
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
اللهم عجل فرج مولانا صاحب الزمان
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قال (عليه السلام):"السَّلام عليكَ يا ناظر شجرة طوبى وسدرة المنتهى".
طوبى: شجرة في الجنّة، وفي التنـزيل العزيز: (طوبى لهم وحُسْن مآب). وقيل: طوبى؛ إسم الجنّة بالهنديّة، قال الصّاغاني: إنّ أصلها توبى بالتاء، فعُرِّبَت لأنه ليس في كلام أهل الهند طاء.
وقال أبو إسحاق: "حسبما نقل عنه إبن منظور في لسان العرب مادّة طيب"؛ طوبى: فُعلى من الطيب، ومعنى الآية: أنّ العيش الطيّب لأهل الجنّة. وقيل: طوبى إسم الجنّة بالحبشيّة. وقال قتادة: طوبى: كلمة عربيّة تقول العرب: طوبى لك إن فعلتَ كذا وكذا.
وفي الحديث المشهور: إنّ الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء.
وطوبى: فُعلى من الطيب كما قلنا، وكأنّ أصله طُيْـبَى، فقلبوا الياء واواً للضمّة قبلها، ويقال: طوبى لك ولا يُقال: طوباك عند أكثر النحويين إلاّ الأخفش فقال: يجوز أنْ تقول: طوباك.(17)
وأمّا سدرة المنتهى، فأصل السدْر: هو شجر النبق، واحدتها سِدْرَة وجمْعُها: سِدْرَات وسِدْرٌ وسُدور.
فالسّدر هو النبق ـ حسبما أشرنا ـ وهي ـ أي النبقة ـ شجرة عظيمة ثمرها كالبندق أحمر اللون، يؤكل وهو طيّب الطعم، يفوح فمُ آكله وثياب مُلابسه كما يفوح العِطْر، يوجد بكثرة في الأماكن الحارّة، ولهذه الشجرة صُمغ مفيد يذيب الشحم، ويُحمر الشّعر، يفيد السِّدر أو النبق في علاج الجسد، فيقولون: إنّ ورق السّدر يليّن الورم الحار ويحلّله، وينفع للربو وأمراض الرّئة، ويقوّي المعدة وينفع من نزف الحيض وقروح الإمعاء، وينفع من الإسهال، وأكل ثمار النبق يشفي من التشنجات العصبيّة ومقوّي للكبد، ويشفي من الأورام الصّدريّة.(18)
هذا هو المعنى اللغوي للسِدْر، وأمّا الإصطلاحي فمعنى "سِدْرة المنتهى" شجرة عن يمين العرش فوق السماء السابعة إنتهى إليها عِلْمُ كلّ ملك. وقيل: إليها ينتهي ما يعرج إلى السّماء وما يهبط من فوقها من أمر الله تعالى، وقيل: إليها ينتهي ما يهبط به من فوقها، ويقبض منها وإليها ينتهي ما يعرج من الأرواح ويقبض منها.
"والمنـتهى": موضع الإنتهاء، فسِدْرَة المنـتهى أي هذه الشجرة هي حيث إنتهى إليه ـ أي إلى هذا الموضع ـ الملائكة.(19)
قال إبن الأثير: سدرة المنـتهى في أقصى الجنة إليها ينتهي علمُ الأوّلين والآخرين ولا يتعدّاها.
وقال الليث: إنها ـ أي سدرة المنـتهى ـ في السّماء السابعة لا يجاوزها مَلَك ولا نبيّ ـ عدا النبيّ وآله ـ وقد أظلّت الماء والجنّة، وفي حديث الإسراء قال صلّى الله عليه وآله وسلّم: رُفِعْتُ إلى سدرة المنـتهى.(20)
ولا يبعد أنْ يكون الوجه في تسميتها بسدرة المنـتهى هو أنّ ما يغشى تلك البقعة من النور والبهاء والحُسن والصّفاء الّذي يروق الأبصار ما ليس لوصفه منـتهى.
وبالجملة: فإنّ سدرة المنـتهى هي أقصى مكان في عالم الملكوت. وهي فوق الجنّة أو أقصى مكان في الجنّة، لذا قال تعالى: (ولقد رآه نـزلةً أخرى ـ أي رأى الوحي أو أمير المؤمنين عليّاً (عليه السلام) ـ عند سدرة المنـتهى ـ (التي لا يتجاوزها خلق من خلق الله حسبما جاء في حديثٍِ عن أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) (عندها جنّة المأوى) فجنّة المأوى بجنب سِدرة المنـتهى.
وجنّة المأوى هي جنّة الخلد التي يأوي إليها المؤمنون ويأوي إليها جبرائيل والملائكة.(21)
وزبدة المخض:
فإنّ الإمام المهديّ (عليه السلام) ناظرٌ بعينيه وفكره وروحه إلى أعلى الأماكن في عوالم الملكوت بل عوالم الجبروت، فهو من ربّه كقاب قوسين أو أدنى تماماً كجدّه رسول الله محمّد صلّى الله عليه وآله وسلَّم وأمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) الّذي كان مع نبينا محمّد في تلك الرحلة الربانية حسبما أشار إلى ذلك الشيخ الطوسي بإسناده إلى إبن عباس قال:
قال رسول الله: لمّا عُرج بي إلى السّماء ودنوتُ من ربّي عزّ وجلّ حتى كان بيني وبينه قاب قوسين أو أدنى قال لي: يا محمّد مَن تحبّ من الخلق ؟ قال: يا ربّ عليّاً، قال: إلتفت يا محمّد، فالتفتُّ عن يساري فإذا عليُّ بن أبي طالب (عليه السلام).(22)
وفي خبر أورده عليّ بن إبراهيم القمّي قالنقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيلقد رأى من آيات ربّه الكبرى، يقول: لقد سمع كلاماً أنه قويٌّ ما قوى. وعن ابي بريدة الأسلمي قال: سمعت رسول الله يقول لعليّ:يا عليّ: إنّ الله أشهدَكَ معي في سبع مواطن: أمّا أوّل ذلك فليلة أسري بي إلى السماء، قال لي جبرائيل: أين أخوك؟ قلت: خلفته ورائي، قال: ادعُ الله فليأتيك به، فدعوت الله فإذا مثالك معي. وأما السّادس لما أسري بي إلى السماء جمع الله لي النبيين فصلّيتُ بهم ومثالكَ خلفي.(23)
وعن أبي حمزة عن مولانا الإمام أبي جعفر (عليه السلام) قال: كان أمير المؤمنين يقول: ما لله عزّ وجل آية هي أكبر منّي.
ولا يبعد بضميمة هذه الأخبار أنّ يكون الله قد أسرى بعبده ليلاً ليريه من آياته الكبرى أي ليريه بعض كرامات ومعاجز أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام)، من باب إياك أعني واسمعي يا جارة، أو من باب إنقياد موسى إلى الخضر. فتأمّل وتدبّر. وأطفأ السّراج يا كميل فقد طلع الصبح، وليس وراء عبادان قرية.
تحية لكم موفقين

الهوامش
(17) لسان العرب:4/564.
(18) العلاج الشافي:77، والنباتات والأعشاب:128.
(19) مجمع البيان:9/224.
(20) لسان العرب:4/355.
(21) مجمع البيان:9/225.
(22) تفسير نور الثقلين:5/158ح57.
(23) تفسير نور الثقلين:5/158ح55.
المصدر
هِدَايَةُ الألبَابُ إلَىْ شَرْحِ زيَارَةِ السِرْدَاب