الحَمْـــــــــــــدُ للهِ رَبِّ الْعَـــــــــــــــــــــــــــــاْلَمِــــيْنْ
الْلَّـهُم صَل عَلَى مُحَمَّد وَآَل مُحَمَّد الْطَّيِّبِين الْطَّاهِرِيْن
وَ عَــــــــــــــــجِّلْ فَرَجَهَمْ وَ أَهْلِكْ أَعْدَاْئَهُمْ يَاْ كَرِيْــمْ
الْسَّـــــــــــــــــــــــلام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الْلَّه وَبَرَكَاتُـــــه

وعندما أحسّت بالأجل يدنو ، وبأنّها تُنعى إلى نفسها ، طلبت من أسماء أن تضع لها فراشاً وسط البيت ، فاضطجعت وهي مستقبلة القبلة ، ثمّ دعت أسماء واُمّ أيمن ، فطلبت إحضار عليّ بن أبي طالب (ع) ، فحضر ، فقالت (ع) :
(يا ابنَ العمّ ! إنّه قد نُعيت إلى نفسي، وإنّني لا أرى ما بي إلا أنّني لاحقة بأبي ساعة بعد ساعة ، وأنا أوصيك بأشياء في قلبي) .
قال لها عليّ (ع) : (أوصيني بما أحببتِ يا بنت رسول الله) .
فجلس عند رأسها وأخرَج من كان في البيت ، ثمّ قالت (ع) : (يا ابن العمّ ! ما عهدتني كاذبة ولا خائنة ولا خالفتك منذ عاشرتني) .
فقال (ع) : (معاذ الله ، أنتِ أعلم ، وأبر ، وأتقى ، وأكرم ، وأشدّ خوفاً من الله من أن اُوبّخك بمخالفتي ، وقد عزّ عليَّ مفارقتك وفقدك ، إلاّ أنّه أمر لا بدّ منه ، والله لقد جدّدتِ عليَّ مصيبة رسول الله (ص) ، وقد عظمت وفاتك وفقدك فإنّا لله وإنّا إليه راجعون من مصيبة ما أفجعها وآلمها وأحزنها ، هذه والله مصيبة لا عزاء عنها ، ورزيّة لا خلف لها) .
وبكيا جميعاً ساعة ، وأخذ عليّ رأسها وضمّها إلى صدره ، ثمّ قال : (أوصيني بما شئت ، فإنّك تجدينني وفيّاً ، أمضي كل ما أمرتيني به ، واختار أمرك على أمري) .
فقالت (ع) : (جزاكَ الله عنِّي خير الجزاء ، يا ابن عمّ أوصيك أوّلاً أن تتزوّج بعدي بابنة اُختي أمامة ، فانّها تكون لولدي مثلي فانّ الرجال لا بدّ لهم من النِّساء .
أوصيك يا ابن عم أن تتّخذ لي نعشاً ...
ثمّ قالت : أوصيك أن لا يشهد أحد جنازتي من هؤلاء الّذين ظلموني وأن لا تترك أن يصلِّي عليَّ أحد منهم ، وادفني في اللّيل إذا هدأت العيون ونامت الابصار ... )(105) .
ثمّ أتمّت وصيّتها ...

وتودِّع فاطمة (ع) عليّاً (ع) وأهل بيته ، وترتفع روحها الطاهرة إلى عالَم الخُلد والنعيم ، ويصوِّت الناعيّ بفقد فاطمة ، وتضطرب المدينة ، وتروّع القلوب المؤمنة بفقد فاطمة ، بقيّة رسول الله (ص) وفرع النبّوة ، وتجتمع نساء بني هاشم ونساء المهاجرين والأنصار ، ويحتشد أهل المدينة بباب عليّ (ع) وقد ذكّر الخطب بيوم رسول الله (ص) ، فاُحيط بيت فاطمة بالعبرات وآهات الحزن والأسى .
كان الحشد ينتظر أن يشيّع الجسد الطاهر إلى مثواه الأخير ، إلا أنّ عليّاً (ع) أخرج إليهم سلمان ـ أو أبا ذر ـ وأمره أن يصرف الجميع ، فإنّ فاطمة أوصت أن لا يشيِّعها الناس ، وأن لا يدخل على جثمانها أحد .
بقي الجثمان الطاهر حتّى هجعت العيون ، وغطّى اللّيل سماء المدينة الحزينة ، فوضعها الامام عليّ (ع) على نعش صنعته أسماء بنت عميس ، وحمل الجثمان إلى البقيع ، والمشيِّعون : عليّ والحسنان ، وعمّار ومقداد وعقيل والزُّبير وأبو ذر وسلمان وبريدة ونفر من بني هاشم ، وأودع الجثمان الطاهر هناك ، وغطّى أثره لئلاّ يُعرف !! .

ورُوي أنّ عليّاً (ع) حين أنزل فاطمة هاجت به الأحزان وازدحمت في نفسه الهموم ، وعظم عليه الفراق وكبر عليه الموقف ، فحوّل وجهه إلى قبر رسول الله (ص) ليبثّه الشكوى ، معبِّراً عمّا في نفسه من حبّ لها ووفاء لأبيها رسول الله (ص) ، وحزن لفراقها ، ولوعة ممّا جرى عليه وعليها .
ثمّ قال: (السّلام عليك يا رسول الله عنِّي وعن ابنتكَ وزائرتكَ النازلة في جواركَ والبائتة في الثرى ببقعتكَ ، والمختار الله لها سرعة اللّحاق بك .
قَلَّ يا رسول الله عن صفيّتك صبري ، ورقّ عنها تجلُّدي ، إلاّ أنّ في التأسِّي بعظيمِ فرقتِكَ وفادحِ مصيبتِكَ موضع تعزٍّ ، فلقد وسّدتُكَ في ملحودِ قبرِكَ وفاضت بين نحري وصدري نفسُكَ، بلى وفي كتابِ اللهِ لي نِعْم القبول ، إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، قدِ اسـتُرجِعَتِ الوديعةُ واُخذتِ الرهينةُ واختُلِسَـتِ الزّهراءُ، فما أقبحَ الخضراء والغبراء .
يا رسول الله أمّا حزني فسرمد ، وأمّا ليلي فمسهّد إلى أن يختار الله لي دارَكَ الّتي أنتَ فيها مقيم كمدٌ مقيح وهمٌّ مهيج سرعان ما فرّق بيننا ، وإلى الله أشكو ، وستنبئك ابنتك بتضافر اُمّتك على هضمها ، فأحفها السؤالَ واسْتخِبرها الحالَ ، فَكَم من غليل مُعتلج بصدرِها لم تجدُ إلى بثِّه سبيلاً ، وستقولُ وَيَحْكُمُ الله وهو خير الحاكمين ، والسّلام عليكم سلامَ مودِّع لا قال ولا سَئِم ، فإن أنصَرِفْ فلا عن ملالة وإنْ أقُمْ فلا عن سوءِ ظنٍّ بما وعد الله الصابرين .
واهاً واها والصّبر أيمن وأجمل ، ولولا غلبة المستولين ، لجعلت المقامَ واللّبثَ لِزاماً معكوفاً ، ولأعولت إعوال الثّكلى على جليل الرزيّة ، فبعينِ الله تُدفَنُ ابنتك سرّاً وتُهْضَمُ حقّها وتُمْنَعُ إرْثَها ، ولم يَطلِ العهدُ ولم يخلُقْ منكَ الذِّكرُ ، إلى الله يا رسول الله المشتكى ، وفيكَ يا رسول الله أحسنُ العزاء ، صلّى الله عليك وعليك وعليها السّلام والرضوان) (106) .
هكذا طوت الزّهراء فاطمة (ع) صفحة الحياة ، لتبدأ مرحلة الخلود في عالم الفردوس ، ولتحيا أبداً في ضمير التاريخ ودنيا الاسلام ، مثلاً أعلى ، وقدوة شامخة ، تتطلّع إليها الانظار وتسمو في رحابها النفوس .
السلام عليك أيتها الصديقة الشهيدة ...!!
منقول / كتاب : نفحات من السيرة موجزة لسيرة الرسول (ص) واهل البيت (ع)
لكم منا خالص الدعاء
مُوَفَقِّيْنْ بِجَاهِ مَحَمَّدْ وَ آلِ مَحَمَّدْ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمُ أَجْمَعِيْنْ ...
نَسْأَلُكُمْ الدُعَاءْ لِصَاْحِبِ الْأَمْرِ الحُجَةِ الْمَهْدِيْ أَرْوَاْحُنَاْ لَهُ الْفِدَاْءْ بِالْفَرَجْ وَ لِسَاْئِرِ الْمُؤْمِنِيْنْ وَ الْمُؤْمِنَاْت
فِيْ أَمَاْنِ اللهِ تَعَالَىْ ..