الْلَّـهُم صَل عَلَى مُحَمَّد وَآَل مُحَمَّد الْطَّيِّبِين الْطَّاهِرِيْن
وَ عَــــــــــــــــجِّلْ فَرَجَهَمْ وَ أَهْلِكْ أَعْدَاْئَهُمْ يَاْ كَرِيْــمْ
الْسَّـــــــــــــــــــــــلام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الْلَّه وَبَرَكَاتُـــــه
كان لغياب معاوية عن مسرح الحياة السياسية آثار نفسية كبيرة على أوساط الأمة المختلفة في دولة المسلمين ، فماعدا الطبقات النفعية ، والوصولية ، شهدت قطاعات الأمة المختلفة حركة وعي غير اعتيادية ، تفاعلاً مع ذلك الحدث التاريخي ، خصوصاً الطبقات الشعبية المسحوقة ... وإن كان ذلك التفاعل قد تفاوت بين العفوية في الحركة ، والتخطيط لمرحلة ما بعد معاوية ، وبين الحيرة السلبية والاستعداد للتضحية ... بيد أنّ القاسم المشترك لعموم التحرك الشعبي بأجوائه المختلفة كان الرفض للنفوذ الأموي الجاثم على صدر الأمة ...
لقد رفض البيعة للملك المراهق يزيد بن معاوية كثير من رموز الأمة يومذاك من الصحابة ، والتابعين ، ومفكري الأمة ، وفقهائها ، ومحدثيها ، كما رفض النفوذ الأموي البغيض مدن ، وقبائل ، وبطون ، وتجمعات بشرية واسعة ، إلاّ أن الهاجس الذي يؤرق الجماهير كان البطش الأموي الذي اعتاده الطغاة ، وحزبهم المنتشر في أصقاع كثيرة ، فالأمة لا تنسى سياسة قطع الأرزاق ، ونهب الأموال ، والاغتيال السياسي الغامض والتصفيات الجماعية العلنية ، والرعب والإرهاب ، والدسائس ، واستعداء البعض على البعض وغير ذلك من ممارسات لئيمة بشعة ..اعتمدها الأمويون لردع كل معارضة شعبية ، وإبادتها ، إن هذه السياسات تظل راسخة في أذهان الناس ، مؤثرة على مواقفهم وإن كانوا قد علموا بانهيار جدار الطغيان بموت معاوية ، فلا يعلمون ماذا سيواجهون من مصير إذا هم أعلنوا النهضة الشعبية في وجه الطغاة الجدد !
وهكذا تفاوتت المواقف في المدن ، ولدى القبائل ، والجماعات والأحزاب السياسية في الدولة انتظاراً لما تسوقه الأقدار لهذه الأمة المستضعفة التي شاع فيها النفاق الاجتماعي بسبب عنف السياسة الأموية ، وطغيان الحاكمين ، أو لما ستؤول إليه الأمور بعد الفراغ الذي خلفه الداهية الأموي بعد رحيله ...
لقد غاب معاوية عن المشهد السياسي ، فخلف وراءه فظائع لا تعالج بشكل سريع أبداً وها هي تلقي بثقلها على كاهل الأمة كلها ...
أوّلاً : فتعليق الدستور الإسلامي ، واستبداله بتشريعات ، وقوانين وضعية تلامس مختلف شؤون الحياة يشكل إحدى الكوارث التشريعية والقيمية الكبرى التي تواجهها الأمة .
فتعليق الدستور أعقبه ظهور أنماط مختلفة من التشريعات السياسية،والاقتصادية والاجتماعية ، من قبيل :
1- استبدال الحكم الانتخابي الشعبي بنظام امبراطوري ثيوقراطي دكتاتوري .
2- استبدال العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص في العطاء والمصالح التي ينص عليها دستور المسلمين ، بالتمييز في الإمكانات ، وتقديم الحزب الأموي ، ورؤوس الحكم على عموم الأمة ، واعتبار الثروة ملكاً خاصاً للامبراطور ، يهب ما شاء لمن يشاء ويمنع ما شاء من يشاء ، باعتباره ظل الله في الأرض ، يحكم ما يريد ..
3- شيوع النفاق الاجتماعي بين الناس ، وخوف بعضهم من بعض بسبب المطاردة ، والإرهاب ، وإشاعة الخوف في صفوف الأمة ، حتى أنّ الرجل كان يخشى من زوجته وخادمه ، وعمال مزرعته ـ كما ينص المؤرخون ـ .
4- التمييز بين الناس بسبب الانتماء القبلي ، والقطري ، والقومي ،
والديني ، والاتجاه السياسي ، وكان أكثر الناس أذىً ، ومظلومية أهل العراق ، والأنصار ، وشعوب البلدان المفتوحة (الموالي) ، وأتباع أهل بيت النبي (ص) .
ثانياً : الغاء رأي الأمة ، والاستهانة بها ، واتباع سياسة التمييز بين المواطنين ، واعتماد سياسة الإرهاب ، والترغيب ، بالمال ، والمناصب ، أوجد حالة من الانكماش ، والذعر لدى الأمة ، حتى صار الاعتراض على السلطة ضرباً من المستحيل .
ومن أجل ذلك يلاحظ أن اتخاذ أبي عبدالله الحسين (ع) قراره بالاعتراض على الحكم ، ورفضه لبيعة يزيد ابن معاوية ـ رغم تشخيص الأمة عموماً ليزيد ـ كان يواجه من أقرب المقربين للحسين (ع) بعدم الرضا والنصح له ، بعدم التعرض للحكومة ، وكان شعار الغالبية : الطلب من الإمام السبط (ع) أن ينأى بنفسه عن معارضة السلطة ما استطاع إلى ذلك سبيلاً ، كما تشهد بذلك الوثائق التاريخية التي تتحدث عن لقاءات بين زعامات إسلامية رفيعة مع الإمام الحسين (ع) ، وطلبها منه ذلك ، حتى دعاه بعضهم للتسليم ، والبيعة ليزيد ..
وفي الأحداث التي جرت في الكوفة ، والانهيار النفسي السريع لدى الناس ، عندما أشيع من قبل عملاء السلطة ان جيشاً من الشام توجه إلى الكوفة لمعاقبة «المعارضة» ، دليل صريح على تأثير الإرهاب الأموي على نفوس الناس .. حتى وصف أحد العقلاء المعاصرين لتلك الأوضاع تلك الحالة من الازدواجية الشديدة : إنّ القلوب مع الحسين ، والسيوف عليه .. ومن ذلك شيوع شعارات : ما لنا ، والدخول بين السلاطين ..
إن هذه الظواهر تلقي ظلالاً على شدة الإرهاب ، والتمييز ، ومصادرة الرأي الآخر في المجتمعات المسلمة ، حتى غدت تعيش حالة من الإزدواجية قلّ نظيرها في تاريخ الإنسان .
ثالثاً : السياسة المالية التي تميزت بالنفس الاقطاعي ـ الرأسمالي معاً ، حيث السياسة الاقطاعية في امتلاك الأراضي الزراعية ، في الشام ، والعراق ، وبلاد فارس ، وغيرها ، وكانت السياسة الضريبية من أسوأ السياسات التي يمارسها الوكلاء ، والإقطاعيون كالدهاقين ، في بلاد فارس وخراسان وما وراءها ...
هذا إضافة إلى سياسات الحرمان ، وقطع الأرزاق ، والأفقار للطبقات الأوسع في المجتمع ، وفي تاريخ تلك الحقبة أرقام مذهلة عن هذه الحالة التي قلّ نظيرها في تاريخ المسلمين .. !
إن هذه الوقائع ، والأحداث كانت تلقي بظلالها على الأمة بمختلف طبقاتها ، وقطاعاتها ، حتى إذا هلك معاوية كان الطغيان قد فعل فعله الكبير في الأمة ، نفسياً ، وسياسياً ، وثقافياً ، واقتصادياً ... ولذا كانت حركة الأمة بعد انكسار باب الجور (موت معاوية) بطيئة ، أخذت بالنمو شيئاً ، فشيئاً ، حيث بدأت بالعراق، ثم مكة، وتسربت إلى اليمن ... على تفاوت في الوسائل ، وطرق المواجهة ، وطبيعة التحرك ... حيث يلقي الرعب بظلاله على الجماهير ، وقطاعات الأمة المختلفة .
منقول / كتاب : دوافع النهضة الحسينية
لكم منا خالص الدعاء
مُوَفَقِّيْنْ بِجَاهِ مَحَمَّدْ وَ آلِ مَحَمَّدْ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمُ أَجْمَعِيْنْ ...
نَسْأَلُكُمْ الدُعَاءْ لِصَاْحِبِ الْأَمْرِ الحُجَةِ الْمَهْدِيْ أَرْوَاْحُنَاْ لَهُ الْفِدَاْءْ بِالْفَرَجْ وَ لِسَاْئِرِ الْمُؤْمِنِيْنْ وَ الْمُؤْمِنَاْت
فِيْ أَمَاْنِ اللهِ تَعَالَىْ ..