السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنّ المجاعات الحاصلة في العالم هي نتاج طبيعي لاقتصاديات القوى المهيمنة في العالم، وأكّد أنّ النظام الاقتصادي الذي اختارته الإنسانية، والذي ولّدته القوى المقتدرة في هذا العالم " يولّد بصورة طبيعية، وكنتيجة طبيعية، مثل هذه الحالات بل يؤدي إلى تزايد أعداد الفقراء والمحتاجين في العالم ".
وأوضح أنها مسألة عالمية، " لكنها تخص المجتمع الإسلامي وتمس كيانه"، وأضاف أن " حال المحتاجين الفقراء الذين يموتون جوعاً، هي مسألة لها جانب إنساني، وقد أمرنا الله كمسلمين، أن نكون سبّاقين إلى التفاعل الإنساني" . مبيناً " نحن نسأل الله تعالى أن يشبع كل جائع ويغني كل فقير ، ثم لا نساهم في إشباع هؤلاء المحتاجين في الصومال وفلسطين وحتى في بلادنا !! ".
ولفت سماحته إلى وجه آخر للمشكلة وصفه ب " الوجه الإجرامي " ، وأوضح أن " هذه الأمم التي وصلت لهذا الحد من الفقر، ليست بمعزل عما يحدث في إدارة الشؤون العامة الإنسانية، ولم تنزل عليها المشكلة من السماء، وليست مشكلتهم وليدة اليوم والظرف والساعة".
وأكّد سماحته على أنّ النظام الاقتصادي الذي اختارته الإنسانية، والذي ولّدته القوى المقتدرة في هذا العالم " يولّد بصورة طبيعية، وكنتيجة طبيعية، مثل هذه الحالات بل يؤدي إلى تزايد أعداد الفقراء والمحتاجين في العالم ".
وأضاف " نحن ندرك أن قدرات هذا العالم تفوق بأضعاف مضاعفة حاجة هؤلاء الفقراء، فثمة أفراد قلائل يمتلكون من الثروات الهائلة التي يصعب إحصاؤها، بل تفوق إمكانات الدول، ولو أراد هؤلاء إرادة حقيقية عدم حدوث هذه الكوارث لكان الأمر متيسرا لهم" ، مؤكداً أن " هؤلاء يعملون مجتهدين على إبقاء حالة الهيمنة والتفاوت".
ومثل سماحته بأحد أثرياء العالم وهو مالك الأسطول الإعلامي مردوخ، " الذي يمتلك من الأموال ما يجعله على راس قائمة أغنياء العالم، هؤلاء يتلقون الدعم من بعض المسلمين مع الأسف، ويسيطرون على الفقراء في أنحاء العالم ".
وقرأ سماحته لافتتاح الخطبة الآية الكريمة ﴿إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير﴾
وقال أن خلق الله الوجود منتظما على طريق مستقيم على قواعد وضوابط لا تتغير، وأضاف شارحاً الآية أن الذي يلحد في آيات الله وينحرف عن تعاليمه وشرعه والدلائل على وجوده، ويعمل على إضلال الناس وإلقاء الأكاذيب والانحرافات والدسائس في طريق الإنسان إلى الله عزل وجل، ليس بخاف عن إحاطة الله وعلمه.
وأوضح أن نتيجة هذا الإنحراف أن يلقى هؤلاء في نار جهنم ، متسائلاً مع الآية : أفمن يلقى في نار جهنم يكون خيراً، أم من يؤمن بالله ويسلك مسلكاً عمليا يوافق الإيمان بآيات الله؟!، فهو يأتي آمنا يوم القيامة.
ويضيف ملقياً الضوء على ذيل الآية " أيها الناس، وقد تبين لكم هذا الحق ، اعملوا ما شئتم، أنتم اختاروا الطريق الذي تسيرون فيه"، ويضيف " لعل هذه الآية من أشد آيات التحدي والوعيد، فإنك إن أنت انحرفت عن طريق الحق فقد ألقيت بنفسك على وجهك في نار جهنّم، فقد تبين لك وتبصرت الحقيقة ".
ويلفت سماحته إلى أنّ هذا الشهر الشريف واللحظات الإيمانية هي آية من آيات الله التي يؤمن بها ويستثمرها قوم ويلحد عنها آخرون، ويضيف " هذا الشهر آية من آيات الله ومنهج إلى رضوان الله، وطريق إلى كرامة الله، فيه كرامات يمنحها الله للإنسان تتجلى في أفضل صورها".
وقف سماحته عند كرامتين من كرامات هذا الشهر الكثيرة التي اختص بها، وقد استمعتم إلى المنهاج النبوي في معنى شهر رمضان، وأوضح أن الأولى هي الالتفات إلى مقام المسبّحين، مستشهداً بقوله تعالى :﴿وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ * فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ * فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ *﴾.
وأوضح أن يونس، هو نبي أرادت يد القدرة الإلهية أن تؤدبه، و " نحن أبعد من أن ندرك نوع التأديب والتهذيب الذي يخصّ الله به أنبياءه، ويليق بمكانتهم، فقد شاء الله عز وجل أن يبتليه بامتحان عسير، وأن يجعله في بطن الحوت إلى يوم القيامة، وهو تأديب يوافق ما صدر من يونس (ع)".
مضيفاً أن مقام المسبحين كان مرتبة ومقاما ليونس أنجته من هذا الضيق ، و " هذا المقام الذي نجا به الله يونس ، يهبه الله تعالى بكرامة النبي (ص) للمؤمنين ( وأنفاسكم فيه تسبيح ) ، والنفس هو الحياة، ليس من لحظة بلا تنفس، يستمر هذا من دخول الشهر إلى خروجه".
وبين سماحته أن المقام الثاني هو مقام الصابرين ، مورداً قول الإمام الكاظم (ع) في تفسير قوله تعالى ﴿واستعينوا بالصبر والصلاة ﴾إذ قال الصبر: الصوم، إذا نزلت بالرجل الشدة فليصم"
وأوضح أن معنى الصبر هو وقوف الإنسان أمام شهواته ورغباته، مضيفاً " وهو مصداق واضح وجلي للصبر لله، قال تعالى ﴿والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية ويدرءون بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبى الدار﴾، يالها من مقام ومرتبة إذا ضمّت لمقام المسبحين، دون سابق استحقاق منا ولا عمل قدمناه، ولا جهد بذلناه لنكون في مرتبة الأنبياء مع قلة ما قدمناه من عمل لمجرد اتباعنا شريعة النبي محمد (ص) كرامة لنبيه وحبا له ".
وحذّر سماحته من أن هاتين المرتبتين يمكن أن تفوتا وتسلبا من قبل أتباع الشياطين وأنصارهم وعمالهم الذين ينشطون لكي يسلبوا من الإنسان هذه الرحمة والكرامة. مضيفاً " يجب أن نلتفت إلى وسائل سلب هذه النعم، التي تدخل إلى بيوتنا، علينا أن نعلم كيف نصد هؤلاء.
سماحة الشيخ عبد المحسن النمر