السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين
السلام عليك يامقطوع الكفوف ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة ...
كيف نستقيم في ظروف الإبتلاء؟
كيف نستقيم في ظروف الإبتلاء؟
قد يكون الانسان في وضع تضحى جميع شؤونه متسقة ومنتظمة حسبما يحب ويرتضي، بحيث ينمو ويترعرع في بيئة مفعمة بعبق الايمان واريج المحبة والاخاء الايماني.
وقد يعيش المرء حياة تصطحبها القسوة والابتلاء، بحيث تحيطه كافة صور المحنة والعذاب. فبالتأكيد ان كلا الوضعين المختلفين لا يمكنهما ان يتساويان على مستوى التجربة والأجر الذي وعد الله تعالى به المؤمنين يوم القيامة.
الفتنة سنة الهية
من مراجعة لآيات الذكر الحكيم نكتشف احدى سنن الباري عز وجل، وهي سنة الفتنة لكافة أبناء البشر الذين يعيشون على هذه البسيطة؛ بل لا مجال لافتراض صورة ما لحياة أحد أبناء البشر وقد خالطتها النشوة المطلقة والرضا اللامتناهي..
(أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا ءَامَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ( (العنكبوت/2)
بل من الخطأ أن يتصور المرء أن مجرد اعتقاده القلبي، واقراره بالربوبية الالهية، وايمانه بأركان الدين تكفي ان تحيل حياة المؤمن الموحد الى روضة بهيجة في هذه الدنيا. ان حقيقة الايمان بالشيء تقتضي اثباته في الواقع الخارجي، وجلب المصداقية المفترضة للدلالة عليه.
لذا كانت سنة التاريخ والأمم والحضارات السابقة والحاضرة كذلك الافتتان لاثبات دعوى الايمان. قال الله تعالى: (وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ( (العنكبوت/3)
فلو افترضنا قبول منطق الادعاء الصرف بالايمان والتوحيد، لتساوت الأمم كما يتساوى أبناء البشر جميعاً في الاعتقاد والأجر والمراتب؛ بل ولإنتفى القبح والحسن، والنار والجنة يوم القيامة. فما أكثر الأمم التي قبلت دعوات أنبياءها ورسلها، ورفضت ما أُمرت به من اصلاح وتغيير ؟
وفي هذا الخضم سقطت أمم واستقامت أخرى على الفتنة، وتميز الكاذب عن الصادق..
( فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ(
فتبقى الحجة البالغة التي لا يمكن المرء أن يفر منها يوم الحساب. فـ (العلم) الصادق و (العلم) الكاذب، تكشفه (الفتنة) التي تصيب الناس كافة.
وكلما ازداد مستوى الاعتقاد ومراتبه، كلما ازداد مستوى الافتتان ومراتبه كذلك. وهذا ما يفسر جملة من الأحاديث الشريفة التي تؤكد على هذه الحقيقة، منها قول الإمام الكاظم عليه السلام قال: " إنما المؤمن بمنـزلة كفّة الميزان، كلّما زيد في ايمانه زيد في بلائه".(1) ذلك لأنه بقدر حجم الادعاء يكون حجم الافتتان الإلهي. وهذا بدوره لطف إلهي، وذلك لازدياد مراتب الأجر والجزاء في العقبى، وهي ثمرة طبيعية يحصل عليها الانسان المؤمن.
حدّثنا بنان بن بشر، وابن أبي خالد قالا: سمعنا قيساً يقول سمعنا خبّاباً يقول: أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وهو متوسّد برده في ظلّ الكعبة، وقد لقينا من المشركين شدّة، فقلت: يا رسول الله ألا تدعو الله لنا؟ فقعد وهو محمّر وجهه فقال: إن كان من كان قبلكم ليمشط أحدهم بأمشاط الحديد ما دون عظمه من لحم أو عصب ما يصرفه ذلك عن دينه، ويوضع المنشار على مفرق رأسه فيشقّ باثنين ما يصرفه ذلك عن دينه، وليتمنّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء الى حضر موت لا يخاف إلاّ الله عزّ وجل والذئب على غنمه. (2)
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله مرَّ بعمّار وأهله وهم يعذّبون في الله، فقال: أبشروا آل عمّار فإن موعدكم الجنة . (1)
الفتن متعددة
وبالطبع يختلف الابتلاء بأختلاف المؤمنين، وقد يكون الابتلاء من نوعه الجسدي أو النفسي - الذي لا يقل عن الأول - وقد يجتمعا معاً.
الشاب المؤمن يفتتن بغريزته الجنسية وشره الشباب، والتاجر بمعاملات التجارة، والمجاهد في سبيل الله والقائد كذلك، والامام المعصوم عليه السلام أيضاً لا يخرج عن دائرة الافتتان الالهي، رغم قربه ومنـزلته عند المولى تعالى.
نقل أحد الأخوة المؤمنين من داخل سجون النظام الصدامي في العراق قائلاً: كنا في زنزانة مع جمع من الرجال المؤمنين، الى أن أخرجونا الى ساحة السجن، ثم جاءوا ببنت أحد الرجال المؤمنين الذين اصطف معنا وبعد أن يأسوا من تعذيبه لانتزاع الاعتراف منه، ادخلواها علينا عارية ! وساقوا بها أمام الحضور يمنة ويسرة، ثم قربوها إلى أبيها، وهددوه بشتى الافعال بها إن لم يعترف !! ولكن البنت المؤمنة هذه توجهت إلى أبيها قائلة: أبي؛ هذا في سبيل الاسلام شيء قليل.
فهذا مشهداً واحد من التعذيب النفسي الذي يلحق بالمؤمنين المجاهدين، وإذا قلبنا أرشيف السجون التي تكتض في أغلب بلدان العالم الاسلامي بالشباب المؤمن، لشاهدنا صوراً مذهلة توضح فداحة القسوة التي يرتكبها الحكام المستبدين ضد رجال الحق ودعاة الاسلام. كذلك عظمة وشموخ صبر هؤلاء الأفذاذ من أجل تحكيم القيم التي يعتقدون بها على أرض الله المترامية الأطراف.
إن هذه الصور البطولية الرائعة لو قارنّاها بصور أخرى تقع هنا وهناك، وهي تحكي عن تساقط أدعياء الايمان في وحل الرذيلة - كما تتساقط أوراق الخريف - مقابل شهوة آنية أو حفنة نقود أو مستمسك رسمي من دولة ما -كما يجري على البعض ممن ينتمي الى بلاد الاسلام وشريعة المسلمين والمقيم في البلاد الاوربية - ليرى فداحة المفارقة الكبرى بين تلك الصور وهذه !
كربلاء؛ الفتنة.. الاستقامة
لقد كان أئمة الهدى المعصومين عليهم السلام وسيرتهم الذاتية خير صورة مباركة ومقدسة، ومثالاً حياً ومتحركاً أمام كافة الأجيال.
إن موقف الإمام الحسين الشهيد عليه السلام في رمضاء كربلاء، وموقف إبنه الإمام زين العابدين عليه السلام وشقيقته الطاهرة الصديقة الصغرى زينب عليها السلام يحكي كذلك قدسية الاعتقاد والايمان بالله، وعظمة استرخاص الغالي والنفيس، واستقبال البلاء والفتنة برحابة صدر في سبيل الله.
لنقرأ معاً هذه الرواية عن الإمام زين العابدين عليه السلام، والتي قال فيها: "إنه لما أصابنا بالطفّ ما أصابنا، وقتل أبي عليه السلام، وقتل من كان معه من ولده وإخوته وساير أهله، وحملت حرمه ونساؤه على الأقتاب يراد بنا الكوفة، فجعلت أنظر إليهم صرعى، ولم يواروا، فيعظم ذلك في صدري، ويشتدّ لما أرى منهم قلقي فكادت نفسي تخرج، وتبيّنت ذلك منّي عمّتي زينب بنت عليّ الكبرى، فقالت مالي أراك تجود بنفسك يا بقيّة جدّي وأبي وإخوتي؟ فقلت: وكيف لا أجزع ولا أهلع، وقد أرى سيّدي وإخوتي وعمومتي وولد عمّي وأهلي مصرَّعين بدمائهم مرمّلين بالعراء، مسلبين لا يكفنون ولا يوارون، ولا يعرّج عليهم أحد، ولا يقربهم بشر، كأنهم أهل بيت من الديلم والخزر". (1)
وهنا تتجسّد فداحة الموقف الذي تحمّله أهل بيت الحسين عليه السلام في رمضاء كربلاء، بحيث لم يرحم الأعداء حتى الأجساد الطاهرة؛ بل تعمّدوا في تفريقها تنكيلاً بالحسين عليه السلام وأصحابه وأهل بيته!
وهنا يتساءل المرء أنه كيف تقع هذه النوازل والفتن على الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته ونساءه وأطفاله، بل يتجرء أرذل خلق الله (شمر بن ذي الجوشن) في الجلوس على صدر سبط الرسول الحسين عليه السلام ليحتز رأسه الشريف، مع العلم أن الإمام عليه السلام له مرتبة ومنزلة عظيمة عند الله ورسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم، ثم لم يغير الله سبحانه ما كتب على الحسين عليه السلام من النصر المادي لصالح أهل الحق وأتباعه ؟!
إن الإمام الحسين عليه السلام هو الذي اختار طريق الحق وآمن وسار على ما آمن به وانتهى به الأمر إلى واقعة كربلاء. لقد كان من اليسير جدا على الله سبحانه أن يدفع البلاء عن أتباع الحق في يوم عاشوراء، ويبيد أهل الباطل عن بكرة أبيهم بلحظات وثوان. إلاّ أن مشيئة الله اقتضت كيفما شاءت إرادة الحسين عليه السلام، وأن الله يعطي لعبده ما يريد ويجازيه بقدر ما يريد من تقرب الى المولى عز وجل، فأضحى جسد الحسين عليه السلام وأهل بيته خير قربانٍ في هذا الطريق..
ثم تقول الرواية: "لا يجزعنّك ما ترى فوالله إنّ ذلك لعهد من رسول الله صلى الله عليه وآله الى جدّك وأبيك وعمّك، ولقد أخذ الله ميثاق اُناس من هذه الأمة لا تعرفهم فراعنة هذه الأرض، وهم معروفون في أهل السماوات أنّهم يجمعون هذه الأعضاء المتفرقة فيوارونها، وهذه الجسوم المضرّحة وينصبون لهذا الطف علماً لقبر أبيك سيد الشهداء عليه السلام لا يدرس أثره، ولا يعفو رسمه، على كرور الليالي والأيام وليجتهدنّ أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه فلا يزداد أثره إلاّ ظهوراً وأمره إلاّ علواً". (1)
وبالطبع أن تصبح كربلاء قبلة الزائرين وكعبة الثوار والعاشقين، هو أمر طبيعي ونتيجة بديهية لما حمل الإمام الحسين عليه السلام من مسؤولية الأداء العظيم عبر الذبح المقدس له ولأصحابه وأهل بيته. فهذه سنة الله في الحياة أن ترتفع معالم الحق وأصحاب الحق، وتعلوا قباب العظام والهداة، لتكون شاهداً حياً أمام مرأى العالم. وفي المقابل تنطمس آثار وقبور أعداء الله، أمثال يزيد ومعاوية وبني أمية وبني العباس لتكون شاهداً حياً أيضاً على زيف الباطل. فهذه الثمرة يجنيها طلاب الحق في الدنيا، أما في الآخرة فهو أجلّ وأعظم من هذا كله.
وتضيف الرواية على لسان مولانا الإمام زين العابدين عليه السلام: "فقلت: وما هذا العهد وما هذا الخبر؟ فقالت: حدَّثتني أمّ أيمن أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله زار منزل فاطمة عليها السلام في يوم من الأيام، فعملت له حريرة صلى الله عليهما، وأتاه علي عليه السلام بطبق فيه تمر ثمَّ قالت أم أيمن: فأتيتهم بعسّ فيه لبن وزبد، فأكل رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهما السلام من تلك الحريرة، وشرب رسول الله صلى الله عليه وآله وشربوا من ذلك اللبن، ثمَّ أكل وأكلوا من ذلك التمر والزبد، ثم غسل رسول الله صلى الله عليه وآله يده وعليّ عليه السلام يصبّ عليه الماء". (1)
كما يبدوا أنها جلسة عائلية يشاهد فيها حالة السرور، ولكن سرعان ما تتحول الى جلسة حزن واعتصار الألم لما سوف ينقل فيها من صور الافتتان والمصائب التي سوف تنزل على أهل بيت النبوة عليهم السلام.
فتضيف الرواية: "فلما فرغ من غسل يده مسح وجهه ثم نظر إلى عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام نظراً عرفنا فيه السّرور في وجهه، ثم رمق بطرفه نحو السماء ملياً ثم وجه وجهه نحو القبلة وبسط يديه ودعا، ثم خرَّ ساجداً، وهو ينشج فأطال النشوج وعلا نحيبه وجرت دموعه، ثم رفع رأسه وأطرق إلى الأرض ودموعه تقطر كأنها صوب المطر. فحزنت فاطمة وعلي والحسن والحسين، وحزنت معهم لما رأٍينا من رسول الله صلى الله عليه وآله، وهبناه أن نسأله حتى إذا طال ذلك قال له علي، وقالت له فاطمة: ما يبكيك يا رسول الله؛ لا أبكى الله عينيك، وقد أقرح قلوبنا ما نرى من حالك؟!
فقال: يا أخي سررت بكم سروراً ما سررت مثله قط، وإني لأنظر إليكم وأحمد الله على نعمته عليَّ فيكم، إذ هبط عليَّ جبرئيل فقال: يا محمد؛ إن الله تبارك وتعالى اطلع على ما في نفسك وعرف سرورك بأخيك وابنتك وسبطيك، فأكمل لك النعمة وهنّأك العطية بأن جعلهم وذرياتهم ومحبيهم وشيعتهم معك في الجنة، لا يفرق بينك وبينهم. يحبّون كما تحبى، ويعطون كما تعطى، حتى ترضى وفوق الرضا. على بلوى كثيرة تنالهم في الدنيا ومكاره تصيبهم بأيدي أناس ينتحلون ملتك ويزعمون أنهم من أمتك، براء من الله ومنك خبطاً خبطاً، وقتلاً قتلاً. شتى مصارعهم، نائية قبورهم، خيرة من الله لهم ولك فيهم. فاحمد الله جل وعز على خيرته وارض بقضائه. فحمدت الله ورضيت بقضائه بما اختاره لكم.. " (1)
هكذا نصب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام مأتماً قبل وقوع فاجعة كربلاء العظيمة، بحيث يحضر فيها صاحب الدور العظيم الحسين عليه السلام وأمه وأبيه وأخيه في المأتم.
وهنا تأتي البشارة الكبرى لشيعة الحسين عليه السلام ومحبيه الذين ساروا على نهجه عليه السلام بأن يكون (الرضى) من الله تعالى يوم القيامة في قبالة تحمل العناء والعذاب والوصب في سبيله.
أجل؛ هذا المشهد البطولي لأهل بيت النبوة عليهم السلام في أرض كربلاء، يحكي لنا قوة وصدق الايمان، وعظمة الأداء والبذل والاسترخاص.. ويبين عاقبة مسيرة هؤلاء الأفذاذ الحسنة، وفي المقابل عاقبة أعدائهم طلاب الهوى والدنيا السيئة..
( أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ * مَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لأَتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ(. (العنكبوت/4-6)
السيد محمد المدرسي ..
ونســألــكم الدعـــاء لتعجــيل فرج قائــم آل محمد,,,
يـــــــــــالثــارات الـضلع والــحسين وزينب والـكــفوف الـعــبــاسيــة
(أكثروا الدعاء بتعجيل الفرج، فإن ذلك فرَجُكم)
(أكثروا الدعاء بتعجيل الفرج، فإن ذلك فرَجُكم)
(أكثروا الدعاء بتعجيل الفرج، فإن ذلك فرَجُكم)
اللهم صلي على محمد وآل محمد الطيبين المظلومين ...اللهم كن لوليك الفرج ...............