



الإمام المهدي عليه السلام امتداد للزهراء البتول عليها السلام ومرآة تتجلّى فيها الزهراء عليها السلام بكامل صفاتها، فأهداف المهدي عليه السلام هي أهداف فاطمة عليها السلام ، ونهجه نهجها، وسلوكه سلوكها.
الزهراء عليها السلام تبتهج إذا ورد ذكرٌ لولدها المهدي عليه السلام ، ويسلو عنها حزنها اذا طرق سمعَها اسمه، إذ بدون المهدي عليه السلام الثائر الطالب بدم الحسين عليه السلام تشتدّ وطأة شهادة القتيل بكربلاء على أمّه الزهراء عليها السلام ، وبدون البشارة بظهور المهدي عليه السلام تبقى رسالة أبي الزهراء عليها السلام : محمّد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ورسالات الأنبياء ثماراً غير مقطوفة.
ولا يمكن للفرد المسلم التعرّف على المهدي عليه السلام من دون التعرّف على أمّه الزهراء عليه السلام ... الأم التي تفتخر بولدها، والولد الذي يُباهي بأمّه.
وقد رأينا أنّ من المناسب التطرّق إلى بعض أوجه الارتباط والتشابه الموجودة بين هاتين الشخصيّتين العظيمتين في الآيات والروايات:
المهدي عليه السلام من وُلد فاطمة عليها السلام

ورد في روايات الفريقين العامة والخاصّة أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (المهدي من عترتي من وُلد فاطمة).(1)
وروي عن الإمام الحسين عليه السلام أنّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة: (أبشري يا فاطمة، فإنّ المهدي منك).(2)
وجاء في حديث اللوح المشهور: (... وأعطيتُك يا محمّد مَن اُخرج من صُلبه (يعني عليّاً) أحد عشر مهديّاً، كلّهم من ذريّتك من البِكر البتول، آخر رجلٍ منهم اُنجي به من الهلكة...).(3)
المهدي عليه السلام في بيان الزهراء عليها السلام

يقول محمود بن الوليد: لمّا توفّي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت فاطمة عليها السلام تأتي قبور الشهداء وتأتي قبر حمزة وتبكي... قلتُ: يا سيدة النسوان! قد _ واللهِ _ قطّعتِ نياط قلبي من بكائك. فقالت: يا أبا عمرو! لحقٌّ لي البكاء؛ فلقد اُصبت بخير الآباء رسول الله، واشوقاه إلى رسول الله.
قلتُ: هل نصّ رسول الله على عليّ بالإمامة؟ قالت: واعجباً! أنسيتم يوم غدير خم؟ قلت: قد كان ذلك؛ لكن أخبريني بما أشير إليك. قالت: أُشهد الله تعالى لقد سمعته يقول:
عليّ خير من أخلّفه فيكم، وهو الإمام والخليفة بعدي، وسبطاي وتسعة من صلب الحسين أئمة أبرار؛ لئن اتّبعتموهم وجدتموهم هادين مهديين؛ ولئن خالفتموهم ليكون الاختلاف فيكم إلى يوم القيامة. قلت: يا سيدتي! فما باله قعد عن حقه؟ قالت: يا أبا عمرو! لقد قال صلى الله عليه وآله وسلم : مثل الامام مثل الكعبة؛ إذ تُؤتى ولا تأتي.
ثم قالت: أما والله لو تركوا الحق على أهله واتّبعوا عترة نبيّه لما اختلف في الله اثنان، ولورثها سلف عن سلف وخلف بعد خلف، حتّى يقوم قائمنا التاسع من ولد الحسين...(4)
المهدي عليه السلام في صحيفة الزهراء عليها السلام

حديث اللوح والصحيفة حديث مفصّل رواه الشيخ الصدوق في كتابه (كمال الدين) عن جابر بن عبد الله الأنصاري، جاء فيه:
(... فقال جابر: أشهد بالله أني دخلت على أمّك فاطمة في حياة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أهنّئها بولادة الحسين؛ فرأيت في يدها لوحاً أخضر ظننت أنّه زمرد؛ ورأيت فيه كتاباً أبيض شبه نور الشمس؛ فقلت لها: بأبي وأمي يا بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ! ما هذا اللوح؟ فقالت: هذا اللوح أهداه الله جل جلاله إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؛ فيه اسم أبي واسم بعلي واسم ابني وأسماء الأوصياء من وُلدي؛ فأعطانيه أبي ليبشّرني بذلك. قال جابر: فأعطتنيه أمك فاطمة، فقرأتُه وانتسختُه...:
بسم الله الرحمن الرحيم؛ هذا كتاب من الله العزيز (الحكيم) لمحمد نوره وسفيره وحجابه... إنّي لم أبعث نبياً فأكملتُ أيّامه وانقضت مدته إلاّ جعلتُ له وصيّاً؛ وإنّي فضّلتك على الأنبياء، وفضّلت وصيّك على الأوصياء، وأكرمتك بشبليك بعده وسبطيك حسن وحسين؛ فجعلت حسناً معدن علمي بعد انقضاء مدّة أبيه، وجعلت حسيناً خازن وحيي وأكرمته بالشهادة... بعترته أُثيب وأعاقب؛ أوّلهم (علي) سيّد العابدين و... وابنه شبيه جدّه المحمود محمّد الباقر لعلمي... سيهلك المرتابون في جعفر... وانتجبت بعده موسى... إن المكذّب بالثامن مكذّب بجميع أوليائي... حق القول منّي لأقرنّ عينه بمحمد ابنه وخليفته من بعده... وأختم بالسعادة لابنه علي وليه وناصري... وأُخرج منه الداعي إلى سبيلي والخازن لعلمي الحسن، ثم أكمل ذلك بابنه رحمة للعالمين، عليه كمال موسى وبهاء عيسى وصبر أيّوب).(5)

ذِكر المهدي عليه السلام سلوة قلب الزهراء عليها السلام

علي بن هلال عن ابيه، قال: (دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو في الحالة التي قُبض فيها، فإذا فاطمة عند رأسه؛ فبكت حتّى ارتفع صوتُها؛ فرفع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إليها رأسه وقال: حبيبتي فاطمة ما الذي يُبكيك؟ فقالت: أخشى الضيعة من بعدك. فقال: يا حبيبتي! أما علمتِ أن الله عز وجل اطّلع على أهل الأرض اطلاعة فاختار منها أباكِ فبعثه برسالته، ثم اطّلع اطّلاعة فاختار منها بعلكِِ وأوحى إليّ أن أُنكحك إيّاه.
يا فاطمة! ونحن أهل بيت قد أعطانا الله عز وجل سبع خصال لم يُعط أحداً قبلنا ولا يعطي أحداً بعدنا: أنا خاتم النبيين وأكرم النبيين على الله عز وجل وأحبّ المخلوقين إلى الله عز وجل وأنا أبوكِ؛ ووصيّي خير الأوصياء وأحبّهم إلى الله عز وجل، وهو بعلك؛ وشهيدنا خير الشهداء وأحبّهم إلى الله عز وجل، وهو حمزة بن عبد المطلب عمّ أبيك وعمّ بعلك؛ ومنّا من له جناحان يطير في الجنة مع الملائكة حيث يشاء، وهو ابن عم أبيك وأخو بعلك؛ وسبطا هذه الأمة، وهما ابناك الحسن والحسين وهما سيّدا شباب أهل الجنة، وأبوهما (والذي بعثني بالحق) خير منهما. يا فاطمة! والذي بعثني بالحق إنّ منهما مهدي هذه الأمة. إذا صارت الدنيا هرجاً ومرجاً وتظاهرت الفتن وانقطعت السبل وأغار بعضُهم على بعض، فلا كبير يرحم صغيراً ولا صغير يوقّر كبيراً؛ فيبعث الله عند ذلك منهما مَن يفتح حصون الضلالة وقلوباً غلف).(6)
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: دخلت فاطمة عليها السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعيناه تدمع، فسألته: مالك؟ فقال: إن جبرئيل عليه السلام أخبرني أنّ أمّتي تقتل حسيناً، فجزعتْ وشقّ عليها، فأخبرها بمن يملك من ولدها، فطابت نفسُها وسكنت.(7)
فاطمة عليها السلام أسوة المهدي عليه السلام وقُدوته

لقد جعل الله تبارك وتعالى نبيّه القدوة والأنموذج الكامل الذي يجب أن تقتدي به أمّته وتسير على هدى نهجه، فقال عزّ من قائل: (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ). (8)
وكانت فاطمة عليها السلام مرآةً لأبيها، تُحاكيه _ كما لم يُحاكِهِ أحد _ في سمته وهديه وحديثه وسيرته، حتّى أنّها عليه السلام أشبهته في مشيته ونُطقه.روي عن عائشة قالت: ما رأيتُ أحداً أشبه سمتاً ودلاًّ وهدياً برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قيامه وقُعوده من فاطمة.(9)
وقد صرّح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حقّ ابنته الزهراء عليها السلام أنّ الله تعالى يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها.
روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال لفاطمة عليها السلام : إنّ الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك؛ مَن آذاها فقد آذاني، ويُريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها.(10)
ونجد إمامنا المنتظر عليه السلام يقول: (... في ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لي أُسوة حسنة) .(11)
........تابعوا معنا
(1) يوم الخلاص 1:72، نقلاً عن البيان: 63، وعيون الأخبار 2: 130؛ سنن ابن ماجة 4: 151.
(2) من هو المهدي عليه السلام : 90 نقلاً عن عشرة من مصادر العامّة.
(3) يوم الخلاص 1: 77، نقلاً عن أكثر من عشرة مصادر.
(4) بحار الأنوار 36: 352، ح224.
(5) وقد أوردنا مورد الحاجة من الحديث المفصل أنظر كمال الدين 1: باب 27 و28.
(6) كشف الغمّة 3: 267.
(7) كامل الزيارات: باب 16، ح 8.
(8) سورة الأحزاب: 21.
(9) فاطمة بهجة قلب المصطفى، نقلاً عن عدّة مصادر عامية.
(10) فاطمة بهجة قلب المصطفى: 185، نقلاً عن عدّة مصادر عامية.
(11) الغيبة للطوسي: 173؛ بحار الأنوار 53: 180.


