
الْلَّـهُم صَل عَلَى مُحَمَّد وَآَل مُحَمَّد الْطَّيِّبِين الْطَّاهِرِيْن
وَ عَــــــــــــــــجِّلْ فَرَجَهَمْ وَ أَهْلِكْ أَعْدَاْئَهُمْ يَاْ كَرِيْــمْ
الْسَّـــــــــــــــــــــــلام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الْلَّه وَبَرَكَاتُـــــه
تميّز عصر الامام جعفر بن محمّد الصّادق (ع) بأنّه عصر النمو والتفاعل العلمي والحضاري بين الثقافة والتفكير الاسلامي من جهة ، وبين ثقافات الشعوب ومعارف الاُمم وعقائدها من جهة اُخرى ، ففي عصره نَمَتِ الترجمةُ ، ونُقِلَت كثير من العلوم والمعارف والفلسفات من لغات أجنبيّة إلى اللّغة العربية ، وبدأ المسلمون يستقبلونَ هذه العلومَ والمعارِفَ وينقِّحونها أو يضيفون إليها ، ويعمِّقون اُصولها ، ويوسعون دائرتها ، فنشأت في المجتمع الاسلامي حركة علمية وفكرية نشطة ، ونما التفكير والبحث العلمي ، واشتغل المسلمون بعلوم الطب والفلك والكيمياء والفيزياء والرياضيات وغيرها من العلوم والمعارف ، كما نُقِلَت الفلسفة والمنطق واُصول التفكير والمعتقد عن اليونانية والفارسية وغيرها إلى اللّغة العربيـة ، فعرف المسلمون خطّاً جديداً من التفكير العقائدي والفلسفي ، ولم يكن هذا الغزو والتفاعل الحضاري ليمرّ دون أنْ يُنتجَ أثراً أو رد فعل في التفكير والمعتقد الاسلامي .
لذا فقد نشأ تيار مِنَ الشّكِّ والالحاد ، ونشأت فِرَق كلاميّة ، وآراء شاذّة ، وقد واجهها موقف علمي وعقائدي إسلامي متين ، اسـتطاع بعد طول صراع ، وكفاح علمي وعقائدي أنْ يوقِفَ زحفَ الغزو الحضاري ، ويكشفَ زيفَهُ وهزالَهُ .
وإلى جانب هذا النموّ والتوسّع والتفاعل العلمي والحضاري في عصر الامام (ع) ، فإنّ المجتمع الاسلامي شهد نموّاً وتطوّراً كبيرين، فاستجدّت وقائع وأحداث وقضايا سياسية واقتصادية واجتماعية كثيرة تحتاج إلى بيان رأي الشريعة ، وتحديد الموقف والحكم الشرعي منها، وكان حصيلة ذلك أنْ نشأتِ الآراءُ والمذاهبُ الفقهيّة ، ونشط علماءُ الفقه والاجتهاد .
وبذا تتحدّد الصورة العامّة للاجواء والتيّارات الفكرية والحضارية والعلمية الّتي عايشها الامام الصّادق وتتضح معـالمها ، وبعد هذا التعريف الموجز بعـصر الامام الصّادق العلمي فلنتعرّف على دور الامام وموقفه ومقامه العلمي .
وسط هذه الاجواء والتيّارات والمذاهب والنشاط العلمي والثقافي ، عاش الامام الصّادق (ع) ، ومارس مهمّاته ومسؤولياته العلمية والعقائدية كإمام واُستاذ وعالِم فذّ لا يُدانيه أحد من العلماء ، ولا يُنافسه اُستاذ أو صاحب معرفة ، فقد كان قمةً شامخةً ومجداً فريداً فجّر ينابيع المعـرفة ، وأفاض العلوم والمعارف على علماء عصره وأساتذة زمانه ، فكانت أساساً وقاعدة علميّة وعقائديّة متينة ثبّتَ عليها بناءُ الاسلام ، واتّسعَتْ مِن حولِها آفاقُهُ ومداراتُه .
وعلى الرّغم من مُحاربة الحكّام الجائرين وكُتّاب التاريخ الضالعين في ركابهم لطمس شخصية هذا الامام العظيم،فإنّ شخصيّته كانت ولم تَزَلْ نجماً لامعاً في سماء الاسلام،ومصدراً غنيّاً من مصادره.
فقد تلقّى الامام الصّادق العلوم والمعارف عن آبائه ، عن جدّهم رسول الله (ص) ، وقام بمهماته الشرعية كإمام مسؤول عن نشر الشريعة وحفظ أصالتها ونقائها ، وقد ساهم مع أبيه الامام الباقر (ع) في تأسيس جامعة أهل البيت في المسجد النبوي الشريف ، وقاما بنشر العلم والمعرفة ، وبثّهما بين الفقهاء والمفسِّرين والمحدِّثين ، وروّاد العلوم المختلفة ، فكان العلماء ومشايخ العلم وروّاد المعرفة يَفِدونَ عليهما ويَنهلون مِن موردِهِما العذبِ ، حتّى لم يُؤخَذْ عن أحد من أئمّة المسـلمين من العلوم ومعارف الشريعة ، كالتفسير والحديث والعقيدة والاخلاق ... إلخ ، كما اُخِذَ عن الامامين الباقر وولده الصّادق (ع)، فعليهما تتلمذ أئمّة الفقه، وعنهم أخذ رواة الحديث ، وبهم استطال ظلّ العلم والمعرفة ، لذلك نجدُ العلماءَ والفقهاءَ والمحدِّثين والفلاسفةَ والمتكلِّمينَ وعلماءَ الطّبيعة وغيرهم يشهدون بمجد الامام الصّادق (ع) العلمي ، ويشيدون بمقامه .
منقول / كتاب الامام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)
لكم منا خالص الدعاء

مُوَفَقِّيْنْ بِجَاهِ مَحَمَّدْ وَ آلِ مَحَمَّدْ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمُ أَجْمَعِيْنْ ...
نَسْأَلُكُمْ الدُعَاءْ لِصَاْحِبِ الْأَمْرِ الحُجَةِ الْمَهْدِيْ أَرْوَاْحُنَاْ لَهُ الْفِدَاْءْ بِالْفَرَجْ وَ لِسَاْئِرِ الْمُؤْمِنِيْنْ وَ الْمُؤْمِنَاْت
فِيْ أَمَاْنِ اللهِ تَعَالَىْ ..
