
سلام لروح شمسها ليس تغرب
وبدر بخد الأرض بالسحر يكتب
سلام لقلب من شذى الوحي خفقه
ومن نفحات الفجر اسنى ، وأطيب
بعينيك نلقى الدمع نزفا لأجلنا
ونحن سكارى فوق جرحك نشرب
تعاودنا الذكرى فينزف جرحنا
فواهٍ لجرح نازف كيف يقطب
يممنا الوجوه نحو مسراك قبلة
فما زلة الا وعفوك أرحب
نمد الى خلف الضريح عيوننا
فنلقى على عينيك تسجد يثرب
كتبت في دمعي صفاء كما الندى
وإن جف حبر الدمع بالدم أكتب
_______________________________
في مسجد الكوفة ، ليلة الجمعة وهي ليلة التاسع عشر من شهر رمضان
ضُرب أمير المؤمنين الامام علي بن أبي طالب عليه السلام
بسيف مسموم على رأسه بيد إبن ملجم لعنه الله
فبقي يومين الى نحو الثلث الأول من الليل ثم قضى نحبه شهيداً ولقي ربه تعالى مظلوماً وله يومئذٍ ثلاث وستون سنة.
في سنة اربعين اجتمع بمكة جماعة من الخوارج، فتذاكروا الناس وما هم فيه من الحرب والفتنة، وتعاهد ثلاثة منهم على قتل عليّ (عليه السلام) فقال عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله : أنا أكفيكم عليّاً ، وقال الحجّاج بن عبد الله السعدي الملقّب بالبُرَك : أنا أكفيكم معاوية ، وقال عمرو بن بكر التميمي : أنا أكفيكم عمرو بن العاص ، واتّعدوا ليلة التاسع عشر من شهر رمضان ، ثمّ تفرّقوا ، فدخل ابن ملجم الكوفة فرأى رجلاً من تيم الرباب عند قَطام التميميّة ، وكان أمير المؤمنين عليه السلام قتل أباها الأخضر وأخاها الأصبغ بالنهروان فشغف بها ، وخطبها فأجابته بمهر ذكره العبدي في كلمته :
فلم أر مهراً ساقـهُ ذو سمـاحةٍ
ثـلاثـة آلافٍ وعبـدٌ وقَـينَةٌ
فلا مهر أغلى من عليّ وإن غلا
كمهر قَطام مـن فصيـح وأعجم
وقتل عليّ بالحـسام الـمسمّم
ولا فتك إلا دون فتك ابن ملجم
فقبل ابن مُلجَم ذلك ، ثمّ قال : يا ويلك ، ومن يقدر على قتل عليّ ، وهو فارس الفرسان ، ومغالب الأقران ، والسبّاق إلى الطعان ؟ وأمّا المال فلا بأس عليّ منه.
قالت : اقبل ، فقبل ، وقال لها : إنّي ما أتيت هذه البلدة إلا لذلك ، ولم اُظهر ذلك لأحد إلا لك.
قالت : فإنّي أرسل إلى جماعة رأيهم رأيك في ذلك ، فبعثت إلى ابن عمّ لها يقال له وردان وسقتهم الخمر العكبري ، ثم ناموا فأيقظتهم وعصبت صدورهم بحرير ، وتقلّدوا أسيافهم.
وقيل : إنّ ابن ملجم قال لها : أترضين منّي بضربة واحدة ؟
قالت : نعم ، ولكن اعطني سيفك ، فأعطاها فأمست ملطّخة بالسمّ ، ثمّ مضوا وكمنوا له مقابل السدّة ، وحضر الأشعث بن قيس لمعونتهم ، وقال لابن ملجم : النجا النجا لحاجتك ، فقد فضحك الصبح ، فأحسّ حجر بن عديّ بما أراد الأشعث ، فقال : قتلته يا أشعث ، وخرج مبادراً ليمضي إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، فدخل المسجد فسبقه ابن ملجم فضربه بالسيف.
وقيل : أقبل أمير المؤمنين عليه السلام ينادي : الصلاة الصلاة ، فإذا هو مضروب ، وسمعوا قائلاً يقول : الحكم لله يا عليّ لا لك ولا لأصحابك ، وسمعت عليّاً يقول : فزت وربّ الكعبة ، ثمّ قال : لا يفوتنّكم الرجل.
وكان قد ضربه شبيب فأخطأه ووقعت ضربته في الطاق ، ومضى هارباً حتى دخل منزله ودخل عليه ابن عمّ له فرآه يحلّ الحرير عن صدره ، فقال : لعلّك قتلت أمير المؤمنين ؟ فاراد أن يقول : لا ، فقال : نعم ، فقتله الأزدي .
وأمّا ابن ملجم فإنّ رجلاً من همدان لحقه وطرح عليه قطيفة وصرعه.
وانسلّ الثالث بين الناس وأتوا بابن ملجم إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال : النفس بالنفس ، إن أنا متّ فاقتلوه كما قتلني ، وإن سلمت رأيت فيه رأيي.
وفي رواية : إن عشت رأيت فيه رأيي ، وإن هلكت فاصنعوا به ما يفعل بقاتل النبيّ صلّى الله عليه وآله.
فسئل : ما معناه ؟
فقال : اقتلوه ، ثمّ حرّقوه بالنار.
فقال ابن ملجم : لقد ابتعته بألفٍ وسممته بألف ، فإن خانني فأبعده الله ، ولقد ضربته ضربة لو قسّمت بين أهل الأرض لأهلكتهم.
وروي أنّه لمّا ضرب أمير المؤمنين عليه السلام وسمعوا قوله : فزت وربّ الكعبة ، وارتفع الصياح في المسجد : قُتِل أمير المؤمنين ، أقبل أهل الكوفة رجالاً ونساءً بالمصابيح ، فوجدوا أمير المؤمنين عليه السلام مطروحاً في محرابه ، فارتفعت أصوات الناس بالبكاء والنحيب.
وأقبل الحسن والحسين ، فلمّا رأيا أمير المؤمنين وقعا على قدميه وأعلنا بالبكاء والنحيب ، وأقبلت بنات أمير المؤمنين مشقّقات الجيوب ، وجعل أمير المؤمنين يأخذ الدم من رأسه ويلطّخ وجهه ومحاسنه ، ويقول : هكذا ألقى الله ، هكذا ألقى رسول الله ، هكذا ألقى فاطمة ، هكذا ألقى جعفر الطيّار ، وسمع أمير المؤمنين بكاء بناته ، فقال : احملوني إلى المنزل لاُودّع بناتي وأهلي ،
فوضع إحدى يديه على كتف الحسن ، والاُخرى على كتف الحسين ، ومضيا به إلى حجرته ورجلاه تخطّان الأرض ، وقد علا لونه الاصفرار ، ولمّا وصل إلى الحجرة تنفّس الصبح ، فقال : يا صبح ، اشهد لي عند ربّك أنّني منذ كفلني رسول الله صلّى الله عليه وآله طفلاً إلى يومي هذا ما طلعتَ عليّ وأنا نائم أبداً ، ثمّ قال : اللّهمّ اشهد وكفى بك شهيداً أنّي لم أعص لك أمراً ، ولا تركت فرضاً ، ولا خطر في بالي ما يخالف أمرك.
وعندها أوصى أمير المؤمنين عليه السلام للحسن والحسين صلوات الله عليهما وقال :
اُوصيكما بتقوى الله ، وألاّ تبغياً الدنيا وإن بغتكما ، ولا تأسفا على شيء منها زوي عنكما ، وقولا بالحقّ ، واعملا للآخرة ، وكونا للظالم خصماً وللمظلوم عوناً.
اُوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي بتقوى الله ، ونظم أمركم ، وصلاح ذات بينكم ، فإنّي سمعت جدّكما رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول : صلاح ذات البيت أفضل من عامّة الصلاة والصوم.
الله الله في الأيتام فلا تُغبّوا أفواههم ، ولا يضيعوا بحضرتكم.
الله الله في جيرانكم ، فإنّهم وصيّة نبيّكم ، وما زال عليه السلام يوصي بهم حتى ظننّا أنّه سيورثهم.
والله الله في القرآن لا يسبقكم بالعمل به غيركم.
والله الله في الصلاة فإنّها عمود دينكم.
والله الله في بيت ربّكم ، لا تخلوه ما بقيتم ، فإنّه إن ترك لم تناظروا.
والله الله في الجهاد بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم في سبيل الله.
وعليكم بالتواصل والتباذل ، وإيّاكم والتدابر والتقاطع ، ولا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولّى عليكم اشراركم ثمّ تدعون فلا يستجاب لكم.

اخيرا وليس آخرا
عظم الله أجورنا وأجوركم بهذا المصاب الجلل
وثبتنا واياكم على ولاية أمير المؤمنين ما حيينا
نسألكم الدعاء
________________________________
منقول