اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
دور الفتوّة والشباب
1 ـ كفالة أبي طالب للنبي (صلَّى الله عليه وآله) :
لقد استمرت رعاية عبد المطلب لحفيده (محمد) (صلَّى الله عليه وآله) حين أوكل أمره إلى ولده أبي طالب لما كان يعلم من أن أبا طالب سيقوم برعاية ابن أخيه خير قيام وهو وإن كان فقيراً لكنّه كان أنبل إخوته وأكرمهم في قريش مكانة واحتراماً. على أنّ أبا طالب كان شقيق عبد الله لأُمه وأبيه وهو مما يزيد أواصر التلاحم مع (محمد) (صلَّى الله عليه وآله) والحنان والعطف عليه.
وتقبّل أبو طالب هذه المسؤولية بفخر واعتزاز وكانت تعينه في ذلك زوجته الطيبة فاطمة بنت أسد فكانا يؤثران محمداً بالنفقة والكسوة على نفسيهما وعلى أولادهما، وقد عبّر النبيّ(صلَّى الله عليه وآله) عن ذلك حين وفاة فاطمة بنت أسد قائلاً: اليوم ماتت أُمي. وكفّنها بقميصه واضطجع في لحدها.
ومنذ وفاة عبد المطلب بدأت مهمة أبي طالب الشاقّة في المحافظة على النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) فكان يقيه بماله ونفسه وجاهه منذ صغره ويدافع عنه وينصره بيده ولسانه طوال حياته حتى نشأ محمّد(صلَّى الله عليه وآله) وتلقّى النبوّة وصدع بالرسالة (1) .
2 ـ السفرة الأولى إلى الشام :
كان من عادة قريش الخروج إلى الشام كل عام مرة للتجارة إذ كانت هي المصدر الرئيس للكسب وعزم أبو طالب على الخروج في هذه الرحلة ولم يكن يفكر في استصحاب محمد(صلَّى الله عليه وآله) خوفاً عليه من وعثاء السفر ومخاطر اجتياز الصحراء، ولكن في لحظة الرحيل غيّر أبو طالب قراره إذ وجد الإصرار لدى ابن أخيه كبيراً حين أغرورقت عيناه بالدموع لفراق عمه، فكانت الرحلة الاُولى لمحمّد(صلَّى الله عليه وآله) إلى الشام بصحبة عمّه. واطّلع محمّد في هذه الرحلة على طبيعة السفر عبر الصحراء وعرف طرق سير القوافل.
وفي هذه الرحلة شاهد بحيرا الراهب محمّداً والتقى به ووجد فيه علامات النبيّ الخاتم الذي بشّر به عيسى(عليه السلام) إذ كان ممن خبر التوراة والإنجيل وغيرهما من المصادر المبشرة بظهور النبي الخاتم، فنصح عمه أبا طالب أن يعود به إلى مكة وأن يحتاط عليه من اليهود لئلاّ يغتالوه (1) . فقفل أبو طالب راجعاً إلى مكة ومعه ابن أخيه محمّد(صلَّى الله عليه وآله) .
3 ـ رعي الغنم :
لم يرو عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) ما ينص على أنّ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) قد رعى الأغنام في صباه، نعم روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) حديث يعمّ الأنبياء فيما يخص الرعي وحكمة ذلك إذ جاء فيه: (ما بعث الله نبياً قط حتى يسترعيه الغنم، يعلّمه بذلك رعيه للناس).
كما روي عنه (عليه السلام) في حكمة الحرث والرعي قوله: (إنّ الله عزّ وجلّ أحبّ لأنبيائه من الأعمال: الحرث والرعي، لئلا يكرهوا شيئاً من قطر السماء) (1) .
وروي أيضاً: إنّ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) ما كان أجيراً لأحد قط (2) .
ويدل هذا النّص على أنّه لم يكن يرعى الغنم لأهل مكة بأجرة كما زعم بعض المؤرخين من أ نّه (صلَّى الله عليه وآله) قد رعى الغنم لأهل مكة مستشهداً بحديث جاء في صحيح البخاري (3) .
وإذا ثبت لدينا رعيه (صلَّى الله عليه وآله) للغنم في صباه أو في عنفوان شبابه أمكن تعليل ذلك بما جاء في النصّ الذي أشرنا إليه من حديث الإمام الصادق(عليه السلام) وهو الإعداد الإلهي له من خلال ممارسة النشاط الذي يؤهله لبلوغ المرتبة السامية من الكمال الذي وصفه الله تعالى به بقوله: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (4) كمالاً يجعله مستعداً لتحمل أعباء الرسالة الإلهية التي تتطلب رعاية الناس وتربيتهم والصبر على مصاعب هدايتهم وإرشادهم.
4 ـ حروب الفجار :
كانت للعرب عدّة حروب استحلّت فيها حرمة الأشهر الحرم فسميت بحروب الفجار (5) .
وزعم بعض المؤرخين أنّ النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) قد حضر بعض أيامها، وشارك فيها بنحو من المشاركة. وقد شكك بعض المحققين في ذلك لأسباب منها:
أولاً: أن الرسول (صلَّى الله عليه وآله) كلما تقدم في العمر كانت شخصيته تزداد تألّقاً وقد عرف بشجاعته الفائقة كسائر بني هاشم، ولكن هذا لا يعني أنهم شاركوا في حرب فيها ظلم وفساد. فقد روي أن أحداً من بني هاشم لم يحضر هذه الحروب فإن أبا طالب كان قد منع أن يكون فيها أحد منهم حين قال: هذا ظلم وعدوان، وقطيعة رحم، واستحلال للشهر الحرام، ولا أحضره ولا أحد من أهلي (1) . وانسحب عبد الله بن جدعان وحرب بن أُمية ـ وهو قائد قريش وكنانة حينذاك ـ وقالا: لا نحضر أمراً تغيب عنه بنو هاشم (2) .
ثانياً: اختلفت الروايات حول الدور الذي أدّاه النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) في هذه الحرب، فبعضهم روى: أنّ عمله (صلَّى الله عليه وآله) كان يقتصر على مناولة النبل لأعمامه والردّ على نبل عدوهم وحفظ متاعهم (3) . وروى آخر: أنّه قد رمى فيها برميات (4) ، وروى ثالث أنه طعن أبا البراء ملاعب الأسنة فصرعه (5) مع أنه كان غلاماً (6) ، ولا ندري هل كانت العرب تسمح للغلام بخوض المعارك والحروب (7) .
5 ـ حلف الفضول :
شعرت قريش بعد حرب الفجار بضعفها وتفرّق كلمتها، وخشيت من طمع العرب فيها بعد أن كانت قويةً منيعةً، فدعا الزبير بن عبد المطلب إلى حلف الفضول حيث اجتمعت بنو هاشم وزهرة وتميم وبنو أسد في دار عبد الله بن جدعان، وغمس المتحالفون أيديهم فى ماء زمزم وتحالفوا على نصرة المظلوم، والتأسي بالمعاش، والنهي عن المنكر (1) وكان أشرف حلف في العهد الجاهلي. وقد شارك محمّد(صلَّى الله عليه وآله) في هذا الحلف وكان يومئذ قد جاوز العشرين من عمره (2) وقد أثنى عليه بعد نبوّته وأمضاه. بقوله: ما أحب أن لي بحلف حضرته في دار ابن جدعان حمر النعم ولو دعيت به في الإسلام لأجبت) (3) .
وقيل في سبب تسميته بحلف الفضول أنه قد حضره ثلاثة نفر أسماؤهم مشتقة من مادة (الفضل) وكان السبب في عقد هذا الحلف ما روي من أنه: أتى رجل من زبيد أو من بني أسد بن خزيمة مكة في شهر ذي القعدة ببضاعة فاشتراها منه العاص بن وائل السهمي وحبس عنه حقه فاستعدى عليه الزبيدي قريشاً فأبت الأحلاف من قريش معونة الزبيدي على العاص بن وائل وانتهروه فلما رأى الزبيدي الشرّ صعد على جبل أبي قبيس واستغاث فقام الزبير بن عبد المطلب ودعا إلى الحلف المذكور; فعقد، ثم مشوا إلى العاص وانتزعوا منه سلعة الزبيدي فدفعوها إليه (4) .
6 ـ التجارة بأموال خديجة :
بدأت شخصية محمد (صلَّى الله عليه وآله) تتلألأ في المجتمع المكي بما كانت تتمتع به من خلق رفيع وعلو همة وأمانة وصدق حديث فكانت القلوب تنجذب إليه وهو سليل أسرة طاهرة ولكن الفقر الذي كان حليف أبي طالب دفع بالأسرة الكريمة التي كان يعيش فيها محمد(صلَّى الله عليه وآله) إلى أن يقترح أبو طالب على ابن أخيه الذي كان قد بلغ الخامسة والعشرين من عمره أن يخرج مضارباً بأموال خديجة بنت خويلد وبادر أبو طالب إلى خديجة وفاتحها بالأمر فرحّبت به على الفور وسرّت سروراً عظيماً لما كانت تعرفه عن محمد(صلَّى الله عليه وآله) وقد بذلت له ضعف ما كانت تبذل لغيره ممّن يخرج في تجارتها (1) .
وسافر محمّد (صلَّى الله عليه وآله) إلى الشام يعينه في رحلته (ميسرة) غلام خديجة واستطاع بجمال شمائله ورقيق عواطفه أن يكسب حبّ ميسرة وإجلاله واستطاع بأمانته وحنكته أن يربح أوفر الربح وظهرت له في سفره بعض الكرامات الباهرة، فلما عادت القافلة إلى مكة أخبر ميسرة خديجة بما شاهد وسمع (2) مما زاد في اهتمام خديجة بمحمّد (صلَّى الله عليه وآله) وشوّقها إلى الاقتران به.
وزعم بعض المؤرخين: أنّ خديجة قد استأجرته في تجارتها، بينما قال اليعقوبي ـ وتاريخه الذي يعدّ من أقدم المصادر المعتمدة ـ: (وإنه ما كان مما يقول الناس: إنها استأجرته بشيء، ولا كان أجيراً لأحد قط) (3) .
وقد ورد النصّ عن الإمام الحسن العسكري، عن أبيه الإمام الهادي (عليه السلام): (إنّ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) كان يسافر إلى الشام مضارباً لخديجة بنت خويلد) (4) .
__________
(1) مناقب آل أبي طالب: 1 / 35 ، تاريخ اليعقوبي: 2 / 14.
(1) سيرة ابن هشام: 1 / 194، الصحيح من سيرة النبي: 1 / 91 ـ 94.
(1) علل الشرائع: ص23، سفينة البحار: مادة نبأ.
(2) تاريخ اليعقوبي: 2 / 21، البداية والنهاية: 2 / 296.
(3) صحيح البخاري: كتاب الإجارة، الباب 303 ، الحديث رقم 499 .
(4) القلم : 68/4.
(5) موسوعة التاريخ الإسلامي 1 : 301 ـ 305 عن الأغاني 19 : 74 ـ 80 .
(1) تاريخ اليعقوبي: 2 / 15.
(2) تاريخ اليعقوبي : 2 / 15 .
(3) راجع موسوعة التاريخ الإسلامي : 1 / 304 .
(4) السيرة النبوية لزيني دحلان: 1 / 251، السيرة الحلبية: 1 / 127.
(5) السيرة النبوية لزيني دحلان: 1 / 251، السيرة الحلبية: 1 / 127.
(6) تاريخ اليعقوبي: 2 / 16.
(7) راجع الصحيح في السيرة : 1 / 95 .
(1) البداية والنهاية: 3 / 293، وراجع شرح النهج لابن أبي الحديد: 14 / 129 و283.
(2) تاريخ اليعقوبي: 1 / 17.
(3) سيرة ابن هشام: 1 / 142.
(4) السيرة الحلبية: 1 / 132، البداية والنهاية: 2 / 291.
(1) راجع بحار الأنوار: 16 / 22، كشف الغمة: 2 / 134 نقلاً عن معالم العترة للجنابذي، وراجع أيضاً السيرة الحلبية: 1 / 132.
(2) البداية والنهاية: 2 / 296، السيرة الحلبية: 1 / 136.
(3) تاريخ اليعقوبي: 2 / 21.
(4) بحار الأنوار: 17 / 308.
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين