الحمد لله تعالى رب العالمين
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
صلى الله عليك يا مولاي يا ابا عبد الله الحسين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هو الكاتب المسيحي مروان شمعون
أجرت الحوار: أمل شبيب
عندما عبرت إلى ذكرى الحسين وإلى حياة الامام، وهؤلاء الذين استشهدوا لم أجدني بعيداً اطلاقا عن جو العذاب المسيحي. كلمات نقشها في ذاكرته، ليرسم على كتاب حياته سيرة الامام الحسين عليه السلام. "الانتقاد" حاورت الكاتب المسيحي مروان شمعون الذي بحث عن الحسين(ع) حساماً وصدى وصوتاً فكان الآتي:
* مروان شمعون، شاعر وكاتب مسيحي بحث عن الإمام الحسين(ع) حتى كتبه شعراً ووجداناً، مروان شمعون من أنت؟
انا مروان شمعون ولدت في بيت علم. كان بيتنا نبراسا للعلم والكتاب، كان والدي طبيبا وصاحب مدرسة. في بداياتي الأولى درست في المدرسة، وتأثرت بالعلاقات الوثيقة بين الطوائف اللبنانية المختلفة، وقررت اقتحام تلك الطوائف للتعرف اليها وهكذا وصلت الى الإمام الحسين. خلال فترة شبابي تأثرت بالإمام علي(ع) وبنكبته التي حصلت مع أفراد عائلته، لم أكن أتصور بأن الأسرة الهاشمية من الممكن أن تتعرض لرد فعل سلبي، كنت اتصور بأنهم يرفعون على الأكف والأيدي. أول ما أذهلني أن الإمام عليا(ع) يقتل وفي المسجد! بالنسبة لي كانسان مسيحي لم أتصور هذا الأمر! وهذا ما ذكّرني بالمسيح، ومهّد لي كي أصل الى ذكرى الحسين والى مقتل هذا الإنسان العظيم.
*من خلال هذه الأجواء العائلية وتعرّفك بالإمام علي(ع)، كيف تعرّفت الى الإمام الحسين(ع)؟
لقد قادني الامام علي الى الامام الحسين، فلا يمكن أن يتصوّر أحد الامام عليّا بعيداً عنه، خصوصاً من يفتح الكتاب ومن يهتم بالقيم والالتزام والحضارات وبالبعد عن كل ما يشوّه سمعة الانسان. يكفي أن نتذكر الامام وأقواله وخطبه والأهم نهج البلاغة، خير اسم على مسمّى. كنّا اذاً نعيشه وكيف إذا كان الإمام الحسين(ع) ابن هذا الإمام العظيم، وهنا أتذكر القول المأثور، كل من يدخل في دين جديد يزايد على المتدينين، هذا عشته جدا، حتى اليوم أفكر وأقول لنفسي: كيف تستطيع أن تبتسم ومسيحك صلب، وعليّك قتل في المسجد، وحسينك فعل به ما فعل؟كل هذا عرّفني الى الإمام الحسين(ع) بطلاً تتلذذ ببطولته وتحدّق من خلاله الى الآخرين، من زاوية تصويرية، من مخيّلة علويّة فترى الأمور رائعة، وتصبح حياتك قصة بل رواية خالدة.
*تعرّفت الى هذا البطل، ماذا وجدت في بطولته؟
الامام الحسين هو الامام علي، هو النبي محمد ولا عجب. الحسين أقدم على الموت وكان باستطاعته أن يهرب، لكنه لم يهرب وأراد أن يجابه. أقدم على الشهادة لأن طريق الله ليست بعيدة عنه، وراح يتذكر النبي ويتذكر أباه... أراد أن يخرج من عبث الجسد، هذا الجسد من التراب والى التراب يعود، لأنه مشتاق للعلياء... الى الله... الى أبيه...الى جدّه... كان يشير الى ذلك، وكان متمرّسا بمثل هذه الأماثيل، بمثل هذه القيم وبالتالي كان يهاجم عدوّا بعيداً عن الاسلام، لا يتقيّد بتعاليم الدين الجديد... كل هذا أثّر بي تأثيرا جديداً، فلم أستطع أن أتصوّر لحظة واحدة أن يسمع الحسين كلمة تزعجه في حياته، فكيف اذا ما سلّط عليه السيف؟
من هنا جاءت فكرتي للكتابة عن الإمام الحسين(ع) وكتبت قصيدة خاصة به حملت عنوان : "سليل البيت"، وأول ما كتبت عنه:
سليل البيت واعجباً يُهـــــــدّد غدا يا ذا الفقار غدا تجرّد
حسين والحسام صدا وصوت اذا نهدا قضاء الله ينهد
لسرّ أبيه فيه وسرّ جـــــــــــد مع الأجيال في سبط تجدّد
يزيد أي ّمجنون تحــــــــــدّى سليل هدى بخالقه مؤيّد
من هنا تعلّقت بالاسلام مثل تعلّقي بالمسيحية، ربّما لأني أنا مسيحي، والمسيحية اذا شئنا اختصارها بكلمة فهي ديانة المحبّة، وفي المقابل اختصرت الاسلام بأنه ديانة الرحمة... الرحمة والمحبّة أعتبرهما شقيقتين وتربيتنا كانت الإنجيل والقرآن كتابي الله، وأجراس الكنائس تدق مع أصوات المآذن، فالمحبة والنقاوة عنوان وأساس في حياتنا.
* كشاعر ماذا قدّمت لك هذه الشخصية، شخصية الإمام الحسين(ع)؟
قدّمت لي شخصية الامام الحسين هذا الطابع الانساني المضحّي، قدّمت لي قولا يذكّرني بالامام علي عندما أتاه هذا الخارجي الشرير وطعنه وقتله، وكان ردّ الامام علي.... فزت ورب الكعبة. هذه العبارة تركت تأثيراً كبيراً في داخلي كانسإن يحب الطابع الانساني الرائع، وهذا ما أخذه عنه الامام الحسين. ماذا قال والرماح كانت تتناوشه من الجانبين، راح يكرّر بدوره: إن كان دين محمد لم يستقم الا بقتلي فيا سيوف خذيني!!
إذاً قدّم لي الإمام الحسين(ع) في هذا الموقف صورة عن جلاء الحقيقة، عن حب التضحية، عن أنّ المؤمن بقضيته لا عائق دون قضيته، يعمل المستحيل للوصول اليها. وهنا كلمة المجابهة لهذا الواقع الأليم الأثيم ليست مستحيلة. قدّمت لي سيرة الحسين أنّ الموت ليس الا معبرا للخلود، وليس شيئاً يخيف ويرعب قد لا نموت وقد نموت، أوّلا وآخرا الموت خشبة الخلاص، من ترابية هذا الوجود الكوني. هذه هي شخصية الحسين وهذه هي الدروس الرائعة التي حفرتها في نفسي.
* هل هذه الشخصية بعذاباتها بعيدة عن شخصية المسيح(ع)؟
عندما عبرت الى ذكرى الحسين(ع)، والى حياة الامام علي(ع)، والى هؤلاء الذين استشهدوا في الاسلام، لم أجدني بعيداً عن جو عذاب المسيح. وهذا بالنسبة لي بمثابة تكرار للأمثولة، رسخت في نفسي وأرسخت هذه التعاليم، وبطبيعة الحال أصبحت متعصباً لها... أصبحت معجباً بصاحبها، أعتبر أنّ هذه لم تكن سياسة ولا مالا ولا تجارة بل كانت قضية ذات قيمة كبيرة جدا لأنها كلّفت صاحبها حياته وحياة من معه من الشهداء الذين لا يعدّون ولا يحصون في الاسلام وفي المسيحية.
* كيف كتبت شجاعة الإمام الحسين(ع)؟
انّ شخصية الحسين بما تنطوي عليه من بطولة وشجاعة وتضحية وقيم، انّما تجلّت لي وأثّرت في نفسي وحياتي الى اليوم. علّمني الإمام الحسين الحقيقة والجهد والبطولة، واذا كان الحسين بالنسبة اليّ صورة طبق الأصل عن هذه الانسانية الرائعة التي ذبحت نفسها لتصل الى النبراس والمشعل، فانّ حياة البشرية سلسلة طويلة، والحسين أشعل نيران القيم في نفسي لأنه من بيت هاشمي، وما قلته ايضاً:
وصار حسين للجلّ أبيّ يقود ضياغما والسيف فرقد
أموت أنا يقول لأجل حق على الأيام أعليه موطد
وفي أذنيه صوت من عليّ توقّد يا بن فاطمة توقد
اذا ما الخلد نادى من لخلد فكن أنت الجواب ولا تردّد
متى كنّا نخوّف بالمنايا ومنّا الموت بالساعات يرعد
سلوا خيبر وبدرا عن رجال مآثرهم كشمس ليست تجحد
اذا أغض الحسين وليس يغضي على ذل فمن للشرك ينهد
*اي مفردات اخترتها في كتابتك لقصيدة الإمام الحسين(ع) "سليل البيت"؟
من تعاليم الكنيسة التي تركز على المحبّة والتسامح، العطاء والتضحية انطلقت بشخصية جديدة، وجدت في الحسين الكثير من أمثلة التضحية في سبيل الآخر، في سبيل الحق والخير والدين وليس في سبيل مصالح شخصية، ومفردات هذه القصيدة تنم عن هذه المفاهيم الأدبية والروحانية، مفاهيم انطلقت من الدين، من أخيه، من الصفاء والنقاوة وتليق بإنسان يقاتل في سبيل القيم دونما تردّد ودونما خوف