
اللهم صلى على محمد وآلأ محمد وعجل فرجهم وأهلك أعدائهم وانصرنا بهم يالله
لَيْتَ شِعْري اَيْنَ اسْتَقَرَّتْ بِكَ النَّوى، بَلْ اَيُّ اَرْضٍ تُقِلُّكَ اَوْ ثَرى، اَبِرَضْوى اَوْ غَيْرِها اَمْ ذي طُوى، عَزيزٌ عَلَيَّ اَنْ اَرَى الْخَلْقَ وَ لا تُرى وَ لا اَسْمَعُ لَكَ حَسيساً وَ لا نَجْوى، عَزيزٌ عَلَيَّ اَنْ (لا تُحِيطَ بِيَ دُونكَ) تُحيطَ بِكَ دُونِيَ الْبَلْوى وَ لا يَنالُكَ مِنّي ضَجيجٌ وَ لا شَكْوى، بِنَفْسي اَنْتَ مِنْ مُغَيَّبٍ لَمْ يَخْلُ مِنّا، بِنَفْسي اَنْتَ مِنْ نازِحٍ ما نَزَحَ (يَنْزِحُ) عَنّا، بِنَفْسي اَنْتَ اُمْنِيَّةُ شائِقٍ يَتَمَنّى، مِنْ مُؤْمِن وَ مُؤْمِنَةٍ ذَكَرا فَحَنّا، بِنَفْسي اَنْتَ مِنْ عَقيدِ عِزٍّ لايُسامى، بِنَفْسي اَنْتَ مِنْ اَثيلِ مَجْدٍ لا يُجارى، بِنَفْسي اَنْتَ مِنْ تِلادِ نِعَمٍ لا تُضاهى، بِنَفْسي اَنْتَ مِنْ نَصيفِ شَرَفٍ لا يُساوى، اِلى مَتى اَحارُ فيكَ يا مَوْلايَ وَ اِلى مَتي، وَ اَىَّ خِطابٍ اَصِفُ فيكَ وَ اَيَّ نَجْوى، عَزيزٌ عَلَيَّ اَنْ اُجابَ دُونَكَ وَ اُناغى، عَزيزٌ عَلَيَّ اَنْ اَبْكِيَكَ وَ يَخْذُلَكَ الْوَرى، عَزيزٌ عَلَيَّ اَنْ يَجْرِيَ عَلَيْكَ دُونَهُمْ ما جَرى، هَلْ مِنْ مُعينٍ فَاُطيلَ مَعَهُ الْعَويلَ وَ الْبُكاءَ، هَلْ مِنْ جَزُوعٍ فَاُساعِدَ جَزَعَهُ اِذا خَلا، هَلْ قَذِيَتْ عَيْنٌ فَساعَدَتْها عَيْني عَلَى الْقَذى، هَلْ اِلَيْكَ يَا بْنَ اَحْمَدَ سَبيلٌ فَتُلْقى

هَلْ اِلَيْكَ يَا بْنَ اَحْمَدَ سَبيلٌ فَتُلْقى ..؟!
إن الارتباط بالإمام الحجة عجل الله فرجه الشريف ضرورة من الضروريات الحتمية و التي لا يمكن تجاهلها ، حتى يعيش الإنسان المؤمن حياته باتزان و كما هو مخطط له ، وفق المشيئة الإلهية في قيادة البشر بواسطة ولي الله و حجته على أرضه . و الارتباط الروحي خصوصاً لهو أمر هام و ملح جداً ، تركه يتسبب بالحزن و الشعور بالغربة للمؤمن المحب المنتظر ، و لتوثيق هذا الارتباط عدة سبل و طرق موصلة .
من سبل الارتباط الروحي بالامام بقية الله (عليه السلام) أن يعمر القلب بمحبة الامام ، و أن يفرغ المرء كل يوم – دقائق أو ساعات – لمناجاته و مخاطبته .
إن من شغفه يوماً حب مجازي لانسان ما .. يعرف أن العاشق لا يأنس إلى شيئ ، كما يأنس إلى حبيبه . يهوى كل ماله صلة بالحبيب : يقبل ثيابه ، و تأخذه خفة الطرب إذا ذكر اسمه في محضره.
إنه يود لو يغدو الناس جميعاً لساناً يثني على محبوبه . و كم يؤذيه لو صدرت من أحد مذمة له !
إنه يتعشق دار معشوقه ، و محلته ، و دياره .. و كل ما يتصل به بأي نحو من الأنحاءإنك إذا كنت معتقداً بالوجود المقدس لبقية الله الاعظم (روحي له الفداء) و كانت لك معرفة بروحياته و صفاته (عليه السلام) ، و كانت بينك و بينه مجانسة – أي انك لم تفقد الفطرة و الإنسانية – فإنك أردت أم لم ترد تغدوا محباً للامام (عليه السلام) مدنفاً بحبه . و لسوف تهوى كل ما له صلة به ، و لا تغفل لحظة عنه . تراه في كل مكان ، و تثني عليه و تطريه أينما حللت ، و لا تجالس من حرموا محبته ، و تسعى دائماً لاسترضائه (عليه السلام).
و إذا لم يكن أمرك كهذا .. فإما أنك غير معتقد به ، أو أنك لا تعرفه أو انك قد انسلخت – إلى حد ما – من فطرتك و انسانيتك .. فلم يعد الكمال و الجمال الروحي هو الذي يستهويك .. و ما عليك في هذه الحالة إلا أن تتداوى ، لتبرأ مما في داخلك من أمراض روحية .. لتغمر قلبك بعدئذ محبة إمام الزمان (عليه السلام).
هذه واقعة تعضد ما ذكرناه آنفاً و تؤيده. تتصل بشاب توهج الحب في قلبه . رواها أحد علماء اصفهان المعاصرين – بعد أن كان هو شاهداً لبعض فصولها – عندما كان يرتقي المنبر في مسجد (كوهرشاد) بمدينة مشهد المقدسة . حيث قال :
خلال الليالي الأولى لشهر رمضان كنت أراقب حالات المستمعين في المجلس لا تعرف على من يصغي لما أقول باهتمام .... ميزت شابا كان يحضر المجلس في الليالي كان
يتخذ مكانه في أطراف المجلس . لكنه بدا يدنو من المنبر في الليالي ألتاليه وما يزال يقترب حتى إذا جاءت الليلة الخامسة أو السادسة كان يقعد عند المنبر ، فيحضر قبل الآخرين ليجلس في هذا المكان .
كان حديثي عندما ارتقي المنبر عن الإمام ولي العصر (عجل الله فرجه الشريف) .ومن الطبيعي أن يتخذ الحديث في الليالي الأولى السمة العلمية إلى حد ما ... ثم كان الكلام في الليالي التالية يتحول بالتدريج .. من البحث العلمي إلى الإشارة الذوقية ، و ينتقل في طوره من المقال إلى الحال .
وقد لاحظت وأنا ابتديء الخطاب الروحي الذوقي أن حالة هذا الشاب كانت تتغير تغيرا ينفرد به عن كل الحاضرين ... حالة عجيبة . كان يصيح (يا صاحب الزمان ) والدموع تنحدر من عينيه ويتلوى أحيانا مأخوذ بجذبه روحيه خفيفة
جذبته كانت تؤثر فيّ ، وحين تترك جذبته أثرها في قلبي .. تشتد حالتي الروحية وتسمو فينطلق لساني يلهج بأشعار عشقيه وأروح أترنم بكلمات ملتهبة تحيل المجلس إلى وضع آخر ...جعلت حديثي حول (واجبات الشيعة ) و محبة الامام ولي العصر (عليه السلام) . كنت أقول : علينا أن نحبه ، و أبين ما ينبغي ان نفعله في عصر الغيبة .
كان هذا الشاب يتلوى و يطلق من فؤاده صيحات عشق حارقة : ياصاحب الزمان .. يا صاحب الزمان ! مما قلب حالي و غير الجو الروحي لدي.
و اذكر أني كنت أقرأ في إحدى هاتيك الليالي هذه الأشعار :
يامن بــيده العالم ***** يا سيد الانس و الجن
ياصــاحب الزمان ***** الغــوث و الأمــــان

أما هو فكانت دموعه كعاصرات السحاب . كأمراة قد ثكلت بولدها الشاب . كأن صعقة كانت تستبد به و تلقيه على الأرض .
يحترق كان . و الدموع تهمي من عينيه ، و يسقط في حالة من الوهن و الضعف . و كان لحالته هذه فعل في داخلي عجيب.
إن هذا التغيير الذي طرأ عليّ .. كان لا بد أن ينعكس أيضاً على الحاضرين في المجلس .
عدد الحاضرين آنذاك إذا لم يزد على عدد الحاضرين الآن .. فهو لا يقل عنه .
مسجد كوهرشاد على سعته ، بأواوينه الأربعة .. كان غاصاً بالمستمعين الذين لا يتدنى عددهم عن أربعة آلاف . و كنت أرى نصفهم أحياناً و قد أرتفع عويلهم و البكاء من هذه الناحية من نواحي المسجد تتصاعد صيحة : ياصاحب الزمان ! و تعلو من ناحية أخرى نداءات : يا صاحب الزمان ! لقد كان المجلس في وضع معنوي عجيب.
هذه الحالات كانت تتزايد بتعاقب الليالي ... كان هذا الشاب يتلوى ويطلق من فؤاده صيحات عشق حارقه ( يا صاحب الزمان ، يا صاحب الزمان) .
انقضت أيام شهر رمضان وانطوى المجلس .. بيد إن عزمي قد انصب على أن ألقى هذا الشاب .. ذلك إنني محب لمحب إمام الزمان (عجل الله فرجه الشريف ) .. لهذا رحت ابحث هنا وهناك واسأل معارفي عن هذا الشاب من هو ؟ وماذا جرى له ؟ وما عنوانه ؟ أخيرا توصلت إلى انه صاحب نصف دكان للبقاله في احد أحياء مشهد .
فانطلقت إلى المكان ابحث عنه ، كان دكانه مغلقا وسألت الجيران عن شاب صفته كذا وكذا فعرفوه وذكروا اسمه . سألتهم وأين هو الآن ؟ قالوا فتح دكانه يومين أو ثلاثة بعد شهر رمضان ولكن وضعه قد تبدل عن ذي قبل ، منذ أسبوع أغلق دكانه ولاندري أين هو الآن .
وأخيرا وبعد ما يقارب الثلاثين يوما .. كنت خارجا من داري وإذا بشاب أمامي ولكن بأي حال ؟ رايته نحيفا شاحب الوجه مهزولا قد غارت عيناه في وجنتاه ولم يبقى منه غير جلد وعظم . وما أن وصل إلي حتى أرخى عينيه بالدموع ، وناداني باسمي
قائلا : رحم الله أباك وأطال عمرك ثم نشج يبكي وهو يقبل وجهي وكتفي وتناول يدي ليقبلها .
سألته : ما خطبك يا ولدي وما الذي حدث ؟ قال والله وهو ينتحب رحم الله أباك وأطال عمرك واستمر يدعو ويقول في بكائه : هديتني إلى الطريق رحم الله والديك . بعدها عزم انه يحكي ويروي قصته :
لقد حرقت في تلك الليالي النار في قلبي حتى انخلع . تعرفت على محبة إمام الزمان (عجل الله فرجه الشريف) . كان قلبي خاليا من هذه المحبة خلوا تاما ولم يكن بالشيء الصحيح . وبدأ قلبي يتحرك شيئا فشيئا ، واخذ الشوق ينبض في داخل فؤادي ...
ما عادت لي بالنوم رغبه . فقدت أي ميل إلى الطعام والشراب ، كل همي أن أنادي من أعماقي (يا صاحب الزمان ) وان امضي للبحث عنه حتى ألقاه ...
وعندما انسلخ شهر رمضان ذهبت لأفتح الدكان فوجدت الرغبة في الكسب قد خرجت من قلبي . قلبي كان متجها تلقاء نقطه واحده معرضا عما سواها . كان قلبي يحترق لرؤية
مالك قلبي . لا شان لي بالكسب والعمل ظمآن إلى مشاهدة حبيبي . لا أحب عيشي . لا أحب الطعام والمنام لم تعد لي طاقه لأتحمل الزبائن . لم تعد لي القدرة على القعود في الدكان . نفضت يدي من الدكان فأغلقته وذهبت إلى الجبل المكان بريه خاليه . كنت اصرخ أين أنت يا حبيبي . أين أنت يا عزيزي . أين أنت يا مولاي الرحيم . ( ليت شعري أين استقرت بك النوى. عزيز علي أن أرى الخلق ولا ترى ) . ابكي يا حبيب قلبي ابكي و أنوح .
قال : بكيت هناك ، احترقت ، رحم الله أباك .( وكان عندما يروي قصته لا يملك نفسه من البكاء مطلقا ) وأخيرا سكب على نيران قلبي ماء الوصال . أخيرا شاهدت حبيبي . أخيرا وضعت هامتي على قدميه .( عند ذلك اخذ يقول أشياء لا اقدر أن أبوح بها ولا ينبغي لي ذلك .
ثم لما فرغ من بكائه .. راح يقبل وجهي وودعني قائلا :
لن أعيش بعد الآن أكثر من أسبوع . قلت : ولماذا ؟ قال : بلغت غايتي ووصلت إلى مرادي . مرغت وجهي على قدم معشوقي ومالك فؤادي ..
أخشى إذا بقيت في الدنيا أن يعود هذا القلب الوضيء إلى ظلامه من جديد.
أخاف على هذه الروح النقية أن ترتد إلى التلوث.
من أجل هذا ... طلبت الموت ، فوافق مولاي !
و الآن .. في أمان الله .. انا ذاهب . استودعك الله .
ثم أنه دعا لي .
و بعد ستة أيام أو سبعة أيام .. فاضت روحه و فارق الدنيا.

فيا أيها الشبان ! لا تقنطوا و لا تفقدوا الرجاء . إن هذا الشاب هو كاحدكم ، لا يختلف عنكم . ليس هو من أقرباء الامام صاحب الزمان 0عليه السلام و انتم غرباء عنه . انه (عليه السلام) يريد منكم قلوباً طاهرة . أعطه قلبك .. تعرف كيف سيتوجه إليك : تعال .. يا ابن العسكري . كلم الشبان و نحن نستمع إليك .. إني لأقول على لسان كل عاشق :
تحسراً على شفتيك .. بلغت الأرواح التراقي
فمتى يجود ثغرك بما يشفي المتــيمين ؟!
افتح قبري بعد موتي .. و أنظر :
تر الدخان ينبعث من كفني ، من نار الفراق !
آه للوعة الفراق ...آه للدموع المتساقطة كالمطر ..ألماً على غيابك الذي طال ..!!
هَلْ يَتَّصِلُ يَوْمُنا مِنْكَ بِعِدَةٍ فَنَحْظى، مَتى نَرِدُ مَناهِلَكَ الرَّوِيَّةَ فَنَرْوى، مَتى نَنْتَقِعُ مِنْ عَذْبِ مائِكَ فَقَدْ طالَ الصَّدى، مَتى نُغاديكَ وَ نُراوِحُكَ فَنُقِرَّ عَيْناً (فَتَقُرُ عًيًوننا)، مَتى تَرانا وَ نَراكَ وَ قَدْ نَشَرْتَ لِواءَ النَّصْرِ تُرى، اَتَرانا نَحُفُّ بِكَ وَ اَنْتَ تَاُمُّ الْمَلاَ وَ قَدْ مَلأْتَ الاْرْضَ عَدْلاً وَ اَذَقْتَ اَعْداءَكَ هَواناً وَ عِقاباً، وَ اَبَرْتَ الْعُتاةَ وَ جَحَدَةَ الْحَقِّ، وَ قَطَعْتَ دابِرَ الْمُتَكَبِّرينَ، وَ اجْتَثَثْتَ اُصُولَ الظّالِمينَ، وَ نَحْنُ نَقُولُ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعالَمينَ.
الأحبة المؤمنين و المؤمنات يرجى منكم التفضل على هذا الرابط :
الاستبيان المهدوي المبارك

قام على العمل : بريق العبَّاس عليه السلام ، دموعي حسينية ، افتخاري انتمائي لعلي عليه السلام ، السيد الجليل طالب علم ، أنوار الرسالة (عمة مسك و أخت هبة دوماً و أبداً ) .
لا يحل نقل العمل دون ذكر الكاتب و المصدر : منتديات السيد الفاطمي الموسوي حفظه الله .