتوى الراية لا رجالها فقط، فالحق لا يعرف بالرجال، بل الرجال يعرفون بمحتواهم وبما تقترب فيه شخصياتهم من مواقف الحق.
والحديث عن منهج اليماني في التحرك للتمهيد للإمام (روحي فداه) على جانب كبير من الأهمية، فليس المهم بالنسبة للمنتظر (بكسر الظاء) أن يلتقي أو يتعرف باليماني، فهذا ليس من تكليفه، فقد يلتقيه وقد لا يلتقيه، ولكن المهم الذي يجب أن يلتفت إليه هو منهج اليماني في التعامل مع القضايا في ساحة الانتظار، لأن هذا المنهج يمثل (أهدى الرايات) وبالنتيجة فإن البحث عن التكليف العام في قضية التمهيد للإمام (صلوات الله عليه) يتمحور في اكتشاف هذا المنهج، لاسيما بالنسبة لمن يعيش في الساحة المرتقبة لليماني، فلا تغفل!
وبإمكاننا أن نتلمس من خلال الروايات معالم منهج اليماني والتي يمكن تأطيرها ضمن ما يلي:
أولاً: المحور العقائدي
مرت بنا روايتان واحدة تتحدث عن أن اليماني يتوالى علياً (صلوات الله عليه) والأخرى كونه يدعو إلى الإمام المنتظر (عجل الله فرجه)، ومع وضوح الأولى في المجال العقائدي، فإن الرواية الثانية تبرز عمق البعد العقائدي لدى اليماني، لأنه هنا يدمج ما بين الإطار الفكري للعقيدة، وما بين تجلياتها العملية في زمن الانتظار والمتمثلة بالدعوة للإمام (روحي فداه)، وإذ يتم تشخيص راية اليماني بأنها أهدى الرايات، فإن من المناسب أن نحاول أن نتلمس المحتوى العقائدي الذي يريده أئمة أهل البيت (عليهم صلوات الله وسلامه) لشيعتهم المنتظرين أن يحملوه من أفكار وما يتبنونه من قضايا المعتقد، والتي نعتقد إن اليماني سيركّز عليها طالما وإن تركيزه العقائدي منصب على الدعوة للإمام المهدي (صلوات الله عليه).
علاوة على الذخيرة العقائدية التي انطوت عليها أحاديث أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، فإن الإمام المنتظر (عليه السلام) ـ وكما هو دأب بقية الأئمة (عليهم السلام) ـ أكّد للثقافة الشعبية عبر عدد من التوصيات(2) جملة من المضامين العقائدية، والتي قد تطرح في صورتها المبسّطة للناس التي تسهل عليهم التقاط معينها، ولكن هذه البساطة حينما تطرح مضامينها في الأبحاث المعمّقة للعلماء فإنها قد تحتاج لمشقة خاصة لكي يستطيع العالم أن يسبر أغوارها، وهذا هو منهج أهل البيت (عليهم السلام) الذين يتكلمون بلغة مبسطة دونما تعقيد وبقدر ما يمكن لمستمعهم وساءلهم ومن يخاطبونه أن يستفيده منهم، ولكنها تفتح آفاقاً ضخمة لمن يريد الغوص في هذه المعاني وهو ما يوضحه قول الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): إنا معاشر الأنبياء أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم.(3)
وأستطيع أن أؤكد من خلال الروايات الخاصة بالإمام (روحي فداه) جملة من الأمور التي أراد الإمام بأبي وأمي التركيز عليها، ناهيك عن البنية العقائدية العامة للتشيع، ومن هذه الأمور:
أ ـ الاعتماد المطلق على الله سبحانه وتعالى، وحسن الاتكال عليه، وحسن الظن به، والإيمان المسؤول بالقضاء والقدر، بالشكل الذي يطلق الإرادة الإنسانية ويحررها من كل الأوثان والأصنام الفكرية والاجتماعية والسياسية التي يمكن أن تستفيد منها السياسة الطاغوتية بشكليها الإرهابي والإغرائي لتكبيل الإرادة الإنسانية أو توجيهها بالوجهة الضالة بعيداً عن الهداف الربانية التي أعدت للإنسان.
وهذا ما يتجلى في مساحة عريضة من دعاء الافتتاح المنسوب للإمام (روحي فداه)، ففي ثلث الدعاء الأول نلاحظ ضمن الأسلوب الرائع الذي يستخدمه الإمام المهدي (صلوات الله عليه) في تعرية الواقع الإنساني المفتقر في كل شيء إلى الله تعالى، والمتجرئ الصلف على الله تعالى، واللئيم في التعامل معه، بالرغم من كل أفضال الله عليه، ليضع هذه التعرية الموحشة أمام حقائق حسن الظن بالله والاتكال عليه والاعتماد عليه، ضمن صورة يبرز فيها جمال الله تعالى وجلاله وكماله وإحسانه للإنسان، ومنه قوله (صلوات الله عليه):
اللهم إن عفوك عن ذنبي، وتجاوزك عن خطيئتي، وصفحك عن ظلمي، وسترك على قبيح عملي، وحلمك عن كثير جرمي ـ عندما كان من خطئي وعمدي ـ أطمعني في أن أسألك ما لا استوجبه منك الذي رزقتني من رحمتك، وأريتني من قدرتك، وعرفتني من إجابتك، فصرت ادعوك آمنا، وأسألك مستأنساً، لا خائفاً ولا وجلاً، مدلاًّ عليك فيما قصدت فيه إليك، فإن أبطأ عني عتبت بجهلي عليك، ولعل الذي أبطأ عني هو خير لي لعلمك بعاقبة الأمور، فلم أر مولىً كريماً أصبر على عبد لئيم منك عليّ!! يا رب إنك تدعوني فأولّي عنك، وتتحبّب إلي فأتبغّض إليك، وتتودد إليّ فلا أقبل منك، كأن لي التطوّل عليك، فلم يمنعك ذلك من الرحمة لي والإحسان إلي والتفضّل عليّ بجودك وكرمك..(4) إلخ.
وهذا المحور إنما يتوخى تحرير الإرادة الإنسانية من إسار العبودية لغير الله، لان من شأن ذلك أن يحرر الإنسان من الخوف من كل ما يمكن للطاغوت أن يثيره أمامه، كما ويمنع الإنسان من أن يطغى في تعامله مع الآخرين، ويعطيه الكثير من القوة والزخم في الساحة التي تنتظره فيها استحقاقات غاية في الخطورة والألم والذي تشير إليه العشرات من الروايات التي تحدثت عما سيجري في أيام التمهيد وما قبله، ونفترض أن اليماني سيركّز على هذا المحور في بناء المجموعة التي يريدها أن تتخطى حواجز الإرهاب الذي سيسلّط على منتظري الإمام (بأبي وأمي) لكي تمهّد للإمام (عجل الله تعالى فرجه).
ب ـ الإيمان المطلق بإمامة أهل البيت (عليهم السلام)، ويبرز لنا حرص الإمام على تسمية معصومي أهل بيت العصمة والطهارة (عليهم السلام) واحداً واحداً من جهة في دعاء الافتتاح، والحث على البراءة من أعدائهم بالصورة التي يبرزها تأكيده على زيارة عاشوراء الشديد،(5) والسعي لتوضيح حقائق هذا الإيمان وتفاصيله الدقيقة بالصورة التي تبرز في الزيارة الجامعة، (6) والتحدّث عن إن الإمام (صلوات الله عليه) حينما سيقدم على العراق سيقتل أعداداً كبيرة من البترية(7) الذين ينقصون حق أهل البيت (صلوات الله عليهم) ويبترونه، كما ورد في الحديث: ويسير إلى الكوفة، فيخرج منها ستة عشر ألفاً من البترية، شاكّين في السلاح، قراء القرآن، فقهاء في الدين، قد قرّحوا جباههم، وشمّروا ثيابهم، وعمّهم النفاق وكلهم يقولون: يابن فاطمة ارجع لا حاجة لنا فيك، فيضع السيف فيهم.(8)
أقول: مثل هذا الحرص والتركيز من قبل الإمام (روحي فداه) لابد وإنه يبرز نمطاً واضحاً من البناء العقائدي المطلوب من قبل الإمام (عليه السلام)، ولهذا فإن من الطبيعي جداً أن يتبنى اليماني مثل هذه الخطوط بحذافيرها دون الاكتفاء بالعموميات، ويلتزم بها ويلزم خيله بها، لأن العموميات العقائدية لن تكون مميزة للخلّص من أصحاب الإمام المنتظر (روحي فداه) عمّن سواهم، بدليل أن الإمام سيتخذ من كثير ممن ينتسب للشيعة موقفاً متشدداً كما تتحدث عن ذلك الروايات الشريفة.
ج ـ من خلال ما يتواتر في الحديث الشريف بأن الإمام (صلوات الله عليه) سوف يبادر حال ظهوره لفتح ملف الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (صلوات الله عليها) ضمن تفاصيل عدة، ككشف حقيقة ما جرى للزهراء (صلوات الله عليها) وموضع قبرها إلى بقية التفاصيل المتعلقة بكل ما جرى عليها (بأبي وأمي)، وهنا لابد من أن يلتفت المهدويون إلى حقيقة إن أولويات الإمام المهدي (عليه السلام) يجب أن تمثل بالنسبة لهم محاور أساسية في أي منهج يتخذونه للتمهيد للإمام (صلوات الله عليه).
وحينما تكون قضية الزهراء (صلوات الله عليها) تمثل له أولوية خاصة بالشكل الذي نراه يثيرها في باكورة أعماله بعد الظهور رغم قدم القضية الزماني، بل بعض الروايات ربما أشارت إلى إن أول ما يبدأ به (صلوات الله عليه) هو فتح ملف الصديقة الزهراء (بأبي وأمي) وإثارته أمام العالم،(9) فإنها تثير في النفوس تساؤلات جمّة حول موضع هذه القضية تحديداً في المحور العقائدي للمنتظرين، فمن الطبيعي أن يلحظ المنتظر إن إعطاء هذه المسالة جانبها الحيوي في الأولويات الأولى لإمام غاب كل هذه الفترة، وجاء لكي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، لابد وأن يبرز حقيقة أهميتها في بناء الأسس العقائدية التي ستقوم عليها الأمة المنقذة للعالم والتي ستضطلع بمهمة إتباعه في معركة إسقاط الظلم والجور والقضاء عليه.
وعليه فمما لا شك فيه إن اليماني في حركته العقائدية سيجعل قضية الزهراء (صلوات الله عليها) وقضاياها الأساسية محوراً أساسياً في بناء تحركه العقائدي، يتميّز به عن عامة الناس، ويميّز خيله بذلك.
د ـ يبرز الإمام (صلوات الله عليه) اهتماماً بالغاً بقضية الإمام الحسين (عليه السلام) وفجيعته، ولعل ما سطّره الإمام المهدي في الزيارة المعروفة بالناحية هو أحد سمات ما يريده الإمام (أرواحنا فداه) من خاصة شيعته لكي يتبنونه عقائدياً ووجدانياً، وهو ما ينفعنا في تلمس ما يمكن القطع به بأن اليماني لا يمكن له أن يغفل مثل هذا التبني، لاسيما وأن الإمام المنتظر (روحي فداه) قد حرص على عكس عميق فجيعته بالإمام الحسين (عليه السلام) عبر زيارة الناحية المقدسة، وهذا الحرص علاوة على حقيقة فجيعة الإمام المهدي (بأبي وأمي) بجده الإمام الحسين (صلوات الله عليه) إلا إنه في نفس الوقت أراد له أن يصل إلى شيعته ومتبعيه، ليؤكد رغبة الإمام (عليه السلام) بالتزام شيعته بهذا المنهج في التعامل مع القضية الحسينية، ويبرز هنا موقفه بشكل جلي في العديد من نصوص الزيارة:
فلأندبنك صباحاً ومساءاً، ولأبكين عليك بدل الدموع دماً، حسرة عليك وتأسفاً على ما دهاك وتلهفاً، حتى أموت بلوعة المصاب وغصة الاكتئاب.(10)
وقال (عليه السلام): حتى نكسوك عن جوادك فهويت إلى الأرض جريحاً، تطأك الخيول بحوافرها، وتعلوك الطغاة ببواترها، قد رشح للموت جبينك، واختلفت بالانقباض والانبساط شمالك ويمينك، تدير طرفاً خفياً إلى رحلك وبيتك، وقد شغلت بنفسك عن ولدك وأهاليك، وأسرع فرسك شارداً إلى خيامك قاصداً محمحماً باكيا، فلما رأين النساء جوادك مخزياً، ونظرن سرجك عليه ملوياً، برزن من الخدور ناشرات الشعور على الخدود لاطمات الوجوه سافرات،(11) وبالعويل داعيات وبعد العز مذللات، وإلى مصرعك مبادرات، والشمر جالس على صدرك مولع بسيفه على نحرك، قابض على شيبتك بيده، ذابح لك بمهنده، قد سكنت حواسك وخفيت أنفاسك، ورفع على القنا رأسك، وسبي أهلك كالعبيد، وصفّدوا في الحديد، فوق أقتاب المطيات، تلفح وجوههم حر الهاجرات، يساقون في البراري والفلوات، أيديهم مغلولة إلى الأعناق، يطاف بهم في الأسواق، فالويل للعصاة الفسّاق، لقد قتلوا بقتلك الإسلام، وعطّلوا الصلاة والصيام، ونقضوا السنن والحكام... إلى أن يقول: فقام ناعيك عند قبر جدك الرسول (صلى الله عليه وآله) فنعاك إليه بالدمع الهطول قائلاً: يا رسول الله قتل سبطك وفتاك، واستبيح أهلك وحماك، وسبيت بعدك ذراريك، ووقع المحذور بعترتك وذويك، فانزعج الرسول وبكى قلبه المهول، وعزّاه بك الملائكة والأنبياء، وفجعت بك أمك الزهراء، واختلفت جنود الملائكة المقربين، تعزي أباك أمير المؤمنين، وأقيمت لك المآتم في أعلى عليين، ولطمت عليك الحور العين، وبكت السماء وسكانها والجنان وخزانها(12).
إن هذا النهج سيفرض سطوته على البنية العقائدية والوجدانية لجيش اليماني، وبموجبه سيتعامل مع كل أنماط إثارة الفجيعة على الإمام الحسين (عليه السلام) وسيأتي المزيد من ذلك في حديثنا عن المحور الوجداني والمعنوي.
هـ ـ لو لاحظنا جملة من أحاديث أئمة أهل البيت (عليهم السلام) بما فيهم حديث الإمام المهدي (صلوات الله عليه) عن نفس الإمام نجد ما هو أكثر من التعظيم والتمجيد، والحرص على إقامة رابطة خاصة وعلقة متميزة بين متبع نهجهم وبين الإمام (روحي فداه)، ولعل حديث الإمام الصادق (صلوات الله عليه) والذي يحدّث به سدير الصيرفي قال: دخلت أنا والمفضل بن عمر وداود بن كثير الرقي وأبو بصير وأبان بن تغلب على مولانا الصادق (عليه السلام) فرأيناه جالساً على التراب، وعليه مسح(13) خيبري مطرف بلا جيب مقصر الكمين، وهو يبكي بكاء الوالهة الثكلى ذات الكبد الحرى، قد نال الحزن من وجنتيه، وشاع التغيّر في عارضيه، وأبلى الدمع محجريه، وهو يقول: سيدي غيبتك نفت رقادي، وضيّقت عليّ مهادي، وابتزّت مني راحة فؤادي، سيدي غيبتك أوصلت مصائبي بفجائع الأبد، وفقد الواحد بعد الواحد بفناء الجمع والعدد، فما أحس بدمعة ترقأ من عيني وأنين يفشأ(14) من صدري.
قال سدير: فاستطارت عقولنا ولها, وتصدعت قلوبنا جزعا من ذلك الخطب الهائل والحادث الغائل,(15) فظننا أنه سمت لمكروهة قارعة,(16) أو حلت به من الدهر بائقة,(17) فقلنا: لا أبكى الله عينيك يابن خير الورى من أية حادثة تستذرف دمعتك, وتستمطر عبرتك؟ وأية حالة حتمت عليك هذا المأتم؟.
قال: فزفر الصادق (عليه السلام) زفرة انتفخ منها جوفه, واشتد منها خوفه فقال: ويكم(18) إني نظرت صبيحة هذا اليوم في كتاب الجفر المشتمل على علم البلايا والمنايا، وعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة، الذي خصّ الله تقدّس اسمه به محمداً والأئمة من بعده (عليهم السلام), وتأملت فيه مولد قائمنا (عليه السلام) وغيبته وإبطاءه وطول عمره وبلوى المؤمنين [من] بعده في ذلك الزمان, وتولد الشكوك في قلوب الشيعة من طول غيبته, وارتداد أكثرهم عن دينه, وخلعهم ربقة الإسلام من أعناقهم التي قال الله عزّ وجلّ: {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه}(19) يعني الولاية, فأخذتني الرقّة, واستولت عليّ الأحزان.(20)
وبنفس السياق نجد هذه العاطفة الملتهبة والمتأججة في دعاء الندبة كما في قوله (عليه السلام):
ليت شعري أين استقرّت بك النّوى، بل ايّ ارض تقلّك أو ثرى، أبرضوى أو غيرها أم ذي طوى، عزيزٌ عليّ أن أرى الخلق ولا ترى ولا اسمع لك حسيساً ولا نجوى، عزيزٌ عليّ أن (لا تحيط بي دونك) تحيط بك دوني البلوى ولا ينالك منّي ضجيجٌ ولا شكوى، بنفسي أنت من مغيّبٍ لم يخل منّا، بنفسي أنت من نازحٍ ما نزح عنّا، بنفسي أنت أمنيّة شائقٍ يتمنّى، من مؤمن ومؤمنةٍ ذكرا فحنّا، بنفسي أنت من عقيد عزٍّ لا يسامى، بنفسي أنت من أثيل مجدٍ لا يجارى، بنفسي أنت من تلاد نعمٍ لا تضاهى، بنفسي أنت من نصيف شرف لا يساوى، إلى متى أحار فيك يا مولاي والى متى، وأيّ خطابٍ أصف فيك وأيّ نجوى، عزيزٌ عليّ أن أجاب دونك وأناغى، عزيزٌ عليّ أن أبكيك ويخذلك الورى، عزيزٌ عليّ أن يجري عليك دونهم ما جرى، هل من معينٍ فأطيل معه العويل والبكاء، هل من جزوعٍ فأساعد جزعه إذا خلا، هل قذيت عينٌ فساعدتها عيني على القذى، هل إليك يا بن احمد سبيلٌ فتلقى، هل يتّصل يومنا منك بعدةٍ فنحظى، متى نرد مناهلك الرّويّة فنروى، متى ننتقع من عذب مائك فقد طال الصّدى، متى نغاديك ونراوحك فنقرّ عيناً (فتقر عيوننا)، متى ترانا ونراك وقد نشرت لواء النّصر ترى، أترانا نحفّ بك وأنت تامّ الملا وقد ملأت الأرض عدلاً وأذقت أعداءك هواناً وعقاباً، وأبرت العتاة وجحدة الحقّ، وقطعت دابر المتكبّرين، واجتثثت أصول الظّالمين، ونحن نقول الحمد لله ربّ العالمين.
ونظير هذه المواقف كثير، وهي وإن أخذت منحى الدعاء والموقف العاطفي، إلا إن وجهها الآخر مرتبط بجانب عقائدي يراد تركيز آثاره العملية في المحتوى الداخلي للمنتظرين، ومنه يراد إنشاء علقة خاصة بالإمام (عجل الله تعالى فرجه) بحيث يكون هو القيمة الأعظم في الوجود بالنسبة لمريديه، وهذا ما يمكن لنا أن نتأمل من خلاله طبيعة التثقيف الذي سيعمد إليه اليماني الموعود لجنده وخيله.
و ـ لن يفوت اليماني ما طرحه الإمام المنتظر (روحي فداه) في شأن المرجعية الشرعية في غيبة الإمام (صلوات الله عليه)، ولهذا فإنه حتماً سيضع الحديث الشريف الوارد في توقيع الإمام المنتظر (بأبي وأمي) الذي يرويه الشيخ محمد بن عثمان العمري (رضوان الله تعالى عليه): وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم.(21)
وهذا الحديث الذي لا يمكن لكل مهدوي أن يغفله أو يتهاون في شأنه، سيكون حجر الزاوية في طبيعة المنهج العقائدي والفكري الذي سيلتزم به اليماني ويلزم به جيشه وجنده، ولهذا لابد وأن نجد اليماني لصيقاً في بنية المرجعية الدينية، ولهذا فهو إما من أهل الشأنية العلمية العالية بحيث توصله إلى مقام المرجعية، وهو مما لا نجد دليلاً قوياً عليه في الروايات، لأن الرجل لا يشار إلى علمه في الروايات، رغم إن حديث الإمام (صلوات الله عليه) عن مواصفاته تبرز أن العلم الذي لديه علماً صافياً يمكن الركون إليه، بحيث أشار إلى أنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم،
وإما أن يكون تابعاً وفياً للمرجعية الدينية التي تتمثل الخط الهادي لمدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، ليكون حديث الإمام المتقدم عن وجوب نصرته وعدم الالتواء عليه مستمد من تبعيته وطاعته للمرجعية، وان تصرفاته لا تخرج من طوع المرجعية الدينية.
يتبع بإذن الله
ــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش:
ــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ كما هو الحال في حديث الروايات الشريفة عن شعيب بن صالح أو الخراساني مثلاً، فالخراساني على سبيل المثال يوصف بأنه شاب من بني هاشمي في يده اليمنى خال، وأمثال هذه الأمور التي تركّز على شخصه، لا على منهجه، وهذا يعود لأسباب لا تقلل من قيمة الخراساني بالتأكيد، وإنما قسم منه يعود بالتأكيد على طريقة التعامل مع الجانب الأمني لكلا الشخصيتين، ففيما أريد للأول أن يكون بمنأى عن الخطر بسبب ظروف برنامجه ومحيطه الأمني، لم نلحظ هذا القلق في الثاني لاعتبارات تعود فيما يبدو لقلة الخطر عليه قياسا للأول، ولكن نفس التركيز على المنهج يعطي للمنهج أهميته الخاصة بالنسبة لكونه أهدى الرايات، لأن هذا المنهج سيكون هو أحسن السبل لعشّاق المهدي في ساحة اليماني المكانية والزمانية لكي يسلكوه.
2ـ يمكن لنا أن ننظر إليها في دعاء الافتتاح أو الزيارة الجامعة أو زيارة عاشوراء أو ما شاكل من الأمور التي ركّز الإمام المنتظر في الطلب من الشيعة أن يهتموا بها في زمن الغيبة.
3ـ الكافي 1: 23 ح15.
4ـ للتفصيل يمكن الرجوع إلى أحاديثنا في شرح دعاء الافتتاح في جامع براثا، وهي موجود صوتياً في موقع الجامع على الأنترنيت، ولعلنا نوفق لطبعها عما قريب.
5ـ من الواضح لمن يقرأ زيارة عاشوراء الواردة عن الإمام الصادق (عليه السلام) حجم التركيز فيها على البراءة من أعداء أهل البيت (عليهم السلام) وطبيعة الوضوح فيه.
6ـ في الرؤيا المشهورة للحاج علي البغدادي والتي يذكرها الشيخ عباس القمي في المفاتيح يبرز لنا تأكيد الإمام المنتظر (روحي فداه) على أهمية الزيارة الجامعة وزيارة عاشوراء.
7ـ البترية: فرقة من الزيدية كانت ترى الحق في علي (عليه السلام)، ولكنها كانت تتجه لتصحيح ما عمد إليه غامطي حقه نتيجة لغض نظره عنهم، وما في الرواية لا يشير إلى هؤلاء قطعاً، لعدم وجودهم في العراق، ولكن يبدو إن المقصود أن هؤلاء ممن يعتقد بالتشيع العام، ولكنه يخالف في خصوصيات المذهب، وما أكثرهم.
8ـ دلائل الإمامة: 456 ح435.
9ـ بحار الأنوار 52: 386 ح200.
10ـ المزار: 501 للشيخ محمد بن المشهدي (ت610) مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم 1419هـ.
11ـ حاول أحد أدعياء الضلال أن يستغل هذه العبارة لكي يطعن بكل الزيارة ويجردها من النسبة للإمام (بأبي وأمي) ومن ثم يسقطها في نظر الناس بالقول بأن خروج النساء ناشرات الشعور لا يعقل، لمحل الحرمة هنا، وكأن المشهد لا يفسر إلا بهذه الطريقة، في الوقت الذي كان بالإمكان وبسهولة القول بأن هذا الخروج إن أريد به أنهن تخلين عن الحجاب فيمكن أن يكون في محل لا يراهن راء من الأجانب كما في خيمة الإمام الحسين (بأبي وأمي) أو خيمة الصديقة الحوراء زينب (عليه السلام)، أو موضع الليل حيث كان العسكر قد ابتعد من مخيم النساء، أو يمكن تفسير الكلام على ظاهره، فيكون نشر الشعر على الخد دون إبرازه إلى العلن، ففي العادة لا تنشر النساء شعورهن على الخد، وإنما يوضع بطريقة وأخرى خلف الرأس أعلى الرقبة أو يظفر على شكل ظفائر، وحل الظفائر يؤدي إلى نشر الشعر.
12ـ المزار: 506.
13ـ المسح كساء من الشعر.
14ـ يفشأ: ينتشر.
15ـ الغائل والغائلة: الداهية.
16ـ سمت لمكروهة: أشار إليها.
17ـ البائقة: الداهية.
18ـ ويكم وويحكم بمعنى واحد إلا إن الأولى مصغرة للثانية.
19ـ الإسراء: 13.
20ـ غيبة الطوسي: 167ـ169 ح129، وكمال الدين وتمام انلعمة: 352ـ353 ب33 ح50 بفارق طفيف.
21ـ كمال الدين وتمام النعمة: 484 ب45 ح4، وغيبة الطوسي: 291 ح247..[/align]
-
- مـشـرفـة
- مشاركات: 6215
- اشترك في: الخميس يوليو 31, 2008 2:53 pm
Re: اليماني --- أهدى الرايات
[font=Traditional Arabic]بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد
جزاك الله كل خير على الحلقات المباركة
لقد توقفت عن الحلقة الخامسة من البحث و سأتابع البحث عن اقرب فرصة
بحث مميز و مجهود رائع
اشكرك[/font]
اللهم صل على محمد وال محمد
جزاك الله كل خير على الحلقات المباركة
لقد توقفت عن الحلقة الخامسة من البحث و سأتابع البحث عن اقرب فرصة
بحث مميز و مجهود رائع
اشكرك[/font]
-
- الـمـديـر التـنـفـيـذي
- مشاركات: 1247
- اشترك في: الخميس أغسطس 14, 2008 5:07 am
Re: اليماني --- أهدى الرايات
[align=center]الحلقة الثامنة
ثانياً: المحور الوجداني والمعنوي
إن ما أشرنا إليه من الالتزامات العقائدية تضفي بدورها العملي في الواقع الوجداني والمعنوي لليماني الموعود وخيله، ولهذا فإن المحتوى الوجداني والمعنوي لليماني وجيشه سيتمحور على أحقية أهل البيت (عليهم السلام) ومظلوميتهم، وسيدفع بالأوضاع الوجدانية لمخاطبيهم إلى درجتها العالية بحيث يكون حقّ أهل البيت (صلوات الله عليهم) هو مبتغاهم، ولعل هذا العبد الصالح سيركز على قضية الزهراء الشهيدة والإمام الحسين (صلوات الله عليهما) بعنوانهما محوران رئيسيان في تعبئة القاعدة الجماهيرية، لاسيما وإن التجربة السابقة له كشفت له عن عظمة الإمكانات المتاحة في هاتين القضيتين لغرض تعبئة الأمة، ولعل هذه هي إحدى مرتكزات الهداية في رايته، فتعبئته للأمة لا تعتمد على معايير وطنية أو جغرافية أو ما شاكل، وإنما تقوم تعبئته على معايير الهداية نفسها متخذاً من مظلومية أهل البيت (بأبي وأمي) محوراً أساسياً لذلك.
وهنا نلفت الانتباه إلى إن قضية الإمام (روحي فداه) حينما تلعب فيها التعبئة دوراً أساسياً، وحين تحتاج التعبئة إلى الحيوية المطلوبة التي تبقي قضية الانتظار حاضرة دائماً في وسط الأمة، ومطلوبة دائماً من قبل المظلومين، في وسط تتعرض فيه قواعد الانتظار إلى ابتلاءات سياسية وأمنية في غاية الشدة كما وصفتها العشرات من الروايات الشريفة،(1) فإنها ـ ومما لا ريب ـ ستكون بحاجة لآليات تبقي فيها جذوة الأمل لدى هذه القواعد من جهة، وتشعل فيها مشاعل الغضب من ناحية ثانية، وتوجهها نحو الهدف المطلوب من ناحية ثالثة، وفي نفس الوقت لا تدفع الأمة بشكل متقحّم في صراع مع الظالمين في وقت لا تتمكن فيه من الصراع، بالشكل الذي يمكن معه القضاء على هذه القواعد أو حرق إمكاناتها وطاقاتها واستنزافها قبل حيان القطاف، ولهذا فإن هذه الآليات يجب أن تكون فيها من مزايا العفوية والاسترسال والبساطة(2) ما من شأنه أن يجعل محاربتها من قبل أعداء المنتظرين يكبّد هؤلاء الأعداء خسائر تعبوية كبيرة، لأنهم سيدخلون في معركة ليس من الصعب على الأمة إدراك مغازيها ومآربها، مما يجعلها أكفأ في إدارة المعركة لصالحها، وفي نفس الوقت يمكن لاستخدام هذه الآليات أن يضاعف من وعي الأمة ويسرّع من تكامل هذا الوعي، سواء حوربت من قبل أعداء الأمة أو جزع أمامها الأعداء، ومن يرقب حركة أهل البيت (صلوات الله عليهم) وطبيعة ما تركوه من آليات إثارة الحزن عليهم، وإبقاء حرارة المظلومية التي عانوا منها حاضرة في قلوب محبيهم، يكتشف إن هذه الآليات فيها من مزايا البساطة والعفوية والاسترسال ما من شأنه لو حورب من قبل أعدائهم فإنه سيسرّع من فهم الأمة لهذه المظلومية،(3) ولو ترك لأدى نفس الغرض، مما جعل عالم ومؤرخ الاجتماع السياسي الإسلامي يعرف تماماً إن اضطراب أعداء أهل البيت في قبال هذه الآليات اتسم دوماً بالاضطراب، فمرة تحارب بشكل قمعي شرس، وأخرى تترك للأمة بحرية يعبر عن تخبط وحيرة في طبيعة الموقف منها، فهي إن تركت تكويهم وإن حاربوها تكويهم!! وهي في كل الحالات كانت تعود بثمار كبيرة لمدرسة أهل البيت (صلوات الله عليهم).
وفوق ذلك فهي من البساطة بمكان بحيث لا يحتاج إدراك صورتها الأولى إلى جهود علمية مضنية، بل هي من البساطة بحيث لها القابلية الهائلة في كسب الشارع الشعبي البسيط جداً، وهي من العمق بمكان بحيث تجعل النخبة الاجتماعية بكل ألوانها وأنماطها تعتمدها أيضاً وتخضع لإشعاعاتها وتمتثل لإيحاءاتها وتقبل عليها،(4) ومن هنا نلحظ سعة انتشار هذه الأساليب وعمق تأثيرها في كل الشرائح الاجتماعية، سيان في ذلك البسيطة منها والمعقدة، والعالمة والجاهلة، والكبيرة والصغيرة، والغنية والفقيرة، فالكل يتأثر بها، والكل يشارك بفعالياتها.
وعليه فإن مثل هذه الآليات التي نعرف نماذجاً لها في شعارات الحسين (صلوات الله عليه) وما يماثلها،(5) لابد وإنها ستحتل جانباً مهماً من الآليات التي سيعتمدها اليماني الموعود ويتبناها من أجل تعبئة الأمة، فهي فضلاً عن ارتباطها الوثيق في الجانب العقائدي الذي يسعى لتمكينه في قاعدته الجماهيرية، إلا إنها في نفس الوقت أثبتت من الناحية العملية قدرة هائلة في تعبئة شيعة أهل البيت (عليهم السلام) لاسيما في العراق، على الرغم من شدة العنت الذي تعرض له العراقيون، وشدة وطأة القمع والإرهاب الذي مورس ضد انتماءاتهم العقائدية وحرصهم على التمسك بشرعة أهل البيت (عليهم السلام).
وثمة أمر آخر يمكن ملاحظته في بعض النصوص، وهو حمل همّ شيعة أهل البيت (صلوات الله عليهم) والعمل من أجل خلاصهم، ففي خطبة طويلة منسوبة للإمام أمير المؤمنين (عليه سلام الله) بعد أن يتحدث عن المجازر والفظائع التي يرتكبها جيش السفياني في الكوفة وبغداد يقول: فبينما هم على ذلك، إذ أقبلت خيل اليماني والخراساني يستبقان كأنهما فرسي رهان إلى أن يقول: لا خير في مجلسنا بعد يومنا هذا، اللهم فإنا التائبون.(6)
ومع الرواية الشريفة التي أشارت إلى إنه: لا يدعو إلا إلى الحق، وإلى صراط مستقيم، يبدو إن العبد الصالح، يعتبر التشيع هو الأولوية في قبال أية اعتبارات أخرى وطنية كانت أو سياسية، فهذه الاعتبارات كثيرا ما تعتبر نسبية، وبالتالي يعمل فيها الإنسان بمقتضى ما يراه من المصالح، ولكن هذا العبد الصالح من خلال هاتين الروايتين، يعتبر إن المقياس في مثل هذه الاعتبارات هو التشيع وقاعدته، ولهذا لا نجده يعبّر عن انتهاك السفياني لأرض العراق بمثل ما عبّر حينما اطلع على فظائعه في بغداد والكوفة، ولهذا فإن تثقيفه لخيله وتعبئته الوجدانية والمعنوية لجنده إنما تتسم بخطاب الخصوصية الشيعية وتنمية وعي الذات، لا بخطاب العمومية العراقية أو الإسلامية، لاسيما وإن الذي يلوح في جيش السفياني أنه سيكون مختنقاً في شدة عدائه لأهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم، فجيش السفياني وإن بدا وكأنه غزوة سياسية وعسكرية مثلها مثل أي غزو مماثل، إلا إن سياق الروايات وصريحها يشير إلى إن تعبئته الوجدانية ستقوم على أساس إثارة الأحقاد والإحن ضد عقيدة أهل البيت ومن يتشيع لها، وإلا لما تحدثت الروايات عن شديد فظائعه بحق هؤلاء، وهذه الفظائع حينما ترقب بشكل دقيق تجدها أنها تسفر عن حقد دفين في قلوب القوم ضد شيعة أهل البيت (صلوات الله عليهم).
وبناء عليه فإن المتصوّر إن معالم هذا التحرك سيسلط الجهد باتجاه محطتين رئيسيتين هما:
الأولى: وعي الذات الشيعية، بالشكل الذي سيجعله يركّز على نمط من التثقيف والتسييس الذي من شأنه أن يثير في الشيعة حالة الوعي لميزاتهم وحقوقهم ومظلوميتهم، ولعل الحاجة لهذا الأمر ستكون شديدة بسبب ما يتخلف على هؤلاء من آثار الظلم والطغيان الذي يسلّط عليهم على روحياتهم لتعيش الكبت الداخلي والإحباط وسرعة الملل من الحلول التي تطرح عليهم، وبإمكان ما نراه اليوم في الساحة العراقية أن يقرّب لنا هذه الصورة، فالمجتمع العراقي الذي خرج من سني حكم المجرم صدام، خرج وهو يحمل كتلة هائلة من أعراض وأمراض فترة الديكتاتورية، ومن السهولة اكتشاف إن هذا المجتمع لا يعي ذاته وميزاته بالصورة المطلوبة، وبالشكل الذي جعله ـ ولا زال ـ يعيش حالة مزرية من الإحباط وعدم الثقة بالنفس وعدم الاطمئنان وسوء الظن وما إلى ذلك من الأمراض المعتادة في الأنظمة الديكتاتورية.
الثانية: بناء الذات
يتبع إن شاء الله تعالى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) أثار أهل البيت (صلوات الله عليهم) في عدد غير قليل من الروايات مسألة تعرّض المؤمنين لأنواع ثقيلة من الابتلاءات والمصائب، مما جعل كل واحد منهم يضع في حسبانه أن يتعرّض لذلك، ولكن هذا التعرّض بما يفترضه من انعكاسات سلبية على البعض ممن سيتعرض له، يحتاج إلى تلك الآليات التي طرحناها في المتن بالشكل الذي يجعل وطأة هذه الابتلاءات ليست بالثقل الذي لا يتمكن المؤمن من أن يحتويه ويجاريه، ومن جملة هذه الروايات الشريفة ما نقله عبد الله بن أبي يعفور عن الإمام الصادق (سلام الله عليه): لا بد للناس من أن يمحّصوا ويميّزوا ويغربلوا، ويخرج مع الغربال خلق كثير (غيبة النعماني: 212 ب12 ح7).
وما روى أبو بصير عن الإمام الباقر (صلوات الله عليه) أنه قال: والله لتميّزنّ، والله لتمحّصنّ، والله لتغربلنّ كما يغربل الزؤان من القمح. (غيبة النعماني: 213 ب12 ح8) والزؤان حب ينبت مع القمح وهو ليس منه.
وقول الباقر من آل محمد (عليه وعليهم السلام): لتمحصّنّ يا شيعة آل محمد تمحيص الكحل في العين، وإن صاحب العين يدري متى يقع الكحل في عينه، ولا يعلم متى يخرج منها، وكذلك يصبح الرجل على شريعة من أمرنا، ويمسي وقد خرج منها، ويمسي على شريعة من أمرنا، ويصبح وقد خرج منها. (غيبة النعماني: 214 ب12 ح12).
2) يمكن التأمل في واحدة من العبر من مدرسة الإمام السجاد (عليه السلام)، فالإمام الخارج من معركة كربلاء بكل إسقاطاتها الأمنية والسياسية والتي تبلور قسم منها بشعار الأمويين في معركة كربلاء: اقتلوهم ولا تبقوا لأهل هذا البيت باقية!!، ورغم الحصار الشديد الذي فرض على الإمام (صلوات الله عليه) من قبل السلطة الحاكمة بحيث كانت تحصي عليه الأنفاس، من أجل منعه وعزله عن القواعد الشعبية، إلا إنه استطاع أن يفك هذا الحصار ويتواصل بشكل فعّال مع الأمة ويعمل على تحقيق برامجه من خلال استخدام الطرق التي لا توحي للسلطة الحاكمة بغير الاسترسال والعفوية، من خلال عملية شراء العبيد وعتق رقابهم، فهذه العملية التي يسجلها الكثير من المراقبين بأنها كانت حركة تدخل في مجالات التقرب إلى الله والزهد في الحياة وما أشبه ذلك، إلا إن حقيقتها إنها كانت عملية استغلال هذا النوع من شراء الرقاب لإدخالهم بشكل عفوي إلى دار الإمام (صلوات الله عليه) بعنوانهم عبيداً، ولكن عملية الإدخال هذه سرعان ما أعربت عن تحول البيت إلى معهد لإعداد الكوادر، بالشكل الذي سنجد إن ألف رقبة أعتقها الإمام (عليه السلام) كما يروي الرواة، تحولت بالخفاء إلى تخريج المئات من الكوادر وإطلاقهم في فضاء الأمة، ولهذا نجد إن عدداً منهم قد تحوّل إلى كبار العلماء كأبي خالد الكابلي ونظرائه، والبعض الآخر تمكن من أن يخطو خطوات جادة في القاعدة التي استخدمها الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام) لإطلاق مشروع فقه آل محمد (صلوات الله عليهم) وعلومهم.
3) بإمكان المراقب هنا أن يتأمل في الشعارات التي طرحتها الأمة في قبال هذه المحاولات، كشعار: لو قطعوا أرجلنا واليدين نأتيك زحفاً سيدي يا حسين، أو أبد والله يا زهراء ما ننسى حسينا، أو أبد والله ما ننسى حسينا وأمثال هذه الشعارات التي اشتعل بها وجدان الأمة بما لم يشعله أي شعار آخر، وأسهمت بشكل جذري في حركة وعي مأساة أهل البيت (عليهم السلام).
4) وهذا هو السر الذي يجعلنا نرى مواكب الحسين (عليه السلام) ومجالسه على سبيل المثال يقصدها البسيط من الناس والمرجع العالم منهم، والتلميذ والاستاذ الجامعي، والمرأة والرجل، والطفل والكبير، وبالرغم من اشتراكهم في مكان واحد ولربما في ممارسة واحدة إلا إن كل واحد منهم ينهل بمقدار علمه منه.
5) فصلنا الحديث عن ذلك في كتابنا: دور الوجدان في حركة الأمة (الشعار الحسيني نموذجاً).
6) بحار الأنوار 52: 274.[/align]
ثانياً: المحور الوجداني والمعنوي
إن ما أشرنا إليه من الالتزامات العقائدية تضفي بدورها العملي في الواقع الوجداني والمعنوي لليماني الموعود وخيله، ولهذا فإن المحتوى الوجداني والمعنوي لليماني وجيشه سيتمحور على أحقية أهل البيت (عليهم السلام) ومظلوميتهم، وسيدفع بالأوضاع الوجدانية لمخاطبيهم إلى درجتها العالية بحيث يكون حقّ أهل البيت (صلوات الله عليهم) هو مبتغاهم، ولعل هذا العبد الصالح سيركز على قضية الزهراء الشهيدة والإمام الحسين (صلوات الله عليهما) بعنوانهما محوران رئيسيان في تعبئة القاعدة الجماهيرية، لاسيما وإن التجربة السابقة له كشفت له عن عظمة الإمكانات المتاحة في هاتين القضيتين لغرض تعبئة الأمة، ولعل هذه هي إحدى مرتكزات الهداية في رايته، فتعبئته للأمة لا تعتمد على معايير وطنية أو جغرافية أو ما شاكل، وإنما تقوم تعبئته على معايير الهداية نفسها متخذاً من مظلومية أهل البيت (بأبي وأمي) محوراً أساسياً لذلك.
وهنا نلفت الانتباه إلى إن قضية الإمام (روحي فداه) حينما تلعب فيها التعبئة دوراً أساسياً، وحين تحتاج التعبئة إلى الحيوية المطلوبة التي تبقي قضية الانتظار حاضرة دائماً في وسط الأمة، ومطلوبة دائماً من قبل المظلومين، في وسط تتعرض فيه قواعد الانتظار إلى ابتلاءات سياسية وأمنية في غاية الشدة كما وصفتها العشرات من الروايات الشريفة،(1) فإنها ـ ومما لا ريب ـ ستكون بحاجة لآليات تبقي فيها جذوة الأمل لدى هذه القواعد من جهة، وتشعل فيها مشاعل الغضب من ناحية ثانية، وتوجهها نحو الهدف المطلوب من ناحية ثالثة، وفي نفس الوقت لا تدفع الأمة بشكل متقحّم في صراع مع الظالمين في وقت لا تتمكن فيه من الصراع، بالشكل الذي يمكن معه القضاء على هذه القواعد أو حرق إمكاناتها وطاقاتها واستنزافها قبل حيان القطاف، ولهذا فإن هذه الآليات يجب أن تكون فيها من مزايا العفوية والاسترسال والبساطة(2) ما من شأنه أن يجعل محاربتها من قبل أعداء المنتظرين يكبّد هؤلاء الأعداء خسائر تعبوية كبيرة، لأنهم سيدخلون في معركة ليس من الصعب على الأمة إدراك مغازيها ومآربها، مما يجعلها أكفأ في إدارة المعركة لصالحها، وفي نفس الوقت يمكن لاستخدام هذه الآليات أن يضاعف من وعي الأمة ويسرّع من تكامل هذا الوعي، سواء حوربت من قبل أعداء الأمة أو جزع أمامها الأعداء، ومن يرقب حركة أهل البيت (صلوات الله عليهم) وطبيعة ما تركوه من آليات إثارة الحزن عليهم، وإبقاء حرارة المظلومية التي عانوا منها حاضرة في قلوب محبيهم، يكتشف إن هذه الآليات فيها من مزايا البساطة والعفوية والاسترسال ما من شأنه لو حورب من قبل أعدائهم فإنه سيسرّع من فهم الأمة لهذه المظلومية،(3) ولو ترك لأدى نفس الغرض، مما جعل عالم ومؤرخ الاجتماع السياسي الإسلامي يعرف تماماً إن اضطراب أعداء أهل البيت في قبال هذه الآليات اتسم دوماً بالاضطراب، فمرة تحارب بشكل قمعي شرس، وأخرى تترك للأمة بحرية يعبر عن تخبط وحيرة في طبيعة الموقف منها، فهي إن تركت تكويهم وإن حاربوها تكويهم!! وهي في كل الحالات كانت تعود بثمار كبيرة لمدرسة أهل البيت (صلوات الله عليهم).
وفوق ذلك فهي من البساطة بمكان بحيث لا يحتاج إدراك صورتها الأولى إلى جهود علمية مضنية، بل هي من البساطة بحيث لها القابلية الهائلة في كسب الشارع الشعبي البسيط جداً، وهي من العمق بمكان بحيث تجعل النخبة الاجتماعية بكل ألوانها وأنماطها تعتمدها أيضاً وتخضع لإشعاعاتها وتمتثل لإيحاءاتها وتقبل عليها،(4) ومن هنا نلحظ سعة انتشار هذه الأساليب وعمق تأثيرها في كل الشرائح الاجتماعية، سيان في ذلك البسيطة منها والمعقدة، والعالمة والجاهلة، والكبيرة والصغيرة، والغنية والفقيرة، فالكل يتأثر بها، والكل يشارك بفعالياتها.
وعليه فإن مثل هذه الآليات التي نعرف نماذجاً لها في شعارات الحسين (صلوات الله عليه) وما يماثلها،(5) لابد وإنها ستحتل جانباً مهماً من الآليات التي سيعتمدها اليماني الموعود ويتبناها من أجل تعبئة الأمة، فهي فضلاً عن ارتباطها الوثيق في الجانب العقائدي الذي يسعى لتمكينه في قاعدته الجماهيرية، إلا إنها في نفس الوقت أثبتت من الناحية العملية قدرة هائلة في تعبئة شيعة أهل البيت (عليهم السلام) لاسيما في العراق، على الرغم من شدة العنت الذي تعرض له العراقيون، وشدة وطأة القمع والإرهاب الذي مورس ضد انتماءاتهم العقائدية وحرصهم على التمسك بشرعة أهل البيت (عليهم السلام).
وثمة أمر آخر يمكن ملاحظته في بعض النصوص، وهو حمل همّ شيعة أهل البيت (صلوات الله عليهم) والعمل من أجل خلاصهم، ففي خطبة طويلة منسوبة للإمام أمير المؤمنين (عليه سلام الله) بعد أن يتحدث عن المجازر والفظائع التي يرتكبها جيش السفياني في الكوفة وبغداد يقول: فبينما هم على ذلك، إذ أقبلت خيل اليماني والخراساني يستبقان كأنهما فرسي رهان إلى أن يقول: لا خير في مجلسنا بعد يومنا هذا، اللهم فإنا التائبون.(6)
ومع الرواية الشريفة التي أشارت إلى إنه: لا يدعو إلا إلى الحق، وإلى صراط مستقيم، يبدو إن العبد الصالح، يعتبر التشيع هو الأولوية في قبال أية اعتبارات أخرى وطنية كانت أو سياسية، فهذه الاعتبارات كثيرا ما تعتبر نسبية، وبالتالي يعمل فيها الإنسان بمقتضى ما يراه من المصالح، ولكن هذا العبد الصالح من خلال هاتين الروايتين، يعتبر إن المقياس في مثل هذه الاعتبارات هو التشيع وقاعدته، ولهذا لا نجده يعبّر عن انتهاك السفياني لأرض العراق بمثل ما عبّر حينما اطلع على فظائعه في بغداد والكوفة، ولهذا فإن تثقيفه لخيله وتعبئته الوجدانية والمعنوية لجنده إنما تتسم بخطاب الخصوصية الشيعية وتنمية وعي الذات، لا بخطاب العمومية العراقية أو الإسلامية، لاسيما وإن الذي يلوح في جيش السفياني أنه سيكون مختنقاً في شدة عدائه لأهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم، فجيش السفياني وإن بدا وكأنه غزوة سياسية وعسكرية مثلها مثل أي غزو مماثل، إلا إن سياق الروايات وصريحها يشير إلى إن تعبئته الوجدانية ستقوم على أساس إثارة الأحقاد والإحن ضد عقيدة أهل البيت ومن يتشيع لها، وإلا لما تحدثت الروايات عن شديد فظائعه بحق هؤلاء، وهذه الفظائع حينما ترقب بشكل دقيق تجدها أنها تسفر عن حقد دفين في قلوب القوم ضد شيعة أهل البيت (صلوات الله عليهم).
وبناء عليه فإن المتصوّر إن معالم هذا التحرك سيسلط الجهد باتجاه محطتين رئيسيتين هما:
الأولى: وعي الذات الشيعية، بالشكل الذي سيجعله يركّز على نمط من التثقيف والتسييس الذي من شأنه أن يثير في الشيعة حالة الوعي لميزاتهم وحقوقهم ومظلوميتهم، ولعل الحاجة لهذا الأمر ستكون شديدة بسبب ما يتخلف على هؤلاء من آثار الظلم والطغيان الذي يسلّط عليهم على روحياتهم لتعيش الكبت الداخلي والإحباط وسرعة الملل من الحلول التي تطرح عليهم، وبإمكان ما نراه اليوم في الساحة العراقية أن يقرّب لنا هذه الصورة، فالمجتمع العراقي الذي خرج من سني حكم المجرم صدام، خرج وهو يحمل كتلة هائلة من أعراض وأمراض فترة الديكتاتورية، ومن السهولة اكتشاف إن هذا المجتمع لا يعي ذاته وميزاته بالصورة المطلوبة، وبالشكل الذي جعله ـ ولا زال ـ يعيش حالة مزرية من الإحباط وعدم الثقة بالنفس وعدم الاطمئنان وسوء الظن وما إلى ذلك من الأمراض المعتادة في الأنظمة الديكتاتورية.
الثانية: بناء الذات
يتبع إن شاء الله تعالى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) أثار أهل البيت (صلوات الله عليهم) في عدد غير قليل من الروايات مسألة تعرّض المؤمنين لأنواع ثقيلة من الابتلاءات والمصائب، مما جعل كل واحد منهم يضع في حسبانه أن يتعرّض لذلك، ولكن هذا التعرّض بما يفترضه من انعكاسات سلبية على البعض ممن سيتعرض له، يحتاج إلى تلك الآليات التي طرحناها في المتن بالشكل الذي يجعل وطأة هذه الابتلاءات ليست بالثقل الذي لا يتمكن المؤمن من أن يحتويه ويجاريه، ومن جملة هذه الروايات الشريفة ما نقله عبد الله بن أبي يعفور عن الإمام الصادق (سلام الله عليه): لا بد للناس من أن يمحّصوا ويميّزوا ويغربلوا، ويخرج مع الغربال خلق كثير (غيبة النعماني: 212 ب12 ح7).
وما روى أبو بصير عن الإمام الباقر (صلوات الله عليه) أنه قال: والله لتميّزنّ، والله لتمحّصنّ، والله لتغربلنّ كما يغربل الزؤان من القمح. (غيبة النعماني: 213 ب12 ح8) والزؤان حب ينبت مع القمح وهو ليس منه.
وقول الباقر من آل محمد (عليه وعليهم السلام): لتمحصّنّ يا شيعة آل محمد تمحيص الكحل في العين، وإن صاحب العين يدري متى يقع الكحل في عينه، ولا يعلم متى يخرج منها، وكذلك يصبح الرجل على شريعة من أمرنا، ويمسي وقد خرج منها، ويمسي على شريعة من أمرنا، ويصبح وقد خرج منها. (غيبة النعماني: 214 ب12 ح12).
2) يمكن التأمل في واحدة من العبر من مدرسة الإمام السجاد (عليه السلام)، فالإمام الخارج من معركة كربلاء بكل إسقاطاتها الأمنية والسياسية والتي تبلور قسم منها بشعار الأمويين في معركة كربلاء: اقتلوهم ولا تبقوا لأهل هذا البيت باقية!!، ورغم الحصار الشديد الذي فرض على الإمام (صلوات الله عليه) من قبل السلطة الحاكمة بحيث كانت تحصي عليه الأنفاس، من أجل منعه وعزله عن القواعد الشعبية، إلا إنه استطاع أن يفك هذا الحصار ويتواصل بشكل فعّال مع الأمة ويعمل على تحقيق برامجه من خلال استخدام الطرق التي لا توحي للسلطة الحاكمة بغير الاسترسال والعفوية، من خلال عملية شراء العبيد وعتق رقابهم، فهذه العملية التي يسجلها الكثير من المراقبين بأنها كانت حركة تدخل في مجالات التقرب إلى الله والزهد في الحياة وما أشبه ذلك، إلا إن حقيقتها إنها كانت عملية استغلال هذا النوع من شراء الرقاب لإدخالهم بشكل عفوي إلى دار الإمام (صلوات الله عليه) بعنوانهم عبيداً، ولكن عملية الإدخال هذه سرعان ما أعربت عن تحول البيت إلى معهد لإعداد الكوادر، بالشكل الذي سنجد إن ألف رقبة أعتقها الإمام (عليه السلام) كما يروي الرواة، تحولت بالخفاء إلى تخريج المئات من الكوادر وإطلاقهم في فضاء الأمة، ولهذا نجد إن عدداً منهم قد تحوّل إلى كبار العلماء كأبي خالد الكابلي ونظرائه، والبعض الآخر تمكن من أن يخطو خطوات جادة في القاعدة التي استخدمها الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام) لإطلاق مشروع فقه آل محمد (صلوات الله عليهم) وعلومهم.
3) بإمكان المراقب هنا أن يتأمل في الشعارات التي طرحتها الأمة في قبال هذه المحاولات، كشعار: لو قطعوا أرجلنا واليدين نأتيك زحفاً سيدي يا حسين، أو أبد والله يا زهراء ما ننسى حسينا، أو أبد والله ما ننسى حسينا وأمثال هذه الشعارات التي اشتعل بها وجدان الأمة بما لم يشعله أي شعار آخر، وأسهمت بشكل جذري في حركة وعي مأساة أهل البيت (عليهم السلام).
4) وهذا هو السر الذي يجعلنا نرى مواكب الحسين (عليه السلام) ومجالسه على سبيل المثال يقصدها البسيط من الناس والمرجع العالم منهم، والتلميذ والاستاذ الجامعي، والمرأة والرجل، والطفل والكبير، وبالرغم من اشتراكهم في مكان واحد ولربما في ممارسة واحدة إلا إن كل واحد منهم ينهل بمقدار علمه منه.
5) فصلنا الحديث عن ذلك في كتابنا: دور الوجدان في حركة الأمة (الشعار الحسيني نموذجاً).
6) بحار الأنوار 52: 274.[/align]