اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
اللهم عجل فرج مولانا صاحب الزمان
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الإصر – بالكسر -: العهد، والذنب، والثقل. وجمعه: آصار. وأصله: الضيق والحبس. يقال: أصره أي ضيق عليه وحبسه ويقال للثقل إصراً لأنه يأصر صاحبه من الحركة لثقله .
والمراد منه في الآية – على ما ذكره أكثر المفسرين -: ان بعض التكاليف التي كانت على الأمم الماضية كأمة موسى وعيسى، وخصوصاً على بني إسرائيل، شاقة وثقيلة، وقد وضعها عن هذه الأمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) بشفاعته لهم إلى الله عز وجل .
والأغلال جمع، مفرده الغُل – بالضم – وهو في اللغة: طوق من حديد أو جلد يجعل في اليد، أو في العنق.
ويقال: هذا غّل في عنقك، أي: لازم لك وأنت مجازىً عليه.
والمراد منه في الآية – على ما ذكر شيخنا الطبرسي في (مجمع البيان) في تفسير قوله: (وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ)
معناه: ويضع عنهم العهود التي كانت في ذمتهم، وجعل تلك العهود بمنزلة الأغلال التي تكون في الأعناق للزومها
كما يقال: هذا طوق في عنقك. وقيل: يريد بالأغلال ما امتحنوا به من قتل نفوسهم في التوبة، وقرض ما يصيبه البول من أجسادهم(1) وما أشبه ذلك من تحريم السبت، وتحريم العروق والشحوم، وقطع الأعضاء الخاطئة ووجوب القصاص دون الدية عن اكثر المفسرين(2).
ولعل من الأغلال التي كانت عليهم ما تكلفها علماؤهم وابتدعها أحبارهم ورهبانهم من الأحكام المبتدعة التي جعلوها كالأغلال في أعناقهم. ويؤيد ذلك ما روي عن النبي (صلى الله عليه و آله) أنه قال: »ما بعثت بالرهبانية الشاقة ولكن بالحنيفية السمحة«(3).
وكل ذلك وغير ذلك من الإصر والأغلال وضعه عن هذه الأمة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، شفقة منه عليهم، حيث سأل ذلك من ربه سبحانه لأمته ليلة الإسراء، كما جاء في كثير من الأخبار من طرق الشيعة وأهل السنة: أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) قد ألهمه الله ان قال داعياً ربه عز وجل: (رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) كل ذلك يقول الله تعالى: قد فعلت(4).
ومن هنا قال (صلى الله عليه و آله): بعثت بالحنيفية السهلة السمحة (5)
وقال(صلى الله عليه و آله): »ما بعثت بالرهبانية الشاقة ولكن بالحنيفية السمحة«
وقال(صلى الله عليه و آله): »إن الله إنما أراد بهذه الأمة اليسر ولم يرد بهم العسر«(6).
ووضع الإصر والأغلال، وإن كان مما يوجد في الجملة، في شريعة عيسى، كما يدل عليه أو يشير إليه قوله تعالى فيما حكى عنه في القرآن الكريم: (وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنْ التَّوْرَاةِ وَلأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِي) [آل عمران/ 51]، إلا أنه لا ريب في أن الدين الذي جاء به محمد (صلى الله عليه و آله) هو الدين الوحيد الذي نسخ جميع الأحكام الشاقة الموضوعة على أهل الكتاب، وعلى اليهود منهم خاصة، كما ابطل ما تكلفه علماؤهم وابتدعه أحبارهم ورهبانهم من الأحكام.
وهذا يعني ان الإسلام كما اختص بكمال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واستيعاب تحليل الطيبات وتحريم الخبائث كما قدمنا سابقاً كذلك اختص باستيعاب رفع الأحكام الشاقة وإلغاء كل إصر وغل فهو شريعة كاملة وسهلة سمحة لا حرج فيها ولا عسر، بل اليسر والسماحة هما أوضح سمات الشريعة الإسلامية، وهما عنوانها الواضح الذي يعرف به الإنسان البصير وجهها المشرق الناصع، إذ أي حكم يجئ إلى الناس باسم هذه الشريعة يخالف اليسر والسماحة يعلم انه دخيل على تلك الشريعة.
وليس هذا القول مجرد فرض أو إدعاء بل هو حقيقة من حقائق الإسلام تأخذ مكانها واضحة بارزة في نصوص شريعته كتاباً وسنة وقد تقدمت قريباً بعض النصوص الصريحة في هذه الحقيقة من السنة.
وأما الكتاب فقد كشف عن حقيقة اليسر والسماحة في هذا الدين كما نفى العسر والحرج في مسائله وكافة أحكامه في آيات عديدة
منها قوله عز من قائل: (يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا) [النساء/ 29]
ومنها قوله تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ) [البقرة/ 186]
ومنها قوله تعالى: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) [الحج/ 79].
لاحرمتم نصرة صاحب العصر والزمان (عليه السلام)
تحية لكم موفقين
في صفات الرسول الأعظم (صلى الله عليه و آله)