اللهم صل على محمد و آل محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
حدث السيد الجليل والمحدث العليم النبيل، السيد نعمة الله الجزائري في مقدمات شرح العوالي قال: حكى لي أستاذي الثقة المعدل الشيخ محمّد الحرفوشي قدس الله تربته قال: لما كنت بالشام، عمدت يوما إلى مسجد مهجور، بعيد من العمران، فرأيت شيخا أزهر الوجه، عليه ثياب بيض، وهيئة جميلة، فتجارينا في الحديث، وفنون العلم فرأيته فوق ما يصفه الواصف، ثمّ تحققت منه الاسم والنسبة ثمّ بعد جهد طويل قال: أنا معمر بن أبي الدنيا صاحب أمير المؤمنين، وحضرت معه حروب صفين وهذه الشجة في رأسي وفي وجهي من زجة فرسه.
ثمّ ذكر لي من الصفات والعلامات ما تحققت معه صدقه في كل ما قال، ثمّ استجزته كتب الأخبار، فأجازني عن أمير المؤمنين وعن جميع الأئمّة عليهم السلام حتّى انتهى في الأجازة إلى صاحب الزمان عجل الله فرجه الشريف وكذلك أجازني كتب العربية من مصنفيها وكتب النحو عن أهلها وذكر العلوم المتعارفة.
وذكر الصدوق في كتاب إكمال الدين أن اسمه عليّ بن عثمان بن خطاب بن مرة بن مؤيد الهمداني إلا أنه قال: معمر أبي الدنيا باسقاط (بن) والظاهر أنه هو الصواب كما لا يخفى، وذكر أنه من حضرموت والبلد الذي هو مقيم فيه طنجة، وروى عنه أحاديث مسندة بأسانيد مختلفة و له قصة طويلة في خروجه مع أبيه في طلب ماء الحياة، وعثوره عليه دون أصحابه، مذكورة في كتب التواريخ وغيرها.
ذكر الصدوق رحمه الله في كتاب إكمال الدين قال:
حدثنا عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب الشجري، عن محمد بن القاسم الرقي وعلي ابن الحسن بن جنكاء اللائكي قال: لقينا بمكة رجلا من أهل المغرب فدخلنا عليه مع جماعة من أصحاب الحديث ممن كان حضر الموسم في تلك السنة وهي سنة تسع وثلاث مائة فرأينا رجلا أسود الرأس واللحية كأنه شن بال وحوله جماعة من أولاده وأولاد أولاده ومشايخ من أهل بلده ذكروا أنهم من أقصى بلاد المغرب بقرب باهرة العليا وشهدوا هؤلاء المشايخ أنهم سمعوا آباءهم حكوا عن آبائهم وأجدادهم أنهم عهدوا هذا الشيخ المعروف بأبي الدنيا معمر واسمه علي بن عثمان .
وذكر أنه همداني وأن أصله من صعد اليمن فقلنا له: أنت رأيت علي بن أبي طالب؟ فقال بيده فتح عينيه وقد كان وقع حاجباه على عينيه ففتحهما كأنهما سراجان فقال: رأيته بعيني هاتين وكنت خادما له وكنت معه في وقعة صفين وهذه الشجة من دابة علي (عليه السلام) وأرانا أثرها على حاجبه الايمن وشهد الجماعة الذين كانوا حوله من المشايخ ومن حفدته وأسباطه بطول العمر وأنهم منذ ولدوا عهده على هذه الحالة وكذا سمعنا من آبائنا وأجدادنا.
ثم إنا فاتحناه وسألناه عن قصته وحاله وسبب طول عمره فوجدناه ثابت العقل يفهم ما يقال له، ويجيب عنه بلب وعقل، فذكر أنه كان له والد قد نظر في كتب الاوائل وقرأها وقد كان وجد فيها ذكر نهر الحيوان وأنها تجري في الظلمات وأنه من شرب منها طال عمره، فحمله الحرص على دخول الظلمات فتزود وحمل حسب ماقدر أنه يكتفي به في مسيره وأخرجني معه وأخرج معنا خادمين بازلين وعدة جمال لبون وروايا وزادا وأنا يومئذ ابن ثلاث عشرة سنة فسار بنا إلى أن وافينا طرف الظلمات ثم دخلنا الظلمات، فسرنا فيها نحو ستة أيام بلياليها وكنا نميز بين الليل والنهار بأن النهار كان أضوء قليلا وأقل ظلمة من الليل.
فنزلنا بين جبال وأودية وركوات وقد كان والدي ره يطوف في تلك البقعة في طلب النهر لانه وجد في الكتب التي قرأها أن مجرى نهر الحيوان في ذلك الموضع فأقمنا في تلك البقعة أياما حتى فني الماء الذي كان معنا وأسقيناه جمالنا ولولا أن جمالنا كانت لبونا لهلكنا وتلفنا عطشا وكان والدي يطوف في تلك البقعة في طلب النهر ويأمرنا أن نوقد نارا ليهتدي بضوئها إذا أراد الرجوع إلينا.
فمكثنا في تلك البقعة نحو خمسة أيام ووالدي يطلب النهر فلا يجده وبعد الاياس عزم على الانصراف حذرا من التلف لفناء الزاد والماء والخدم الذين كانوا معنا فأوجسوا في أنفسهم خيفة من الطلب فألحوا على والدي بالخروج من الظلمات فقمت يوما من الرحل لحاجتي فتباعدت من الرحل قدر رمية سهم، فعثرت بنهر ماء أبيض للون عذب لذيذ لا بالصغير من الانهار ولا بالكبير يجري جريا لينا فدنوت منه وغرفت منه بيدي غرفتين أو ثلاثا فوجدته عذبا باردا لذيذا، فبادرت مسرعا إلى الرحل فبشرت لخدم بأني قد وجدت الماء فحملوا ماكان معنا من القرب والاداوى لنملاها ولم أعلم أن والدي في طلب ذلك النهر وكان سروري بوجود الماء لما كنا فيه من عدم الماء وكان والدي في ذلك الوقت غائبا عن الرحل مشغولا بالطلب فجهدنا وطفنا ساعة هوية في طلب النهر فلم نهتد إليه حتى أن الخدم كذبوني وقالوا لي لم تصدق.
فلما انصرفت إلى الرحل وانصرف والدي أخبرته بالقصة فقال لي: .. ... نكمل في الجزء الثاني إن شاء الله .
المصدر : بحار الأنوار
(باب 14)
(ذكر أخبار المعمرين لرفع استبعاد المخالفين عن طول غيبة مولانا القائم صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين)